العقيدة أم الدولة.. لأجل ماذا تقاتل المليشيات الشيعية بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في منطقة الشرق الأوسط، برزت مجددا جدلية "الولاء" لدى المليشيات العراقية، فهل تلتزم بموقف الحياد الذي تبناه العراق حيال الأزمة، أم أن توجهاتها العقائدية تفرض عليها أمرا آخر؟

تلك الجدلية ليست جديدة، وإنما تعود إلى الثورة السورية في عام 2011، حين استعانت إيران بمليشيات شيعية عراقية للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد ضد المعارضة السورية، ولا سيما في معركة حلب.

تبريرات رسمية

على الرغم من أن تلك المليشيات ذهبت للقتال في سوريا في عهد رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي الموالي لإيران بحجة الدفاع عن المراقد المقدسة، إلا أنها لم تنصاع إلى قرار سلفه حيدر العبادي الذي رفض قتال العراقيين في سوريا.

وقال العبادي خلال مؤتمر صحفي في ديسمبر/ كانون الأول 2016، إن "الحشد الشعبي هيكلة عراقية والمشاركة فيها جهات عراقية، وأي شيء خارج هذا ليست من عندنا. المشترك في الحشد الشعبي عليه أن يلتزم بالقوانين والسياسة العراقية باحترام السيادة العراقية وسيادة دول الجوار أيضا، هذا التزامنا".

وأضاف: "إذا تصرفت جهات أخرى خارج هذا، فإنه ليس من عندنا، وأنا أدعو الجميع إلى الالتزام، ولا نريد أن نغرق في صراعات إقليمية أخرى، كلامنا واضح، نحن نحارب الإرهاب، نتعاون مع كل الدول في محاربته ونواجه الإرهاب".

وتابع العبادي: "حاولنا أن نُبعد العراق عن الصراع الإقليمي والطائفي والإثني والقومي. سوريا فيها صراع إقليمي وتحول إلى صراع طائفي شرس للأسف، وأنا يهمني أن تستقر سوريا والقضاء على داعش (تنظيم الدولة) الموجود شرق حلب، لكن أن يذهب عراقيون للقتال في منطقة أخرى، أدعوهم ألا يُحملوا العراق تبعات ذلك".

لكن العبادي عاد وحاول تبرير قتال المليشيات العراقية بسوريا، بالقول: "هناك أفراد من جميع دول العالم تقاتل في سوريا، وبالتالي هناك عراقي يحس بالظلم وبأن هناك إرهابا يقاتل في مكان ثان، يذهب لمقاتلته، وهذه ليست جديدة. من قديم كان هناك إشتراكيون يذهبون للقتال في إسبانيا وفي كوبا. هنا جزء عالمي يسمى حركات تحرير".

معركة عقائدية

وبدورها، دافعت المليشيات العراقية الموالية لإيران، عن مشاركتها في القتال بمعركة حلب التي وصفتها بصريح العبارة بأنها "معركة عقائدية ضد نواصب العصر".

وقال القيادي في "كتائب الإمام علي" أيوب فالح الربيعي المعروف بـ"أبي عزرائيل" في مقابلة تلفزيونية، إن "أهالي حلب، نبشوا سابقا قبور بعض الصحابة رضي الله عنهم، وحاولوا خلال هذه الثورة، الوصول إلى قبر السيدة زينب في دمشق".

وأكد أنهم لا يجدون حرجا في القول إنهم يذهبون للقتال في سوريا، دون موافقة من الحكومة العراقية، كون الحرب "عقائدية".

ولخص "أبو عزرائيل"، في نهاية حديثه، تبرير دخول المليشيات العراقية لسوريا بمثال، قائلا: "لو كان هناك حرامي يريد أن يدخل منزلك، لا تنتظره حتى يدخل، بل تذهب إليه".

وعلى الوتيرة ذاتها، هاجمت مليشيا "النجباء"، كتلا سياسية عراقية ومنهم كتلة "متحدون" التي طالبت العبادي بسحب العراقيين الذين يقاتلون إلى جانب نظام بشار الأسد في معركة حلب، ووصفت قتالهم بأنه "مخجل".

وقال المتحدث الرسمي لـ"النجباء" هاشم الموسوي، في بيان، إن "على أشباه الرجال أن يصمتوا عندما تتحدث رجالات المرحلة في ساحات المواجهة والقتال". ولفت إلى أن "تاريخ المقاومة أصدق وأنبل وأشرف وأطهر من تاريخ أذناب المحتل وأدوات المخابرات الدولية وأبواب الإرهاب المشرعة لغزو العراق"، وفق تعبيره.

ورأى أن "التعدي السافر والوقح من قبل كتلة (متحدون) على المقاومة الإسلامية ينِم عن حقدهم الطائفي المقيت وبكائهم على جبهة النصرة وداعش في سوريا والعراق".

رفض العبادي القتال في سوريا، خالفه زعيم مليشيا بدر هادي العامري، الذي أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني، أن "الحشد الشعبي سيدخل إلى سوريا بطلب من الحكومة الشرعية  بقيادة بشار الأسد بعد الانتهاء من تحرير الأراضي العراقية المحتلة من تنظيم الدولة"، وفق وصفه.

كما قال زعيم مليشيا "كتائب أبو الفضل العباس" أوس الخفاجي، في 7 أبريل/نيسان الماضي، عقِب الهجوم الصاروخي الأمريكي على سوريا، إن الولايات المتحدة وإسرائيل هما "سبب كل مشاكل المنطقة".

وأضاف: "إذا هاجموا سوريا، لدي واجب ديني ووطني بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي". وعن رفض حكومة بلاده، قال الخفاجي: "إذا حرمنا رئيس الوزراء العبادي من القتال في سوريا فإن ذلك سيكون خطأ ذا أبعاد تاريخية، المقاومة لا تحتاج إلى إذن من أحد".

تكرار التجربة

مع بدء التصعيد الأمريكي الإيراني فيما عُرف بـ"الحرب الناقلات النفطية" في منطقة الخليج، عاد الحديث عن استعداد المليشيات العراقية للقتال إلى جانب إيران ضد الولايات المتحدة الأمريكية، رغم حديث الحكومة العراقية عن وقوفها على الحياد من الأزمة.

وأعلن زعيم مليشيا "كتائب سيّد الشهداء" في العراق أبو آلاء الولائي، إن "الفصائل المسلحة لا علاقة لها بموقف الدولة العراقية في الصراع الأمريكي الإيراني، فهي ستُقاتل مع إيران لأنها تنطلق من دافع عقائدي".

وأضاف: أن قتالهم في سوريا كان من منطلق عقائدي، والشيء نفسه اليوم مع أمريكا، "فجميع المصالح الأمريكية معرضة لهجماتنا، والجنود الأمريكان في العراق هم رهائن لدينا مع وقف التنفيذ".

ورفض الولائي الافصاح عن موقفه في حال وقفت الدولة العراقية ضد المليشيات المتضامنة مع إيران، لكنه قال: إن "التنظيمات الشيعية قاتلت مع إيران ضد نظام صدام حسين لأنه كان "مجمع الشرك".

واستدرك قائلا: "في العراق اليوم، فإن جميع رؤساء حكومات مع بعد الاحتلال الأمريكي هم أصحاب عقيدة شيعية ومنهم عادل عبدالمهدي، وكلها تؤمن بما نطرحه".

وبنفس السياق، أكد القيادي في مليشيا "بدر" والنائب في البرلمان كريم عليوي في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن العراق سيشارك في الحرب الإيرانية – الأمريكية حال وقوعها، بوقوفه مع طهران ضد واشنطن.

وقال عليوي، في حديث صحفي، إن "الولايات المتحدة الأمريكية في حال شنت حربا على إيران، فسيكون العراق مشارك بهذه الحرب، دون موافقة أمريكا أو إيران".

عليوي ذهب إلى أبعد من ذلك، بالقول إن "العراق سيدخل بهذه المعركة سواء قبلت الحكومة العراقية بذلك أو لم تقبل، فسوف تكون هناك معركة داخل العراق مع القوات الأمريكية، فالشعب العراقي لديه علاقات تاريخية وعقائدية".

هادي العامري زعيم مليشيا بدر مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني

وهدد النائب العراقي بالقول إن "المقرات والقواعد الأمريكية لن تكون بمؤمن من العراقيين في حال الحرب بين واشنطن وطهران. هذا لا يعني أن الحكومة العراقية، هي من ستقاتل، لكن الشعب سيقوم بذلك، وحتى الحكومة لا تستطيع منع الشعب من ذلك".

تصريحات عليوي لم تكن الوحيدة بهذا الاتجاه، فقد أعلن في وقت سابق زعيم مليشيات "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي في مقابلة تلفزيونية، أن "فصائل المقاومة" ليست جزءا من الحشد الشعبي التابع للحكومة العراقية.

وقال الخزعلي في تصريحات أطلقها بشهر مارس/آذار 2014 جاء فيها: "نقاتل في سوريا ولا يستطيع أحد أن يمنعنا. من يُصدر فتوى في هذا الخصوص ويريد منعنا من الدفاع عن ضريح السيدة زينب ليضرب رأسه بالحائط". 

ولم تُخف "العصائب"، أنها تضع العراق كواجهة في أي صدام إيراني مستقبلي مع واشنطن، إذ قال النائب في البرلمان عن المليشيا حسن سالم إن "أي اعتداء أمريكي على إيران هو اعتداء مباشر على الدول الإسلامية، بغض النظر عن مواقف بعض الدول العربية والإسلامية من إيران".

وأضاف سالم أن "أمريكا إذا ما حاولت الإقدام على إعلان الحرب على إيران فإنها ستقع في ورطة كبيرة وربما ستفقد هيمنتها على العالم كدولة عظمى".

مليشيات ولائية

تنقسم المليشيات في العراق التي يصل عددها إلى 66 فصيلا إلى نوعين منها ما يُطلق عليها "عقائدية" وأخرى "ولائية"، وتختلف من واحدة إلى أخرى في التعاطي مع القضايا المحلية الإقليمية والدولية.

"العقائدية" بحسب الخبير العراقي في شؤون الجماعات الإسلامية هشام الهاشمي، هي "الفصائل التي تشكلت استجابة لفتوى الجهاد الكفائي التي دعت إليها المرجعية الدينية الشيعية في النجف لمحاربة تنظيم الدولة بعد اجتياحه للعراق في يونيو/حزيران 2014.

أما الفصائل "الولائية" فيُفسرها الهاشمي، على أنها "الموالية لنظام الولي الفقيه في إيران علي خامنئي"، في إشارة إلى أنها تشكلت برعاية إيرانية وتأتمر بإمرتها من منطلق عقائدي ديني.

وأكد الهاشمي، أن "قادة الخط الولائي الملتزم بالمنهج الإيراني هو الذي يقود هيئة الحشد الشعبي في العراق، خلافا لسرايا السلام (بزعامة مقتدى الصدر) وفرقة العباس (تابعة لمرجعية علي السيستاني في النجف) اللتان لهما مشاكل معروفة مع ذلك الخط".

وحول الفصائل التي تعمل خارج مظلة الحشد وتُوالي الخط الإيراني وتقاتل خارج العراق، رأى الهاشمي أن "سبع فصائل رئيسة ينطبق عليها هذا التوصيف، ومنها حركة النجباء وكتائب (حزب الله) وسرايا الخرساني".

إلا أن الثابت والمؤكد، بحسب الهاشمي، هو عدم وجود جهة واحدة تعمل خارج هيئة الحشد مائة في المائة، إنما يكونون في العادة جزءاً من الحشد ويأخذون مرتبات منه، والجزء الآخر يعمل خارج العراق ويتلقى الدعم من إيران، بمعنى أنهم يأكلون على الجهتين.