"ناشونال إنترست": هكذا تحولت الأزمة السورية إلى حرب بالوكالة

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية تقريراً تحدثت فيه عن الأزمة السورية وما وصلت إليه بعد 10 سنوات من الحرب الأهلية التي قالت إنها تحولت إلى حرب بالوكالة، مشيرة إلى أنَّ شدة هذا الصراع لا مثيل لها في الفترة المعاصرة، باستثناء الكارثة باليمن.

وقال التقرير الذي أعدته الصحفية أوليفيا جيليز، إننا إذا قارنا حالة سوريا قبل عشر سنوات بالحالة الراهنة، فسيُصدم المرء من التناقض الصارخ، فمن الصعب فهم فكرة كيف أصبحت الأسواق التي كانت تعُجُّ بالحركة مرة واحدة والمساجد المزخرفة مجرد أكوام من الأنقاض الرمادية.

حرب مدمّرة

وأوضح، أنَّ "الحروب الأهلية مثل تلك الموجودة في سوريا بين نظام الأسد والمعارضين، لكن شدة هذا الصراع لا مثيل لها في الفترة المعاصرة، باستثناء الكارثة في اليمن".

وأكَّد التقرير أنها "إلى حد بعيد أسوأ حرب في التاريخ السوري الحديث حيث يعتقد أنَّ أكثر من 550 ألف شخص قد لقوا حتفهم ونزح 12 مليون شخص".

وأشار إلى أنَّ "ما جعل هذه الحرب تتحول إلى هذا القدر من الوحشية  التي عليها اليوم هو السياسة الخارجية لسوريا، بما في ذلك علاقتها بحزب الله وعدائها للإخوان المسلمين، إضافة إلى هذه العوامل، كانت مشاركة الجهات الفاعلة الأجنبية قضية مركزية أخرى أتاحت للحرب الأهلية أن تتحوَّل إلى حرب بالوكالة مدمرة للغاية".

ولفت التقرير إلى أنَّ اللاعبين الدوليين الرئيسيين في الحرب بالوكالة هم: السعودية، التي تدعم المعارضين السنة، وروسيا وإيران، المتحالفة مع نظام الأسد. بالإضافة إلى الولايات المتحدة وتركيا وقطر أيضاً بدرجات متفاوتة من المشاركة في النزاع".

وتابع: "مما لا شك فيه أنَّ الحرب الأهلية السورية أصبحت عُرْضة للتدخل الأجنبي بسبب العزلة التدريجية التي واجهتها سوريا من المجتمع الدولي والتي بدأت بعد 11 سبتمبر/أيلول بوقت قصير".

وبحسب التقرير، فإنَّ سوريا أصبحت دولة منبوذة بسبب سياساتها الاستبدادية وعلاقتها الحميمة المتزايد مع الجماعات المتطرفة ودول مثل إيران، نتيجة لذلك، لم تكن أي دولة أخرى مستعدة أو قادرة على التدخل لمنع السعودية وإيران من حل خلافاتهما السياسية في ساحة المعركة السورية، مما يُثبت أنَّ تحسين العلاقات المتدهورة بين سوريا والمجتمع الدولي سيكون خطوة مهمة في مساعدة سوريا على المضي قدماً بعد الحرب.

وتجدر الإشارة هنا، وفقاً للتقرير إلى أنَّه طالما كانت لسوريا سياسة خارجية مثيرة للجدل مع إسرائيل ولبنان، لكنَّ دولاً مثل الولايات المتحدة تمكَّنت من رؤية أنَّ العداء طويل الأجل لم يكن في صالحها، ومع ذلك، في عام 2002، سُرعان ما بدأت العلاقات  الخارجية بين الولايات المتحدة وسوريا في الانهيار عندما أُضيفت سوريا إلى قائمة محور الشر في الولايات المتحدة لجهودها للحصول على أسلحة الدمار الشامل في شكل أسلحة كيميائية وبيولوجية.

ورأى التقرير، أنَّ وضع سوريا هذا على نفس مستوى دول مثل كوبا وليبيا والعراق وإيران وكوريا الشمالية، كما منح هذا الضوء الأخضر للولايات المتحدة لفرض عقوبات على سوريا لمنع تمويل مشروعات الأسلحة، والتي تمَّ توسيعها في عام 2010، هذه العقوبات وإجراءات سوريا لتقويض الجهود الأمريكية في العراق تركت الولايات المتحدة غير مستعدة لمساعدة نظام الأسد في عام 2011.

سوريا المعزولة

وعودة الى الملابسات التاريخية للأزمة السورية، ذكرت المجلة أنَّه في عام 2005، أصبحت سوريا معزولة، ليس فقط عن الولايات المتحدة، ولكن أيضًا عن بقية المجتمع الدولي بعد التصديق على قرار الأمم المتحدة 1559، الذي  دعا جميع القوات الأجنبية إلى الانسحاب من  لبنان، ولكنَّه كان يستهدف سوريا بشكل أساسي بعد غزو لبنان خلال الحرب الأهلية 1975-1990.

وأوضحت المجلة: خلال الحرب الأهلية اللبنانية، طلب الموارنة مساعدة سورية في قمع ظهور حركة اشتراكية إسلامية، حيث وافقت سوريا على طلب الموارنة، الذي من الممكن أن يزعزع استقرار المنطقة، حيث بقيت سوريا في لبنان بعد فترة طويلة من توقيع اتفاقات الطائف لعام 1989 التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية المستمرة التي استمرت  خمسة عشر عاماً.

واستطردت: لكن بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، أصبح المجتمع الدولي يشك في استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان، لذلك، صادقت الأمم المتحدة على هذا القرار كوسيلة لإظهار استياء المجتمع الدولي من السياسة الخارجية السورية، ونأى بنفسه في وقت واحد عن البلاد.

ونوَّهت إلى أنَّ تعليق عضوية سوريا من جامعة الدول العربية في عام 2011، كان القشة الأخيرة في القضاء على كل الدعم السوري المحتمل في منع حرب الوكيل الوشيكة، لقد دعمت الجامعة العربية سوريا مرارًا وتكرارًا.

وأشارت المجلة إلى أنَّه على الرغم من تحالف سوريا المثير للجدل مع إيران، فقد دعت الجامعة العربية بقوة إلى مشاركتها في مؤتمر أنابوليس 2007، ومع ذلك، أرادت دول أخرى في الجامعة العربية تحميل سوريا مسؤولية هجماتها على المتظاهرين على أيدي قوات الأمن خلال الربيع العربي.

وأردفت: من دون دعم جيرانها العرب والولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي، كان حلفاء سوريا الباقون هم روسيا وإيران. جدير بالذكر أنَّ كلاً من إيران وسوريا حليفتين قويتين منذ تعاونهما لصد العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات.

روسيا إيران 

من جهة أخر، بحسب التقرير، فإنَّ سوريا وروسيا كانتا تتمتعان بعلاقات صداقة قوية، حيث أنَّه في عام 1971، تمكَّن الاتحاد السوفيتي من تأسيس موطِئِ قدم عسكري له في الشرق الأوسط من خلال بناء قاعدة بحرية في مدينة طرطوس الساحلية السورية.

وتابع: "مع ذلك، لم يدعم الاتحاد السوفيتي التعاون الأمريكي السوري خلال حرب الخليج الأولى، مما عرّض تحالفهم للخطر، و في عام 2005، ألغت روسيا 73 في المئة من ديون سوريا مع روسيا لتأكيد تعاونها الذي شجع سوريا لدعم التدخل الروسي في جورجيا في عام 2008".

وأشارت الصحيفة إلى أنَّه نظراً للعلاقات التاريخية الإستراتيجية التي تربط سوريا بكل من روسيا وإيران لم يجد نظام بشار الأسد من مفرٍّ سوى للجوء إلى هاتين الدولتين ليُدافعا عنه في مواجهة ثورة الشعب السوري، على الرغم أنَّ هذا القرار ربما يتسبَّب في حرب بالوكالة على الأراضي السورية، ولا تزال سوريا غير مستعدة لرفض الدعم المستمر من هذه البلدان بغض النظر عن الدمار الناجم عن تدخلها العسكري ومحاولاتها للتفاوض مع الآخرين دول بدون دعم سوري.

ورأت المجلة، أنَّه يجب على سوريا أن تعمل على إعادة بناء الثقة مع شركائها السابقين من خلال الانضمام مرة أخرى إلى المنظمات الدولية لحشد الدعم لإنهاء الحرب دون التشابك أكثر في شروط الحرب بالوكالة، حيث أنَّه قد تمَّ تدمير سوريا بسبب النزاع.

وبيّنت، أنَّه بدون إشراك العديد من الجهات الدولية الفاعلة، فإنَّ مصالح الدول بالوكالة سوف تتصادم، مما يُعيق القدرة على حل النزاع السوري في أسرع وقت ممكن، لذلك، يجب على سوريا أن تتطلع إلى دول أخرى للمساعدة في إنهاء الحرب من خلال المفاوضات والضغط على السعودية وإيران وروسيا لإلغاء تصرفاتها في الصراع.

العودة للجامعة العربية

وشدَّدت المجلة على أنَّه من المفترض أن يكون الهدف الأول لسوريا هو محاولة الانضمام إلى جامعة الدول العربية و بالنظر إلى التاريخ الطويل لنظام الأسد في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، فإنَّ اكتساب مصداقية دولية مع الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة يبدو صعباً للغاية، لكن إذا تمكَّنت سوريا من الانضمام إلى جامعة الدول العربية، فيُمكِنها بعد ذلك كسب شركاء إقليميين يرغبون في إنهاء الحرب والاستثمار في إعادة البناء. وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وتجدُر الإشارة هنا إلى أنَّ الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف هي تحسين العلاقات الثنائية بين سوريا وجيرانها العرب، مثل الإمارات إلا أنَّه بسبب أنَّ بشار الأسد، الذي من المقرر أن يظل في السلطة، أصبح منبوذاً دولياً، وقد رفضت كل من السعودية وقطر، وكلاهما من القوى الكبرى في جامعة الدول العربية، الاعتراف بسوريا تحت سيطرته.

واختتمت المجلة تقريرها قائلة: إنَّ النظام السوري يحتاج إلى العمل مع دول عربية أخرى مثل الإمارات لإعادة بناء سوريا بطريقة بناءة بما يعود بالنفع على العالم العربي عمومًا، حيث يتحتم إقناع بقية دول جامعة الدول العربية بأنَّ سوريا لم تعُد تهديداً إقليمياً، مشيرة إلى أنَّ هذه ليست نهاية جهود سوريا لاستعادة مصداقيتها الدولية، لكنها ستكون خطوة أولى قوية يمكن أن تسمح باستعداد الدول الأخرى للتفاوض.