صيدليات 19011.. كيف تسللت أجهزة السيسي إلى سوق الدواء؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الشخص اللي يوصل عمره 35 سنة ولسه فقير، يستاهل يبقى فقير.." جملة أوردها نعيم الصباغ، الرئيس التنفيذي لسلسلة صيدليات 19011، في حواره مع الإعلامي عمرو أديب (مقرب من السلطة) في برنامجه "حكاية" بقناة إم بي سي مصر.

استفزت هذه الجملة قطاعا كبيرا من المصريين الذين شككوا بمصداقية الصباغ ورفاقه في ادعاء ملكية صيدليات 19011، ورأوا في حديثه قدرا عاليا من "الخفة" و"الفهلوة"، حاول من خلالها إقناع المشاهدين بأنه وشباب آخرون يملكون سلسلة الصيدليات الشهيرة التي أسست أكثر من 120 فرعا، خلال أقل من 3 سنوات.

كلمات الصباغ أصابت عمرو أديب بالإرباك، فحاول تدارك تلك "الشطحة"، التي بدت كأنها خارجة عن النص، وقلل من أهميتها على الهواء، لخبرة عمرو أديب الطويلة بنفسية ومزاج جمهوره، الذي سينزعج بالتأكيد من تلك العبارة، وستنعكس بشكل سلبي على مسار الحلقة، وهو ما حدث بالفعل.

رأى مصريون أن الصباغ، الذي أفاد بأنه معروف لدى مائتي ألف صيدلي مصري، مارس أسلوبا مستفزا في سرده لقصة تأسيس الصيدليات، كما رأوا في ادعاءاته استخفافا بالغا بعقول المصريين، حيث حدثهم عن حكايات نجاح أسطوري، كما لو كانوا معزولين عن واقع مصر، وغير مدركين للحالة الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد.

ما ضاعف من استفزاز المصريين وشعورهم بالغضب هو إعلان عمرو أديب بأنه سوف يستضيف محمود نجل الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليظهر بعد ذلك رجل آخر اسمه محمود حمدي عبدالفتاح السيسي، وهو ما اعتبروه سقوطا مهنيا، حيث لم يعتمد الإعلان على التورية أو التدليس، بل قام على الكذب والتضليل، خصوصا أن الإعلان كان صريحا باستضافة نجل الرئيس السيسي.

ملكية المخابرات

نهاية أغسطس/آب الماضي، انتشرت أنباء تتحدث عن ملكية جهاز المخابرات العامة لسلسلة صيدليات (19011) التي تنتشر في أنحاء مصر، بعد أن ورد اسم محمود نجل رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، كمالك لها، وبعد حديث الصيادلة الموردين عن تبعية الصيدليات لجهاز المخابرات، وتشابه اسم السلسة مع تاريخ ميلاد السيسي المولود في 19/11.

انتشرت تلك الأنباء عقب قرار وزارة الصحة، نهاية أغسطس/آب الماضي، شطب اسمين من أكبر الأسماء العاملة في مجال الصيدلة بمصر، ومالكي سلسلتين شهيرتين هما، الدكتور أحمد العزبي، والدكتور حاتم رشدي، بشكل نهائي من سجلات الصيادلة بوزارة الصحة.

وهو الأمر الذي تم تفسيره بمحاولة المخابرات العامة ضرب وإقصاء السلسلتين الأشهر في مصر لصالح سلسلة صيدليات 19011، والسعي لتبوأ مكانة تلك الصيدليات.

خيار وفاقوس

في يونيو/حزيران 2018، قضت المحكمة الدستورية العليا بدستورية المادة 30 من القانون 127 لسنة 1955، التي حظرت امتلاك الصيدلي لأكثر من صيدليتين، لتقضي بعدها محكمة استئناف القاهرة في مارس/آذار 2019 بتأييد قرار هيئة تأديب نقابة الصيادلة، بإسقاط عضوية أحمد العزبي وحاتم رشدي. 

ويعد الدكتور أحمد العزبي أحد أكبر ملاك سلسلة الصيدليات في مصر، حيث يمتلك أكثر من 90 صيدلية موزعة على المحافظات، كان قد بدأ تأسيسها منذ عام 1975، في حين تم تأسيس أول فرع من فروع صيدليات رشدي في العام 2008، أي قبل نحو 11 عاما.

الغريب أن القانون الذي شطب بموجبه اسم العزبي ورشدي، هو نفسه الذي سمح لـ 7 صيادلة بتملّك أكثر من 120 صيدلية منتشرة في أنحاء مصر.

كان أساس غضب المصريين أنهم رأوا أن سلسلة صيدليات 19011 مخرج من مخرجات الفساد الذي يمارسه جهاز المخابرات برئاسة اللواء عباس كامل، رجل السيسي الأول، ونائبه محمود السيسي، متهمين جهاز المخابرات باستغلال نفوذه في ضرب اقتصادات وطنية لصالحه، ومحاولة احتكار سوق الدواء (بشكل يبدو قانونيا)، وهو الأمر الذي تم مع صيدليات العزبي ورشدي.

إثر تلك الأنباء، أصدر المتحدث الرسمي للقوات المسلحة بيانا نفى فيه امتلاك الجيش لتلك السلسلة وحذر من "الجري وراء ما سماها الشائعات أو تصديقها".

وتعزيزا لذلك النفي، استضاف عمرو أديب 3 صيادلة هم نعيم الصباغ ومحمود السيسي وأحمد الأنصاري، وحاول من خلال تلك الحلقة إثبات أمرين: الأول إثبات أن الضيوف هم الملاك الحقيقيون لسلسلة 19011، ونفي رواية ملكية المخابرات العامة لسلسلة الصيدليات.

والثاني: إثبات أن محمود السيسي الذي ورد اسمه كمالك للصيدليات على ألسنة الموردين، هو الشخص المستضاف وليس نجل الرئيس وأن المسألة لا تعدو كونها تشابه أسماء.

إخراج رديء

بدأت المقابلة التلفزيونية، وجلس الملاك الثلاثة في صف واحد وكراسي متجاورة، كما لو كانوا تلاميذ في فصل دراسي، وبدأ حديث الثلاثة على نحو تخلله كثير من المقاطعة فيما بينهم.

سرد الصباغ أولا قصة تأسيس السلسلة، مسترقا بعض المعلومات والتفاصيل من ورقة كان يقرأها أمامه، ليوافقه السيسي، ويهز الأنصاري رأسه مؤكدا صحة تلك المعلومات.

حسب رواد مواقع التواصل، فإن الإخراج الذي بدا فيه الثلاثة الشبان كان رديئا، ومحاولة يائسة لتبرئة جهاز المخابرات من ممارسة الفساد المالي، حيث تبنى الأنصاري في دوره الذي قام به فكرة "المظلومية"، وتمثّل دور الضحية، مدعيا تعرضه لضرر نفسي إثر الحديث عن ملكية جهاز المخابرات لأملاكه تابعة له.

بينما بدا الصباغ كرجل "متحذلق" يستخف بعقول المشاهدين، ويحاول إقناعهم بقدرته الخارقة على جمع الملايين في أشهر معدودة، وعلى غرار  فكرة "التفويض"، طلب الصباغ "دعم الشعب المصري"، وذلك في تصديقه بملكيته للسلسلة، وعدم الجري وراء الشائعات.

تناقض واضطراب

مع حرص ضيوف الحلقة على الإدلاء بصيغة موحّدة، إلا أن إجاباتهم وقعت في عدد من التناقضات، ففي حين أجاب الأنصاري على سؤال أديب بأنهم اقترضوا من البنك في بداية تأسيس عملهم التجاري، نفى الصباغ على الفور أن يكونوا قد اقترضوا من البنك، وأنهم تميزوا بالفكرة التسويقية الناجحة، ولما رأى البنك تميزهم ونجاحهم، استدعاهم وقام بتمويلهم ومشاركتهم، حد قوله. 

وفي حين تم التعريف بأحمد الأنصاري كرئيس مجلس إدارة صيدليات 19011، تم التعريف عنه بـ(الشريط) المكتوب على الشاشة بأنه الرئيس التنفيذي، وفي المقابل تم التعريف بنعيم الصباغ بنص مكتوب على الشاشة بأنه رئيس مجلس إدارة الصيدليات، مع أنه عرّف بنفسه كرئيس تنفيذي للسلسلة، في تناقض واضطراب واضح، يشير إلى أن صفات الضيوف تم طبخها على طريقة (الفاست فود) لسرد حكاية ملكية الصيدليات، ونفي ملكية جهاز المخابرات للسلسلة.

وبدا أن الأنصاري لم يستطع الإجابة على سؤال أديب في دور "المكاتب العلمية" التي أعلنوا بأنهم يمتلكونها في إفريقيا، لينبري الصباغ ويقاطعه مؤكدا بأن مهمتها هو الترويج للدواء، في توصيف خلق كثيرا من علامات الاستفهام والتعجب، في الخلط بين المكاتب التسويقية والمكاتب العلمية التي يفترض أن تكون مهمتها هي تناول الجانب العلمي للدواء، وليس الترويج، وهو أمر غاب عن رجل يدعي بأنه ملم بأدبيات التسويق والصيدلة، ورجل أعمال ناجح أسس نحو 120 فرعا، و يسعى لتأسيس أكبر مصنع دواء في إفريقيا، حد قوله.

وفي حين تحدث الصباغ في بداية اللقاء أن أساس نجاح فكرة الصيدليات هو الدعاية التي تبناها في مشروعه الذي بدأه من الصفر، تحدث الأنصاري، بعد الفاصل الإعلاني، عن فكرة جوهرية ومغايرة تماما للفكرة السابقة، وهي أنهم استغلوا وجود صيدليات جاهزة، وقاموا بالاتفاق مع مالكيها لتبنيها وإدارتها تحت اسم 19011، بناء على اتفاق مع ملاك الصيدليات الحقيقيين.

لم تتوقف سلسلة التناقضات التي أدلى بها الصيادلة الثلاثة، ليختم الأنصاري تصريحاته بأنهم يمتلكون 120 فرعا، في وقت كان الصباغ قد صرح في أول الحلقة بأنهم يمتلكون 100 فرع، وهو فارق عددي ليس من السهولة تهمشيه أو القفز عليه عند الحديث عن الأملاك، ولا يمكن حتى تبرير تجاهله ونسيانه.


عابر للقارات

تحدث الضيوف الثلاثة أن نشاطهم يتجاوز فكرة سلسلة الصيدليات، إلى إنشاء مشاريع عملاقة وضخمة، تتمثل بإنشاء مصنع للأدوية سوف يتم التوقيع عليه خلال نحو 72 ساعة من زمن الحلقة، حد قوله، وسيكون قادرا على التصدير إلى إفريقيا وأوروبا بنحو مليار  دولار خلال 2021.

بالإضافة إلى امتلاكهم عدة شركات أخرى بجانب سلسلة الصيدليات، هي شركة لإدارة الصيدليات اسمها "ألفا"، وشركة مصنعة للدواء اسمها "باكسل" وشركة أخرى اسمها "باكسل إن"، وكذلك شركة رئيسية قابضة تمتلك الأربع الشركات المذكورة.

وفي حين أشار الصباغ إلى أن كلا من الشركاء في سلسلة 19011 يرأس شركة من تلك الشركات الفرعية، أفاد بأن المصنع الذي سوف يتم توقيع العقد عليه، لم يتم الاتفاق على من يديره، في تصريح لا ينسجم مع فكرة المشاريع الكبرى، التي تنص على هيكل إداري واضح، في دراسة الجدوى المقدمة لإنشاء مصنع بهذا الحجم، وخاصة إذا كانت تلك الدراسة مقدمة من رجل بنجاح الصباغ وشركائه.

ذلك الحديث عن النشاط الواسع العابر للقارات، وبتلك السيولة الضخمة التي لم يمر على بدايتها 3 سنوات، دفع البعض للقول بأن ما يجري هو عملية لغسيل الأموال، خصوصا أن نشاط الصيدليات يشهد ركودا في الكثير من المحافظات.

غسيل أموال

العضو السابق في نقابة الصيادلة المصريين الدكتور أحمد رامي قال لـ"الاستقلال": "من المرجح أن ما يجري هو عملية لغسيل الأموال، خصوصا أنني على اطلاع بأن كل فروع سلسلة 19011 في الإسكندرية تشهد ركودا مستمرا، وتتكبد خسائر كبيرة مستمرة حتى الآن".

وأضاف رامي أن "حملة تفتيش على فرعين تابعين لصيدليات 19011، وجدت مخالفات بأدوية مهربة وأدوية غير مسجلة، وتم تشميع الفرعين، لكن التشميع لم يستمر، حيث تم فتح الفرعين بعد نصف ساعة فقط من تشميعها، ما يدفع للتساؤل من الذي له القدرة على فتح الفرعين خلال تلك الفترة القياسية التي لم تتجاوز نصف ساعة".

وتابع رامي "تأريخ تأسيس الصيدليات تزامن مع تولي عباس كامل رئاسة المخابرات العامة، وتولي محمود السيسي منصب نائب رئيس المخابرات، واسم السلسلة 19011 يشير إلى تأريخ ميلاد السيسي المولود في 19/11، وهو أمر يعد مخالفا للقانون الذي يفرض أن تكون الصيدلية باسم مالكها، غير أن هذه المخالفة لم تخضع للحساب.

رامي قال "مقدم الحلقة (عمرو أديب) أكد دون قصد فرضية علاقة سلسلة الصيدليات بالمخابرات العامة، وذلك في معرض حديثه، لدفع الشبهة عن المخابرات، حيث أظهر على الشاشة صورة واضحة لصحيفة الحالة الجنائية (الفيش والتشبيه)، الخاص بملاك الصيادلة الثلاثة".

صحيفة الحالة الجنائية، أظهرت حسب رامي، بخط واضح بأنها "مقدمة لمجلس الدفاع الوطني، وهو أحد مؤسسات جهاز المخابرات العامة، ما يؤكد فرضية أن هؤلاء الثلاثة يعملون، أساسا، في المخابرات العامة، ويؤكد، إلى جانب ذلك، تغول المخابرات العامة في البزنس، الذي غدت تنافس أبناء البلد في مصادر رزقهم".

وتابع رامي، "على أية حال، يجب أن يخضع هؤلاء الثلاثة للمحاسبة والمساءلة، للكشف عن مصدر الأموال التي افتتحوا بها أكثر من 100 فرع في أقل من 3 سنوات، مطالبا الشعب بالاستجابة إلى الحملة التي انطلقت بعد الحلقة لمقاطعة سلسلة 19011 التي تمارس الفساد المالي واستغلال النفوذ.

وأطلق مصريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج #قاطعوا_صيدليات_19011، دعوا فيها إلى مقاطعة السلسلة، استجابة لنداء الصيادلة، خصوصا بعد بث حلقة عمرو أديب التي أثارت تفاصيلها غضب واستفزاز قطاع كبير من المصريين.