صحفي يمني يروي قصة 56 يوما من التعذيب بسجون سعودية

12

طباعة

مشاركة

بعد عام على اغتيال جمال خاشقجي، الصحفي السعودي والكاتب في "واشنطن بوست" الأمريكية، أثبتت شهادة حصرية حصلت عليها صحيفة سويسرسة أن مملكة آل سعود ما تزال تضطهد أي وسيلة إعلام تتحدى سياستها الإقليمية.

وقالت صحيفة "لوتون" السويسرية الناطقة بالفرنسية: إن موجة الغضب العالمية التي أعقبت مقتل خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بالقنصلية السعودية في إسطنبول، كان من المفترض أن تدفع المملكة لتغيير موقفها تجاه الصحافة، لكن ما أدلى به الصحفي اليمني يحيى السواري تظهر عكس ذلك.

وقال السواري بصوت يرتجف بالغضب: "سألتهم هل أنا جمال خاشقجي التالي؟"، فعلى مدار أكثر من خمسين يوما، وضع في أحد السجون السعودية السرية في مدينة الغيضة اليمنية التي تسيطر عليها مليشيا محلية تابعة للرياض. 

وأوضحت الصحيفة: أن الذنب الذي اقترفه هذا الصحفي هو إجراء تحقيق شامل حول تدخل المملكة المتزايد في "المهرة"، وهي منطقة معزولة حتى الآن عن النزاع المميت الذي اجتاح اليمن منذ عام 2015.

"الصحفي كالمجرم"

وتضيف "لوتون": "في بداية عام 2019، أي بعد أربعة أشهر من مقتل جمال خاشقجي، تساءل يحيى عن سبب وجود القوات السعودية في محافظة المهرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة في شرق البلاد، وقرر تسليط الضوء على أهداف التحالف في اليمن، والتي، وفقا للخطاب الرسمي، تهدف فقط إلى وضع حد للحركة المتمردة للحوثيين، لكنه اكتشف المصالح الجيوإستراتيجية ذات الطبيعة المختلفة تماما".

وبحسب هذا الصحفي، فإن السعوديين يستغلون الفوضى لبناء خط أنابيب لتصدير نفطهم دون الحاجة إلى المرور عبر مضيق هرمز، وهو ممر بحري تهدد أمنه التوترات مع إيران، لكن لم يتمكن يحيى من استكمال هذا التحقيق الحساس، إذ تم اعتقاله في 3 يوليو/تموز 2019 في مدينة الغيضة، عاصمة المحافظة، وتم تسليمه إلى جنود سعوديين.

ويقول يحيى: "السبب الرئيسي لاعتقالي أنني وقفت في طريق المملكة العربية السعودية. بالنسبة إليهم، الصحفي مثل المجرم، شخص خطير يجب إيقافه".

وأكدت رئيس مكتب مراسلون بلا حدود في الشرق الأوسط، سابرينا بنوي للصحيفة السويسرية، أن الصحفيين محاصرون بين جميع القوى، وقالت: "من الصعب تغطية الأحداث التي تحرج السلطات السعودية، القريبة أو حتى البعيدة".

سجن سري بالمطار

ووفقا ليحي السواري، فإنه تعرض لمحنة استمرت 56 يوما، ألقت الضوء على ممارسات الرياض، حيث أنه وضع في أول 13 يوما من الاحتجاز في سجن سري يديره الجيش السعودي في مقر مطار الغيضة المدني، الذي سيطرت عليه المملكة في عام 2017 وتم تحويله إلى قاعدة عسكرية دون موافقة السلطات المحلية.

وتابع: "في هذا السجن، لا يوجد سجان يمني، الجميع يتحدثون اللهجة السعودية"، مشيرا إلى العميد السعودي هزاع المطيري الذي "سألني حول العلاقات المفترضة مع حزب الله وقطر والمخابرات الحوثية والعمانية"، جميع الكيانات التي من المفترض أنها تعارض مصالح السعودية، وهي اتهامات دحضها يحيى، مشددا "ليس لدي رقم اتصال قطري واحد في هاتفي".

كلام يحيى أكده مصدر يمني كان مسؤولا عن القضايا الأمنية في محافظة المهرة حتى عام 2016، وردا على سؤال لـ "لوتون"، يشير إلى أن شبكة اتصالاته تسمح له بتأكيد وجود سجن سعودي سري في مطار الغيضة.

ويقول: "نعم، يوجد سجن في المطار، وهو جزء من شبكة أكبر لحوالي 30 قاعدة عسكرية تديرها المملكة العربية السعودية بشكل مباشر أو غير مباشر في محافظة المهرة". ويكشف يحيى عن أنه "في المطار، سمعت رجلا يصرخ بألم تحت التعذيب".

من جهته، دحض الناطق باسم التحالف السعودي في اليمن، العقيد تركي المالكي، أقوال يحيى السواري قائلا: "الادعاءات بأن هناك سجون سرية تديرها المملكة في اليمن لا أساس لها". وقال: تم اعتقال الصحفي من قبل قوات الأمن اليمنية.

لكن يحيى أكد بالفعل أنه تم احتجازه لبضع ساعات من قبل الشرطة المحلية، قبل تسليمه، دون أي سجل خطي، إلى الجنود السعوديين، لافتا إلى أنها خدعة تسمح للسلطات السعودية بدحض أي اتهام بسجن الصحفي.

صعق بالكهرباء

وبحسب الصحيفة، فإنه "عندما انتشر خبر إلقاء القبض على يحيى السواري على الشبكات الاجتماعية، أثار ذلك اهتمام القوات السعودية، حيث تغيرت النغمة من الاحتجاز إلى تهديدات بالترحيل القسري لسجن في الرياض وتعرضه لاستجوابات قاسية". 

ويبين يحي: "لقد كانوا خائفين من أن تتلوث أيديهم كما كان الحال مع جمال خاشقجي. لذلك، تركوا إحدى المليشيات المحلية تقوم بهذا العمل القذر"، في إشارة إلى التعذيب الجسدي والعقلي الذي تعرض له من قبل الوكلاء اليمنيين، حيث الصعق بالكهرباء والضرب المتكرر والتهديد بقطع رأس شقيقه، المحتجز أيضا؛ لإجبار يحيى على الاعتراف بصلاته المزعومة مع القوى الأجنبية.

وتنوه "لوتون" بأن المليشيات التي ذكرها الصحفي اليمني، ليست تابعة للدولة، لكنها تعمل في محافظة المهرة بناء على أوامر من السعودية، ويقول يحيى: "في حين أن الجنود والضباط يمنيون، الجنرالات الذين يشرفون على هذه الجماعات سعوديون". 

ويضيف: "التحقيقات التي أجراها رجال المليشيات السعودية واليمنية كانت متطابقة، وهي علامة واضحة على التنسيق". 

ويؤكد المسؤول الأمني ​​اليمني السابق الذي قابلته "لوتون" هذا، ويوضح "هذه المليشيات تقوم بأعمال تعذيب بموافقة السلطات السعودية".

نفق حول الحرية

الحاوية التي احتجز فيها يحيى كانت مملوءة بالقمامة، وخلال تنظيفها وجد الصحفي عصا معدنية، حيث فكر أولا في استخدامها للانتحار، وكذلك حفر حفرة للهروب، وأردف: "قضيت أربعة أيام في الحفر، كانت يدي تنزف".

وليلة هروبه ظل يمشي لساعات حتى الوصول إلى المدينة، وعلى الفور، أخفاه المعارضون قبل تصفيته، وفي وقت نشر هذا التقرير، كان هو وشقيقه أحرارا خارج البلاد.

بالنسبة إلى رئيس مكتب مراسلون بلا حدود في الشرق الأوسط سابرينا بنوي، فإن السعودية التي تمتلك واحدا من أسوأ السجلات فيما يتعلق بحرية الصحافة، لا تفعل شيئا لضمان تلك الحرية، وتقول: "الأمر متروك لمصداقيتهم للقيام ببادرة قوية، لقد أرسلنا إلى السلطات قائمة تضم 30 صحفيا محتجزين حاليا".

وقالت: "لوتون": "منذ عام 2017، عندما تولى الأمير محمد بن سلمان، منصب ولي العهد، فإن علامات الانفتاح على العالم الخارجي مشجعة، ومع ذلك، ما يزال تعذيب سجناء الرأي منتظما تقريبا، وقد تضاعف عدد الصحفيين أو المواطنين الذين يقبعون خلف القضبان أكثر من ثلاثة مرات". 

ولدى يحيى قناعة بأنه في حالته كما في قضية جمال خاشقجي، ترسل المملكة العربية السعودية رسالة واضحة، مفادها "لا يوجد مكان للصحافة حيث مصالح المملكة على المحك".