"برلسكوني تونس".. ماذا لو فاز القروي في انتخابات الرئاسة؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منتصف الجمعة 13 سبتمبر/ أيلول الجاري، رفضت محكمة التعقيب في العاصمة تونس التماساً تقدمت به هيئة الدفاع عن المرشح في الانتخابات الرئاسية نبيل القروي، مما ينتج عنه استمرار إيقافه على ذمة قضايا تهرُّب ضريبي، منذ 23 أغسطس/ آب الماضي.

ويأتي توقيف السلطات للقروي وشقيقه على خلفية شكاية رفعتها منظمة "أنا يقظ" الرقابية بحقهما منذ 2016 بتهمة التهرب الضريبي، في حين وجَّه القطب القضائي والمالي للمرشح الرئاسي تُهمة "غسل الأموال والتحايل"، ليتمَّ على إثرها تجميد ممتلكاته ومنعه من السفر في 8 يوليو/تموز 2019.

لم تمرَّ حادثة القبض على المرشح الرئاسي نبيل القروي من قِبل الأجهزة الأمنية في تونس دون أن تُخلِّف جدلاً شعبياً وسياسياً واسعاً حول دوافع القرار وتوقيته، قبل أقل من شهر على موعد الانتخابات الرئاسية.

تجدّد الحديث في وسائل إعلام محلية وعالمية عن الحظوظ الكبيرة للقروي في المرور للدور الثاني في الانتخابات التي تجرى جولتها الأولى في 15 سبتمبر/أيلول والثانية في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، عن تساؤلات عما يمكن أن يحدث إذا استمر توقيفه أو صدر في حقه حكم قضائي بات.

حضن السلطة

يعتبر نبيل القروي أحد المقربين من نظام الرئيس المخلوع زين العابدين، وواحداً من القلائل الذين سُمح لهم بامتلاك وسائل إعلام خاصة في تونس، حيث افتتح قبل الثورة قناة "نسمة" لتكون ثاني قناة خاصة.

ومن أجل توفير ضمانات داخلية وخارجية، عقد القروي شراكة مع رجل الأعمال التونسي والمنتج السينمائي العالمي طارق بن عمار ورئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني.

وكانت "نسمة" في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي شهدتها تونس سنة 2014 القناة المقربة من حزب "نداء تونس" ومن رئيس الحزب حينها، رئيس الجمهورية الراحل  الباجي قايد السبسي.

 كان القروي دائم النفي لعلاقته بحزب "نداء تونس" ليعلن بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بأنَّه واحد من المؤسسين لهذا الحزب وليتولى بعد مؤتمر سوسة في يناير/كانون الثاني 2016 مسؤولية في الهيئة السياسية للحزب، ويعلن استقالته من إدارة قناة "نسمة" لرفض القانون التونسي الجمع بين المسؤولية الحزبية وإدارة مؤسسة إعلامية. 

حينها لعب القروي أدواراً في ربط جسور ودٍ مع حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، حيث قال في أحد لقاءاته التلفزيونية على قناته عام 2015" أنَّه لم يكن يعلم مدى وطنية رئيس الحركة راشد الغنوشي إلا بعد احتكاكه به، مبرزاً أنَّ هذا الرجل "لا مصلحة له إلا خدمة تونس من خلال عمله السياسي"، على حد تعبيره.

وأضاف: "اكتشفت الغنوشي كما اكتشفه كل التونسيين، أنا لم تكن لي رؤية مسبقة عن الإسلاميين، أنا لا أريد أن يُغادر الإسلاميون البلاد (نطلعوهم في بابورات) أو ننصب لهم المشانق.

 برلسكوني تونس 

كتبت هبة صالح على صحيفة فاينانشيال تايمز مقالاً بعنوان "برلسكوني تونس" يشارك في سباق الانتخابات من السجن"، وذلك في إشارة إلى مرشح الرئاسة المليونير نبيل القروي.

وتُشير الكاتبة إلى أنَّ مؤيدي قروي يلقون باللوم في حبسه على رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد، أحد المنافسين الرئيسيين في انتخابات الرئاسة، لأنَّه أعاد نشر اتهامات ضد قروي تعود لعام 2016 وتتعلق بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال.

يأتي هذا التوصيف للقروي بأنَّه "برلسكوني تونس" في تشبيه له بمسيرته السياسية التي اختلط فيها الإعلام بالمال بالسياسة، ومحاولات الفرار من العدالة عبر التحصّن بالمنصب السياسي.

يُمثِّل برلسكوني، الذي يُلقِّبُه الإيطاليون بـِ"الفارس"، حالة خاصة في المشهد السياسي الإيطالي، لأنَّه لم يدخل عالم السياسة إلا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي بعد أن راكم ثروة ضخمة من استثماراته في عالم العقار والمال والإعلام والدعاية والنشر حيث يملك محطات تلفزيونية وصحفاً ودور نشر.

اختلفت التفسيرات بشأن دخوله عالم السياسة، فعزته المعارضة إلى محاولته التهرب من العدالة في عدد من القضايا أبرزها قضية التهرب الضريبي، وعزاه هو إلى رغبته في تخليص البلاد من حكم الشيوعيين.

إلاّ أنّ رجل الإعلام والمال الإيطالي، اختتم حياته السياسية بعد سلسلة من الفضائح والمحاكمات حول تهم فساد مالي وأخلاقي، في استقالته من منصبه نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

ورغم كل ذلك إلاّ أنَّ استطلاعات للرأي أظهرت قبل أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس حظر نشرها، أظهرت تصدّر القروي لنوايا تصويت التونسيين، مما جعل تساؤلات تطرح حول نتائج المحاكمة، وعن السيناريوهات المتوقعة حال وصوله للدور الثاني أو الفوز بالرئاسة.

"أنا يقظ"

في 16 فبراير/شباط 2016، نشرت منظمة "أنا يقظ" نسخاً عن تقارير مراقب الحسابات للشركة المنتجة لقناة نسمة لسنوات 2011 و2012 و2013 والمتعلقة بالقوائم المالية للشركة.

وأثبتت التقارير الوضعية المالية المشبوهة لشركة "نسمة" وعمليات التحايل التي تمارسها على البنوك التونسية وإدارة الجباية وصندوق الضمان الاجتماعي في ظل الديون المتراكمة والتي وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 36 مليون دينار تونسي (الدولار يساوي 2.86 دينار) في حين أن رأس مال الشركة لا يتجاوز 2.5 مليون دينار.

المفاجئ في هذه التقارير أنَّ أغلب الديون هي تجاه شركات على ملك نبيل القروي وأخيه غازي سواء في تونس أو في الخارج وهو ما يطرح فرضية أنَّ شركة نسمة تقوم بتهريب أرباحها إلى الخارج.

والملفت للنظر أيضاً أنَّ نبيل القروي وكيل الشركة، يتقاضى راتباً سنوياً يصل إلى أكثر من 360 ألف دينار رغم الوضعية الخانقة للشركة، وذلك حسب ما أثبتته الوثائق.

لكن الخطير في الأمر حسب وصف منظمة "أنا يقظ" أنَّ مراقب الحسابات لم يقم بإعلام النيابة العمومية، حسب ما يقتضيه القانون في حال تجاوزت ديون الشركة رأس مالها ولم تقم الأخيرة بتلافي الوضعية، من أجل تسوية الشركة ثم تصفيتها. كما تطرح هذه التقارير عدة تساؤلات حول مصير الأرباح التي تحققها.

المراقبون لملف القضية يستبعدون قدرة القروي وفريق دفاعه على الدفع بعدم وجاهة الاتهامات التي تقدمت بها "أنا يقظ"، وهو ما يجعل الوضع مفتوحا على عدّة إمكانيات في سباق المترشحين نحو قصر قرطاج.

السجن أو القصر؟

أستاذ القانون الدستوري ورئيس شبكة "دستورنا" جوهر بن مبارك نشر تدوينة على حسابه الشخصي بفيسبوك يسخر من ترشح نبيل القروي الملاحق قضائياً وكذلك الأمين العام السابق لنداء تونس سليم الرياحي الذي صدرت في حقه كذلك أحكام قضائية بتهم تبييض الأموال.

وتحدّث جوهر مبارك قبل أيام من توقيف نبيل القروي عن ماذا يمكن أن يقع حينها في صورة انتخابه رئيس للبلاد، قائلاً: "رغم انتخابه لن يستطيع مغادرة السجن لأداء القسم إلاّ بحصوله على الحصانة، ولا يتحصل على الحصانة إلّا إذا غادر السجن لأداء القسم! علماً وأنَّ الدستور يقتضي أداء القسم أمام مجلس نواب الشعب في باردو أيّ خارج السجن".

وأضاف: "حينها ربما نقوم  بمراسم أداء قسم في الحبس ويكون أوّل نشاط للنواب الجدد هو دخول سجن المرناقية".

من جهته قال  مساعد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف إبراهيم بوصلاح في إجابة عن أسئلة وكالة فرانس برس عن ماذا سيحدث لو انتقل القروي إلى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية "هي القضية الأولى من نوعها في تونس. يجب أن أقول هنا أننا أمام فراغ".

مضيفاً: "في حال فوزه، سنكون في مأزق قانوني، إن بقي في السجن أو تمّ إطلاق سراحه، ستتواصل المشاكل. لم يحاكم والقضية لم تُختم. بالإضافة إلى أنَّه وإن وصل للرئاسة، فلن يتمتع بالحصانة الرئاسية لأنها ليست ذات مفعول رجعي".

وتابع بوصلاح: "لا أستطيع أن أتصوّر ماذا سيحصل. يمكن فقط أن أقدم فرضيات. أخمن أنَّ القضاة سيواجهون ضغطاً، وأكّد أن القضاة يطبقون القانون، وغرفة الاتهام التي أصدرت مذكرة التوقيف في حق القروي استندت إلى نص قانوني".