بديلا عن "الأممية".. هل تحلُّ المحادثات السرية الأزمة السورية؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

هل غدت المحادثات السرية في ملف الأزمة السورية أكثر فاعلية من المحادثات المعلنة التي ترعاها الأمم المتحدة بين الأطراف المتصارعة في سوريا؟

وفق خبراء، فإن المحادثات السرية قادرة على خلق مرونة تسهم بتقديم مزيد من التنازلات وفق ميزان المصالح والفوائد بين الفاعلين الدوليين وقادرة أيضاً على إتاحة الفرصة للعب على التوازنات والاستفادة من تناقضات وتقاطعات المصالح بين الأطراف الفاعلة، المنخرطة في الملف السوري، الذي يشهد مزيداً من التعقيدات.

في الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعاصمة الروسية موسكو في 27 أغسطس/آب 2019، عقد الجانبان جلسة مغلقة، صرح عقبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي أنَّ الطرفين متفقان على إجراءات لإزالة ما وصفها بالعناصر الإرهابية في منطقة إدلب شمالي سوريا.

وأضاف بوتين، أنَّ الجانبين حددا إجراءات إضافية مشتركة تستهدف القضاء على من سماهم "الإرهابيين" في منطقة إدلب، وإعادة الوضع لطبيعته هناك وفي سوريا بأكملها، وعلى ضرورة أن تظلَّ سوريا دولة موحدة. 

من جانبه، صرَّح أردوغان أنَّه لا يمكن القبول بقتل النظام السوري للمدنيين في إدلب من البر والجو تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وأنَّ بلاده "ستتَّخِذ كل الخطوات الضرورية" لحماية قواتها المنتشرة في منطقة إدلب التي بات فيها الجنود الأتراك حالياً في خطر.

 "شريط آمن"

وفي هذا الصدد، نقل موقع المونيتور الأمريكي عن مصادر تركية، أنَّ أنقرة رفضت خلال اللقاء طلباً روسياً بانسحاب القوات التركية وقوات المعارضة السورية من جنوب محافظة إدلب، ونقلها إلى منطقة درع الفرات في الشمال. 

وكشف مركز المرصد الإستراتيجي في تقرير حديث أنَّ موسكو وأنقرة تعملان، ضمن تحركات غير معلنة، على إسقاط البنود التي لم تعُد قابلة للتنفيذ في "مذكرة تثبيت الوضع في إدلب".

بموجبها تُقدِّم تركيا تنازلات أساسية للتوصل إلى تسوية في سوريا، وتوافق روسيا في المقابل على إنشاء "شريط آمن" يُمكّن أنقرة من السيطرة على المنطقة الحدودية والاحتفاظ بمدينة إدلب. وهو الأمر الذي سيُسهم في تحقيق مصالح أساسية لنظام الأسد الذي يرغب في بقاء المهجرين بعيداً عن سيطرته، وإلقاء العبء الأمني والاقتصادي على تركيا بدلاً من تحمُّله.

يضيف المركز، أنَّ "المباحثات التي دارت بين الطرفين، ضمن الجلسة المغلقة، قد أفرزت تفاهمات جديدة، تقضي بتشكيل فرق عسكرية واستخباراتية ترسم معالم صفقة جديدة يتمُّ التفاهم عليها في القمة الثلاثية بين بوتين وأردوغان وروحاني بأنقرة في 16 سبتمبر/أيلول الجاري".

في يونيو/حزيران الماضي دعت كل من الولايات المتحدة وفرنسا إلى البحث عن بدائل أخرى عن مشروع اللجنة الدستورية السورية، الذي تمَّ اعتباره متعثراً لعدم قدرته على إحراز تقدُّم حقيقي يسهم بحل الأزمة في سوريا.

الاجتماع الثلاثي

كان الاجتماع الثلاثي أهم ثمار التحركات السرية بين الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا، حيث قامت الاستخبارات الروسية بنقل طلب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتضمن طلب تصوُّر تل أبيب لكيفية معالجة الأزمة السورية.

كما طلب بوتين فتح قناة تواصل مع واشنطن حول سوريا، وهو الأمر الذي أسفر عن عقد اجتماع ثلاثي ضمَّ واشنطن وموسكو وتل أبيب، نهاية يوليو/تموز الماضي، حضره مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بتروشيف، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي بن شبات.  

لم تكن نتائج اللقاء معلنة، غير أنَّ الإعلام الروسي سرَّب أنَّ الاجتماع تناول الحديث عن إخراج إيران من سوريا، والانفتاح مع تل أبيب، وأضافت التسريبات أنَّ واشنطن وتل أبيب اتفقتا مع روسيا على عقد صفة لإعادة تأهيل النظام السوري، مقابل القبول بخروج إيران من سوريا.

ما تمَّ الاتفاق عليه في الاجتماع الثلاثي يُشكِّل مصلحة إسرائيلية، وبالضرورة مصلحة أمريكية، حيث سيُسهم خروج إيران من سوريا، بتعزيز أمن إسرائيل، ويسهم أيضاً باستحواذ موسكو وتفرُّدها بالقرار في سوريا .

الأسد وطهران

حسب دراسة سابقة لمركز المرصد، فإنَّ دمشق أبدت تجاوباً في مسألة التخلي عن القوات الإيرانية، واستعدَّت لمناقشة رحيلها مقابل ضمانات، بعد تلقيها وعوداً ببقاء بشار الأسد رئيساً، ورفع العقوبات على الحكومة وشخصيات سورية أخرى.

غير أنَّ صحيفة "إزفيستيا" الروسية ذكرت أنَّه ليس لدى دمشق أي خطط لإخراج القوات الإيرانية من سوريا، مقابل التخفيف من الضغوط والعقوبات الأمريكية عليها.

وفيما يدور الجدل حول موافقة نظام بشار على التخلي عن القوات الإيرانية، تُشير تقارير أنَّ المسألة وصلت إلى مرحلة لم تعُد تتعلق بالموافقة أو بالرفض، بل بقدرة نظام الأسد على التخلي عن طهران، خصوصاً بعد أن تحولت إيران خلال سنوات الحرب في سوريا إلى جزء أساسي من معادلة القوة.

ولعل جماعة الحوثي، أداه إيران في اليمن، تحضُر كمثال بارز على عدم سهولة التخلص من طهران أو أدواتها في المنطقة العربية، ضمن السياسات والإجراءات الدبلوماسية التي يمارسها الفاعلون الدوليون في المنطقة.

قنوات دبلوماسية

تزامنت لقاءات الأطراف الدولية في الملف السوري (روسيا، تركيا، أمريكا، إسرائيل) مع تحرك دبلوماسي غير معلن لطهران، عبر عدة قنوات دبلوماسية، فقد نقلت صحيفة "لو نوفل أوبسرفاتور" الفرنسية أنَّ دولاً مثل سويسرا وسلطنة عمان تلعب دور الوسيط التاريخي في سياق الأزمة بين طهران وواشنطن.

وقال التقرير: "إنَّ من التقليد السياسي في عُمان احتلال مكان الوسيط، إذ كسرت عمان على سبيل المثال الجمود بين الإيرانيين والأمريكيين في 2011-2012 وأسهمت بشكل كبير في تنفيذ الاتفاق النووي بشأن إيران في عام 2015".

أما سويسرا فيمكن القول إنها تمثل رسمياً مصالح الأمريكيين في إيران، و"السويسريون هم ساعي بريد واشنطن، ومهمتهم تمرير الرسائل وهم يتقنونها بحكم ما عُرف عنهم من حفظ الأسرار". 

لعب الدبلوماسي السويسري أرنولد هينينغر الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع الرئيس حسن روحاني دوراً مهما في إيصال رسائل مباشرة بين الأمريكيين والإيرانيين، عبر السفارة السويسرية في واشنطن.

إلى جانب ذلك، فإنَّ محادثات سرية تتمُّ بين طهران ونظام الأسد بمنأى عن موسكو، حيث أجرى بشار الأسد في فبراير/شباط الماضي زيارة سرية ومُفاجِئة إلى العاصمة الإيرانية طهران، هي الأولى له مُنذ اندلاع الحرب في سوريا، قبل 8 سنوات، والتقى خلالها بالمرشد الأعلى "علي خامنئي" والرئيس "حسن روحاني".

وكشفت صحيفة "صباح نو" الإيرانية أنَّ الأسد غادر دمشق عبر طائرة إيرانية بشكل سري للغاية، وربما لم يتجاوز من عرفوا بموعد زيارة الأسد لطهران عدد أصابع اليد الواحدة، حسب الصحيفة. 

اتصالات هاتفية

موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي كشف في 20 يونيو/حزيران 2019 أنَّ بشار الأسد أجرى اتصالاً مطولاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بوساطة الكرملين، وعلم من البيت الأبيض.

الاتصال تناول الترتيبات العسكرية في المناطق الحدودية، وتعَّهد بشار خلال المحادثات الهاتفية بعدم السماح لإيران بالسيطرة على أي مرفق إستراتيجي من قطاعات الاقتصاد السوري، خاصة ميناء اللاذقية، وكذلك منع الطائرات الإيرانية المُسيَّرة من استخدام المجال الجوي السوري للهجوم أو التجسُّس على إسرائيل، بالإضافة إلى تعهده بمنع القوات الإيرانية وعناصر "حزب الله" من توجيه ضربات إلى إسرائيل، عبر الأراضي السورية.

في المقابل تعَّهد نتنياهو لبشار الأسد بتقديم كامل الدعم الأمني والدبلوماسي لتحقيق التطبيع الإقليمي، وتمكين قوات النظام من السيطرة على المناطق الحدودية، وطمأنه بأنَّ تل أبيب ستقنع الفصائل المتعاونة معها في القنيطرة بتحويل ولائها للنظام.

وإثر تسرُّب تلك المعلومات إلى طهران، قام المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية محسن أمير عبداللهيان بزيارة مفاجئة، إلى دمشق لمعرفة نوايا الأسد.

ورغم التطمينات التي أطلقها الأسد لمبعوث إيران، إلا أنها فيما يبدو لم تنجح في تهدئة مخاوف إيران، حيث قامت طهران على الفور بإجراء تغييرات هامة في المخابرات السورية بمناطق نفوذها، وهو ما فعلته روسيا أيضاً.