كوشنر في جولة خليجية.. من يتحمل التكلفة الاقتصادية لـ"صفقة القرن"؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن فرص استيعاب إسرائيل في المنطقة أصبحت متاحة أكثر من أي وقت مضى، في ظل محادثات محمومة وجولات متكررة يجريها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جايسون جرينبلات، وترحيب خليجي، سعودي-إماراتي، على وجه الخصوص بما تسمى "صفقة القرن".

وقال البيت الأبيض، في بيان له، إن كوشنر أجرى أمس، مباحثات مع السلطان قابوس في سلطنة عمان، لتعزيز جهود الإدارة الأمريكية للتوسط من أجل السلام بين إسرائيل وفلسطين.

جاء هذا، بعد أن أجرى كوشنر، مباحثات مماثلة في الإمارات، مع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ومع ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، براين هوك.

وتأتي الزيارة، بعد أيام من تصريحاتٍ لمسؤولين أميركيين، قالوا فيها، إن كوشنر يستهدف من الجولة إطلاع دول الخليج على الشق الاقتصادي لخطة السلام، أو ما تسمى "صفقة القرن"، التي تعتزم إدارة ترامب الإعلان عنها، بعد الانتخابات الإسرائيلية، التي ستعقد في أبريل/ نيسان 2019.

"صفقة القرن".. الدعم والتمويل

يعمل دونالد ترامب منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة على صياغة رؤية، قال إنها سوف تسهم في إيجاد تسوية للقضية الإسرائيلية الفلسطينية. ولم تكشف الإدارة الأمريكية عن تفاصيل الخطة، لكن صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، كشفت في تقرير لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 عن بنود تلك الخطة.

وقالت الصحيفة البريطانية، نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية، إن فريقاً أميركياً بصدد وضع اللمسات الأخيرة على الشكل النهائي للخطة التي وضعها الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وقضت الخطة أو "صفقة القرن"، بحسب التوصيف الإعلامي الذي عرفت به مبادرة ترامب، بحل مشكلة الحدود والقدس، وترحيل مشكلة اللاجئين لمرحلة تالية، بالإضافة إلى فرض دعم مالي خليجي وسعودي على وجه الخصوص؛ لدعم وتنفيذ الخطة بالكامل، ثم إجراء محادثات سلام عربية إسرائيلية بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب تسريبات "ميدل إيست آي".

قبل بدء جولته، قال كوشنر، على قناة "سكاي نيوز": إنّ لديه خطة ومبادرة سلام يعمل عليها مع فريقه منذ عامين، "وهي خطة قائمة على مبادئ الحرية والاحترام والأمن"، حسب قوله.

بالطبع، لم يشأ كوشنر في لقائه، أن يكشف عن بنود الخطة، قائلا: إن "الحفاظ على سرية الخطة أمر مهم للغاية يسهم في عدم تهرب السياسيين منها، ثم رفضها".

وفي تعليق على تسريب بنود الخطة والإعلان عنها بشكل غير رسمي سابقاً، أشار كوشنر إلى أن خروج بعض التفاصيل قبل نضوجها يؤثر بشكل سلبي على القبول بالخطة ومبادرة السلام.

"أمريكا تبحث عن الحل بالطريقة الإسرائيلية"

قال كوشنر في مقابلته، إن الخطة تتطلب تنازلاً من الطرفين، في إشارة منه إلى فرضها على الجانب الإسرائيلي. وفي المقابل، نقلت "ميدل إيست آي"، عن مسؤول فلسطيني أن عباس صرح بأن تلك الخطة في الأصل خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن "تلك الصفعة"، بحسب تعبير عباس، يقوم كل من كوشنر ومعاونه مبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات بتسويقها، ما يشير إلى أن فكرة فرضها على الجانب الإسرائيلي وضرورة تقديمه تنازلات؛ فكرةٌ غير صحيحة يسعى مستشار ترامب لتسويقها.

وعلَّق رئيس المعهد العربي الأمريكي، جيمس زغبي، على تفاصيل جديدة كشف عنها صحفي إسرائيلي تتعلق بخطة ترامب، قائلا: إن "موضوع الحقوق الفلسطينية لم تكن ذات أولوية أو أهمية".

وتابع زغبي: "وإن كان يمثل شيئاً بالنسبة له، فإنه لا يعدو كونه أمرا مزعجا يجب تجاوزه لتحقيق (صفقة القرن) التي تجمع العرب مع إسرائيل، بحجة مواجهة إيران والتطرف". ورأى زغبي أن الخطة "منحت الإسرائيليين الكثير، ولم تمنح الفلسطينيين سوى القليل"، بحسب تعبيره.

وفي الوقت الذي يقول مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في السعودية، أنور عشقي، إن محمد بن سلمان يسعى إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية من خلال القرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، والمبادرة العربية المطروحة منذ أعوام، يقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي: إن "أمريكا تبحث عن الحل بالطريقة الإسرائيلية، وبالتالي لن توافق على دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس".

المهمة المستحيلة لم تعد كذلك

تشير التحركات التي يقوم بها كوشنر إلى محاولة خلق واقع جديد يستوعب إسرائيل في المنطقة، ولا يبدو أن كوشنر يواجه صعوبات في هذه المهمة، إذ أدلى محمد بن سلمان  بتصريح لصحيفة "ذا اتلانتيك" الأمريكية، في أبريل/ نيسان 2018، تحدّث فيه عن حق الإسرائيليين في العيش بسلام على أرضهم الخاصة، وعن تصالحه مع اليهود. وبدا ابن سلمان متحمسا -بحسب "ميدل إيست آي"- لخطة ترامب، وأعلن عن تقديمه مبالغ مالية هائلة لدعم الخطة.

وكشفت صحيفة "الخليج أونلاين"، في يونيو/ حزيران 2018 نقلاً عن مصادر خاصة لها، "توجه وفد إسرائيلي إلى العاصمة السعودية الرياض، لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة القرن وتجاوز عقبة تمويل الصفقة مالياً". وأضافت الصحيفة أن "هناك إجماعاً عربيا-إسرائيليا-أمريكيا على كل بنود الصفقة رغم الرفض الفلسطيني القاطع".

كذلك الحال بالنسبة للإمارات، الوجهة الأولى التي اختارها كوشنر في جولته الحالية، فقد كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" في يونيو/ حزيران 2018، أن مسؤولين كباراً من مصر والسعودية والإمارات والأردن أكدوا لجاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولمبعوثه للمنطقة جيسون غرينبلات، دعمهم لطرح الخطة الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية، بغض النظر عن موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. 

وصرح دبلوماسي غربي لصحيفة "ميدل إيست" أن ابن سلمان أبلغ كوشنر أنه مستعد لاستثمار كميات ضخمة من رؤوس الأموال في الصفقة، وأنه سيعطي للقيادة الفلسطينية الحوافز اللازمة للاستجابة الإيجابية. وقال مسؤولون فلسطينيون للصحيفة ذاتها، إن "عباس التقى ابن سلمان خلال زيارته للرياض في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وأن هناك عرضا لزيادة الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية بثلاثة أضعاف تقريباً مقابل الموافقة على الخطة.

انتقال التقنية النووية

في 19 فبراير/ شباط 2019، كشف تقرير لشبكة "ان بي سي نيوز" الأمريكية، عن تحرك كبير من الكونجرس الأمريكي ومخاوف واسعة من سعي ترامب بناء مفاعلات نووية في السعودية. وذلك عقب تفاجئه بوجود خطة سرية بين الرئيس الأمريكي ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ تقضي بنقل تكنولوجيا طاقة نووية حساسة إلى السعودية.

وأضاف التقرير، أن جاريد كوشنر، قرر أن يقوم بجولة في الشرق الأوسط خلال فبراير/ شباط 2019، سيلتقي خلالها ولي العهد السعودي، لدفع تلك الخطة، في إطار خطة أشمل للسلام في الشرق الأوسط.

وبحسب "بي بي سي"، فإن لجنة الرقابة والإصلاح داخل مجلس النواب الأمريكي، أصدرت تقريراً مثيراً للجدل يتناول برنامج الطاقة النووية السعودي، ولمًّح التقرير إلى إمكان وجود صفقة بين واشنطن والرياض، تُمنح بموجبها السعودية تقنية نووية حساسة لدعم برنامجها النووي، كجزء من خطّة السلام الشاملة التي يُروج لها حالياً، ويشارك فيها جاريد كوشنر.

وقالت السعودية، في وقت سابق، إنها تريد تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي وإنها غير مهتمة بتحويل التكنولوجيا النووية إلى الاستخدام العسكري.

بالإضافة إلى ذلك، صرح المستشار السابق للملك عبد الله بن عبدالعزيز، حسين عسكري، لوكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، أن جاريد كوشنر هو الوسيط الرئيسي لانتقال التكنولوجيا النووية إلى السعودية، وأن المال هو السبب الرئيسي في هذه التطورات، وشكّك عسكري في قبول الكونغرس بتزويد السعودية بالسلاح النووي.

إنشاء حلف عربي إسرائيلي

تضمنت مبادرة ترامب مقترح إنشاء حلف إستراتيجي عربي إسرائيلي لمواجهة إيران، وهو المقترح الذي قوبل بالترحيب من القيادة السعودية التي تقود المفاوضات العربية الإسرائيلية. ونقلت صحيفة "ميدل إيست آي"، أن محمد بن سلمان أفاد بأنه حريص على التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل أولا، ثم بين إسرائيل والدول العربية كخطوة أولى لتشكيل ائتلاف بين السعودية وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني.

استطاع ترامب أن يجعل من إيران ذريعة وفزاعة دعا من خلالها الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، لإنشاء حلف إستراتيجي لمواجهة إيران، وبالطبع هذا الحلف لا يمكن تحقيقه إلا بعد الاعتراف بدولة إسرائيل. وذلك حتى يتم استيعاب إسرائيل في المنطقة ليس من خلال التطبيع معها، بل من خلال الاعتراف بها بشكل كامل.

من الواضح أن زيارة كوشنر ليست للتشاور والتباحث في صلاحية بنود الخطة، فترامب سبق ولوّح بفرضها، قبل أن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، متجاهلا دوره كوسيط لإحلال السلام، بالإضافة إلى أنه ضمن ولاء عدة دول عربية أبرزهما السعودية والإمارات.

ويبدو أن أجندة الزيارة تتعلق بالدعم المالي، وحجم الفاتورة التي ستدفعها الدول الخليجية، لضمان تنفيذ الخطة، بالإضافة إلى الحلف الإستراتيجي المزمع إنشاؤه بين العرب وإسرائيل؛ لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، بحسب بنود المبادرة.