عقاب سياسي.. هكذا تُحاصر السلطة الفلسطينية سكان غزة

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فُقد جواز سفره قبل أكثر من عام، أثناء تقديمه للحصول على تأشيرة، ومنذ ذلك الحين، تمنع السلطة الفلسطينية إصدار "بدل فاقد"، لينضم أحد صحفيي غزة إلى صفوف المنتظرين منذ سنوات، في أكثر القضايا تعقيدا ومماطلة.

ويقول الصحفي، الذي طلب عدم نشر اسمه، في حديث لـ"الاستقلال": إنّ "إدارة الجوازات التابعة لوزارة الداخلية برام الله تتأخر في إصدار جواز سفري تحت حجج مختلفة، وبسبب ذلك خسرت فرصا عديدة للمشاركة في ورشات وفعاليات دولية متعلقة بمجال عملي".

وفتحت قضية الصحفي، هذا الملف القديم مجددا، إذ تفاعل مع قصته الكثيرون، ووجه عدد من الصحفيين والمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة بالأيام الأخيرة مناشدات للجهات الفلسطينية المسؤولة بضرورة رفع الحظر الأمني الذي تضعه أجهزة أمن السلطة الفلسطينية عن منحهم جوازات سفر للتحرك بها خارج غزة.

لم يكن هذا الصحفي وحده من يعاني تلك المشكلة، إذ يحاول الصحفي علاء شمالي، منذ 5 سنوات استخراج جواز السفر، لكن الأمن الفلسطيني يرفض، مبينا أنه وجه مناشدات لرئيس السلطة محمود عباس وعدد من المسئولين بالتدخل لإنهاء مشكلته.

وأضاف شمالي لـ"الاستقلال": "أعمل في مجال الإعلام منذ 13 عاما، ومتخصص في الإعلام الرياضي، ودعيت لمؤتمرات دولية وتغطيات خارجية، وأتيحت أمامي فرص عمل في الخارج، لكني لم أتمكن من الخروج بسبب حرماني من الحصول على جواز السفر".

وترفض السلطة منح المئات من الفلسطينيين في غزة الموافقة على إصدار جوازات سفر بحجة انتمائهم لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ورفض التعاون مع السلطة بتزويدها بالمعلومات الامنية التي تريدها عن غزة.

ومن هذه الحالات، علي عبد الرحمن، مواطن فلسطيني من غزة تعرض منزله للقصف الإسرائيلي في 2018، واحترقت وثائق عديدة للعائلة كشهادات الميلاد والشهادات المدرسية، ومنها جواز السفر.

يقول عبد الرحمن لـ"الاستقلال": "حين أردت استصدار بديل عنه لإتمام دراستي في ماليزيا، حيث كنت في زيارة لعائلتي، رفضت الجهات الأمنية في رام الله، دون إبداء الأسباب، لكن تبين لاحقا أن السبب يكمن في اعتناقي أفكارا مناهضة للسلطة الفلسطينية، واتهامي بممارسة نشاطات سياسية ضدها، واليوم مضى علي قرابة العام وأنا أسعى هنا وهناك لعل الحظر يرفع عني، وأحصل على جواز مثل باقي المواطنين".

بداية المشكلة

وبدأت القصة بعدما فرضت السلطة الفلسطينية عقوباتها على قطاع غزة في فبراير/شباط 2017، التي شملت تقليص الرواتب عن الموظفين الحكوميين، والتوقف عن دفع ثمن وقود الكهرباء، بفعل الانقسام الفلسطيني الداخلي.

وشرعت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بوقف إصدار جوازات السفر للفلسطينيين في القطاع، لاسيما أولئك الذين يعارضون السلطة من التنظيمات الفلسطينية، وينشطون عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

مصدر مسؤول في وزارة الداخلية بغزة، رفض الكشف عن هويته، أوضح: أن "قطاع غزة يشهد زيادة بالإقبال على استصدار جوازات سفر، وقد أخذ العدد يزداد تصاعديا منذ العام 2014 حيث حصل 6900 مواطن على جواز سفر جديد، وفي العام التالي 2015 بلغ العدد 6700، وفي 2016 ارتفع العدد إلى 8500، وفي 2017 وصل عددهم إلى 8900 جواز، أما في العام الماضي 2018 فارتفع العدد بصورة قياسية ليصل إلى 9800 جواز سفر جديد". 

وأضاف المصدر لـ"الاستقلال": أن "منع السلطة الفلسطينية من إرسال الجوازات لأهالي القطاع، يتم بقرار سياسي، مما ترك آثاره السلبية على سكان القطاع بشكل كبير، خاصة المرضى الذين لا يستطيعون السفر للخارج لتلقي العلاج، وكذلك الطلبة الذين سيفقدون فرصة الالتحاق بالجامعات، كما أن الحجاج يحرمون من أداء فريضة الحج، وبعض المرضى توفوا نتيجة عدم قدرتهم على الحصول على جواز سفر للسفر للعلاج بالخارج".

وهناك صعوبة بتحديد الأعداد الممنوعة من الحصول على جوازات سفر بشكل دقيق، لأن الفلسطينيين يقدمون طلبات للحصول على الجوازات عبر عدة جهات، وليس جهة مركزية، أما وزارة الداخلية في رام الله فترفض التعامل مع نظيرتها في غزة، رغم أن الإشارات الواردة من الوزارة بطريقة غير رسمية تفيد بأن الحرمان من جواز السفر يتم لأسباب سياسية والانتماء لفصائل تعتبرها السلطة معارضة.

وتمر عملية إصدار وزارة الداخلية في رام الله لجوازات السفر اليومية للمواطنين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، بإجراءات طويلة ومعقدة، وتسوق الوزارة مبررات عديدة لهذه العملية المرهقة، خاصة في مجال التصنيف السياسي والحزبي والتنظيمي للمواطنين الذين يتقدمون بطلبات لاستصدار جوازات سفر.

وقد اتضح بشكل قاطع، أن جهاز المخابرات العامة هو الجهة التي تقرر منع أو منح إصدار جوازات سفر للمواطنين، وأن وزارة الداخلية تلتزم بشكل قطعي بقرارات الجهاز المذكور، وليس العكس.

ولا يفصح جهاز المخابرات العامة عن المعايير المتبعة لديه في اتخاذ قراراته سوى إصدار جُمل عامة مثل مسؤولية الأجهزة الأمنية، أو يتطلب مثول الأشخاص المرفوضة طلباتهم أمام موظفي الداخلية، أو حصولهم على شهادة حسن سير وسلوك؛ أو عدم التزامهم بالشرعية السياسية الممثلة في السلطة الفلسطينية والحكومة المقيمة في رام الله.

الانتماء السياسي

وفي محاولة منها لحل تلك الأزمة، توجهت بعض مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية إلى محكمة العدل العليا، ورفعت قضية ضد وزير الداخلية الفلسطيني بدعوى منع إصدار جوازات سفر لبعض الفلسطينيين، ومنعهم من التحرك دون قرار قضائي، باعتبارها مخالفة قانونية صريحة لنصوص الدستور الفلسطيني الذي يكفل حق المواطن باستصدار جواز سفر، والتحرك دون معيقات.

ياسر الديراوي المستشار القانوني في مركز "حماية" لحقوق الإنسان، قال لـ"الاستقلال": إن "المواطنين في غزة يستوفون جميع الوثائق اللازمة من أجل استصدار جواز السفر الجديد، لكن الرفض يعود لأسباب سياسية، فكثير من الفلسطينيين يتم حرمانهم من الحصول على جواز سفر جديد لأسباب سياسية حزبية دون وجه حق أو مانع قانوني".

وأضاف: أن "الجهات الأمنية في السلطة الفلسطينية لا تصرح علانية بالحرمان والمنع من إصدار جوازات السفر، لكنها تتذرع الوزارة بحجج واهية لإعاقة إصدار الجواز، الذي يأتي ضمن توجه السلطة ضد أتباع القوى الإسلامية المعارضة لها، مما يعمل على الحد من حرية التنقل لهم، بما يتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية". 

وتلقت الجهات الحقوقية الفلسطينية عشرات الشكاوى المتعلقة بالمنع من إصدار جوازات السفر، انتهى بعضها بالرفض، فيما رُفع الحظر عن حالات أخرى، ورغم أن الظاهرة مرتبطة بالانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، ورغبة الأولى بمعاقبة أنصار الأخيرة. 

تفيد تقارير حكومية وحقوقية في غزة أن 1500 حالة مرضية بحاجة للعلاج في الخارج، وعدم توفر جوازات سفر لهم يعقد طريق سفرهم أكثر، مع أن المواطنين الفلسطينيين الذين لا يملكون جواز السفر أصلا، يعدون بالآلاف، ممن هم بحاجة لجوازات سفر للتواصل مع أهلهم في خارج القطاع حين افتتاح المعبر، بجانب المرضى وطلبة الثانوية العامة الذين يرغبون بالدراسة في الخارج، وطلبة الدراسات العليا، والمعتمرين والحجاج.

ويقول فهي شراب المحلل السياسي لـ"الاستقلال": إن "هناك عشرات آلاف الفلسطينيين من غزة ممنوعون من الحصول على جوازات السفر بسبب معارضة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وهي: المخابرات العامة، الأمن الوقائي، الاستخبارات العسكرية، وتطال هذه العقوبة أغلبية العائلات الفلسطينية، ويعاني منها قيادات سياسية وازنة، وطلاب جامعات ودراسات عليا، وحتى مرضى، ونساء وأطفال، ورجال أعمال وحالات إنسانية".

ملف أمني

الفئة الأكثر استهدافا بالمنع من الحصول على جواز السفر هم أفراد الأجنحة العسكرية الفلسطينية، لاسيما عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، وليس من السهل أن يتحدث أحد باسمه عن هذه القضية لخطورة الأمر على حياته الشخصية، وحظر الأجنحة العسكرية الفلسطينية الحديث للإعلام.

يقول فهمي شراب: إن "بعض الحالات تمتلك فرصة عمل خارج غزة، لكنها ممنوعة من السفر بسبب تقارير أمنية فلسطينية تكتب بناء على خلافات شخصية، أو شكاوى كيدية كاذبة، ناهيك عن إرسال تقارير كاذبة مفبركة للأمن الفلسطيني، أو على تهمة الانتماء السياسي، وأغلبهم من المحسوبين على فصائل المقاومة، ومن يتضامنون معها",.

ويتابع: "ثبت أن الأجهزة الأمنية في رام الله تعاقب على مجرد الرأي السياسي المعارض من خلال منعهم من السفر، وحرمانهم من الجوازات الفلسطينية، التي تعتبر من أبسط حقوقهم".

"الاستقلال" تواصل مع عدد من الجهات الحقوقية في غزة، مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، وأكدا عدم توفر معطيات رقمية دقيقة حول سكان غزة الممنوعين من الحصول على جوازات السفر من قبل السلطة.

لكن الأمر يتعلق بآلاف الأشخاص على أقل تقدير، على اعتبار أن الغالبية منهم لا تفضل اللجوء لهذه المنظمات، وتسعى لتسوية الأمر عبر إرسال وساطات شخصية إلى أجهزة أمن السلطة، وحين تفشل كل هذه الجهود يأتون إلى هذه الجهات، لكنهم يكونون في حالة يأس وإحباط من الحصول على هذا الجواز.

ويعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من شرط الحصول على الموافقة الأمنية لاستصدار جواز السفر، لعدم وجود تحكم للسلطة في معابر قطاع غزة، وفي هذه الحالة يستطيع المواطن من غزة استخدام جواز السفر للخروج إلى العالم الخارجي عبر معبر رفح على الحدود مع مصر.

وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية تحاول التنصل من المسؤولية عن شؤون قطاع غزة، باعتباره خاضعا لحركة حماس، وقد جرى وصفه من قبل قيادات بالسلطة عدة مرات بـ"الإقليم المتمرد"، أي أنها لا تجد نفسها ملزمة بتوفير كل احتياجات مواطنيه، بما فيها جوازات السفر.

في حين أن المواطن في الضفة الغربية يحصل على جواز السفر بصورة طبيعية، لكن استخدامه في السفر خارجها خاضع للقرار الأمني في السلطة الفلسطينية، حيث لا يستطيع أحدهم مغادرتها عبر الأردن إلا بالموافقة الأمنية المسبقة، وأي ممنوع من السفر يكون اسمه مدرجا في المعبر.

وحاول "الاستقلال" الحصول على ردود فعل من أوساط فلسطينية رسمية للتعقيب على هذه الظاهرة، لكنهم فضلوا الصمت باعتبار ذلك إجراء أمنيا لا يجوز التعليق عليه، وليس لديهم المعلومات الكافية عنه، رغم أن الأمر يتعلق بحالات تسعى للحصول على جواز السفر لأغراض إنسانية كالعلاج أو الدراسة أو العمل.