8 سنوات على إسقاط نظامه.. محاولات أنصار القذافي للعودة مستمرة

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور أكثر من 8 سنوات على اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط 2011 في ليبيا، التي نجحت في إسقاط نظام العقيد المقتول معمّر القذّافي، إلا أن محاولات الدولة العميقة وأنصار النظام القديم للعودة إلى صدارة المشهد وسُدة الحكم مرة أخرى لم تتوقف على الإطلاق.

ورغم إلغاء الاحتفالات بذكرى انقلاب "الفاتح" 1969، التي أَطلق عليها القذافي "ثورة الفاتح" بكل مظاهرها، إلاّ أن بقايا من مناصري العقيد الراحل ما زالوا يُحيون هذه الذكرى داخل البلاد وخارجها.

ومع حلول الذكرى مطلع سبتمبر/أيلول من كل عام، يقوم بعض الليبيين في عدد من المدن برفع الرايات الخضراء، وتبث قنوات تلفزيونية مؤيّدة لنظام القذافي فعاليات احتفالية.

"انقلاب الفاتح"

قبل 50 عاماً، استولى 12 ضابطاً في الجيش الليبي على السلطة في انقلاب أبيض. ولأن الحدث وقع في اليوم الأول أو "الفاتح" من أيلول/سبتمبر 1969، أصبح الانقلاب معروفاً بثورة الفاتح.

في البداية، كان مجلس قيادة الثورة هيئة وهمية: لم يتم الإعلان عن أسماء أعضائه حتى كانون الثاني/يناير عام 1970. عندئذ اتضح أن قائد هذا المجلس كان المقدّم معمر القذافي الذي تمت ترقيته إلى رتبة عقيد في اليوم الذي تلا الانقلاب.

يومها أعلن القذافي قائد حركة الضباط الوحدويين في الجيش الليبي، السيطرة على الإذاعة الليبية في بنغازي ومحاصرة الملك محمد إدريس السنوسي، ومن ثم الاستيلاء على السلطة في ليبيا. هذا اليوم تحوّل لاحقاً إلى عيد وطني في ليبيا، تُنظّم من أجل الاحتفال به المهرجانات الضخمة التي تستمر لأيام طويلة.

دعوات أطلقتها أسرة القذافي للاحتفال مجدداً بذكرى وصول القذافي لسدّة الحكم في ليبيا، لاقت صداها في مدن ليبية مثل مدينة بدر الصيعان، رفع المتظاهرون خلالها العلم الليبي السابق الذي كان مستخدماً أثناء فترة حكم القذافي، ورددوا هتافات مؤيدة له.

أسرة القذافي التى لا تزال موجودة على الساحة الليبية، نقلت عنها "بوابة إفريقيا الإخبارية" دعوتها للاحتفال بذكرى ثورة الفاتح، وقالت العائلة عبر صفحتها  على فيسبوك "رغم حجم المؤامرة على ثورة الفاتح من سبتمبر، ورغم حملات التشويه التي استهدفت هذه الثورة العظيمة وقيادتها التاريخية، إلا أن الشعب الليبي ومعه أحرار العالم أبى إلا أن يخرج للشوارع وفاءً لقائده الرمز معمر القذافي، واعتزازاً بثورته المجيدة واحتفاءً بالفاتح العظيم في ذكرى عيده الخمسين".

في الوقت نفسه، احتفل ليبيون في مصر بالذكرى الخمسين للثورة. وقالت جبهة النضال الوطني الليبية في بيان يوم 1 أيلول/ سبتمبر الجاري: إن "الاحتفالات كانت تحت شعار عقود زاخرة بالعطاء والتحديات. وحضرها جمع كبير من الليبيين وبعض القوى القومية الأخرى. وتمر ذكرى 50 عامًا على ثورة الفاتح في ليبيا وسط حالة من الاحتقان، دون احتفالات كبيرة، باستثناء بعض المناطق التي لا تزال تذكر الزعيم الراحل ومآثره".

وفي تونس، جمعية ليبية تُطلق على نفسها و"اعتصموا" و''الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا" نظَّما احتفالاً في منتجع ياسمين الحمامات السياحي بحضور عدد من الجالية الليبية ونشطاء من المجتمع المدني التونسي وممثلين عن أحزاب.

شارك في الحفل أنصار التيار القومي بتونس، من بينهم حزب "التكتل الشعبي من أجل تونس" الموالي لنظام القذافي. وكتب المحامي التونسي والناشط البارز ضمن التيار القومي العربي البشير الصيد أحد الحاضرين في الحفل في تدوينة له "يحتفل الليبيون في ظل القومية العربية المفقودة بين كراسي الحكام".

وتزيَّنت قاعة الاحتفال بصور القذافي ونجله سيف الإسلام والرايات الخضراء المميزة لنظام حكمه، فضلاً عن إذاعة الأغاني الوطنية القديمة الممجدة له والنشيد الوطني الليبي القديم "الله أكبر فوق كيد المعتدي".

سيف الإسلام القذافي

سيف الإسلام نجل معمر القذافي استغل الذكرى ووجه رسالة إلى أنصار والده الذين خرجوا في احتفالات، قرأها نيابة عنه محاميه خالد الزايدي وبثت عبر قناة الجماهيرية العظمى التي تبث من مصر.

نجل العقيد الراحل قال "إلى كل الجماهير، التى خرجت لتُحيي ذكرى تعني لها الشيء الكثير، لهم ولبلادهم وللعالم، إلى كل الجماهير التي خرجت لتُحيي ذكرى الحرية والسيادة.. الاستقلال والكرامة الحقيقية، الأمن والأمان".

القذافي انتقد الوضع الذي تعيشه ليبيا بعد سقوط نظام أبيه قائلاً: "إلى كل شعبنا الوفي المكابد، الذي يُعاني أسوأ ظروف العيش بسبب نكبة ومؤامرة، لم تمنعه من أن يخرج مهللاً ومبتهجاً ليُعبر عن ذكرى لحظة تاريخية فارقة في حياته وحياة أبنائه". 

توجّه سيف الإسلام إلى جميع من شارك في الاحتفالات قائلاً: "إلى كل جماهير شعبنا، التي احتفلت بذكرى ثورة حقيقية، ثورة شعبية، والتى رفعت صور مفجّرها ورمزها وقائدها، القائد العظيم معمر القذافي، الذي تذكره الأجيال احتراماً وتقديراً، واعترافاً وتبجيلاً".

مضيفاً: "إلى كل هؤلاء الشرفاء الأحرار الأوفياء في بلادنا وفي مختلف أنحاء العالم، الذين يُقدرون دور الأبطال التاريخيين في صناعة الفارق، والذين يُجلّون ويعترفون بدور معمر القذافي ورفاقه في تغيير حياتهم وفك قيودهم، والذين يعاهدونه على الصمود على طريقه، والسير على هدي فكره، لنيل الحرية والاستقلال، وتحقيق العزة والمجد بقهر المؤامرة وأذيالها".

بعد هذه السنوات، ورغم كل الجرائم التي ارتكبها نظام معمّر القذافي، تجد هذه الأطروحات منصات إعلامية للترويج لها، غالبيتها يتخذ من مصر حاضنة لها. 

محاولات عودة النظام القديم إلى سُدّة الحكم في ليبيا مرة أخرى بدأت مبكراً جداً ، فبعد نحو عام من ثورة فبراير/ شباط 2011، وفي 1 يناير/كانون الثاني 2012، عادت قناة الجماهيرية التي كانت القناة الرسمية لنظام القذافي إلى البث على القمر الاصطناعي نايل سات، وباشرت بث خطب للقذافي وأغاني تمجد "القائد".

وسبق أن ظهر "أحمد قذاف الدم" منسق العلاقات الليبية المصرية سابقاً وابن عم معمر القذافي على قناة ليبيا الدولية (تبث من مصر حيث مقر إقامته)، مشيداً بمعمّر القذافي وبثورة الفاتح، وتهجم على ثورة فبراير 2011 ومبادئها.

قانون العفو

في يونيو/حزيران 2017، أفرج عن سيف الإسلام نجل القذافي الذي كان محتجزاً في مدينة الزنتان غربي ليبيا منذ نوفمبر / تشرين الثاني عام 2011 بموجب قانون للعفو.

وذكرت ما تسمى بكتيبة أبو بكر الصديق، في بيان نشرته على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنها "أطلقت سراح سيف الإسلام مساء الجمعة 14 من شهر رمضان" لكنه لم يشاهد في مكان عام.

وقالت الجماعة المسلحة إنها أطلقت سراح سيف الإسلام بناءً على طلب من الحكومة الانتقالية المحسوبة على الجنرال خليفة حفتر التي تتخذ من شرقي ليبيا مقراً لها وغير معترف بها دولياً، وهو ما أكده محاميه خالد الزيدي.

وفي فترات متلاحقة أفرج عن عدد من رموز النظام السابق، وهو ما أثار ردودًا متباينة، بين من اعتبرها خطوة مهمة نحو المصالحة ولم الشمل، ومن يرفضون قرار الإفراج بدعوى ارتكاب النظام السابق جرائم إباّن حكم القذافي.

في المقابل يرى آخرون أن القرار سياسي ويأتي في إطار الثورة المضادة، فالقرار يُعطي مؤشرًا خطيرًا على قيام المتنفِّذين في السلطة بإعادة تمكين رجال النظام السابق من جديد، ما يعني فشل المرحلة الانتقالية لما بعد الثورة، فربما يعود أنصار القذافي إلى السلطة من خلال تحالفات إستراتيجية ودعم لحفتر.

حيث تم تمكينهم من قانون العفو عن مرتكبي الجرائم خلال انتفاضة 2011 الذي أصدره مجلس النواب الليبي في طبرق في 28 مايو/أيار 2015، والموالي لحفتر، بهدف إعادة المنفيين في تونس ومصر.