"في سيناء نأخذ إجراءات أمنيّة لتأكيد سيادتنا عليها، ولنُؤكد أننا لن نسمح بأن تُتخذ سيناء قاعدةً لتهديد جيراننا أو منطقة خلفية لهجمات ضد إسرائيل"، كلمات استهلَّ بها عبدالفتاح السيسي حكمه لمصر، في مقابلة مع قناة "فرانس 24" في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، معلناً بداية عهد جديد وغير مسبوق في تاريخ مصر من التطبيع مع تل أبيب.
مع العودة إلى زمن ما قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما وصف وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن إليعيزر، الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أنه "بمثابة كنز إستراتيجي بالنسبة لإسرائيل".
لكن السيسي فاق مبارك قولاً وفعلاً، مع لقاءات متعددة ومستمرة، مع اللوبيات اليهودية العاملة على أمن إسرائيل في العالم، وعلى وجه الخصوص داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
موقع "إسرائيل ديفينس" نشر في 10 يناير/ كانون الثاني 2017، تقرير ذكر فيه، أنه "رغم أن عدد الجنود المصريين بسيناء يتراوح بين 20 إلى 25 ألف جندي وهذا ليس ضمن بنود معاهدة السلام، إلا أن مصر لا تُشكل تهديدًا على تل أبيب، فهي (حليف)، تحارب الإرهاب الذي يمكن أن يتسلل إلى إسرائيل".
وفي ظل الأحداث المتصاعدة الأخيرة في مصر، وعودة المظاهرات إلى الاندلاع مرة أخرى، تناولت إسرائيل التطورات بتحفّظ وتوجّس، من احتمالية زعزعة استقرار حكم السيسي، الذي توجّه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 74، وتلقي الدعم من إدارة الرئيس الأمريكي ترامب الذي وصفه بأنه "قائد عظيم" و"ديكتاتوره المفضل" حسب الصحف الأمريكية.
ولكن يبقى التساؤل مطروحا، "لماذا قدّم السيسي موعد زيارته إلى الولايات المتحدة؟"، إذ أنه وصل إليها في 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، قبل الموعد المحدد بثلاثة أيام، وهو ما تم تفسيره بمحاولته تلقي الدعم من الإدارة الأمريكية في ظل مظاهرات غاضبة اندلعت في عدد من المحافظات المصرية.
تناولت الصحافة الإسرائيلية في تغطيتها الإخبارية للمظاهرات التي خرجت مساء الجمعة 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، في مدن مصرية عدة، بشيء من التوجّس، والارتياب، واصفة إياها بأنها "نادرة"، منذ تولي السيسي مقاليد السلطة في مصر.
ورأى الكاتب الإسرائيلي اليميني أرئيل سيغل أنه "في حال عادت الحياة إلى ميدان التحرير، فإن هذا يُمثل أخباراً سيئة جداً لإسرائيل"، مؤكداً أن "مؤشرات عدم استقرار نظام السيسي، قد يجعل إسرائيل تواجه مجدداً سيناريو الرعب الذي خشيته بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير".
وعلّقت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية على الاحتجاجات المصرية، بالقول إنه "رغم وجود عدد قليل نسبياً من المتظاهرين في ميدان التحرير، إلا أن انتشار القصة على شبكات التواصل الاجتماعي يزيد من اكتسابها شعبية".
وقال الناشط الإسرائيلي "كوهين الياجوري" في منشور له على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إن "سقوط الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو سقوط للدولة المدنية بمصر وعودة الإرهاب لحكم مصر من جديد، وعودة الدعم العسكري لحركة حماس".
وفي ورقة بحثية صادرة عن معهد "القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية"، أعدّها نائب مدير المعهد الدكتور عيران ليرمان، قال: إن "فُرص السيسي في تحقيق الاستقرار في مصر أفضل رغم التحديات التي يواجهها، بسبب الدعم المتواصل الذي تُقدمه إسرائيل للسيسي ونفوذ تل أبيب لدى واشنطن، واستغلال ذلك لتعزيز التحالف الإستراتيجي بالشرق الأوسط والدعم المالي والعسكري للقاهرة، مع تجديد الإمارات والسعودية ضخ الأموال ومساعدة الاقتصاد المصري".
اعتمد السيسي منذ صعوده إلى الرئاسة في مصر إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، والتوسُّع إلى لقاءات مستمرة مع الحركة الصهيونية العالمية، وتلقّي الدعم الكامل منهم، وتحديداً في الولايات المتحدة.
توالت الزيارات المتبادلة بين السيسي وقيادات صهيونية رسمية وغير رسمية، حيث التقى في الفترة ما بين 2015 وحتى 2018 بنحو عشرين وفداً صهيونياً، ما بين جمعيات أو لوبيات أو حتى قيادات رسمية، وبعض هذه اللقاءات كانت سرية، ولم تعلن عنها الحكومة المصرية، وإنما أعلنتها وسائل إعلام تابعة للدولة العبرية.
ومن أبرز من التقاهم السيسي، الملياردير اليهودي الأمريكي "رونالد لاودر"، الذي التقاه 5 مرات في 3 أعوام، وهو الرجل الذي يرأس منظمة "المؤتمر اليهودي العالمي"، أو الكونجرس اليهودي العالمي، وهو من أهم المؤسسات والجمعيات الصهيونية في العالم، وهو اتحاد دولي للمنظمات اليهودية مؤلَّف من أكثر من 70 منظمة، ويسعى إلى تقوية الوحدة بين اليهود، والحفاظ على العادات الثقافية، والدينية، والاجتماعية اليهودية.
وخلال حلقة من برنامج "حديث الثورة" على قناة الجزيرة بتاريخ 20 مارس/ آذار 2015، أشار الدكتور خليل العناني أستاذ العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز، أن "العلاقات المصرية الإسرائيلية طالما استندت إلى فلسفة مفادها أن الطريق إلى واشنطن لا بد أن يمر عبر تل أبيب".
وقال: "إسرائيل قامت بدور عراب الانقلاب في واشنطن ومارست ضغطاً على الكونغرس للحيلولة دون التمادي في فرض عقوبات تقضي بتعليق المساعدات العسكرية الموجهة لمصر".
ولفت إلى أن "النظام المصري يُباهي اليوم ويُفاخر بعلاقاته القوية مع إسرائيل، معتبراً أن معاهدة السلام تُحقق لإسرائيل أكثر ما تُحققه لمصر".
وأوضح أن "النظام الأمريكي ليس كتلة واحدة متجانسة، فبقدر ما تبدو العلاقات بين البيت الأبيض وإسرائيل متوترة، يتعرّض الكونغرس لضغوط اللوبي الصهيوني الذي يسعى إلى أن تكون هذه المؤسسة داعمة للنظام الحالي في مصر".
وهو ما عضدته تفاصيل اللقاءات التي عقدها السيسي مع تشكيلة بارزة من الكتل اليهودية في العالم، واجتماعاته مع قادة ورؤساء تلك الهيئات.
وفي فبراير/ شباط 2017، التقى السيسي بمؤتمر الرؤساء وهو تحالف يضم عددًا كبيرًا من المنظمات الصهيونية العاملة في الولايات المتحدة، والتي تُنفذ أجندة اللوبي اليهودي هناك، وعلى رأسها منظمة "إيباك" اليهودية.
كما التقى جمعية "أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية"، والمهتمة بتفعيل المبادرات التعليمية والتدريبية لجنود الجيش الإسرائيلي، وتخفيف الضغوط المادية والعاطفية عن الكتائب المقاتلة، وتقديم المساعدات المادية وتنظيم الرحلات للجنود، بالإضافة إلى رعاية أرامل وأيتام القتلى من جيش الاحتلال، واستحضار شركات راعية للبرامج الطبية لمصابي الجيش الإسرائيلي.
ويضم المؤتمر أيضًا منظمة "الحركة الصهيونية"، وهي تعمل على دعم الهوية اليهودية للأراضي المحتلة، والدفاع عن مواقف إسرائيل الرسمية في الولايات المتحدة، وإعداد أجيال جديدة من القادة للعمل في إسرائيل.
وأيضًا مؤسسة الإصلاح الصهيونية والتي تعمل على تقديم الدعم المادي للمنظمات الشريكة في إسرائيل، وتشجيع السفر والرحلات السياحية إلى الأراضي المحتلة، وتقديم القادة والساسة الإسرائيليين إلى المجتمع الإسرائيلي.
ويضم كذلك "المؤسسة الصهيونية للحركات المحافظة"، والتي تعمل على الدعاية لوحدة الأمة اليهودية وحق اليهود في أرض إسرائيل التاريخية وعاصمتها القدس، ودمج المهاجرين اليهود من دول العالم في المجتمع الإسرائيلي، ودعم الحركات الرامية للتأكيد على الهوية الصهيونية لدولة إسرائيل.
كما يضم عشرات الجمعيات الأخرى مثل "الصهاينة المتدينون في أمريكا، و"أصدقاء الليكود في أمريكا".
واستضاف السيسي وفداً كبيراً من "مؤتمر الرؤساء" في القاهرة بشكل رسمي، وحسب ما نُشر في الصحف المصرية، فإن اللقاء تناول عدة موضوعات على رأسها استعراض للتطورات الإقليمية في ليبيا وسوريا، وأهمية مواصلة الدور التاريخي للولايات المتحدة في المنطقة. وأيضاً التباحث حول المجهودات ضد التنظيمات الإرهابية، وأهمية التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والقضاء على مصادر تمويله.
وفيما يلي استعراض زمني للقاءات التي جمعت السيسي بالمؤسسات الصهيونية على مدار السنوات السابقة:
طبيعة العلاقات بين النظام المصري في عهد السيسي، وإسرائيل، لم تقتصر على زيارات ولقاءات، بل امتدت إلى دعم بشكل فجٍ غير مسبوق، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2015، صوّتت القاهرة لانضمام إسرائيل لعضوية "لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي"، في سابقة كانت هي الأولى من نوعها بالأمم المتحدة واعترفت الخارجية المصرية بتصويتها لإسرائيل وقالت "إنها اعتقدت أن التصويت كان على زيادة أعضاء اللجنة، لا لصالح إسرائيل تحديداً".
ثم صوّتت مصر في سبتمبر/ أيلول 2015، لصالح الإسرائيلي "دورون سمحي"، لاختياره نائباً لرئيس اتحاد دول البحر المتوسط لكرة اليد، إضافة إلى دولة عربية أخرى، منها تونس.
وفي يونيو/حزيران 2016 صوّتت مصر لاختيار سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون، رئيسًا للجنة القانونية في المنظمة الدولية، بجانب دول عربية أخرى.
ووصف السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، انتخابه رئيسًا للجنة القانونية في الأمم المتحدة، بأنه "إنجاز لإسرائيل على الحلبة الدولية بعد 67 عامًا من عدم تعيين أي ممثل عنها في رئاسة أي لجنة دائمة للأمم المتحدة".