صراع الموانئ.. أسباب تفجّر أزمة ترسيم الحدود بين العراق والكويت

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكوى تقدَّم بها العراق إلى مجلس الأمن ضد الكويت، فتحت ملف الموانئ وترسيم الحدود المائية بين البلدين مجدداً، الأمر الذي قد يُنذر بنشوب أزمة تُعكر علاقة الجارين التي شهدت مؤخراً تطوراً إيجابياً بعد استضافة الكويت مؤتمر "إعادة إعمار العراق".

ورغم أنَّ الشكوى وجهها العراق في 7 أغسطس/آب المنصرم، وردت عليها الكويت في 23 من الشهر ذاته، إلا أنَّ القضية خرجت إلى الإعلام في 2 سبتمبر/أيلول الجاري.

"فشت العيج"

كانت فحوى الرسالة التي سلَّمها مندوب العراق لدى الأمم المتحدة محمد بحر العلوم، هي أنَّ دولة الكويت "تتبع سياسة فرض الأمر الواقع من خلال إحداث تغييرات جغرافية في الحدود البحرية بين البلدين".

وطلبت الحكومة العراقية من الأمم المتحدة توثيق احتجاجها الرسمي على "قيام حكومة الكويت بإحداث تغييرات جغرافية في المنطقة البحرية الواقعة بعد العلامة 162 في خور عبدالله من خلال تدعيم منطقة ضحلة (فشت العيج) وإقامة منشأ مرفئي عليها من طرف واحد دون علم وموافقة العراق"، مشيرة إلى أنَّه "لا أساس قانونيٍّ له في الخطة المشتركة لتنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله".

وحسب الرسالة، فإنَّ العراق يرى أنَّ ترسيم الحدود من طرف واحد في مناطق لم يتفق عليها الطرفان، "يُعدُّ فعلاً باطلاً بموجب أحكام القانون الدولي".

وذهبت الحكومة العراقية إلى أبعد من ذلك، ملوّحة في رسالتها إلى أنَّ "استمرار الكويت بفرض سياسة الأمر الواقع بإيجاد وضع جديد يغيّر من جغرافية المنطقة، لن يسهم في دعم جهود البلدين في التوصل إلى ترسيم نهائي للحدود البحرية بينهما، ويُعدُّ فرضاً لواقع مادي يجب ألا يؤخذ بعين الاعتبار عند ترسيم الحدود بين الدولتين".

لكنَّ الكويت ردَّت على الشكوى العراقية المقدمة لمجلس الأمن عبْر رسالة وجهها مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة منصور العتيبي، قال فيها: إنَّ منطقة "فيشت العيج" تقع داخل مياه الكويت الإقليمية.

العتيبي، أكَّد أنَّ "منصة فشت العيج هي مساحة من الأرض متكونة طبيعياً فوق سطح الماء تقع في المياه الإقليمية للكويت وعليه فإنَّ بناءها من الأمور التي تملك الكويت وحدها ممارستها لما لها من سيادة على إقليمها وبحرها الإقليمي".

وأشار إلى أنَّ "الغرض من إنشاء وتركيب منصة في "فيشت العيج هو التأكد من سلامة الملاحة البحرية في خور عبدالله وتوفير الدعم لبرج ميناء الشويخ".

دعا العتيبي إلى ضرورة "التفريق بين الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة والالتزامات الدولية على البلدين والبحر الإقليمي الذي لايزال غير مرسم"، مؤكِّداً: "لا توجد حالياً أي مشكلة نهائياً لا على الحدود البرية أو البحرية إلى حدود النقطة 162".

وأوضح، أنَّ "العراق ملتزم بقرارات مجلس الأمن والحدود المرسمة بين البلدين من الأمم المتحدة، وأنَّ مسألة ترسيم الحدود ما بعد نقطة 162 هي مسألة ثنائية بحتة وليست لها علاقة بالالتزامات الدولية على العراق الذي ينفِّذ التزاماته الدولية بالكامل".

أصل الأزمة

الأزمة الحالية بين البلدين لم تكن وليدة اللحظة، وإنما بدأت بعدما باشرت الكويت ببناء ميناء "مبارك الكبير" على مياه الخليج، الأمر الذي رفضه العراقيون وقالوا إنَّه سيُؤدي إلى اختزال جزء كبير من مياههم الإقليمية على الخليج.

وأكَّدوا أنَّ بناء الميناء سيؤدي إلى "خنق" المنفذ البحري الوحيد للعراق، لأنَّه سيتسبَّب في جعل الساحل الكويتي ممتداً على مسافة 500 كيلومتر، بينما يكون الساحل العراقي محصوراً في مسافة 50 كيلومتراً فقط.

في أبريل/نيسان 2011 وضعت الكويت حجر الأساس لبناء ميناء "مبارك الكبير" في جزيرة بوبيان التي تقع أقصى شمال غرب الخليج، وتُعدُّ ثاني أكبر جزيرة في الخليج (890 كلم مربعاً) بعد جزيرة قشم الإيرانية.

وقالت الكويت حينها إنَّ الميناء، الذي تبلغ تكلفته حوالى مليار دولار، يهدف إلى جعل البلاد مركزاً رئيسياً للنقل الإقليمي ومحطة مالية وتجارية عالمية.

واعترض مسؤولون عراقيون وقتها على بناء الميناء "على اعتبار أنَّ جزيرة بوبيان لا تبعُد سوى بضعة كيلومترات عن الممر المائي العراقي المؤدي إلى موانئه الأساسية في البصرة".

حرب على العراق

الباحث بالشأن العراقي أياد العناز، رأى أنَّ "العلاقات العراقية الكويتية لم تستطع تجاوز الماضي والمُضِيِّ قُدماً لبناء علاقات حقيقية، فالكويت لا تزال ترى أنَّ هناك أموراً تُمكنها من رسم سياسة الأمر الواقع  بسبب الوضع الذي يمر به العراق".

وحسب قوله، فإنَّ "ما يجري هو حرب جديدة على العراق لتحويله إلى دولة مغلقة بحرياً وجباية أمواله وخنقه تماماً وجعله يعتمد على دول الجوار".

الباحث دعا السياسيين في السلطة العراقية الآن إلى "الابتعاد عن المصالح والمنافع الشخصية والتي كانت نتيجتها في الماضي توقيع اتفاقية "خور عبدالله" بسبب عدم وضع مصلحة العراق وحقوق شعبنا أمام أعينهم وفي ضمائرهم".

ولفت إلى أنَّ "اتفاقية قناة خور عبدالله كانت قراراً كويتياً دون الرجوع للعراق، وقناة خور عبدالله الملاحية هي عراقية 100 بالمئة، وأنَّ اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق والكويت هي اتفاقية دولية، لكنها كانت مُجحفة بقرار من مجلس الأمن الذي صدر في العام 1993".

وحسب قوله فإنَّ "إنشاء ميناء مبارك الكويتي في العام 2011 أضرَّ العراق اقتصادياً وكان حرباً واضحة المعالم تهدف للتأثير على بغداد، لذا يجب أن يعمل العراق جاهداً على الطعن في جميع قرارات الأمم المتحدة والتي تمَّ اتخاذها في ظروف خاصة أدَّت إلى عدم إشراكه في القرار وإنما أُملِيت بضغط كويتي واضح".

العناز دعا الحكومة العراقية لـ"العمل على إكمال ميناء الفاو بكل السبل نظراً لأهميته الاقتصادية وكونه يُمثُّل إشعاعاً وطنياً، وأن يتم العمل على إيقاف اتفاقية الملاحة المشتركة في خور عبدالله الموقعة بين البلدين".

وفي أبريل/ نيسان 2010، وضعت وزارة النقل العراقية حجر الأساس لمشروع ميناء "الفاو الكبير" بعدما صادق عليه مجلس الوزراء عام 2004 بتكلُفة بلغت 4 مليارات و400 مليون يورو، على أن يستمر العمل فيه حتى عام 2028.

وأعرب المسؤولون العراقيون حينها عن أملهم في أن يتَّصل الميناء الذي يقع قرب مدخل قناة شط العرب بخط للسكة الحديدية يربط الخليج العربي عبر الموانئ العراقية بشمال أوروبا من خلال تركيا، ويعتقد هؤلاء أنَّ ميناء مبارك الكويتي سيُؤثر سلباً على هذه الخطوة.

صراعات داخلية

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الهدبان، فأكَّد أنَّ "أفضل شيء في علاقتنا مع العراق أن يكون هناك شيء رسمي في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، طالما أننا متأكدون من أنَّ عملنا يأتي وفق القرارات الدولية وترسيم الحدود الدولي"، عاداً: "الشكوى العراقية بأنَّها تحفظ حق الكويت في حدودها".

وحسب رأيه فإنَّ "هذه وثيقة سوف تُثبت حق الكويت وتمنع العراق من رفع سقف مطالباته فيما بعد، وأنَّ استيعاب العراق أنَّ حلَّ الخلافات يكون من خلال المنظمات والقنوات الدولية واحترام القانون الدولي، أمر إيجابي".

وأعرب الهدبان عن اعتقاده، بأنَّ الصراعات الداخلية هي التي دفعت الحكومة العراقية لتقديم هذه الشكوى حتى تكون معذورة أمام العراقيين، بأنها لم تراع خاطر الكويت ولم تتنازل عما تقول إنَّه حقها، مؤكِّداً في الوقت ذاته أنَّ "المنظمة الدولية هي من ثبَّتت حق الكويت في مياهها".

اتفق مع ذلك، أستاذ العلوم السياسية الدكتور شفيق الغبرا، بالقول: "في الحكومة العراقية أكثر من تيار، وأكثر من اتجاه، وأنَّه أحياناً يكون هناك طرف في الحكومة غير راض عن بعض الأمور، ويسعى لتحريك بعض المسائل لأسباب داخلية".

وحسب قوله، فإنَّ "التعامل مع الملف العراقي ذي الأطراف المتعددة أمر صعب سياسياً"، مشيراً إلى "وجود تشرذم في بعض القوى السياسية العراقية، وربما هناك تأثير على الخارجية العراقية وبعض الجهات نتيجة هذه التوازنات، وهذا أمر بالإمكان التعامل معه، لكنَّه يحتاج لدرجة من الدبلوماسية والمتابعة لكي لا يتفاقم في اتجاه لا تريده الكويت، والعراق أيضاً لا يريده".

وإلى النقطة ذاتها يذهب تحليل أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالله الغانم، قائلا: "السياسة العراقية محكومة إلى حدٍّ كبير بالسياسة الإيرانية، فإيران تملك هيمنة كبيرة جداً على العراق في سياستيه الداخلية والخارجية"، لافتاً إلى أنَّ "السياسة الخارجية الكويتية تلتزم بحسن الجوار مع الجميع".

"بلد لا يقدّر"

لم تمرّ هذه الأزمة دون تعليقات برلمانيين من الطرفين، حيث رأى النائب في مجلس الأمة الكويتي أسامه الشاهين، أنَّ "شكوى حكومة العراق ضد الكويت سلوك مُستفز ليس مستغرباً من جار الشمال"، مطالباً "الحكومة بردود عملية وموضوعية، بجانب أخذ احتياطات أمنية ودبلوماسية كاملة".

أما النائبة صفاء الهاشم فكانت أكثر حِدِّية في الطرح، قائلة: "هذا هو نهج العراق منذ أمدٍ. فعلاً... الكحل بعين الرمدة خسارة". وأضافت: "كان ومازال رأيي ثابتاً منذ أن تجرَّأ هذا البلد وشعبه على غزو الكويت وبعد كل الخير الذي قدَّمه الشيخ صباح الأحمد واليد الممدودة لإعمار العراق بعد كل الشقاق الذي فيه وغضِّ الطرف عن تسديد ديون مستحقة عليهم للكويت... هذا ما نتلقاه منهم".

ورأت الهاشم أنَّ "سياسة الطِيبة واللين مع نظام متقلب ما تصل، وأنَّ سياسة تصدير الأزمات في العراق إلى الخارج تحرُّك أصبحت تستخدمه الحكومات العراقية المتعاقبة كلما وصلت إلى طريق مسدود في وسيلة منه لاجترار المزيد من الأموال. عموماً الحل بالتحكيم الدولي والحزم معهم حتى تنتظم بلدهم ويعيش شعبهم بشكل صحيح".

وفي السياق ذاته، قال النائب الكويتي عمر الطبطبائي: "من المحزن ما قامت به الحكومة العراقية من تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد الكويت"، مشيراً إلى أنَّه "كان الحَرِيُّ بها حل مثل هذه الأمور من خلال المشاورات بين الطرفين".

وأردف قائلاً: "رغم ما قامت به الكويت تجاه العراق من تقديم مساعدات وبناء مستشفيات، إلا أنَّه من الواضح أنَّ العراق لا يُقدِّر معنى الأخوة".

"تجاوز كويتي"

وعلى الطرف المقابل، ردَّت النائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف بالقول: "حالة الهستيريا التي أُصيب بها البعض في مجلس الأمة الكويتي تجاه هذه الشكوى وخصوصاً النائبة صفاء الهاشم التي باتت تُردِّد أمثالاً شعبية وكأنَّها في سوق وليس مجلس، قد يكون سببها هو الصدمة التي يشعرون بها اليوم بعد أن كان هناك مسؤلون عراقيون سابقون يغضُّون النظر عن التجاوزات الكويتية لأسباب معروفة".

وتابعت النائبة عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي: "لن نردَّ على المسيئين في مجلس الأمة، لأننا نعمل بمبادئنا وأخلاقنا وننظر إليكم كعراقيين".

وعن ائتلاف المالكي ذاته، اتَّهم النائب منصور البعيجي، "دولة الكويت باستغلال الأوضاع بعد غزو الأمريكي للعراق عام 2003 بهدف ارتكاب تجاوزات على الحدود البرية والبحرية وآبار النفط بين البلدين".

وقال البعيجي: الكويت استغلت حال البلاد في تلك الفترة، وتجاوزت الحدود بصورة غير مبررة، ما سبَّب ضرراً كبيراً للعراق"، داعياً الكويت إلى "إدراك أنَّ النظام السابق قد ولَّى، وآملا في مراعاة حسن الجوار بين البلدين".

وتأتي هذه الأزمة بعد مرور نحو شهر على الذكرى الـ19 للغزو العراقي للكويت في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إذ أقدم في 2 آب/ أغسطس 1990 على غزو البلد الجار، في حدثٍ وُصف بأنَّه كان مفصلياً في تاريخ منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، وربما العالم كله.