واشنطن تايمز: كيف تربك الصين منطقة الشرق الأوسط؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية إنَّه في الوقت الذي تتباهى فيه روسيا فلاديمير بوتين المتراجعة بقوتها في الشرق الأوسط، فإنَّ الصين شي جين بينغ الصاعدة تراوغ أضواء الاهتمام الذي تستحقه.

وفي تحليل أعدَّه دانيال بيبس، رئيس منتدى الشرق الأوسط، فإنَّ الحزب الشيوعي الصيني بدأ باستثمار الأموال واكتساب النفوذ بطرق لها تداعيات هائلة ومثيرة للقلق.

وتابع "كتب إيلان بيرمان نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في العدد الحالي من دورية الشرق الأوسط، يقول: بعد سنوات من السلبية النسبية، تبذل بكين الآن جهودًا متضافرة لتوسيع وجودها الإستراتيجي ونفوذها الاقتصادي في الشرق الأوسط". وهذا واحد من أبرز اتجاهات التبعية في السنوات الأخيرة، بحسب بيرمان.

طموحات الصين

ومضى "بيبس" يقول "هناك دافعان - وهما الطاقة والأيديولوجية - يفسران طموحات الصين الإقليمية. فمع ازدياد ازدهار البلاد، فإنَّ استهلاكها المتزايد للطاقة يُؤدي إلى زيادة الاعتماد على الموردين من الشرق الأوسط".

وتستورد بكين أكثر من نصف نفطها الخام، ويأتي حوالي 40 % منها من الشرق الأوسط، مع استمرار ارتفاع النسبة. 

وأضاف "حسب تقدير بيرمان، فإنَّ المنطقة سرعان ما أصبحت محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي الصيني، وهو ما يعني بدوره أنَّه يتعين على بكين اكتساب المزيد من التأثير على ما يحدث هناك".

وإلى جانب هذه الحاجة العملية، أصبح تأكيد القوة الصينية غاية في حد ذاته منذ تولي "شي جين" الحكم في عام 2013، مما أدَّى إلى ما يسميه بيرمان سياسة خارجية توسعية عدوانية متزايدة، "ويشمل ذلك محاولة للسيطرة الاقتصادية العالمية عبر مبادرة الحزام والطرق التي تضم 100 دولة".

وتابع كاتب التحليل "في الشرق الأوسط، كان هذا يعني أنَّ طموحات الحكومة الصينية قد نمت في السنوات الخمس الماضية من مجرد شراء الطاقة وبيع الأسلحة إلى مشاركة أعمق بكثير". 

وأضاف "رمزاً لهذا التحوُّل، بلغت الاستثمارات الصينية السنوية في المنطقة منذ عقد من الزمان مليار دولار، وفي منتدى واحد فقط في الفترة الأخيرة، تعهَّدت بتقديم 23 مليار دولار في شكل قروض ومساعدات التنمية. في أغسطس/آب الماضي، أرسلت ضخ نقدي بقيمة مليار دولار إلى تركيا وحدها".

ويوضح بيبس "عسكرياً، أصبحت بكين أحد المساهمين الرئيسيين في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وأرسلت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في زيارات إلى العديد من الموانئ وافتتحت أول قاعدة إقليمية لها في جيبوتي في عام 2015. ويفترض أن تحتفظ مستقبلاً بالعديد من القواعد العسكرية الصينية".

عواقب وخيمة

ومضى يقول "بينما تبدأ بكين في تغيير السياسة والأمن بالمنطقة، يلاحظ بيرمان 3 عواقب يراها وخيمة".

أولى هذه العواقب تتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ "يُقدِّر قادة الصين البراعة التكنولوجية للدولة العبرية لدرجة أنهم استثمروا 3.2 مليار دولار في النصف الأول من عام 2019، وربما يسيطرون أو يتمتعون بنفوذ على ربع صناعة التكنولوجيا في إسرائيل، بما في ذلك المقاولون العسكريون العاملون في مشاريع سرية مع الشركات الأمريكية". 

وأضاف "في الواقع، قد تحِلُّ الصين قريبًا محلَّ أمريكا باعتبارها أكبر مصدر منفرد للاستثمار في إسرائيل، وهو احتمال لا يثير قلق واشنطن الرسمي فحسب، بل إنَّه قد يتسبَّب في ضرر مستمر منذ عقود، ولا سيما الارتباط الوثيق والمثمر".

وأوضح أنَّ ثاني هذه العواقب يتعلق بإقليم شينجيانغ، لافتاً إلى قهر الصين الضخم لسكانها المسلمين، خاصة الأويغور في أقصى غرب البلاد، واجه عدم اكتراث شخصيات مسلمة بارزة مثل وليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان. 

ولفت إلى أنَّ هذه اللا مبالاة تتناقض بشكل كبير مع نوبة الغضب الطويلة في العالم الإسلامي إزاء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، كما تُشير إلى أنَّ حجم الصين وقوتها وقسوتها يجعلها حرة في قمع الدين والثقافة الإسلامية داخل نطاقاتها وربما خارجها.

واعتبرت بعض وسائل الإعلام الغربية أنَّ ابن سلمان برَّر خلال زيارته إلى الصين في بداية العام الجاري، إنشاء سلطات هذه البلاد معسكرات خاصة باحتجاز المسلمين الأويغور الصينيين.

وخلصت وسائل الإعلام هذه، إلى هذا الاستنتاج استناداً إلى ما نقلته وكالة "شينخوا" الصينية عن ابن سلمان قوله آنذاك: "تتمسك السعودية بقوة بسياسة "صين-واحدة"، ونحترم وندعم حقوق الصين في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الإرهاب والتطرف من أجل حماية الأمن القومي، ونحن مستعدون لتعزيز التعاون مع الصين".

وحسب تقديرات منظمات دولية، احتجزت الصين في المعسكرات الخاصة مليونا أو حتى أكثر من ذلك من المسلمين الأويغوريين، حيث يتعرض هؤلاء لـِ"برنامج إعادة التعليم" الذي تقول بكين إنَّه يهدف إلى مكافحة التطرف، وسط أنباء عن تضييق حقوقهم وإلزامهم بدراسة العقيدة الشيوعية.

ديكتاتورية التكنولوجيا

وبالعودة إلى العواقب، نوَّه بيبس بأنَّ ثالثها يتعلق بديكتاتورية التكنولوجيا الفائقة، مضيفاً: "أصبح نموذج الصين للمراقبة والرقابة والرصد والقمع سلعة تصديرية مهمة". 

وأشار إلى أنَّ هذا الأمر له أيضاً آثار رهيبة، "فقدرة الشيوعية الصينية على التحكم في كل جانب من جوانب حياة الأشخاص من خلال تقنيات مبتكرة في كل مكان، تُعزز من قوة الدولة".

وتابع: "ليس من المستغرب أن تجد بكين سوقاً جاهزة في الشرق الأوسط"، موضحاً أنَّ الشركات الصينية ساعدت ملالي إيران على البقاء في السلطة منذ الحركة الخضراء لعام 2009. 

وأضاف: "لقد سيطرت تلك الشركات على جميع الاتصالات السلكية واللاسلكية في مصر تقريبًا، مما منح الرئيس عبد الفتاح السيسي ضوابط واسعة لخنق شعبه. كما أنَّ هذه الشركات نشطة بشكل مثير للقلق في لبنان والسعودية، وفي أماكن أخرى أيضًا، مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية".

وتابع: "وفاء للعقيدة الشيوعية المعادية للإمبريالية، يُنكر جين شي بشدة أن تكون حكومته تسعى إلى تطوير مجال نفوذ في الشرق الأوسط".

وأضاف: "بدلاً من ذلك، يعلن أنَّ نوايا بلاده حسنة وتقتصر على مجرد المساعدة في التنمية الاقتصادية". 

لكنَّ الكاتب أكَّد أنَّ بكين لا تملك فقط سلطة تغيير التحالفات والخطاب السياسي وحتى الحريات الداخلية في جميع أنحاء المنطقة، بحسب ما يقول بيرمان، لكنها تنوي استغلال هذه القوة إلى أقصى حد.