لاجئو إدلب على أبواب تركيا.. لماذا جدد أردوغان تهديده لأوروبا؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الغرب ينزعج من التصريحات التركية حيال المهاجرين، قد نضطر لفتح الأبواب إذا لزم الأمر، لأنهم (الأوروبيون) لا يساهمون في حل مشكلة الهجرة"، تصريحات حديثة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقلقت مضاجع أوروبا، ودعت حكومات ألمانيا واليونان إلى توجيه انتقادات بالغة إلى أنقرة.

في 13 سبتمبر/ أيلول الجاري، ومن مكتب رئاسة الجمهورية التركية بقصر "دولمة بهتشه" التاريخي في إسطنبول، قال أردوغان: إن "بلاده تواصل تقديم كافة أنواع المساعدات للنازحين السوريين من مدينة إدلب (شمال غرب)، في حين أن الغرب لا يهتم لذلك".

الرئيس التركي أكد في مقابلة مع وكالة رويترز، أن "بلاده تستضيف 3 ملايين و600 ألف لاجئ سوري، ولا يمكنها استيعاب المزيد منهم". 

أزمة اللاجئين عادت مرة أخرى لتلقي بظلالها على العلاقات بين أنقرة وأوروبا، في ظل تخوفات من موجة نزوح ضخمة مشابهة لما حدث بين عامي 2014 و2016، لا سيما مع مواصلة القوات السورية تقدمها نحو آخر معاقل الفصائل المقاتلة في إدلب، وهو ما يهدد بحدوث تدفق للاجئين نحو الحدود التركية.

تقاعس أوروبا 

بداية الأزمة الحالية، انطلقت قبل شهرين في 9 يوليو/ تموز 2019، عندما وجّه أردوغان انتقاداته للأوروبيين لتقاعسهم عن دعم تركيا ومساندتها في مواجهة تدفُّقات اللاجئين إليها.

وأثناء قمة عملية التعاون المنعقدة بجنوب شرق أوروبا، في العاصمة البوسنية سراييفو، قال أردوغان: "الدول الأوروبية لا تستطيع التفاهم معاً لتقاسم عشرات اللاجئين، في حين تحتضن تركيا أكثر من 4 ملايين لاجئ".

وأكد أن "تركيا أنفقت على اللاجئين السوريين المقيمين داخل أراضيها أكثر من 37 مليار دولار، وساهمت في تخفيض الهجرة غير النظامية إلى القارة الأوروبية بنسبة 99%، من خلال التدابير التي اتخذتها".

وأردف قائلاً: "الاتحاد الأوروبي تَعهَّد بدفع 6 مليارات يورو إلى تركيا لمساعدة اللاجئين السوريين، لكن يؤسفني أن أقول إن أنقرة لم تتسلّم سوى 2.5 مليار يورو من هذا المبلغ".

واستطرد الرئيس التركي: أن "تركيا ساهمت بشكل كبير في تحقيق أمن أوروبا ومنطقة البلقان، لكنها لم تحظَ بالدعم المطلوب من أصدقائها الأوروبيين".

ثم شدّد على "أهمية عملية التعاون في جنوب شرق أوروبا"، مبيّناً أن "نجاح هذه المسيرة أمر مهمّ لاستقرار ورخاء تركيا وعموم القارة الأوروبية".

وذكر أردوغان أن "تركيا تدعم بقوة، اندماج دول منطقة البلقان مع المؤسسات الأوروبية الأطلسية"، مشيراً إلى أن القرار الذي سيصدُر بشأن محادثات انضمام ألبانيا وشمال مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي، سيُؤثّر على مستقبل المنطقة برمتها".

وتابع "سياسات التوسُّع الأوروبية باتت أسيرة حفنة من الشعبويين، وباتت التيارات المتطرفة تتعاظم في أنحاء القارة الأوروبية، وهذه التيارات تهدّد السلام الداخلي في أوروبا"، في إشارة منه إلى تعاظم دور اليمين المتطرف المعادي لتركيا، واللاجئين.

وأعرب الرئيس التركي عن ثقته في أنّ "قادة الدول الأوروبية سيدافعون عن فكرة تكامل منطقة البلقان مع الاتحاد الأوروبي".

منطقة آمنة

"على أوروبا أن تفهم أن تركيا ليست في وضع يمكنها من استضافة المزيد من طالبي اللجوء في حال حدوث تدفق من إدلب". كان هذا جزءًا من تصريحات أدلى بها نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي في 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، لقناة "بلومبرغ" الأمريكية، على هامش مشاركته في منتدى "أمبروسيتي" بنسخته الـ 45 في مدينة "تشيرنوبيو" شمالي إيطاليا.

وأكد نائب الرئيس التركي أنّ "هناك منطقة آمنة خالية من الإرهابيين في إدلب جرى تأسيسها من أجل المدنيين من خلال المباحثات مع إيران وروسيا في إطار مسار أستانا وبعدها سوتشي، ولكن هجمات النظام السوري في المنطقة تسببت بمقتل عدد كبير من المدنيين".

وأوضح أوقطاي أن "أوروبا ركزت بشكل كبير على مشاكلها ونسيت أزمة اللاجئين، وأن مقاتليها الأجانب في المنطقة هم المشكلة الرئيسية بالنسبة لها". 

ولدى سؤاله عمّا إذا كانت هناك موجة هجرة جديدة من الجانب السوري، قال أوقطاي "مع الأسف، نعم.. ولكننا في تركيا نبذل جهوداً حثيثة من أجل تأسيس السلام في المنطقة".

واختتم فؤاد أوقطاي حديثه، مشيراً أنه "يتعين على أوروبا مواجهة هذا الخطر، فتركيا غير قادرة على تحمُّل هذا العبء بمفردها". 

قلق بالغ

في 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، قالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية مارتينا فيتس: "ألمانيا تتابع بقلق بالغ تزايد وتيرة تدفق القوارب في بحر إيجة التي تحمل على متنها مهاجرين من تركيا إلى الجزر اليونانية".

مؤكدة في المقابل أن أعداد المهاجرين الذين يفدون حالياً إلى اليونان لا تزال أقل على نحو واضح من أعدادهم قبل توقيع اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في آذار/مارس عام 2016.

وحسب موقع "دويتشه فيله" الألماني، ارتفع عدد المهاجرين الوافدين من تركيا خلال الأسابيع الماضية على نحو ملحوظ. وفي آب/أغسطس انتقل 8103 مهاجرا كانوا مقيمين في تركيا إلى جزر بحر إيجة اليونانية، حسب بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويوجد على هذه الجزر حالياً نحو 24 ألف مهاجر، يبحثون عن الحماية في أوروبا.

ولتخفيف الأعباء عن مخيمات اللجوء المكتظة في الجزر، نقلت الحكومة اليونانية خلال الأسابيع الماضية آلاف المهاجرين إلى البر اليوناني، خاصة الأفراد الذين لديهم فرص جيدة للحصول على لجوء أو وضع حماية في اليونان.

وفي 11 سبتمبر/ أيلول الجاري، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس "على تركيا ألا تحاول تهديد اليونان أو أوروبا في إطار مساعيها للحصول على دعم لخطة لإعادة توطين اللاجئين في شمال سوريا".

يُذكر أن الاتحاد الأوروبي أبرم اتفاقاً مع تركيا في عام 2016 لوقف عبور المهاجرين من أراضيها إلى أوروبا مقابل التعهُد بمساعدات مالية بالمليارات، لدعم أنقرة في مواجهة موجة النزوح، وأعلن أردوغان أن أوروبا لم تف بكامل تعاهداتها حيال ذلك الأمر.

تفاصيل الاتفاق

في 18 مارس/ آذار 2016، أعلن الاتحاد الأوروبي وتركيا، في بيان مشترك، عن بنود وتفاصيل الاتفاق الذي توصلا إليه في القمة التي جمعتهما في العاصمة البلجيكية بروكسل، في إطار إيجاد حل جذري لأزمة اللاجئين، وتعزيز العلاقات بين أنقرة وأوروبا.

وينص الاتفاق على استقبال تركيا المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من الأراضي التركية.    

وفي هذا الإطار يجري اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، في حين يجري إيواء السوريين العائدين في مخيمات داخل تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لديها (رسمياً) إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها.

في المقابل يلغي الاتحاد تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك، ويقدم دعمًا ماليًا لصالح اللاجئين المقيمين في تركيا، فضلاً عن استكمال اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.

كما أن الاتفاق ينص على تحديد عملية تبادل اللاجئين السوريين في المرحلة الأولى بـ72 ألف شخص كحد أقصى، يتكفل الاتحاد الأوروبي بمصاريف عملية التبادل وإعادة القبول، التي بدأت فعليًا في أبريل/نيسان 2016.

من جانبها نفذّت تركيا ما يقع على عاتقها من مسؤوليات في إطار الاتفاق، وضبطت الهجرة غير النظامية على سواحل بحر إيجة، غير أن الاتحاد لم يلتزم بتعهداته لأنقرة حيال إلغاء التأشيرة، إلى جانب تباطؤه في المساعدات المالية للاجئين.

أحد أهم بنود الاتفاق الذي لم يلتزم به الاتحاد هو إلغاء تأشيرة دخول المواطنين الأتراك إلى دوله، إذ كان يُفترض على المفوضية الأوروبية تقديم مقترح رفع التأشيرات عن المواطنين الأتراك للبرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي في تاريخ أقصاه مايو/أيار 2016.

وحسب تقرير المفوضية الأوروبية في يوليو/ تموز 2016، فإن 3 آلاف و565 سوريًا فقط جرت إعادة قبولهم في بلدان الاتحاد الأوروبي من مجموع 72 ألف شخص، في حين بلغ عدد اللاجئين المرسلين من الاتحاد إلى تركيا 1487 منذ إعلان الاتفاق.

كما أقرت المفوضية بفشل الاتحاد حيال إعادة توطين اللاجئين بدول أعضاء منطقة  اليورو.

وأكدت المفوضية الأوروبية أن اتفاق أنقرة وبروكسل أدى إلى انخفاض أعداد المهاجرين غير النظاميين بمعدل 97% في الفترة الممتدة بين أبريل/نيسان، وديسمبر/كانون الأول 2016، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من 2015. 

موجة مخيفة 

تركيا التي استقبلت مئات الآلاف من العراقيين والأفغان الذين فروا من النزاعات في بلدانهم، باتت تخشى تدفق موجة جديدة من اللاجئين في وقت تواصل القوات السورية تقدمها نحو آخر معاقل الفصائل المقاتلة في إدلب.

وفي مسعى للضغط على الولايات المتحدة التي من المقرر أن تُسيّر معها دوريات مشتركة في المنطقة الآمنة، قال أردوغان "تركيا عازمة على البدء فعلياً بإنشائها بحلول الأسبوع الأخير من أيلول/سبتمبر الجاري".

وفي تصريح صحفي أدلى به الرئيس التركي بعد أدائه صلاة الجمعة يوم 13 سبتمبر/ أيلول 2019، في إحدى مساجد مدينة إسطنبول، أكد أن "القمة الثلاثية التي ستجمعه مع زعيمي روسيا وإيران بشأن سوريا (الاثنين 16 سبتمبر/أيلول)، ستُركز على المستجدات في إدلب، بما في ذلك موضوع نقاط المراقبة التركية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة".

وأضاف: "350 ألف سوري عادوا فعلاً إلى مناطق من بلادهم سيطرت عليها القوات التركية خلال عمليتين في 2016 و2018. نهدف إلى توطين ما لا يقل عن مليون شخص من الأشقاء السوريين في المنطقة الآمنة التي سيتم تشكيلها على طول الحدود البالغة 450 كلم".

وفي 29 يوليو/ تموز 2019، في بيان لوزارة الدفاع التركية، قال خلوصي أكار وزير الدفاع التركي، إن بلاده "ستضطر لإنشاء منطقة آمنة في سوريا بمفردها، حال عدم التوصل لتفاهم مشترك مع الولايات المتحدة".

وحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية، فإن البيان جاء في إطار اتصال هاتفي بين أكار، ونظيره الأمريكي مارك إسبر". وشدد أن تركيا هي الدولة الأنسب وصاحبة القوة القادرة على ضبط المنطقة الآمنة في سوريا.

كما أكد البيان على ضرورة مصادرة جميع الأسلحة التي بحوزة تتنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي، وإخراجه من المنطقة الآمنة بشكل كامل. وأن عمق المنطقة الآمنة يجب أن يمتد إلى 30 أو 40 كم من الحدود التركية داخل الأراضي السورية، وضرورة سيطرة تركيا عليها بالتنسيق مع الولايات المتحدة".