كيف يمكن قراءة التحريض الإسرائيلي على المناهج الدراسية الفلسطينية؟

عدنان أبو عامر | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

دأبت المؤسسة الإسرائيلية على اتهام الفلسطينيين بالتحريض على تنفيذ عمليات المقاومة المسلحة، وكراهية اليهود، ومعاداة السامية، سواء عبر وسائل الإعلام أو تصريحات الساسة أو حتى المناهج الدراسية.

آخر مسلسل في هذا التحريض تمثّل في تقرير لجنة مكافحة العنصرية في الأمم المتحدة CERD، الذي يُسلط الضوء على ما اعتبرته محتويات عنيفة وعنصرية تتضمنها المناهج الفلسطينية، وطالب السلطة الفلسطينية بإزالة الخرائط والصور والنصوص التي تشمل تحريضاً على ما وصفها الكراهية والعنف ومعاداة السامية.

أعداد الشهداء

التقرير الأممي استند على نماذج نشرها مركز MPACT-se الإسرائيلي المتخصص برصد المناهج الفلسطينية، واحتوى وفق المركز على دلائل تُشير إلى "معاداة إسرائيل"، وتشجيع العمليات المسلحة، وإعلاء شأن منفذيها، مما أشاع القلق في الأوساط الفلسطينية خشية أن يتبع التقرير الأممي مطالبات دولية بإجراء تغييرات في المناهج الدراسية، واشتراط حصول هذا التغيير لاستمرار تمويل العملية التعليمية.

من الأمثلة الواردة في التقارير الإسرائيلية المحرضة على المناهج الفلسطينية أن التلاميذ في كتاب الرياضيات يتدربون على إحصاء أعداد الشهداء في الانتفاضات، وبجانبها صور الجنازات، حيث يسألون: يبلغ عدد شهداء انتفاضة الحجارة 2026، وعددهم بانتفاضة الأقصى 5050، إذن كم يبلغ عدد شهداء الانتفاضتين؟

وفي مادة التاريخ، يتحدث الكتاب عن سيطرة اليهود على العالم من خلال كاريكاتير معاد للسامية، أما في درس اللغة العربية فيطلب من التلاميذ إيراد كلمات بحرف الهاء، ويأتي مثال: شهيد، هجوم، وفي مساق الفيزياء يتعلمون درس الجاذبية مستدلاً بكيفية إلقاء الحجارة على الجنود الإسرائيليين من خلال "المقلاع".

وفي التربية الإسلامية يدرسون أن حائط البراق جزء من المسجد الأقصى، وهو مقدس لدى المسلمين فقط، وكتاب "لغتنا الجميلة" يُكرر عبارة: "سأكون سعيداً إن ضحيت بنفسي من أجل القضاء على المحتلين"!

عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يقول إن "المزاعم الإسرائيلية بشأن المناهج الدراسية الفلسطينية غير دقيقة، مناهجنا خالية من الدعوة إلى العنف، والتحريض عليه، ولا نقبل وجود أي مفاهيم ومفردات دراسية تدعو لذلك".

وتابع في تصريح لـِ"الاستقلال": "نحن في وكالة الأونروا ملتزمون بمناهج الدول المضيفة في الأراضي الفلسطينية والأردن وسوريا ولبنان، وهذه الدول تلتزم مناهجها بالابتعاد عما تتهمه بها التقارير الإسرائيلية".

شيطنة الفلسطينيين

وزارة التربية والتعليم الفلسطينية طالبت الأمم المتحدة علناً بتشكيل فِرق دولية لدراسة النظام التعليمي الفلسطيني، شرط قبول إسرائيل بالأمر ذاته، لكن الأخيرة رفضت هذا العرض، مما يجعل من حديث التحريض المزعوم في المناهج الفلسطينية أسطوانة مشروخة وبالية وسخيفة لا تستحق الوقوف عندها، لأن مقومات المنهاج الفلسطيني مرتبطة بوثيقة الاستقلال الوطني وقرارات الشرعية الدولية.

البروفسور إلداد باردو من الجامعة العبرية أجرى بحثاً دراسياً تفصيلياً للتّعرُف على المنظومة التعليمية الفلسطينية، وتوصل إلى أن هذه المناهج تسعى لتعظيم منفذي العمليات المسلحة، والإعلاء من مفاهيم التضحية بالنفس من أجل الإسلام، ورفض قيام دولة إسرائيل، واعتبار أن الصراع معها لا يعود لحجم مساحتها الجغرافية، بل رفض وجودها من الأساس؛ لأنها تُعدُّ احتلالاً.

وأضاف أن البحث كشف له أن شخصية مثل دلال المغربي منفذة عملية الساحل عام 1978، التي أسفرت عن مقتل 39 إسرائيلياً وإصابة 72 آخرين، تحظى بإعجاب كبير، وورد في أحد كتب اللغة العربية أنها "أبدت بطولة فذة، وباتت خالدة في نفوسنا وضمائرنا"، وإن الفلسطينيين يعتبرونها رمزاً للاستشهاديين، وأطلقوا اسمها على عدد من المدارس ومراكز المدن ومؤسسات نسوية وميادين عامة.

أما الباحثان الإسرائيليان روني شكيد وأرنون غرويس فأصدرا كتاباً بعنوان "الكتب المدرسية الفلسطينية ونظرتها لليهود وإسرائيل والسلام"، وشمل تصفّح وفحص 201 كتاباً يتم تدريسها في المدارس الفلسطينية، بينها 77 كتاباً تم طباعتها في 2016-2017، ويتم تدريسها في مدارس الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، والمدارس الخاصة ومدارس الأونروا، وتم إجراء الفحوص اللازمة على نصوص الكتب، الصور، الخرائط، وتبيّن أن الكتب تُقدم الإجابة على سؤال: ماذا يتعلم الطالب الفلسطيني عن اليهود، وماذا يجب أن يكون مصيرهم؟.

المقاومة ليست إرهابا

أيمن اليازوري، وكيل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية يرى أن "خصائص مناهجنا الدراسية لا تدعو للعنف أو القتل والإساءة للناس بتصنيفهم على خلفيات عنصرية وإثنية، لدينا معايير عالمية نعتمدها في الوزارة، ونسعى لأن تكون البيئة التعليمية منسجمة مع ما تقرره المنظمات العالمية مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة-اليونسكو، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة–إيسيسكو".

وأضاف لـِ"الاستقلال" أن "معايير هذه المنظمات المتخصصة في مجال التربية والتعليم والثقافة تصلنا بصورة دورية، ونحن نعتمد عليها من خلال احترام مناهجنا الدراسية، ولدينا وثيقة المناهج الأم الذي يُعد الدستور والقانون الأساسي لهذه المناهج الفلسطينية، على اعتبار أنه إطار مرجعي، ويضع المحددات الدينية والوطنية والأخلاقية لها".

وأوضح أن "المعايير الوطنية التي تتضمنها مناهجنا الدراسية في مساقات التاريخ والجغرافيا تتعامل مع فلسطين على أنها أرضنا، نشأنا عليها، وندافع عنها إن تعرّضت لعدوان بكل الأساليب المتاحة، وهذا ليس دعوة للعنف والإرهاب، ولسنا بوارد الاستجابة لأي ضغوط إسرائيلية لتغيير هذه المفاهيم والقناعات الوطنية".

ومن الغريب أن تشُن إسرائيل حملة تحريض على المناهج الدراسة الفلسطينية، في حين أن مناهجها التعليمية تزدحم بمضامين العداء للعرب، وتشويه صورتهم، والتأكيد على الخطط التوسعية للدولة العبرية، والنظر للآخر بمنطق القوة المقرونة بالعدوانية والاستعلاء والتحقير، وتستند لنصوص الكتاب المقدس، وآراء الفلاسفة اليهود الكبار.

إن المطلع على الكتب التعليمية الإسرائيلية المقررة رسمياً يلاحظ حقيقة الوجهة التربوية في نظرة اليهودي الإسرائيلي إلى نفسه وإلى الأغيار (مصطلح ديني يهودي يطلقه اليهود على غير اليهود)، خاصة العرب، ويرى ذاته متقدماً، وغيره خدماً ومتخلفين؛ وهو يسعى لنقلهم لحالة الرقي والتقدم، ويلصقون بالعرب العبارات السيئة مثل: الغباء، الفشل، القذارة، التوحش، السطو، وميله إلى التخريب؛ لذا يجب اقتلاعهم، وفق قناعاتهم.

كما تتفنن بعض التصاوير الاستعلائية العدائية المصاحبة للنصوص التعليمية الإسرائيلية في تصوير الإنسان العربي على أنه "طويل القامة، عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاسٍ تحت جبين ضيق وصغير، وشاربه مدبب"، ما يثير في نفوس الأطفال اليهود الرعب والخوف، فيما تصف الجندي اليهودي بأنه مسالم لا يحب الدم والقتل، والذي يدفعه لذلك هو العربي المتعطش للدماء والقتل، وفق معتقداتهم.

مواصفات العربي!

عماد أبو عواد، باحث في الشؤون الإسرائيلية بمركز "رؤية" للدراسات يعتقد أن "إسرائيل تسعى من خلال تسليط الضوء على المناهج الفلسطينية إخفاء عنصريتها، ومنع التعاطف الدولي مع الفلسطينيين، وتقليل الدعم عنهم من الدول والمؤسسات العالمية، والقضاء على أي مفهوم يعتبر أن فلسطين التاريخية كلها للفلسطينيين، فهي تحاول طمس تلك المعالم من المناهج الدراسية".

ويوضح في حديث لـِ"الاستقلال" أن "الجهود الإسرائيلية المحرضة على المناهج الدراسية الفلسطينية تزعم بأن الفلسطيني لا يريد السلام، لأن كتبنا التعليمية لا تعترف بهم، ويريدون أن تصبح المناهج الدراسية تحت طائلة التهديد والتضييق الدولي".

في الوقت الذي تتهم فيه "إسرائيل" المناهج الفلسطينية بالتحريض على اليهود ومعاداة السامية، فإن درساً في المناهج الدراسية الإسرائيلية بعنوان "القرية العربية" جاء فيها: "إن شروط النظافة والمحافظة على الصحة تكاد تنعدم بين العرب، والإجراءات الصحية التي لا يستطيع الإنسان العيش ساعة واحدة بدونها غير متوفرة في أي قرية عربية، حتى في القرى الكبرى الغنية، ولعدم وجود المراحيض يقضي العرب حاجاتهم في أي مكان، فالأولاد يقضون حاجاتهم في الساحة والحظيرة والبيت، أما الكبار فيأخذ الواحد منهم إبريقاً ويخرج إلى الحقل".

وتضيف: "عادة الاستحمام تكاد تكون غير مألوفة عند العرب، وهناك بعض الفلاحين الذين لم يمس الماء أجسادهم منذ زمن طويل، وامرأة عربية أقسمت أنها ولدت ستة أولاد دون أن يمس الماء جسدها، وهناك مثل عند العرب يقول "الطفل الوسخ أصح وأشد"، وفق ادعاءاتهم.

ويتابع الدرس المزعوم: "العرب يرتدون الثياب ولا يغيرونها إلى أن تبلى، حيث يغدو مليئاً بالقمل والبراغيث ويكلح لونه، والعربي صانع القهوة يبصق في الفناجين كي ينظفها! وجاءت مواصفات العربي بأنه: أحول العينين، وجهه ذو جروح، أنفه معقوف، ملامحه شريرة، شارب مبروم، ذو عاهة،  أسنانه صفراء متعفنة، عيونه تبعث الرعب"، وفقاً للمناهج الإسرائيلية.