تقارب سعودي إسرائيلي متسارع.. متى يعلن رسميا؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"علاقة المملكة العربية السعودية بإسرائيل شهدت نقلة نوعية بعد توقيع اتفاق المبادئ بين إيران والغرب"، بتلك الكلمات لخصت القناة الـ13 الإسرائيلية شكل العلاقة الآن، بين السعودية وإسرائيل، التي تزداد قربا يوما بعد يوم، وذلك خلال إعلان ترويجي لبرنامج وثائقي، يحمل عنوان "أسرار الخليج".

لم تعد علاقة الرياض بتل أبيب سرا يخفى على أحد، بقدر ما أصبحت وطيدة، تعمِّقها زيارات متبادلة، وتصريحات مختلفة، وتوافق واضح على قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، غير أنّ تلك العلاقة باتت أشبه بـ"الزواج العرفي، الذي يحتاج لتوثيق، وإشهار رسمي".

ويرى مراقبون، أنّ التطور في العلاقات الإسرائيلية السعودية، لا يمكن النظر إليه بمنظور بعيد عن التطبيع الإسرائيلي الخليجي، الذي يجري التحضير له على قدم وساق في السنوات الأخيرة، وتسعى إسرائيل من خلاله إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية، مع دول منطقة الخليج بوجه عام.

"تاريخ مشبوه"

السعودية كباقي دول الخليج، لم تعترف رسميا حتى الآن بقيام دولة إسرائيل، وذلك منذ إعلانها عام 1948، إلا أنّ السعودية غير المعترفة بإسرائيل والعدوة لها ظاهرا، متهمة تاريخيا بأنها قدمت خدمات جليلة للاحتلال الإسرائليي من تحت الطاولة، بداية من الملك المؤسس، عبدالعزيز آل سعود، وصولا إلى ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان.

وبرغم أنّ الملك عبدالعزيز، قاد حملة ضد الحكومتين الأمريكية والبريطانية، وحمّلهما مسؤولية ما يقع في فلسطين عام 1948، وأمر بفتح أبواب التطوع والجهاد للسعوديين لنصرة الشعب الفلسطيني، إلا أنّ وثائق تاريخية عدة، تؤكد أنّ هناك ما يعزز وجود رابط بين تأسيس دولة إسرائيل، وبين الملك المؤسس.

من هذه الوثائق، واحدة ممهورة بتوقيع عبدالعزيز آل سعود نفسه، يقول فيها: إنه "لا يمانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود"، ويؤكد فيها أيضا أنه لن يخرج "عن إرادة بريطانيا حتى تصيح الساعة".

فيما يتجاوز عدد من الباحثين في القضية الفلسطينية المصادر والمراجع العربية، ويبرزون وثائق تعود إلى الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري. من بين تلك المستندات التي توضح علاقة عبد العزيز بالحركة الصهيونية وثيقتان تاريخيتان محفوظتان في الأرشيف البريطاني، تحت رقم (CO 733/443/18 ، CO 733/443/19)، تعودان إلى عام 1943.

خلاصة الوثيقتين، أنّ مؤسس المملكة السعودية دخل في مفاوضات سريّة لجهة بيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه، فيما تقول وثائق أخرى أنه حين بدأت ثورة فلسطين الكبرى (1936-1939) كان الفضل الأكبر لإخمادها للملك عبد العزيز، كما أن عددا كبيرا من الوثائق توضح "الدور السعودي المتآمر"؛ نشر بعضها خير الدين الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز).

"فيصل والعدواة الحقيقية"

وبخلاف المواقف المتناقضة "تاريخيا" تجاه القضية الفلسطينة للملك المؤسس، فإن موقف الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، الملك الثالث والابن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز الذكور، تعد من أكثر المواقف وضوحا وانحيازا للقضية الفلسطينية.

وشهد عهد فيصل، الكثير من الأحداث، أبرزها قطع النفط عن الولايات المتحدة وكل الدول الداعمة والموالية لإسرائيل أثناء حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، كما جهر برفضه الشديد إقامة موطن لليهود في فلسطين.

اهتم الملك فيصل -أيضا- بالقضية الفلسطينية، وشارك في الدفاع عن حقوق فلسطين عالميا، وظهر ذلك واضحا عندما خطب في عام 1963 على منبر الأمم المتحدة، وذكر أنّ الشيء الوحيد الذي بدد السلام في المنطقة العربية هو القضية الفلسطينية منذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين.

تناقضات كامب ديفيد

لكن التناقضات في الموقف السعودي تجاه إسرائيل، عادت مرة أخرى مع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، فبادرت السعودية إلى قطع العلاقات مع مصر، بعد توقيع الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، اتفاقية السلام مع إسرائيل، ووصفت الرياض السادات بأنه "خان الدول العربية"، إلا أن الخارجية الأمريكية نشرت في يونيو/حزيران 2018ـ وثائق تؤكد أن موقف الرياض كان مزدوجا.

الوثائق التي نشرتها الخارجية الأمريكية، أوضحت أنه في الوقت الذي ندّدت ورفضت فيه السعودية الحل المصري المنفرد مع إسرائيل، أظهرت الرياض لواشنطن دعمها للإطار العام لعملية سلام الشرق الأوسط، وللدور الأمريكي فيها.

وكشفت برقية من جدة، صادرة في 10 أغسطس/ آب 1978، حول لقاء جمع السفير الأمريكي بالسعودية في ذلك الحين، جون ويست، بالأمير سعود الفيصل في مدينة الطائف، عن دعم السعودية لدعوة الرئيس كارتر للرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن.

وذكر الفيصل أنّ "بلاده تبحث إصدار بيان رسمي بذلك"، مشتكيا من أنّ "موقف بلاده من المفاوضات المصرية الإسرائيلية يُساء فهمه"، مؤكدا أن "السعودية تريد النجاح لمباحثات كامب ديفيد، والنجاح سيكون لأهم حلفاء السعودية، وهما أميركا ومصر. وسنقوم بكل ما في وسعنا للمساعدة، وسنجعل دعمنا معروفا للجميع".

بين إيران وإسرائيل

وعلى صعيد آخر، فقد أقرت السعودية قاعدة "عدو عدوي صديقي"؛ وذلك في تعاملها مع إيران، فتقاربت الرياض مع "تل أبيب" وتحالفت معها ضد إيران، خصوصا وأن المخاوف من ما يسمى "نفوذ الملالي" والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، قد أزعج كلا الجانبين، فضلا عن المخاوف من الملف النووي الإيراني.

تلك المعادلة جعلت من "إيران" عدوا مشتركا للبلدين، وفقا لتصريحات سابقة للمسؤل السعودي السابق، ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، أنور عشقي.

عشقي نفسه، كان أبرز الشخصيات السعودية التي طبّعت مع إسرائيل سرا وعلنا، حيث زار إسرائيل عام 2016، والتقى خلال الزيارة بمسؤلين إسرائيليين، كما تضمّن اللقاء الحديث عن الخطر الإيراني، تلا ذلك زيارة بعثة سعودية لإسرائيل في سابقة غير معهودة، شملت عشقي وأكاديميين ورجال أعمال سعوديين، التقوا خلالها أعضاءً في الكنيست الإسرائيلي.

وفي ذات السياق، ذكر مراقبين أنّ ولي العهد الحالي محمد بن سلمان أسس جماعة ضغط سعودية في أميركا سميت باسم "سابراك" برئاسة أحد الصحافيين المقربين منه، ويدعى سلمان الأنصاري، هدف تلك المؤسسة هو إقناع الرأي العام الأمريكي، أنّ إيران كعدو مشترك يحتّم على إسرائيل والسعودية، أن تعجلا بتطبيع العلاقات للوقوف ضدهما، وتأسيس رابطة متينة وقوية بينهما، بين البلدين.

كما نشرت صحيفة "هيرالد تريبيون"، المملوكة لنيويورك تايمز، مذكرة تفاهم بين الجانب السعودي والإسرائيلي، أكدت فيها وجود تعاون عسكري بين البلدين، كما كشفت الوثائق عن أسماء قادة في الجيش السعودي، شاركوا في تدريبات سرية مع إسرائيل؛ لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر، الذي من المفترض أن يكون مقرها الإداري في جزيرة تيران.

ترامب وصفقة القرن

ومع وصول دونالد ترامب إلى الحكم، عادت العلاقات الأمريكيّة السعودية القويّة مرة أخرى إلى الواجهة، لكنّ التنازلات لصالح تقوية العلاقة مع أمريكا ومن ثم إسرائيل كانت تاريخية.

فالرئيس الأمريكي ترامب، الذي يحمل لواء "صفقة القرن"، لم يجد أكثر من السعودية تعاونا في تحقيق الصفقة، التي بدأت أولى خطواتها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وإعلان المدينة عاصمة لإسرائيل؛ لتصمت السعودية عن ذلك، كما فعلت بلدان عربية أخرى، فضلا عن ممارستها ضغوطا قوية على الجانب الفلسطيني للقبول بتمرير الصفقة.

كما أنّ مطامع "ابن سلمان" في حكم المملكة، ومخاوفه من النفوذ الإيراني ورضوخه للابتزاز الأمريكي، دفعه لتحطيم أسطورة الملك فيصل: من العداء التاريخي الظاهري لإسرائيل؛ حيث أصبحت كل  من تل أبيب والرياض ترى في ترامب حليفا أفضل من سابقيه، ولكي تصبح الرياض الحليف الإستراتيجي عليها أن تتقارب مع إسرائيل، مثلما فعلت إيران قديما.

ابن سلمان ولقاءات سرية

اللقاءات السرية بين الأطراف السعودية والإسرائيلية هي أيضا واحدة من عوامل قوة العلاقة بين البلدين في الوقت الحالي، وإحدى الطرق المعتبرة في التمهيد للتطبيع الرسمي بينهما.

وفي إطار التمهيد لهذا التطبيع، كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، في مارس/ آذار 2018، أنّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التقى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شابات.

وقال آيزنكوت، في حوار مع صحيفة "معاريف" العبرية: "إنّ هناك تطابقا في المصالح، بين السعودية وإسرائيل، في مواجهة التهديد الإيراني"، فيما لم يوضح الجنرال الإسرائيلي، مكان وزمان اللقاء.

وفي إبريل/نيسان 2018، كان محمد بن سلمان أكثر وضوحا من أي وقت مضى، ومعبرا أكثر عن موقف المملكة من إسرائيل، حين قال في حوار له مع مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، إنه يعترف بحق الشعب اليهودي بـ"أرضه الخاصة"، كما أشار إلى وجود "مصالح مشتركة" مع إسرائيل.

وفي حين وصف ابن سلمان، الزعيم الروحي لإيران، آية الله علي خامنئي، بأنه يجعل هتلر يبدو "جيدا"، قال للمجلة إنه يعترف بحق الشعب اليهودي بدولة قومية خاصة به إلى جانب دولة فلسطين.

رئيس الموساد يزور السعودية

مالم يكن أحد يتوقعه على الإطلاق، أنْ تتطور العلاقات بين البلدين، إلى حد قيام "رئيس الموساد الإسرائيلي" بزيارة للرياض، ومقابلة مسؤلين رفيعي المستوى، من أجل التنسيق والاتفاق على القضايا المشتركة.

وفي تقرير مثير للجدل، كشفت قناة تلفزيونية إسرائيلية خاصة (القناة الـ13)، عن زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد)، تامير باردو (2011- 2016)، للعاصمة السعودية الرياض سرا، عام 2014.

كما كشف التقرير، الصادر قبل أسبوعين، أنّ "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التقى مع مبعوث العاهل السعودي، بندر بن سلطان، في دولة ثالثة، لبحث إعادة إعمار قطاع غزة، ومواجهة النفوذ الإيراني".

وأضافت القناة الإسرائيلية الـ13، نقلا عن دبلوماسيين غربيين (لم تكشف عن هوياتهم)، أنه في نهاية 2013، وعقب توقيع الاتفاق النووي المرحلي بين إيران والقوى الكبرى، حدثت انفراجة كبيرة في العلاقات بين إسرائيل والسعودية.

وأردفت أن السعوديين، الذين كانوا قلقين من التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، رأوا أن إسرائيل هي الداعم الأقوى ضد الإيرانيين، لذلك وافقت المملكة، للمرة الأولى، على استضافة مسؤول إسرائيلي بارز (رئيس الموساد).

الخليج يهرول لتل أبيب

وبجانب السعودية، فإن الأعوام الأخيرة باتت تشهد حالة من الهرولة الخليجية حيال التطبيع مع "إسرائيل"، فلا تتوقف الزيارات لمسؤولين خليجيين للقدس والمدن المجاورة، بحجج مختلفة منها الرياضة والمؤتمرات أو الزيارات البرلمانية، وسواء كانت هذه الزيارات معلنة أو سرية تخرج إلى السطح بعد فترة من خلال الصحافة الإسرائيلية أو تسريبات هنا وهناك.

ويعد استقبال السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وزوجته، واحد من أكثر مشاهد التطبيع المعلنة خليجيا، وذلك في الزيارة التي تباحث الطرفان عددا من القضايا أبرزها قضية السلام في الشرق الأوسط.

وفي مايو/أيار 2017، ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أنّ دولا خليجية صاغت اقتراحا يقضي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإقامة خطوط اتصال مباشرة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والسماح للطيران الاسرائيلي بالتحليق في أجواء دول الخليج، وازالة القيود عن التجارة مع إسرائيل، إضافة إلى دراسة خطوات تشمل منح تأشيرات للرياضيين، ورجال الأعمال الإسرائيليين، اللذين يرغبون في زيارة الخليج، في مقابل امتيازات أخرى يحصل عليها حكام تلك الدول.

كل ما سبق يطرح تساؤلات مختلفة، حول مدى إمكانية الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السعودية وباقي الدول الخليجية، وهل تفتح مكاتب للتمثيل أو ربما سفارات وقنصليات لإسرائيل في بلاد الحرمين وباقي دول الخليج؟ أم ستظل العلاقة بين إسرائيل والسعودية وباقي دول الخليج قيد السرية؟