مستبدون سبقوه في الرحيل.. هل حان وقت سقوط السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مصر، أجواء شبيهة للأجواء التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، وانقلاب 3 يوليو/تموز 2013، لا أحد يمكنه أن يتنبأ بما يمكن أن تسفر عنه الأحداث سواء على المدى القريب أو البعيد.

حالة ترقّب وحبس للأنفاس من الجميع، لما ستسفر عنه الأحداث، دعوات معارضة يقودها المقاول الفنان محمد علي من مقر إقامته بإسبانيا للتظاهر في جميع أنحاء البلاد ضد النظام مطالبين بسقوطه، ورئيسه عبد الفتاح السيسي داعين لرحيله.

دعوات محمد علي التي أطلق عليها "جمعة الخلاص" للتظاهر ضد السيسي تقابلها حشود أمنية وإعلان حالة طوارئ في صفوف جميع أجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة الداخلية والجيش، ودعوات من أنصار السيسي للتظاهر تأييدا له.

السؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو تصاعدت الاحتجاجات وزادت وتيرة الحراك الشعبي المناهض للسيسي والمُصِر على رحيله؟ ماذا لو وصلت البلاد إلى حالة من الاحتقان وبدأت دعوات للعصيان المدني ودخلت مصر في نفق مظلم؟

ساعتها ماذا سيكون موقف الجيش وقادة المجلس العسكري؟ هل يقررون وقتها التضحية بشخص السيسي كما فعلوا مع شخص مبارك إبان ثورة يناير حفاظا على الوطن ومقدراته، أم أنهم سيدخلون في مواجهة حادة ودامية مع المتظاهرين والشعب الرافض للنظام؟

20 سبتمبر

بعد سنوات من الصمت إما استسلاما للأمر الواقع، أو رغبة في الاستقرار من البعض، أو قهرا بفعل القبضة الأمنية، كان مساء الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، موعدا للحراك من جديد، حيث خرجت مظاهرات نادرة وغير متوقعة شارك فيها مئات المصريين في محيط ميدان التحرير وسط العاصمة القاهرة، ومدن أخرى منها الإسكندرية والمحلة الكبرى والسويس ودمياط والمنصورة.

كعادة النظام الأمني القمعي في مصر، فضّت قوات الأمن المظاهرات باستخدام الهروات، والغاز المسيل للدموع كما ألقت القبض على مئات من المتظاهرين الذين هتفوا ضد النظام والسيسي.

تلك الاحتجاجات استمدت أهميتها من أنه لم تخرج من قبل مظاهرات تطالب برحيل السيسي الذي تولى حكم البلاد منذ 2014، حيث قمع بعد انقلابه العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، كل المناهضين لحكمه، وقتل الآلاف في الميادين، وألقى بعشرات الآلاف في السجون. 

بقيت التكهنات عن مدى قدرة السيسي على الاستمرار في سياسته القمعية، واحتوائه للغضب الشعبي على خلفية تهم الفساد المتعلقة به وبأسرته.

التاريخان الحديث والمعاصر مليئان بقصص الحكام المستبدين الذين اعتمدوا القبضة الأمنية، والحشود العسكرية، واستنفروا أجهزة المخابرات في مواجهة شعوبهم، لكنهم سقطوا في النهاية، فهل يكون السيسي واحدا منهم؟.

بشير السودان

في الجارة الجنوبية لمصر، كان نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، حيث حكم البلاد لثلاثة عقود بقبضة حديدية، وبأذرع أمنية نافذة ومهيمنة على أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية، بداية من الجيش، وقوات الدعم السريع، وجهاز الأمن الوطني والمخابرات السوداني، ما مثل جدارا قويا وفاصلا بين السلطة والشعب كان من الصعب كسره وتجاوزه. 

خاصة مع وجود جهاز الأمن الوطني والمخابرات السوداني، المشكل عام 2004، من خلال توحيد جهازي الأمن الوطني والمخابرات، ويتجاوز دوره جمع المعلومات، وإعطاء التقارير للأجهزة والمؤسسات، بل هو كيان محكم واسع الصلاحية بمثابة الحارس الأساسي لنظام البشير، وقاعدة درعه الأمني الواقي، من خلال امتلاكه لجهاز شرطة سري تتوغل عناصره في مفاصل الدولة، إضافة إلى وكلاء وعملاء يقومون بعمليات داخل وخارج الحدود، وتحاط مهامه بسياج محكم من السرية.

واستخدم جهاز المخابرات والأمن أساليب غاية في العنف طالت المدنيين لقمع الحركات المعارضة، وقام بحملات اعتقال موسعة وإنفاذ اغتيالات وتصفيات جسدية، بالإضافة إلى الإخفاء القسري للمعارضين فيما يعرف بـ "بيوت الأشباح".

امتلك البشير أيضا، قوات الدعم السريع التابعة للجيش، وهي وحدات اعتمدت في التجنيد على العناصر العربية ورجال القبائل، خاصة قبائل "الجنجويد" في إقليم دارفور، وأنشئت في العام 2011، بهدف محاربة أعداء النظام في دارفور والمناطق الحدودية.

اختار البشير الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" ليرأس هذه القوات وهو رجل مثير للجدل، كان مقربا من عمر البشير، قبل الانقلاب عليه، ووجهت لتلك الوحدات العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين، كما لعبت هذه القوات دورا داخل المدن في مواجهة المعارضة والمظاهرات، ومحاصرة الاحتجاجات، والانتشار الواسع في محيط العاصمة، وما حولها.

تتألف قوات الدعم السريع من 40 ألف عنصر معظمهم أبناء القبائل، ويتسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة مثل المدافع الصغيرة، والبنادق، إضافة إلى سيارات الدفع الرباعي التي تسهل من عمليات انتشارهم داخل القرى والمناطق البعيدة.

كذلك الجيش السوداني الذي كان تحت إمرة البشير، وتتكون بنية للجيش السوداني، أو "صقور الجديان"، من قوة عسكرية تتجاوز 100 ألف جندي بالإضافة إلى الآليات الثقيلة، ومصانع المدرعات، والأسلحة والذخائر، مع وجود القوات الجوية السودانية كفرع من فروع الجيش بجانب القوات البرية والبحرية.

حسب موقع "جلوبال فاير باور" الأمريكي المتخصص في ترتيب الجيوش، يأتي الجيش السوداني في المرتبة السبعين عالميا. ورغم الولاء الظاهر من قبل الجيش للبشير، إلا أنه لم يكن غائبا عن مسرح الحياة السياسية كسائر جيوش الشرق.

نفذ الجيش 4 انقلابات عسكرية في تاريخه استولى خلالها على السلطة، منها انقلاب 30 يونيو/حزيران 1989 بقيادة البشير نفسه، قبل أن ينقلب عليه في 11 أبريل/ نيسان 2019، ويتم عزله، بعد أشهر من مظاهرات غضب عارمة اجتاحت الميادين السودانية.

وإثر اعتصام كبير في محيط القيادة العامة للقوات المسلحة، سقط البشير رغم عدده وعدته، وجحافل قواته، وأذرعه الأمنية الطويلة، فلم تعصمه عساكره من السقوط، وإيداعه السجن، ومثوله للمحاكمة.

تشاوشيسكو رومانيا

طاغية رومانيا الأكبر، وأشهر الدكتاتوريين في التاريخ المعاصر، حكم رومانيا لمدة 24 عاما (1965ـ 1989) بالحديد والنار، وأصيب بجنون العظمة في نهاية حكمه، كان يطلق على نفسه القائد العظيم والملهم ودانوب الفكر "نسبة إلى نهر الدانوب"، والمنار المضيء للإنسانية والعبقري الذي يعرف كل شيء.

أوجه تشابه قد تجمع بين السيسي، وتشاوشيسكو، فقد امتلك ديكتاتور رومانيا أيضا، أذرعا إعلامية تصفه بأوصاف مبالغ فيها كوصفه "بيوليوس قيصر" و"الإسكندر الأكبر" و"منقذ الشعب"، وتصف عصره بـ"العصر الذهبي للبلاد".

تمت مقارنة بين ما يملكه تشاوشيسكو وما تملكه ملكة بريطانيا فذكروا أن "ملكة بريطانيا لها مكتب واحد، بينما يوجد لتشاوشيسكو 3 مكاتب، وأن لملكة بريطانيا 3 قصور، بينما يمتلك تشاوشيسكو 5 قصور.

أحد قصور تشاوشيسكو به 1000 حجرة، وقدرت قيمة بناء ذلك القصر بعدة مليارات من الدولارات، وبلغت مسطحات بناءه 45 ألف متر مربع وارتفاعه عن الأرض 100 متر، وشارك في بنائه 15 ألف عامل كانوا يعملون ليلاً ونهاراً حتى تم بناؤه.

كما كان يمتلك 39 فيلا فاخرة ويعيش ببذخ فاحش، بينما يعيش معظم شعبة تحت مستوى الفقر في ظل حكم شيوعي قمعي لا يرحم.

تحولت رومانيا في عهده إلى دولة بوليسية صارمة، بأجهزة أمنية قمعية مخيفة، وعمل النظام الحاكم على تحويل كل مواطن روماني إلى مؤيد للنظام بشكل مطلق، ولم يسمح بالمعارضة أبدًا، كما تم اعتبار كل معارض للنظام تهديدا قائما ودائما لأمن رومانيا. 

وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول 1989، اندلعت مظاهرات عارمة اجتاحت شوارع مدينة "تيمشوارا" غرب رومانيا واستمرت المظاهرات بشكل قوي واحتشد الناس في الشوارع لمدة يومين متتالين محتجين على السياسة الشيوعية التي اتبعها النظام الحاكم في البلاد، وعلى رأسه الطاغوت الأكبر تشاوشيسكو، ثم انتقلت التظاهرات إلى العاصمة بوخارست.

تشاوشيسكو فعل كما يفعل السيسي الآن بتصدير خطابات تحذيرية عاطفية، حيث أدت تلك التظاهرات والاحتجاجات إلى إرغام تشاوشيسكو على الخروج إلى جماهيره في خطاب عاطفي حذر فيه الشعب من الفوضى والهلاك إذا سقط هو ونظامه، وأخذ يعدهم بوعود وردية كمسكنات حتى تهدأ ثورتهم ويعودوا إلى منازلهم.

لكن المتظاهرين حاصروا قصره الرئاسي، واندلعت الصدامات الدموية بين قوات الشرطة والثوار، ما خلف مئات القتلى والجرحى، فما كان منه أمام كل ذلك إلا أن أمر قوات الجيش بالنزول للشوارع وقمع الثورة، وقتل الشعب بالرصاص الحي.

لكن الجيش رفض، وأعلن تأييده للشعب وتم القبض على الديكتاتور، ومحاكمته بشكل صوري لمدة ساعتين في جلسة علنية شاهدها الجميع بأعينهم وصدر الحكم عليه وزوجته "إلينا" بالإعدام رميًا بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم بالفعل أمام مرأى ومسمع من الشعب كله في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1989.

تشيلي تنتصر

كان بينوشيه رئيس تشيلي السابق ديكتاتورا حكم البلاد بقبضة نارية، حتى أصبح أشهر جنرالات الانقلابات الدموية في النصف الثاني من القرن الماضي، ومتهم بأنه المسؤول عن مقتل رئيس البلاد السابق المنتخب سلفادور أليندي.

بينوشيه فعل كما فعل السيسي في مصر، فاغتال الديمقراطية، ودمر الحياة السياسية، في بداية حكمه أمر بينوشيه بحل البرلمان التشيلي، وشكل من رجاله المقربين مجلسا عسكريا حاكما، ومنع الأحزاب اليسارية التي شكلت تحالف الليندي من أي نشاط سياسي.

طارد اليساريين بينوشيه في كل أنحاء البلاد، وقتل أو فقد في هذه المواجهات أكثر من 3 آلاف شخص، وتعرض نحو 27 ألفا للسجن والتعذيب أو النفي، وهرب خارج البلاد عدد كبير أو طلبوا اللجوء السياسي.

ثم دعم بينوشيه سلطته بإعلان نفسه رئيسا للمجلس العسكري الحاكم، ومنح نفسه لقب "كابيتاين جنرال" أو النقيب جنرال، وهو لقب حمله الاستعماريون الإسبان لتشيلي سابقا، وكذلك حمله "برناردو أوهيغينز" بطل حرب استقلال تشيلي وأول رئيس لها، وهي خطوة تذكر بمثيلاتها عربيا، حيث يمنح بعض القادة العسكريين أنفسهم الرتب العليا عقب وصولهم للسلطة، مثل عبد الفتاح السيسي الذي حمل لنفسه ألقابا مثل "طبيب الفلاسفة".

وفي عام 1987 أصدرت منظمة العفو الدولية، مع منظمات أخرى تقارير موثقة انتقدت بشدة أوضاع حقوق الإنسان في تشيلي، وأشارت إلى مقتل نحو 30 ألف شخص، ونفي قرابة نصف مليون إلى خارج البلاد واختفاء الكثيرين من المعارضين، وأثارت هذه التقارير موجة سخط خارجية عارمة ضد بينوشيه. 

ومع الوقت  نجحت التحالفات المعارضة في تنظيم حركات احتجاجية واسعة أجبرت بينوشيه على تقديم تنازلات بدت متواضعة وقتها إلا أنها قادت في النهاية إلى إسقاطه. 

وطويت صفحة قائد الانقلاب عقب توقيفه في بريطانيا في أكتوبر/ تشرين الأول 1998، بناء على مذكرة اتهام إسبانية، واستعدت المحكمة العليا في تشيلي لمحاكمته بالفعل، إلا أن جهودا بذلت لتعطيل هذه المحاكمة حتى وفاته في ديسمبر/كانون الأول 2006.