لماذا يحاول العراق إبعاد "المهندس" عن ساحة الحشد الشعبي؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أحدث قرار رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، بإعادة هيكلة هيئة الحشد الشعبي، وحذف منصب نائب رئيس الهيئة، موجة من التكهنات بشأن مصير أبو مهدي المهندس الذي يُعد رجل إيران الأول في العراق، ويشغل المنصب منذ تأسيس الهيئة قبل سنوات.

الهيكلية الجديدة للحشد الشعبي، أقصت المهندس بعدما أثار الجدل مؤخرا في بيانين تبرأت منهما الحكومة العراقية لاحقا، الأول: اتهم الولايات المتحدة الأمريكية بالتواطؤ مع إسرائيل في هجمات شنتها على العراق، والثاني: إعلان تأسيس قوة جوية تابعة للحشد الشعبي.

هل أقصي؟

وأفادت تقارير إعلامية بأن عبدالمهدي حسم الجدل بالانتصار إلى رئيس الهيئة ومستشاره الأمني فالح الفياض، بعد نزاع طويل مع نائبه أبو مهدي المهندس، استوجب تدخل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لإنهائه.

ومنح قرار عبد المهدي، رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض "صلاحية التعيين بالوكالة للمناصب والمديرين في الهيئة، وإلغاء جميع العناوين والمناصب التي تتعارض مع العناوين الواردة في الهيكلية المقرّة".

ورأى رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية (خاصة)، واثق الهاشمي، أن قرار إعادة هيكلة الحشد الشعبي، "أتى في وقت يحتاجه العراق في ظل إشكاليات وتقاطعات داخل الهيئة".

وأضاف الهاشمي، أن "القرار عموما هو رسالة تطمين للخارج بأن هذه المؤسسة تعمل ضمن الدولة العراقية، ولن تعمل خارجها، ولن تذهب إلى خارج الحدود بدون علم الدولة".

وبالنسبة للداخل العراقي، أوضح الخبير العراقي، أن "من يشعر بالقلق ويعتقد أن الحشد يشكل خطرا عليه فهي رسالة تطمين له أيضا. هذه المؤسسة ستخضع لقانون ولضوابط الدولة العراقية والولاء للعراق، وليس لدول أخرى".

ولم يستبعد الهاشمي أن يواجه هذا الأمر "صعوبات"، معتبرا أن "الطريق ليس مفروشا بالورود في ظل تدخلات دول أخرى، إيران تحديدا، وفي ظل وجود جماعات تتقاطع مع رئيس الوزراء ومع مصلحة الوطن".

لكن الأطراف الموالية لإيران داخل الحشد الشعبي، قالت إن الهيكلية الجديدة لم تستبعد المهندس من صفوف الحشد، وإنما سيمنح الأخير منصب رئيس أركان المستحدث في الهيكلية الجديدة.

وبات لهيئة الحشد الشعبي رئيس ورئيس أركان تتبع للأول أمين السر العام و10 مديريات لوجستية و8 قيادات قتالية تنفيذية، فيما تتبع الثاني 5 معاونيات رئيسة (أبرزها العمليات والاستخبارات) و25 مديرية و8 قيادات عملياتية في محافظات البلاد المختلفة، باستثناء الجنوبية منها.

ويمثل موقع المهندس كرئيس أركان بمثابة قائد ميداني أول لـ"الحشد"، فيما موقع الفياض يخوّله صلاحيات كبرى، من شأنها إعادة رسم صورة هذه المؤسسة، لناحية وجهها القيادي.

أما رئيس الوزراء العراقي، فقد علّق قبل أيام خلال تصريحات صحفية على موضوع إعادة هيكلية الحشد الشعبي، بالقول: إنه "يسير ضمن سياسة لإبعاد الحشد الشعبي عن التسيس، وأن يحسب على أطراف محددة".

بطاقة تعريفية

عُرف إعلاميا بـ"أبومهدي المهندس"، إلا أن اسمه الحقيقي هو جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، ولد عام 1954 في البصرة من أب عراقي وأم إيرانية، حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة التكنولوجية عام 1977.

انضم إلى "حزب الدعوة الإسلامية" وهو في الدراسة الثانوية، حيث أصبح المهندس أحد أهم المطلوبين لـ"محكمة الثورة" بعد تسلم صدام حسين الحكم في العراق عام 1979.

اضطر المهندس للخروج من العراق في 1980 إلى الكويت، وبعدما استشعر ملاحقة السلطات العراقية له، لجأ إلى طهران واستقر هناك، حيث تزوج من امرأة إيرانية، وأطلق عليه اسم "جمال إبراهيمي".

اكتسب الجنسية الإيرانية وعين مستشارا عسكريا لدى قوات "القدس" التابعة للحرس الثوري، التي كانت تتولى مهاجمة القوات العراقية الموجودة حول البصرة، مسقط رأس المهندس.

انضم المهندس إلى "فيلق بدر" الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي أسسته إيران من الشيعة العراقيين المعارضين للنظام للقتال ضد الجيش العراقي. وتدرج في منصبه من مقاتل إلى قائد للفيلق عام 1987 حتى أواخر التسعينيات.

"إرهابي عالمي"

في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 وصفت الولايات المتحدة الأمريكية المهندس لأول مرة بأنه "إرهابي"، وذلك عقب اندلاع صدامات بين قوات البيشمركة الكردية ومليشيات الحشد الشعبي في مدينة كركوك العراقية بعد استفتاء أجراه إقليم كردستان للانفصال عن العراق.

إذ وصفت المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر ناوبرت، المهندس بأنه "إرهابي" في معرض حديثها عن مدينة كركوك، قائلة: إن "هذا الشخص إرهابي، وهذا كل ما يمكننا قوله في الوقت الحالي".

التصريح الأمريكي الأول من نوعه اعتبر غريبا، لأن المهندس الذي يوجد بمكتبه الواقع داخل المنطقة الخضراء ببغداد، لا يبعد على مسافة 500 متر فقط من مبنى السفارة الأمريكية وغرفة التنسيق المشترك التابعة للتحالف الدولي.

منذ أكثر من عقدين أُدرج المهندس على لائحة الإرهاب الدولي، وأصبح مطاردا من قبل الشرطة الدولية "الإنتربول"، بعدما حُكم عليه غيابيا بالإعدام والسجن في عدة دول عربية وأجنبية، إثر إدانته بتفجير السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1983.

أسفرت التفجيرات في وقتها عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 80 آخرين بالعاصمة الكويتية، من بينهم رعايا غربيون. وبعد تحقيق مشترك أجرته السلطات الكويتية والأمريكية، أثبتت تورط المهندس مع سبعة عشر عضوا آخرين من "حزب الدعوة الإسلامية" بالهجمات.

وعثرت الشرطة على أدلة مادية، أدين بسببها المهندس مع رفاقه وحكم بالإعدام، لكنه نجح في الفرار من الكويت عبر جواز سفر باكستاني متجها إلى إيران.

كما وضع اسمه على لائحة المنع في دول الخليج ومصر والمغرب العربي، إضافة إلى الدول الأوروبية والأمريكيتين، ولم يسجل خروجه من إيران سوى إلى سوريا والعراق خلال السنوات العشر الماضية.

تشير تقارير صحيفة، إلى أن المهندس كان يحمل الرقم (2722174) في بطاقة إقامته بالكويت بمنطقة الجابرية، وأنه مارس نشاطا سياسيا وأمنيا معاديا لنظام صدام حسين قبل أن تمنعه الحكومة الكويتية آنذاك من مزاولة أي نشاط على أراضيها.

النيابة العامة الكويتية، وجهت في العام 1985 للمهندس رسميا تهمة التورط بمحاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت أمير البلاد الراحل جابر الأحمد، وبات منذ ذلك التاريخ وما يزال المطلوب الأول لدى الكويتيين وضمن القائمة الأمريكية السوداء للمطلوبين بأعمال إرهابية.

عودته للعراق

عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، عاد المهندس إلى البلاد باسم جمال الإبراهيمي، وكان له أدوار مهمة قادها بنفسه، منها تشكيل "الائتلاف الوطني الموحد" و"الائتلاف الوطني العراقي"، ومن ثم "التحالف الوطني الشيعي".

وترشح لانتخابات البرلمان العراقي عن قائمة حزب الدعوة في العام 2005، تحت تسلسل 24، وفاز في دائرته الانتخابية عن محافظة بابل، لكن قوة تابعة لمشاة البحرية الأمريكية اقتحمت مقر إقامته شرق بغداد بعد اكتشاف هويته، ونجح بالفرار مرة أخرى إلى إيران.

وبعد أشهر من تخفِّيه خارج العراق ومطاردة الأمريكيين له، كانت له زيارات قصيرة سرعان ما يعود بعدها لطهران مرة أخرى، إذ ظل غائبا عن المشهد ولم يعد إلى العراق إلا بعد انسحاب القوات الأمريكية منه عام 2011.

وبحسب تقارير صحيفة، فإن وساطات عدة طيلة السنوات الماضية فشلت في دفع الكويت لإسقاط الحكم الموجه ضده، إذ لم تشفع له تنفيذه عمليات عسكرية ضد الجيش العراقي عقب غزوه الكويت، من خلال ضرب عدد من المخافر والمراكز القريبة من شبه جزيرة الفاو.

كما ترفض (الإنتربول) رفع اسمه من قائمة المطلوبين الخطرين لديها على مستوى العالم، التي وضعت اسمه حتى قبل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة ابن لادن.

الظهور الأبرز

لم تمض سوى أيام على اجتياح تنظيم الدولة للعراق في يونيو/حزيران عام 2014، حتى بدأ اسم أبو مهدي المهندس يأخذ مساحة واسعة في وسائل الإعلام المحلية، ولا سيما مع بدايات تشكيل الحشد الشعبي.

إعلان تشكيل الحشد، شكل الظهور العلني الأبرز من تاريخ المهندس الذي لم تشاهد له صورة في وسائل الإعلام، طيلة السنوات التي عمل فيها كرجل ظل يدير الملف الأمني مع رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي.

مع أنه القائد الفعلي للحشد الشعبي، إلا أنه لم تُسند إليه مهمة رئاسة "الهيئة" التي أصبحت رسميا تابعة للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، وشغل منصب نائب رئيس الهيئة، بسبب تصنيفه على لوائح الإرهاب العالمية.

المهندس الذي انتشرت صوره بكثرة، يرافق قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في جبهات المعارك ضد تنظيم الدولة بالعراق، هاجم في مؤتمره الصحفي الأول الذي عُقد في 28 سبتمبر/أيلول 2016، كلا من الرياض وواشنطن، التي وصفهما بالممول والداعم لتنظيم الدولة نهاية عام 2014.

وحينها، قال المهندس: "قتلنا سعوديين في بلدة المعتصم، (بلدة عراقية شمال بغداد)، والسعوديون حاضرون كممولين ومقاتلين وانتحاريين في داعش، ولا نعلم إن كان وجودهم بعلم السلطات السعودية أم لا".

وفي مقطع فيديو تناقله ناشطون على مواقع التواصل في تلك الفترة، سخر المهندس من المملكة العربية السعودية، وقال سنطارد تنظيم الدولة إلى الرياض منبعه الأساس، وربما نسيطر عليها (العاصمة السعودية).