بدلا من جون بولتون.. لماذا اختار ترامب "المسيحي المحافظ"؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فتح تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المسيحي المحافظ روبرت أوبراين مستشاراً للأمن القومي الأمريكي، خلفاً لعراب الحروب جون بولتون، العديد من التساؤلات عن إمكانية حدوث تغيير في سياسة البيت الأبيض الخارجية قبل أن يبدأ ترامب مشوار الدفاع عن منصبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

حسب الملفات التي كان يُديرها بولتون، فإن الطريق أمام أوبراين لن يكون مفروشاً بالورود، حيث بات على الرجل أن يتجاوز العديد من حقول الألغام التي صنعتها سياسة بولتون المتطرفة في ملفات ساخنة كثير.

وأبرز تلك الملفات، الأزمة في فنزويلا، الخلاف مع كوريا الشمالية، والوضع الملتهب في الشرق الأوسط والتصادم مع إيران، وأخيراً حل باقي التعقيدات الموجودة في المفاوضات التي بدأتها الإدارة الأمريكية مع حركة طالبان.

من هو أوبراين؟

وفق التقارير الإعلامية والسيرة الذاتية التي نشرها البيت الأبيض، فإن المستشار الجديد للأمن القومي الأمريكي، كان واحداً من بين 10 مرشحين، وهو أحد المخضرمين في السياسية الخارجية الأمريكية، ويتمتع بشخصية هادئة، ولكنه في الوقت نفسه ينتمي لتيار المسيحيين المحافظين.

ولد أوبراين في مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، وتخرج في كلية القانون بجامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي عام 1991، وخدم بالجيش الأمريكي برتبة رائد في القوات البرية.

خلال مشواره المهني، عمل في عدد من شركات المحاماة، وخلال الفترة من 1996-1998 عمل محامياً لدى مجلس الأمن الدولي في جنيف، كما حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف، وعُيّن عضواً في مجلس المحيط الهادئ للسياسة الدولية، وعُيّن في منصب رئيس مشارك للشراكة بين القطاعين العام والخاص بالخارجية الأمريكية لإصلاح العدالة في أفغانستان، تحت قيادة كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون.

شغل أوبراين منصباً رفيعاً في اللجنة الاستشارية الأمريكية للملكية الثقافية، التي من شأنها تقديم المشورة للحكومة الفيدرالية في القضايا المتعلقة بالإتجار بالآثار وغيرها من المواد الثقافية، إلا أنه منذ عام 2005 بدأ المشوار المهني لأوبراين بالتغيُّر، حيث رشحه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وبموافقة مجلس الشيوخ، ليكون ممثلاً للولايات المتحدة في الدورة الـ60 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي عام 2016 عين أوبراين مبعوثاً خاصاً للرئيس الأمريكي لشؤون تحرير الرهائن، وفي هذا المنصب قدّم المشورة للقيادة الأمريكية العليا في قضايا الرهائن والمعتقلين الأمريكيين، وأيضاً عمل على تطوير إستراتيجية استرداد الرهائن وتنفيذها بالولايات المتحدة.

وكانت آخر القضايا التي أسهم أوبراين في معالجتها ضمن المنصب الأخير، الإفراج عن مغني الراب الأمريكي أساب روكي، الملاحق بتهمة ممارسة العنف في السويد.

أوبراين وإيران

ورغم أن أوبراين كان عضواً فاعلاً في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إلا أنه اعترض بشدة على الاتفاق النووي الذي وقّعته واشنطن والدول الأوروبية المعنية مع إيران، والذي بمقتضاه بدأت أمريكا في رفع الحظر الذي كان مفروضاً على طهران.

وقد بنى أوبراين اعتراضه على الاتفاق باعتبار أن إيران دولة راعية للإرهاب، وتعمل على تصديره للعالم، وتُمثل تهديداً لجيرانها وللمصالح الأمريكية في المنطقة، وتُهدد بشكل مباشر أمن إسرائيل.

وحسب تحليل لشبكة "بي بي سي" البريطانية، فإن موقف أوبراين من إيران كان سبباً ليستمر في إدارة ترامب، الذي يتخذ موقفاً عدائياً من أوباما وفريقه المعاون، وذهبت الشبكة إلى المستشار الجديد للأمن القومي رغم أنه يتمتع بالهدوء، على عكس سابقه بولتون، إلا أن انتمائه لفريق المسيحيين المحافظين، يُثير التساؤلات بشأن آرائه ومواقفه في القضايا الشائكة للولايات المتحدة.

ويري البعض أن أوبراين عليه تقديم حلول للإدارة الأمريكية بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الإيرانية المتصاعدة بالشرق الأوسط، خاصة بعد الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو السعودية، وانتشار الحديث عن ضلوع طهران في الهجوم، ومطالبة السعودية باتخاذ موقف دولي تجاه الاعتداءات الإيرانية المتكررة ضد المملكة.

ويُشير متابعون إلى أن ما زاد من تعقيد موقف أوبراين قبل أن يتسلم مهام منصبه، ما صرّح به سلفه جون بولتون بعد أيام من الهجوم على أرامكو، حيث وجّه بولتون خلال مشاركته في جلسة خاصة في معهد غيتستون المحافظ والمختص بقضايا الإسلام والشرق الأوسط، انتقادات شديدة اللهجة لملف السياسات الخارجية في إدارة ترامب.

ووفق ما نشره موقع “بوليتيكو” الأمريكي فإن بولتون ركّز بشكل خاص على فشل إدارة ترامب بملفي إيران وكوريا الشمالية، مشدداً على أن أي مفاوضات مع الدولتين محكمة عليها بالفشل، لأنهما لا ترغبان إلا في تخفيف العقوبات المفروضة عليهما وليست لديهما أي نية للتخلي عن طموحاتهما النووية.

فيما يتعلق بإيران قال بولتون إن "قرار ترامب الامتناع عن شنّ ضربات عسكرية على إيران رداً على إسقاطها طائرة مسيرة أمريكية أوائل الصيف الماضي، شجّع الجمهورية الإسلامية على تفعيل عدوانها في الأشهر الأخيرة، ولو لم يرفض ترامب خطة الخيار العسكري حينئذ لما استُهدفت منشآت أرامكو السعودية أواخر الأسبوع الماضي".

دعم أم تراجع؟

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، سأل ترامب المرشحين العشرة لمنصب بولتون، عن موقفهم من شكل سياسته الخارجية التي تهدف للانغلاق والتراجع عن التمدد الذي قامت به الإدارات السابقة للبيت الأبيض، وعلى ما يبدو فإن الإجابة التي قدمها أوبراين هي التي شجعت ترامب على اختياره دون باقي المرشحين للمنصب.

وتُشير الصحيفة إلى أن ترامب ربما يكون تسرّع في إقالة بولتون نتيجة الخلاف والتناحر بينهما بشأن خمسة ملفات أساسية، يتعيّن على أوبراين أن يخالف بولتون فيها، وهي أفغانستان وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وروسيا.

وفي نفس الاتجاه، ترى صحيفة "واشنطن بوست" أن ترامب اختار أوبراين وفقاً لحاجته لشخصية غير جدلية ومطيعة ومتناغمة معه في الملفات السابقة، والموقف من إيران على وجه التحديد. وعلى حد تعبير أحد المسئولين في البيت الأبيض للصحيفة فإن أوبراين "يتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع، وهو ألطف شخص على وجه الكوكب، وهو ما يناقض كلياً جون بولتون".

وبالعودة لما كتبته "نيويورك تايمز"، فإن تعيين أوبراين يُخلي الساحة لوزير الخارجية مايك بومبيو ليظل محتفظاً بمنصبنه ككبير مستشاري الرئيس للسياسة الخارجية، خاصة وأن أوبراين لا يحب الظهور، كما أنه ليس أيديولوجياً لا يمكن كبحه أو مبادر في السياسة الخارجية أو خبير في عملية بناء قرار جماعي، بل هو موظف سيوفر غطاء رسمياً لآراء الرئيس وخطواته التي غالباً ما تكون غريبة.

ونقلت شبكة CNN الأمريكية، عن أحد المسئولين بالبيت الأبيض أن اختيار أوبراين خلفاً لبولتون، يُشير لسياسة ترامب "في بناء التوافق داخل إدارته، وليس الاستعراض"، في إشارة إلى أن أوبراين لن يهتم بإبراز أهمية منصبه وإنما سيعمل مع الآخرين في الإدارة بشكل أفضل مما فعل بولتون، خاصة وأن خبرته سواء في مجال الأمن القومي أو السياسة الخارجية أقل بكثير من سابقيه، ومن المعنيين بهذا الملف في الخارجية الأمريكية.