المشاريع الزراعية للجيش في مصر.. وطنية أم استئثار بالمكاسب؟

عبدالرحمن سليم | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

مثّلت المقاطع المصورة التي نشرها الفنان والمقاول المصري محمد علي، عاملاً مشجعاً لكثير من المصريين في نشر الفساد المستشري داخل المؤسسة العسكرية. من هؤلاء، ضابط بالجيش نشر مقطعاً صوتياً تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث فيه عن المزارع الضخمة التي تتبع القوات المسلحة، والتي تستغل الجنود المنضمين إجبارياً للخدمة، في تنفيذ مشروعات بنظام السخرة.

في عهد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، تحوّلت مؤسسة الجيش في مصر إلى ماكينة اقتصادية كبرى ومتوحشة، باتت تزاحم المدنيين في كل شيئ، وتستحوذ على المشروعات، مستغلة المزايا الخاصة التي لا يحصل عليها غيرها، بناء على قوانين وضعت خصيصاً لفسح هذا المجال.

أباطرة أم جنود؟

منذ ثورة يوليو/ تموز 1952، و"إمبراطورية الجيش" تُسيطر على مقاليد الحكم في مصر، ممثلة في عدد من الرؤساء الذين أفرزتهم المؤسسة العسكرية، باستثناء سنة واحدة لرئيس مدني منتخب، هي فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.

منذ انقلابه على الملكية في مصر مثل الجيش طرفاً رئيساً في مقاليد الاقتصاد، ابتداءً من السيطرة على الممتلكات الباشوية وتأميمها، إلى الدخول في التصنيع المحلي والتحديث الاقتصادي، متخذاً "التنمية التي تقودها الدولة" شعاراً مكّنه من قيادة قاطرة الصناعة والخدمات العامة.

وُجّهت موارد الدولة نحو الجيش في فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، ولعب مهندسو الجيش ومقاولوه دوراً رئيساً في مشاريع استصلاح الأراضي وتوفير السلع الأساسية، وإنتاج السلع الزراعية كالسماد ونحوه، إضافة إلى تعيين ضباط مكان مدراء المصانع المدنيين.

جاء عهد السادات ليحدث تحوّل محدود في الأنشطة الإنتاجية للجيش، إذ جرى التركيز على الصناعات الدفاعية، لكن ذلك لم يمنع الجيش من ممارسة سيطرته على مفاصل الاقتصاد، واستمر ذلك في عهد مبارك، حيث تعدّت صلاحيات الجيش إلى الحصول على امتيازات مالية وصناعية، كان من أهمها تسخير المجندين في الأعمال غير العسكرية.

مثّل انقلاب السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013 باباً أوسع للمؤسسة العسكرية لتدخل من خلاله إلى كسب مواقع جديدة في الاقتصاد المحلي، خاصة في ظل اختفاء طبقة الضباط المحاربين.

ويتكّون الجيش المصري حالياً مما يُقارب نصف مليون مجند لم يُقاتلوا منذ حرب 1973، بمن فيهم قائدهم الأعلى عبدالفتاح السيسي، ورغم ذلك لم يُقلّص عدد الجيش أو نصيب المؤسسة العسكرية من الموازنة العامة للدولة.

دخول الجيش إلى مجالات مدنية بحتة، صاحبه تبريرات متعددة صدرت من رأس الدولة أو أعوانه، متحدثة عن ضخامة السوق المصري، واحتياجه لكثير من المورِّدين، وأن دخول الجيش سيُساعد على تثبيت الأسعار، تلك المعاني التي ترجمها السيسي بتصريحاته عند افتتاح 1300 صوبة زراعية على مساحة 10 آلاف فدان في قاعدة محمد نجيب العسكرية، في 17 أغسطس / آب الماضي.

مشاريع طموحة

في ديسمبر/ كانون الأول 2018 وعد السيسي المواطنين البسطاء بتمكينهم من تناول طعام "أورجانيك" أو طعام عضوي ينتجه الجيش، الذي قال إنه يقتصر على الأغنياء.

كان ذلك خلال افتتاح محطة للصوب الزراعية أنشأتها الشركة الوطنية للزراعات المحمية التابعة للجيش، في مدينة العاشر من رمضان شمال شرقي القاهرة، وهي جزء من مشروع قومي يستهدف إنشاء 100 ألف فدان من الصوب الزراعية في عدة مناطق.

اللواء مصطفى أمين مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهو الجهاز الذي تتبعه العديد من شركات الجيش ومن بينها الشركة الوطنية للزراعات المحمية، قال إن مصر ستصبح ثاني أكبر دولة في العالم في مجال زراعة الصوب بعد اكتمال إقامة مشروع 100 ألف فدان، مضيفاً: أن المشروع يهدف إلى زيادة إنتاجية الخضروات والفواكه وخفض أسعارها وترشيد استهلاك المياه بالإضافة إلى توفير فرص عمل للشباب.

وحسب أمين، فمن المقرر أن تُحقق المرحلة الأولى بعد اكتمالها إنتاجية تُقدّر بنحو 1.5 مليون طن سنوياً من الخضروات والفواكه تُعادل إنتاجية أكثر من 150 ألف فدان من الزراعات المكشوفة، وفق ما نقلت وكالة يورو نيوز الإخبارية.

الصوب الزراعية

بدأ الحديث عن مشروع الصوب الزراعية في أكتوبر / تشرين الأول 2014، بإعلان وزير الزراعة وقتذاك عادل البلتاجي، تأسيس شركة مدنية لا علاقة لها بالقوات المسلحة، تكون نواة لاستصلاح مليون فدان، وإنشاء مشروع للصوب الزراعية من خلال الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وقطاع استصلاح الأراضي وقطاع الزراعة الآلية، وجهاز تحسين الأراضي التابعة لوزارة الزراعة، حسب صحيفة اليوم السابع المحلية.

كان من المخطط حسب تصريح البلتاجي، أن تقوم الحكومة بتوزيع الأراضي على الشباب الخريجين والفئات الاجتماعية وأبناء الشهداء والمستثمرين، بحيث يحصل كل شاب على أسهم تُعادل قطعة الأرض الزراعية، بالإضافة إلى فرصة للعمل في الشركة، في حين تقوم الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية باستصلاح الأراضي الصحراوية ورسم سياسة التوطين في الأراضي المستصلحة، بهدف تحقيق توزيع الكثافة السكانية المتمركزة في المدن.

وفي يونيو / حزيران 2016 أعلن وزير الزراعة الجديد عصام فايد، انتهاء وزارة الزراعة من إعداد دراسات المشروع القومي للصوب الزراعية، وإنشاء مجتمعات زراعية تنموية متكاملة وإتاحة فرص عمل جديدة للشباب.

فايد التقى المستشار الزراعي لجمهورية هولندا، يوست جيجير، لبحث التعاون في إنشاء 100 ألف صوبة زراعية، وبعد ذلك بشهرين أعلن وزير الزراعة سفره إلى أوروبا على رأس وفد رسمي للتعرُّف على التجربة، حسب ما نقلت صحيفة الأهرام المحلية.

بعد عودة وزير الزراعة من جولته الأوروبية بأربعة أشهر، وتحديداً في ديسمبر/كانون الأول 2016، تفاجأت وزارته بقرار السيسي بسحب مشروع الصوب منها، وإسناده إلى الجيش الذي سارع إلى تأسيس "الشركة الوطنية للزراعات المحمية".

السيسي تذرَّع وقتها بـِ "المساهمة في سد الفجوة الغذائية المحلية وإتاحة فرص عمل للشباب الخريجين والعمالة الزراعية، مع تدريب كوادر عالية الكفاءة للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة في مجال الزراعات المحمية" حسب موقع مشروعات الخدمة الوطنية على الإنترنت.

ذريعة مكررة استخدمها الجيش في مجالات متعددة، فكما برّر الاستحواذ على مشروع الصوب الزراعية بوجود فجوة في إنتاج الخضر، برّر أيضاً استيلاءه على المزارع السمكية شرق بورسعيد، وشرق قناة السويس وبركة غليون بمحافظة كفر الشيخ بحجة سد الفجوة السمكية، كما افتعل الجيش أزمة لبن الأطفال ليتسنّى له الدخول على خط الإنتاج، وفقاً لموقع الجزيرة نت.

مزايا خاصة 

تضخم جيوب عدد من ضباط الجيش وتغولهم في كافة مناحي الحياة وتسخيرهم الجنود وعدم تفرغهم لمهنتهم الأساسية واتخاذهم من الزي العسكري غطاءً لتوسُّع اقتصادهم، أثار حفيظة قطاعات واسعة من المصريين، وأحيا الدعوات القديمة بوضع شركات الجيش وذمة الضباط المالية تحت الرقابة الشعبية، حسب المعهد المصري للدراسات.

مزايا خاصة تمتعت بها مؤسسات الجيش الاقتصادية، من أبرزها: استخدام عمالة رخيصة، إذ أن معظم العاملين في تلك المؤسسات من الجنود، بينما يُمثل الموظفون المدنيون نسبة ضئيلة تتقاضى رواتب قليلة، كما شاع بين الضباط تسخير الجنود للخدمة في مزارعهم وشركاتهم وحتى بيوتهم.

يضاف إلى تلك المزايا، عدم وجود رقابة برلمانية على الجيش واستقلاليته عن باقي مؤسسات الدولة، وتداخل ملكية الضباط الخاصة مع المزايا التي يحصلون عليها مع ملكية الجيش نفسه، لذلك لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الأراضي التي يمتلكها العسكريون.

ساعد على ذلك حزمة من قوانين القضاء العسكري التي تم تعديلها عقب ثورة 25 يناير / كانون الثاني 2011، من قبل المجلس العسكري، وتم إضافة مادة تُعطي النيابة والقضاة العسكريين وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش حتى لو بدأ التحقيق بعد تقاعد الضابط.

كما أصدرت الحكومة قانوناً في أبريل/ نيسان 2014 يُقيّد حق الأطراف الأخرى في الطعن على العقود التجارية والعقارية الموقعة مع الدولة، وبموجب هذا القانون اقتصر حق التقاضي على الحكومة والشركات المشاركة في الصفقة فقط، ما أدى لاحقاً إلى الحد من الرقابة والمساءلة الشعبية على مناقصات وعقود الحكومة، حسب دراسة نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

لكن المزية الأكبر تكمن في كون خدمات ومشروعات الجيش معفاة من الجمارك والضرائب، كما تحصل على الطاقة وخدمات النقل والأرضيات وغير ذلك مجاناً دون مقابل.

تدمير الفلاحة

توسُّع القوات المسلحة في مشروعات الخدمات الزراعية سيُنتج آثاراً سلبية خطيرة سيُعانيها المزارعون في مصر، حذّر منها اقتصاديون واختصاصيون في الشؤون الزراعية، مؤكدين أن الجيش بدأ فعلياً في احتكار المنتجات الزراعية، بعد احتكاره أسواق العقارات والمواد البترولية، ومواد البناء، واللحوم والأسماك، حسب مختصين.

نقيب الفلاحين ووكيل لجنة الزراعة بالبرلمان المصري سابقاً عبدالرحمن شكري أكد لـِ"الاستقلال"، أن "مشاريع الصوب الزراعية التي يفتتحها الجيش باستمرار، تُمثل ضغطاً هائلاً على الفلاح الذي يُعاني من تدهور أوضاعه المعيشة نتيجة قرارات حكومة السيسي التي تقضي على الزراعة وخصوصاً المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والقطن والقصب والأرز".

شكري قال إن "تدخل الجيش في الزراعة يأتي في ظل وجود أعباء كثيرة مضافة على المزارعين، إذ لا يحصلون على دعم من الحكومة فيما يخص أرضهم التي يزرعونها، كذلك فإن الجمعيات التعاونية لم تعُد تقوم بدورها في الدعم المقدم للفلاحين، حتى على مستوى الدعم الإرشادي والتثقيفي".

شكري أوضح أن اعتماد المزارع على "التقاوي" الفاسدة، والمبيدات والمخصبات المغشوشة، في مقابل اعتماد الجيش في زراعة الصوب على أفضل الأسمدة والمبيدات، إضافة إلى وجود خبراء زراعيين، وفوق كل ذلك، يصبح المنتج في نهاية الأمر أرخص سعراً وأكثر جذباً للمواطن".

وأضاف، أن "تدخُّل الجيش في قطاع الزراعة تتركز مكاسبه في صالح الجيش الذي يضمن احتكار قطاع جديد يُوفر أموالاً طائلة، لكن الخسائر الناتجة عن ذلك يتحمّلها المواطن على المدى البعيد، إذ إن هذه الأموال لن تعود عليه بالنفع، فهي غير خاضعة للضرائب، ولا تدخل ضمن موازنة الدولة".