يخشى إيران ويتجاهل السعودية.. لماذا تغيرت نظرة المجتمع الدولي؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال حقبة العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده حصدت المملكة نقاط ضعف أفقدتها هيبتها ومكانتها أمام دول العالم، في الوقت الذي بدأت تكسب فيه جارتها وعدوتها اللدودة إيران نقاط قوة حققت من خلالها الكثير من النجاحات أمام المجتمع الدولي.

فكم من مناشدات وصرخات استغاثة أطلقتها الرياض للمجتمع الدولي لكفّ الأذى الإيراني عنها واتخاذ موقف حازم تجاه طهران دون جدوى، وفي أحسن الحالات تخرج تصريحات البعض مكتفية بالشجب والتنديد لتحرشات إيران أو سواعدها (الحوثيون في اليمن والحشد الشعبي في العراق) بالمملكة، معربة عن القلق والاستياء والمناشدة بالتزام ضبط النفس. 

ما أسباب التجاهل الدولي للرياض والاصطفاف بجانب طهران؟ كيف نجحت إيران في وضع موطِئ قدم لها على خريطة المجتمع الدولي فيما فشلت في ذلك السعودية؟ ما الذي قدمته إيران للعالم ولم تستطع المملكة تقديمه؟

هجوم أرامكو

النظام السعودي يخوض حرباً في اليمن منذ 5 أعوام لردع جماعة الحوثي الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، تمكنت خلالها الجماعة من استهداف العمق السعودي أكثر من مرة، أخرها كان استهداف منشأتين نفطيتين كبيرتين بمنطقتي "بقيق" و"خريص" تابعتين لشركة أرامكو السعودية، مسؤولتين عن انتاج أغلب نفط المملكة، مما عطّل إنتاجه وتصديره.

الحادث الذي وقع 14 سبتمبر/أيلول الجاري، تفرق دمه بين القبائل، رغم إعلان الحوثي مسؤوليته عنه، إذ حمل البيت الأبيض المسؤولية لإيران، فيما أشارت مصادر إلى أن الطائرات التي استهدفت المنشأت النفطية تابعة للحشد الشعبي بالعراق، الأمر الذي نفته واشنطن لاحقاً.

وسواء أكان منفذ الحادث جماعة الحوثي أو الحشد الشعبي فإنهما في النهاية أذرع إيرانية، وسواء كان اتهامهما تصريحاً أو تلميحاً.. فإن المجتمع الدولي اتفق على أن الضوء الأخضر للهجوم على المنشآت التابعة لشركة أرامكو جاء من إيران، فيما أكدت السعودية أن الهجوم تم بأسلحة إيرانية وجاري التحقق من مصدر تنفيذه.

البيت الأبيض أكد غداة الحادث، رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتعامل على المستوى الرسمي مع دول الخليج على أنهم "حلفاء"، عقد لقاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني.

ونقلت وكالة "الأناضول" عن البيت الأبيض أن ترامب "يفكر في لقاء روحاني في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل"، وخلال الأيام الماضية، أشار الرئيس الأمريكي إلى رغبته لقاء روحاني، فيما أعربت أوساط مختلفة في إيران عن رفضها عقد اللقاء في وقت تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات كبيرة على البلاد.

مساعي ترامب لخطوات جادة في التقارب مع إيران بدت ظاهرة بوضوح منذ تدخل نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد لقائهما على هامش قمة مجموعة السبع التي انعقدت في أغسطس/آب الماضي، ولقائه محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، وإعلان الرئيس الفرنسي عقِب اللقاء، أن هناك تقارباً مع ترامب حول إيران.

استرضاء إيران

سبق إعلان رغبة الرئيس الأمريكي لقائه بظريف، بخطوات مهّدت لهذا التقارب، أبرزها رفضه الرد على إسقاط إيران للطائرة الأمريكية ورؤيته للتصرف الإيراني أنه "حكيم"، وتأكيده أنه يرغب في رؤية إيران قوية وأنه لا يسعى إلى تغيير النظام في طهران، وأن إيران لديها فرصة لتكون دولة عظيمة في ظل القيادة السياسية الحاليّة، كما لمّح لإمكانية تخفيف العقوبات عنها.

ومؤخراً أبدى استعداده للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني، وعزل مستشار الأمن القومي جون بولتون، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران،  تاركاً الباب مفتوحاً أمام احتمال تخفيف العقوبات عن إيران بعد أنباء تُشير إلى ذلك.

موقع ديلي بيست الإخباري الأمريكي نقل عن مصادره أن الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته مايك بومبيو بدا أنهما منفتحان على دراسة عرضٍ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتضمن توفير حد ائتماني لإيران قدره 15 مليار دولار.

ويشترط العرض الفرنسي عودة إيران إلى الالتزام بالاتفاق النووي وبمحادثات سلام الشرق الأوسط في المستقبل وعدم تهديد الأمن والملاحة في الخليج.

ويقضي المقترح الفرنسي بتعهد أوروبي بتبني خط ائتمان نفطي لإيران تبلغ قيمته 15 مليار دولار في مرحلته الأولى حتى نهاية العام الجاري، ومقابل ذلك توقف إيران سياسة خفض الالتزام ببنود الاتفاق النووي وتلتزم التزاماً كاملاً به، وتقدم ضمانات بشأن أمن الخليج ومضيق هرمز.

كما يجب أن تقبل فتح مفاوضات بعد عام 2025 حول البرنامج النووي، وهو العام الذي حدده الاتفاق كسقف زمني لعمليات الرقابة والتفتيش غير التقليدية.

مناشدات سعودية

محاولات الاسترضاء الأمريكي لإيران، تأتي في وقت تواصل السعودية دعواتها ومناشدتها للمجتمع الدولي للتدخل لردع إيران، إذ دعته لاتخاذ إجراءات رادعة إزاء تجاوزات إيران وخروقاتها للاتفاق النووي، داعية إلى أهمية وجود اتفاق دولي شامل حيال برنامج إيران النووي.

مطالبات الرياض جاءت في ظل استمرار طهران في تجاوز الحد الأقصى، المنصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015، لتخصيب اليورانيوم، وهي مادةٌ أساسية ضرورية لصنع أسلحة نووية.

وحذّر الخبراء من أن هذا قد يضع إيران، المتُّهمَة بدعم الإرهاب، في طريقها لتصبح قوةً مسلحة نووياً خلال 12 شهراً، وهي الخطوة التي واجهتها أيضاً كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالإعراب عن القلق.

ويستنكر مراقبون ازدواجية المعايير الأمريكية والأوروبية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وينتقدون تروي المجتمع الدولي في التعامل معه، ويرون أن مواقفهم ما هي إلا لتسكين دول الخليج وإلهائها.

وسبق أن ناشدت الرياض المجتمع الدولي لحماية الممرات المائية، عقِب استهداف ناقلات نفط في خليج عمان، وقبل ذلك قبالة سواحل الإمارات، والتي تحوّلت لما عرف بحرب الناقلات التي اندلعت خلال الأشهر الماضية.

وخلال أزمة استهداف الناقلات رفض المجتمع الدولي الاتهامات الموجهة لإيران بتورطها في الهجوم على ناقلات النفط، إذ كتبت صحيفة "ساوت تشاينا" الصينية  أنه "باستثناء عدد قليل من الدول التي تتبع دائمًا السياسات الأمريكية، فإن دولًا أخرى في المجتمع الدولي، بما في ذلك بعض القوى العظمى تعارض التصريحات والاتهامات التي وجهها مسؤولون أمريكيون لإيران حول قضية تفجير الناقلات".

مواءمات دولية

بعدها سارع ترامب بالتغريد على تويتر، بأنه لا حاجة لوجود بلاده في منطقة الخليج، لاسيما وهي باتت أكبر منتج للطاقة في العالم، مبدياً استيائه مما أسماه "حماية الولايات المتحدة للمسارات البحرية دون مقابل لسنوات" في مضيق هرمز.

وطالب دول العالم وعلى رأسها الصين واليابان "بحماية سفنها بنفسها"، قائلاً: فيما يخص علاقة واشنطن بطهران، "طلبنا من إيران بسيط جداً وهو ألا تمتلك أسلحة نووية وأن تكفَّّ عن رعاية الإرهاب".

موقف الرئيس الأمريكي الذي يبدو تخلياً عن حماية دول الخليج، سبق أن حذرت منه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية التي أكدت على خطورة رهان الرياض وأبوظبي على ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، ودعمهما لسياسة البلدين.

أما بريطانيا والتي احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط تابعة لها 10 يوليو/تمّوز الماضي، في مضيق هرمز، فصرّحت أمام مجلس الأمن الدولي بأنها لا تريد مواجهة مع إيران، واعتبرت احتجاز ناقلاتها فقط "أمراً غير مقبول" وأنها تعمل على حل الوضع من خلال الوسائل الدبلوماسية.

بدا واضحاً تجنُب لندن للمعادة الصريحة لطهران رغم التصعيد، الذي وصل حد استهدافها تكنولوجياً، حيث أفادت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية، بأن سلطات إيران حققت تقدماً ملموساً في المجال السيبراني وتنفذ مجموعات للهاكرز موالية لها هجمات ناجحة على المملكة المتحدة. 

ونقلت عن مصادر أمنية تأكيدها أن مجموعتين من الهاكرز تعدان من أخطر الأسلحة غير التقليدية الموجهة ضد بريطانيا والولايات المتحدة في أيدي السلطات الإيرانية.

إلا أن بريطانيا أيضاً حاولت احتواء الخطر، بتشكيل "القوة السيبرانية الوطنية" التي ستضم هاكرز مختصين في المجال العسكري والاستخباراتي سيعملون على تنفيذ هجمات ضد دول "معادية" للمملكة المتحدة في المجال الإلكتروني، بما فيها إيران وروسيا.

وإذا كانت لندن تتجنب التصعيد ضد طهران، فموسكو تسعى لحماية اقتصاد إيران في ظل الضغوط الأمريكية عليها، وتعلن التزامها بالحفاظ على الاتفاق النووي مع طهران، وتناهض سياسات واشنطن تجاه إيران والملف النووي. 

ودعت موسكو الدول المطلة على الخليج للتوصل إلى اتفاق يحمي مصالح كل دولة، مؤكدة سعيها مع فرنسا لإنقاذ خطة العمل الشاملة في ملف النووي الإيراني".

عقِب استهداف منشأت السعودية النفطية، موسكو نصحت بعدم التسرع، في الخروج باستنتاجات بشأن الجهة التي وقفت خلف الهجوم، رغم توجيه أمريكا أصابع الاتهام لإيران.

أما باقي دول أوروبا فهي أقرب إلى إيران من العرب، ففرنسا حريصة على مصلحتها مع إيران وتريد أن يكون لها موقع قدم في أي خطوات ‏مستقبلية معها، وتسعى لإرسال مليارات الدولارات لها.

البرلمان الأوروبي اعتمد قراراً يدعو الدول الأعضاء إلى فرض حظر أسلحة على السعودية على مستوى الاتحاد على خلفية الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن منذ مارس/أذار 201.

بدورها، أوقفت ألمانيا بيع السلاح للسعودية على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، ومددت الوقف. أما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فاكتفتا على خلفية حادث أرامكو، بمطالبة إيران بضبط النفس وعدم التصعيد والامتثال إلى القانون الدولي.

نقاط قوة

الشيخ حسن علي التريكي مدير مجلس الثقافة والإعلام الإسلامي في بريطانيا، رصد عدة نقاط قوة حققت لإيران الكثير من النجاح أمام المجتمع الدولي في مقابل نقاط ضعف أفقدت السعودية هيبتها ومكانتها أمام دول العالم، أبرزها الاستقلالية والدفاع عن حقوق الشعب، والمصداقية أمام العالم وأمام الشعوب.

وأشار في حديثه لـِ "الاستقلال" إلى تبعية القرار السعودي وارتهانه للقرار الأمريكي حتى وصل الأمر إلى مستوى الاستعباد بعد مجيئ ترامب، في مقابل استقلال القرار الإيراني.

التريكي أكد أن إيران تطالب بحقوقها الوطنية والدولية، لافتاً إلى أن استخدام الطاقة النووية حق مشروع لجميع الدول، ولا تمتلك أي دولة أو جهة عالمية احتكار حق السماح أو عدم السماح، ولذلك رفضت في مفاوضات الاتفاق النووي أن يكتبوا (يسمح لإيران) وأصرت أن يكتبوا (يحق لإيران) لأنه حق وليس منحة أو منة من تلك الدول لكي تسمح أو لا تسمح.

في المقابل فإن السعودية لا تدافع عن حقوق شعبها حتى أنها تضر أحياناً بنفسها وشعبها لصالح الراعي الأمريكي، كما فعلت في خفض أسعار البترول، وعرضت نفسها لأصعب أزمة مالية في تاريخها، كل ذلك استجابة للطلب الأمريكي، وفي محاولة للإضرار بإيران، حسب التريكي.

ورأى التريكي أن مصداقية إيران في مواقفها من الأسباب التي مكنتها من كسب ثقة المجتمع الدولي، إذ أثبتت مصداقيتها في  كثير من المواطن والمناسبات، لعل أشهرها مسألة إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة، التي كانت إيران صادقة في بيانها منذ اللحظة الأولى، بينما اضطربت البيانات الأمريكية كثيراً حتى أصبحت مثار سخرية العالم.

وجزم بأن الإعلام السعودي، لم يعُد أحد يثق به، ربما فقط يتابعه البعض للتسلية والترفيه على مستوى الكذب والتضليل المفضوح، وفق التريكي.

مدير مجلس الثقافة والإعلام الإسلامي في بريطانيا تحدث عن قدرة إيران على بناء تحالف قوي ومتين سواء مع بعض الدول المؤثرة في العالم مثل روسيا والصين، أو مع حركات التحرر في العالم التي باتت ترى في إيران النموذج الأفضل للاستقلال والتحرر من هيمنة الاستكبار العالمي، وهو الأمر الذي فشلت فيه السعودية، إن لم تكن قامت بعكسه تماماً.

وقال التريكي: "إيران دعمت القضية الفلسطينية وقامت بطرد الصهاينة حلفاء الشاه السابق، وإعطاء مبنى سفارتهم لتكون أول سفارة لدولة فلسطين في العالم، في حين أن خذلان السعودية للشعوب لا يحتاج إلى دليل، وما الركض الأخير للتطبيع مع الصهاينة إلى دليل واضح للعمالة والتطبيع مع عدو الأمة".

قدرات إيران

الدكتور محمد الحساني، الباحث في الفكر الإسلامي والدراسات السياسية، أكد أن الغرب يدرك أن إيران دولة تقوم على مشروع، والنظام فيها هو نتاج ثورة وأن أهم شيئ ركّزت عليه إيران هو امتلاك القرار السياسي والاقتصادي. 

وقال في حديثه لـِ "الاستقلال": "الغرب يدرك أيضاً أنه يتعامل مع جغرافيا وقومية وتاريخ ودولة لها ثقل سياسي وعسكري، ولذلك فإن التعامل الغربي مع إيران يختلف كلياً عن التعامل مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية".

وأشار "الحساني" إلى أن السعودية تعلن على الملأ أن أمنها واستقرارها واقتصادها لا ينفك عن الحامي الأمريكي والغربي، الذي لا يؤمن إلا بمصلحته، والغرب واضح مع ذاته، في أن المصلحة هي منطلق القرار ومصلحة الغرب والمجتمع الدولي مع إيران.

ولفت إلى أن ما لم تستطع الدول العربية فهمه للأسف أن مصلحة الغرب مع إيران وليست مع السعودية، لأن الأخيرة لا تشكل أي عقبة أمامه ولذلك في المنتديات الدولية، العالم يسمع وينصت للقوي ويتفاعل معه ولذلك لن يتفاعل المجتمع الدولي مع السعودية. 

وأضاف "الحساني" أن حكام السعودية يسيل لعابهم ويعتبرون اللقاء بترامب حدثاً تاريخياً، أما ترامب يعرف جيداً ماذا يعني اللقاء بروحاني ويعرف ما هي أبعاده السياسية والإستراتيجية والرمزية بالنسبة لأمريكا، ويدرك أن مجرد اللقاء يُعد انتصاراً لأمريكا له بعد رمزي كبير.

وأوضح أن إيران بالمقابل ذات المراس السياسي والحنكة في التفاوض تدرك جيداً ذلك وأنها عندما وصفت أمريكا بِـ "الشيطان الأكبر"، فإن هذا الشعار هو كذلك رأس مال السياسية الإيرانية التي أعطتها تعاطفاً ومصداقية لدى الكثير من شعوب دول العالم ولذلك لا يمكن أن تتنازل معه.

 أوراق رابحة

فهد الغفيلي الباحث المتخصص في شؤون الخليج السياسية، قال إن إيران لم تتغلب فقط على السعودية بل تغلبت على المجتمع الدولي بأجمعه بسبب امتلاكها أوراق كثيرة في المنطقة تحركها بما يتناسب مع مصالحها وهي دولة مارقة لها قدرة على استخدام أدوات العنف والإرهاب المنظم بما يؤثر على الجميع، بينما لا تمتلك تلك الدول سوى السياقات المشروعة وإن نفذت أي أدوات غير مشروعة فستحاول إخفائها وإلا ستبدو كإيران "دولة مارقة".

وأضاف في حديثه لـِ "الاستقلال" أن المجتمع الدولي والقوى الكبرى تتعامل مع الواقع السياسي والعسكري ببراغماتية عالية، فإيران لديها أدوات القوى والتأثير القادر على التخريب وإشعال المنطقة ولا تتردد في ذلك مطلقاً، أما المملكة فعلى العكس تماماً ملتزمة بالقرارات الدولية وتخضع لشروط المجتمع الدولي قدر الإمكان، وهي الآن في موقف الضعيف الذي يطلب النجدة وهنا تتدخل القوى الكبرى لتفرض مزيداً من الشروط مع تقديمها للمساعدة.

وأشار "الغفيلي" إلى أن ترامب يرغب بعقد صفقة مع إيران ولا يرغب بالحرب مطلقاً في المرحلة الحاليّة، فهو يستخدم ضغوطه من أجلها، وأدرك مؤخراً أن إيران جادة في الحرب بعد إسقاط الطائرة الأمريكية لذلك يميل بقوة لعقد صفقة مع إيران وغالباً ما ستكون على حساب السعودية والمنطقة بعد فرض طهران شروطها وثبات نفوذها على الأرض.

ولفت إلى أن الإمارات عدو بثوب الصديق وسياساتها متماهية مع سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، وعندما أحسّت بالخطر وعدم رغبة ترامب بالتصعيد وصولاً إلى الحرب تراجعت إلى مسار التسوية والمفاوضات تاركةً السعودية في المستنقع اليمني وحيدة في مواجهة ميليشيا مجرمة بدأت تهدد أمنها القومي مباشرة.

أدوات ضغط

وقال أحمد بيان الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، إن ايران دائماً ما تقايض دول المنطقة والغربيين عبر أدواتها التي تمتلكها في المنطقة مثل الحكومة والحشد الشعبي في العراق، حزب الله اللبناني، النظام السوري، جماعة الحوثي في اليمن وغيرها من جماعات ولوبيات في الوطن العربي والغرب وأمريكا.

وأوضح في حديثه لـِ "الاستقلال" أن إيران تحرك أدواتها لاستهداف مصالح أمريكا والغرب كلما ضغطوا عليها عبر العقوبات الاقتصادية، كما ترسل رسائل معنية بالمفاوضات عن بعد، وهو ما يساعد ترامب "الكاره للحروب " للهروب إلى الأمام والسعي دائماً لإيجاد حلول دبلوماسية يضمن بها المنافع الاقتصادية الأمريكية.

وأشار "بيان" إلى أن حال فرنسا والدول الأوروبية أكثر هدوءاً مع إيران، لأنهم لهم حصة الأسد في الاستثمارات والعقود الاقتصادية معها، ومن جانبها تمارس الشركات الأوروبية العملاقة ضغوطاً كبيرة على دولها لإبرام اتفاقيات مع إيران لمواجهة الضغوط الأمريكية عليهم مثل "شل" و"توتال" و"زيمنس" وغيرها من الشركات الكبيرة.

ولفت البحث في الشأن الإيراني إلى أن الكفة مالت لصالح إيران وليس السعودية لأن المملكة ليس لديها أدوات أو برامج تستطيع الاستعانة بها مقارنة مع إيران، إذ تسعى السعودية من خلال استثماراتها و عقود السلاح مع أمريكا والغرب، كسب ودهم وتكون حليفتهم الأولى في المنطقة مع إسرائيل، لكن يبدو كل هذا لم يكن كافياً في مواجهة إيران وسياساتها التوسعية في المنطقة.


المصادر