لأول مرة.. صحيفة تركية تنشر اعترافات مرعبة لقتلة خاشقجي

12

طباعة

مشاركة

كشفت صحيفة "صباح" التركية، لأَول مرة، في تقرير مطوّل للصحفييْن عبدالرحمن شيشمك، ونازيف كارمان، عن "الحقائق الخفية التي تُثير فضول الجميع" خلال جلسات الاستماع والتحقيقات السرية التي جرت في السعودية، والمتعلقة بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

ونشرت الصحيفة، جزءاً من الإفادات التي لم تُنشر أبداً، إذ يُفيد التقرير أنَّه رغم اعتراف الفريق المُكلَّف بقتل خاشجقي، تظهر الشهادات التي أدلى بها المسؤولون التنفيذيون في فريق الإعدام، أنَّ هذه التحقيقات تهدف إلى التغطية على العقل المدبر لجريمة القتل، خاصة وليَّ العهد محمد بن سلمان.

وكانت أغنيس كالامار المُقررة الخاصّة للأمم المتحدة حول عمليات الإعدام من دون محاكمة، قد أعلنت أنَّ السلطات في السعودية، عقدت جلسة "محاكمة سرية" لـِ11 شخصاً متهمين في قضية مقتل خاشقجي، وكشفت أنَّ الجلسة الثانية عقدت في 31 يناير/كانون الثاني الماضي.

ثلاث مجموعات

وعقدت النيابة العامة السعودية، في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، الجلسة الأولى بالمحكمة الجزائية السعودية في الرياض، للمدانين من النيابة في قضية قتل خاشقجي، وعددهم 11 شخصاً، وطالبت بتنفيذ "الجزاء الشرعي بالقتل" بحق خمسة موقوفين منهم.

وأفاد تقرير الصحيفة بأنَّ فريق الإعدام المكون من 15 شخصاً لم يكن قائده ماهر المطرب، وإنما كان الرجل الثاني في الفريق ورئيس فريق التفاوض في ذات الوقت، فيما كان رقم واحد في فريق الإعدام هو منصور أبو الحسين والذي قدِم مع فريق الإعدام إلى إسطنبول برفقة رجاله الـ 15.

وأوضحت الصحيفة، أنَّ حسين شكّل ثلاث مجموعات منفصلة لمهام "الاستخبارات والتفاوض واللوجستيات" لقتل خاشقجي بناءً على أوامر نائب رئيس المخابرات السابق، أحمد العسيري؛ فيما ترأس منصور أبو حسين المجموعات الثلاث.

وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها صحيفة "صباح" من مصادر دولية؛ تتطابق تصريحات المتهمين التسعة، بمن فيهم منصور أبو حسين، التي أدلوا بها للمدعي العام مع بعضها البعض وذلك أثناء محاكمة قتلة خاشقجي التي عقدت أول محاكمة لها في الرياض في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، على عكس إفادات عسيري التي لم تنسجم مع تصريحات المتهمين الآخرين.

وأوضحت، أنَّ النائب العام طالب بحكم الإعدام بحقِّ كل من "تركي مشرف، ووليد عبد الله الشهري، وفهد شبيب البلوي وماهر المطرب، وصلاح محمد الطبيقي" فيما طالب بتنفيذ حكم المؤبد للبقية. وعلى الرغم من أنَّ النائب العام حاول الحصول على المعلومات بين ثنايا إفاداتهم لمحاولة استبيان تفاصيل جريمة مقتل خاشقجي.

وتابعت الصحيفة: إلا أنَّ عسيري حرص أيضاً على حماية سعود القحطاني والأمير محمد بن سلمان؛ حيث قال في إفادته: "أمرت منصور بإقناع جمال بالتفاوض؛ و لقد عيّنت منصور رئيساً لهذه المهمة و أراد منصور أن يجتمع مع القحطاني ليُنفِّذ تعليماتي؛ وقد سهلت هذه المهمة عبر السماح بلقائهما معاً، ولم أُصدر أمراً بإحضار جمال بالقوة". وبالطبع فإنَّ تصريحات عسيري تهدف إلى إخفاء مسؤولية محمد بن سلمان السياسية عن الحادث.

توجيهات القحطاني

وبناء على التفاصيل التي حصلت عليها صحيفة "صباح" بشأن محاكمات اغتيال خاشقجي، فإنَّ منصور أبو الحسين لعب دوراً مهماً في الجريمة، غير أنَّ محمد بن سلمان يظهر في قمة هذا التسلسل الهرمي، ووفقاً لذلك، حضر سعود القحطاني، الذي كان وزير دعاية مولي العهد (رئيساً للأمن السيبراني)، مع مجموعة التفاوض التي يقودها ماهر المطرب.

وبخصوص اعترافات منصور أبو الحسين، أفادت الصحيفة بأنها كانت على النحو التالي: "اتصل بي عسيري وأمر بإحضار جمال إلى المملكة العربية السعودية بالقوة؛ لذلك قمت بإعداد ثلاث مجموعات منفصلة، التفاوض واللوجستيات والاستخبارات؛ واتصلت بالقنصل السعودي في إسطنبول العتيبي وقلت أنني سوف آتي إلى إسطنبول مع 15 شخصاً دون تفاصيل إضافية، وعندما رفض جمال المجيء إلى الرياض، ذهبت إلى إسطنبول لمقابلة المتعاون المحلي قبل يوم الحادث (1 أكتوبر/تشرين الأول) لتوفير مكان آمن للاختطاف. بعد ذلك، بناء على طلبي، قدَّمني عسيري إلى قحطاني؛ والذي وصفه خاشقجي بأنَّه عدو للدولة وتستخدمه المنظمات بهدف ذلك؛ حيث قال وفي حالة نجاحك في إحضار خاشقجي للسعودية تكون قد أديت دوراً كبيراً وخدمة كبيرة لصالح المملكة".

وتابع أبو الحسين اعترافاته قائلاً: "بعد هذا اللقاء اتصلت بالطبيقي، وأخبرته أنَّ هناك مهمة كبيرة ستوكل إليه وعليه القدوم إلى إسطنبول من أجل مناقشة هذه المهمة والتفاصيل المتعلقة بها"، بحسب الصحيفة.

وأشارت "صباح" إلى أنَّه "هنا بدأت عملية بربرية لم يحدُث مثلها في تاريخ الاستخبارات العالمية، وعلم الإجرام والدبلوماسية".

وأوضحت: انضم إلى جلسة الاستماع الأولية حول مقتل جمال خاشقجي بالرياض في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وهم ممثلو سفارات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. وبصرف النظر عن هؤلاء، لم يُؤخذ تقرير مقرر الأمم المتحدة أغنيس كالامارد بالحسبان خلال الجلسة. بل وتمَّ إحضار عشرة من المدعى عليهم الـ11 إلى الجلسة في مجموعتين دون تكبيل اليدين والقدمين.

اعترافات المطرب

ولفتت إلى أنَّه في الجلسة قال "المطرب" أحد الذين نُودي بتنفيذ حكم الإعدام بحقهم: "زرت مبنى القنصلية قبل تنفيذ عملية الجريمة، وأخذت أفكر إذا رفض جمال المجيء إلى الرياض طواعية، أعتقد أنَّه كان من الصعب إجباره على الخروج؛ وبالتالي أخذت قراراً بقتله".

ووفقًا لإفادة المطرب التي أوردتها الصحيفة: "طلبت مجموعة التفاوض، التي كان يقودها، من القنصل العام للمملكة العربية السعودية في إسطنبول تخصيص مساحة للاجتماع مع خاشقجي". وخلال لقاء مجموعة التفاوض قبل القتل، طُلب من خاشقجي العودة إلى السعودية والتحدث مع ابنه صلاح لإبلاغه بأنَّه سيكون في المملكة قريباً؛ غير أنَّ خاشجقي لم يقبل، وهنا قام المطرب بقتله باستخدام "المخدر".

وتابعت الصحيفة سرْد اعترافات المطرب التي وصفتها بأنها "رهيبة" حيث قال: "عندما رأى خاشجقي المنشفة على الطاولة، والحقنة والمخدرة سأل ماذا ستفعلون؟ هل ستقومون بتخديري، وأنا قمت بإجابته: نعم سنقوم بتخديرك، فقال خاشجقي وقتها: أنا خطيبتي تنتظرني بالخارج، وأخبرتها لو بقيت لفترة طويلة داخل القنصلية فهذا يعني أنَّ هناك مشكلة ما حدثت في الداخل، بعدها حاول خاشجقي الهرب، غير أنَّ تركي مشرف الشهري ووليد الشهري وفهد شبيب البلوي قاموا بربطه على المقعد".

وبحسب "صباح" مضى المطرب في اعترافاته يقول: "الطبيقي، قال ممنوع بيع المواد المخدرة القاتلة في الأسواق، ولذلك قمت بإحضار مادة مخدرة قاتلة فعالة من القاهرة، وقام بحقنه بها، وكان ما كان".

وذكرت، أنَّه أضاف أيضاً: "بعد قتل خاشقجي، أولاً، فكَّرت بدفنه في حديقة القنصلية، لكن خشيت أن يُكتشف الأمر، فأمرت بتقطيعه؛ وهنا خرج محمد المدني خارج أسوار القنصلية مرتدياً ثياب خاشقجي".

"متعاون محلي"

وتنتقل الصحيفة إلى تصريحات محمد المدني صاحب الحيل والألاعيب بحسب وصفها، والذي قال في اعترافاته: "ارتديت ملابس خاشقجي وخرجت من القنصلية ليبدو وكأنَّ جمال خرج منها، فارتديت نظاراته، وتوجهت حتى ميدان السلطان أحمد، ودخلت في المسجد وقمت باستبدال الملابس وارتديت ملابسي، وألقيت بملابس خاشقجي في القمامة".

وبخصوص اعترافات محمد سعد الزهراني، والذي كان أيضاً جزءاً من فريق التنفيذ، أوضحت الصحيفة، أنَّه قال: "أنا كنت مُوكلاً بتوفير الاحتياجات اللازمة من لوجستيات ومعدات وغيرها، وتتمثل مهمتي في تعطيل كاميرات المراقبة، في حال أحضر جمال إلى القنصلية بالقوة، وبالفعل قُمت بهذه المهمة بعد تنفيذ الجريمة، وكسَّرت الأقراص الصلبة التي تسجل الصور وألقيتها في علب نفايات مختلفة في إسطنبول".

وأضاف: "بعد ذلك، وضعت جثة خاشقجي في أكياس سوداء مع أحد الأشخاص الذين تمَّ الاتفاق معهم دون أن نعرف من هو بشكل متعمد، غير أنَّه كان "المتعاون المحلي" والذي "قد يكون سورياً"، حيث أٌعدَّت خطة لنقل الجثة إلى خارج إسطنبول بواسطته.

وقُتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بينما اعترفت المملكة في 20 من الشهر ذاته بمقتله، بعد 18 يوماً من الإنكار.

وقدَّمت الرياض روايات متناقضة عن اختفاء خاشقجي، قبل أن تقول إنَّه تم قتله وتقطيع جثته بعد فشل "مفاوضات" لإقناعه بالعودة إلى السعودية، ما أثار موجة غضب عالمية ضد المملكة ومطالبات بتحديد مكان الجثة، ومحاسبة الجناة، خصوصاً مَن أمر بالجريمة، وسط اتهامات لوليِّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالوقوف خلفها.