قيس سعيد.. لماذا قاطع انتخابات تونس وترشح للرئاسة؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يعتبر عدد كبير من المتابعين للشأن التونسي أنّ صعود المرشح المستقل قيس سعيّد للدور الثاني بالمفاجئ، إذ لم يغادر الرجل المراتب الأولى في استطلاعات الرأي منذ أشهر.

إلا أن تصدره لنتائج الانتخابات اعتبر مفاجئا خاصة أنه تفوق على مرشحي أحزاب سياسية كبيرة، ومسؤولين بارزين في الدولة، على غرار مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) بالإنابة، ورئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.

الصعود القوي لأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، فتح الباب للتساؤل حول خلفياته السياسية والأيديولوجية الغير واضحة، إذ لم يسبق له الانتماء لأي حزب سياسي، كما لم يسبق وأن أعلن دعمه لأحدها، بل سبق وصرح في أكثر من مناسبة أنّه لم يشارك بالتصويت في جميع الانتخابات الماضية.

هذه المقاطعة السلبية للعملية الانتخابية في تونس من قبل قيس سعيّد تنطلق من جملة أفكار ومواقف لم تكن مؤيدة للخيارات التي اتجهت على ضوئها البلاد منذ العام 2011، باختيار مجلس وطني تأسيسي لإدارة المرحلة الانتقالية وسن دستور جديد للبلاد عبر انتخابات قامت على أساس التصويت على القوائم وبقاعدة النسبية.

هذه الأفكار نفسها لازال المرشح للانتخابات الرئاسية يبشر بها في حملته الانتخابية ويدعو التونسيين لانتخابه على أساسها.

النظام الجديد

بعد فرار الرئيس المخلوع (الراحل) زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011، إثر ثورة شعبية، شهدت الساحة السياسية في تونس موجة من الأفكار والأطروحات السياسية والفكرية.

اتجه البعض إلى تأسيس أحزاب سياسية جديدة تجاوزت الـ100 حزب في أشهر قليلة، وظهرت وقتها أصوات مختلفة عن السياق العام، في مقدمتها صوت أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد.

قبل أيام على موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، ألقى قيس سعيّد كلمة يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011 ضمن فعاليات حملة لمقاطعة هذه الانتخابات الذي اعتبرها التفافا على الثورة وسطوا على الإرادة الشعبية نفذته الأحزاب السياسية بعد تجاهلها المطالب التي تم تقديمها إلى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بخصوص تنظيم استفتاء شعبي حول آلية الاقتراع.

الخطاب الذي دام 16 دقيقة، تضمن في جزء منه ملامح المشروع السياسي لقيس سعيّد القائم على إنشاء مجالس محلية في المعتمديات (البلديات) ومن ثم تصعيد الأعضاء المنتخبين إلى المجالس الجهوية (المحافظات) وأخيرا إلى البرلمان.

ضاع صوت أستاذ القانون الدستوري وسط جلبة الانتخابات وتلاشى مشروعه وسط صراعات الاستقطاب الثنائي طيلة السنوات اللاحقة، ليخرج مرة أخرى قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014، ويكون وفيا لموقفه الأول حول إفلاس منظومة الأحزاب وعقم آلية الاقتراع الراهنة، داعيا الناخبين مرة أخرى إلى المقاطعة واستكمال المسار الثوري خارج المنظومة السياسيّة القائمة وآلياتها.

مشروع جديد

بعد سن  دستور العام 2014، صرح قيس سعيّد بأن هذا الدستور أكله الحمار، مستلهما اللفظ من مسرحية الممثل السوري دريد لحام، هذا التصريح يتطابق مع المواقف السابقة لقيس سعيّد من المجلس التأسيسي وما يمكن أن يفرزه، إلا أن موقفه تعدل قليلا بعد قبوله الترشح للانتخابات الرئاسية الحالية.

إلا أن قيس سعيّد لازال يبشر بنفس المشروع الذي دعى له في العام 2011، حيث اقترح ما أسماه "مبادرة التأسيس الجديد للخروج من الأزمة" يتم بموجبها إنشاء مجلس وطني تشريعي منتخب من نواب محليين من داخل الجهات يتكون من 264 عضوا شرط على أن يكونوا مسؤولين أمام منتخبيهم لا أمام السلطة المركزية لأحزابهم.

كما لا يتم قبول الترشح إلا بعد أن تتم تزكيته من قبل عدد من الناخبين والناخبات مناصفة، ويتم الاقتراع على دورتين إلى جانب من يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة وإلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني، وأن يكون ربع المترشحين من العاطلين عن العمل.

المهم حسب سعيّد أن يتولى المجلس المحلي وضع مشروع التنمية في مستوى الجهة، أي أن الإرادة تنبع من الناخبين، فوكالة النواب هنا قابلة للسحب إن لم يكن النائب في مستوى ثقة ناخبيه. 

واعتبر قيس سعيّد في تصريح لموقع الجزيرة نت أن "نظام الحكم التونسي وضع على المقاس، وصلاحيات رئيس الجمهورية فيه محدودة نسبيا مقارنة بصلاحيات رئيس الحكومة، لكنها ليست بالهينة، أولها المبادرة التشريعية التي له فيها أولوية النظر، ومن حقه أيضا رفض التصديق على القوانين ويمكنه طلب تعديل الدستور".

لذلك طالب سعيّد حسب برنامجه الانتخابي أن "تنبثق لجنة خاصة من المجلس الوطني التشريعي لوضع دستور جديد لتونس في أجل لا يتجاوز الشهرين ويضع المجلس الوطني التشريعي نظاما مؤقتا للسلطة العمومية إلى حين تولي السلطات الجديدة مهامها بناء على الدستور الجديد".

خليط عجيب

قابلت أطراف عديدة من النخب العلمانية في تونس صعود قيس سعيّد للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بموجة انتقاد واسعة، متهمين سعيّد بالقرب من الإسلاميين، ويعتمدون في ذلك على مواقف سابقة.

سعيّد يستند في مواقفه إلى الدستور التونسي وفصله الأول الذي ينص على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها"، يتضمن اعتبار الشريعة مصدرا للتشريع في القانون التونسي في وقت كانت أطراف يسارية تصف الدستور بدستور "الإخوانجية" في إشارة إلى حركة النهضة.

قوبل موقف سعيّد الرافض لمشروع القانون الذي اقترحه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والمتعلق بالمساواة في الميراث، بانتقاد من عدد من الفاعلين السياسيين واحتفاء من مساندي نفس الرأي، الذي اعتبر انتصارا لمواقف المدافعين على "هوية البلاد" من خارج "الإسلاميين".

كما كان لقيس سعيّد موقف رافض لقضية المثلية الجنسية في المجتمع التونسي، حيث علّق عنه ساخرا في آخر مقابلة تلفزيونية له على القناة الوطنية "هل يقبل أحدكم أن يأتي رجل يخطبه في ابنه؟".

في المقابل يثير المحيطون بقيس سعيّد تساؤلات عديدة، حول خلفيته الأيديولوجية، حيث يقود حملته الانتخابية الناشط السياسي اليساري رضا شهاب المكي والملقب بـ "رضا لينين"، وهو أحد القيادات الطلابية اليسارية في الثمانينات، والذي أسس برفقة الراحل شكري بلعيد وعدد من الطلبة تيار الوطنيين الديمقراطيين (وطد) اليساري بالجامعة والقائم على أسس فكرية ماركسية لينينية.

ولئن اعتبر البعض أن رضا المكي "وطد"، فإنه يرى في تصريح إذاعي لراديو الديوان أن زمن "الوطد" انتهى، وأن القوانين الداخلية للعالم تسير نحو التغيير لكن اليسار التونسي بقي حبيسا في سياق الهزيمة ولا يمكن له إلا أن ينهزم.

ويعتبر المكي أن التقاءه بقيس سعيّد جاء بعد أن تعرف على طرحه لنفس الأفكار التي يحملها، واعتبر مشروع سعيّد هو توأم مشروع قوى تونس الحرة التي أسسها المكي في العام 2011.

المكي قال، "نحن نؤمن بالسلطة المحلية التي تنطلق على أساس مبدأ اقتراع الأفراد والسلطة التشريعية المقلوبة على رئيسها وإذا أردنا أن ننجح فعلينا أن نغير نظام البناء".

يضيف المكي في تصريح لموقع "ألترا تونس"، أن تحقيق التنمية بعيدا عن الصراعات الأيديولوجية وما يسمى بالتوافقات مرتبط بتغيير نظام البناء الذي سيصبح من تحت إلى فوق وهو أنجع وشعبي وأقل تكلفة.

يبدو أن هذا المزيج بين المنحى الاجتماعي والمواقف المحافظة في علاقة بنمط عيش المجتمع وقضايا الهوية، علاوة على السقف المرتفع في الدفاع عن شعارات ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، جعل عددا من الأحزاب والشخصيات السياسية تعلن مساندتها لسعيّد في الدور الثاني ما يرجح فوزه بنسبة مرتفعة من الأصوات.