من الدفاع للهجوم.. "الوفاق" تُهدد آخر معقل لحفتر بالغرب الليبي

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

صبيحة يوم 26 أغسطس/آب الماضي، فشلت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في اقتحام مدينة غريان الواقعة على بعد قرابة 100 كلم من العاصمة الليبية طرابلس، وذلك بعد شهرين من طردها منها.

حينها نجحت القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً بتحقيق انتصار نوعي بالسيطرة على المدينة الإستراتيجية التي كانت قوات حفتر تتَّخذ منها مركزاً لإدارة هجومها الذي أطلقته على العاصمة طرابلس منذ 4 أبريل/نيسان الماضي.

ولم يُحقق حفتر تقدُّماً على الأرض، على الرغم من الوعود التي أطلقها لأنصاره بالسيطرة على العاصمة الليبية وطرد من وصفهم بالإرهابيين في إشارة للقوات الموالية لحكومة الوفاق.

هذه الهزائم المتكررة لقوات حفتر على أسوار طرابلس والمدن المحيطة لها، جعل من قوات الوفاق تخرُج من خنادق الدفاع عن العاصمة إلى مهاجمة المدن التي تسيطر عليها تلك القوات التي تحاول الانقلاب على الشرعية بدعم عِدَّة دول أبرزها مصر والإمارات.

وانتقل ثقل المعارك في الأيام الأخيرة إلى القوس الشرقي من معركة طرابلس، حيث حقَّقت قوات "الوفاق" تقدُماً لافتاً باتجاه الحدود الإدارية لمدينة ترهونة التي يشكل "اللواء التاسع" التابع لها، رأس حربة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المتقدمة في جنوب العاصمة الليبية.

موقع إستراتيجي

تقع مدينة ترهونة في غرب ليبيا، وتبعد عن العاصمة الليبية طرابلس نحو 88 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي منها، وتُعدُّ مساوية لأهمية مدينة غريان الإستراتيجية والتي كان لاستعادتها من قبل قوات الوفاق الأثر الكبير على سير المعارك فيها.

وتُعدُّ ترهونة ثاني أكبر المدن الليبية التي تُسيطر عليها ميليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر بعد بنغازي، فضلاً عن انضواء اللواء التاسع مشاة في ترهونة، واللواء السابع المعروف بـ "كانيات"، في الحرب تحت قيادته.

وقبل بدء هجوم حفتر على طرابلس، كان "اللواء التاسع" (اللواء 22 سابقا)، يدين بالولاء للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، لكنَّه رأى مع بداية الحرب تغيير تموضعه والاصطفاف في صف المليشيات المهاجمة للعاصمة الليبية.

وعبْر مليشيا "الكانيات" أيضاً التي منحها حفتر اسماً عسكرياً فأصبحت تُعرف باسم اللواء السابع بترهونة، تمكَّن اللواء المتقاعد من السيطرة على منطقة قصر بن غشير المحاذية للمطار القديم في جنوب العاصمة، وعبرها تمدَّدت قواته إلى أحياء عين زاره ووادي الربيع.

وذكرت عِدَّة مواقع إخبارية داعمة لحفتر، أنَّ اللواء التاسع، تَشكَّل بعد دمج قوات اللواء 22، مع عناصر اللواء السابع. وإذا نظرنا إلى سير المعارك التي يقودها اللواء التاسع، حالياً في طرابلس، نجد أنَّه يتحرك على نفس المحور الذي تقدَّم منه اللواء السابع في 2018؛ مطار طرابلس الدولي، ثم قصر بن غشير، وعين زارة، وصلاح الدين.

وهذا الأمر يعطي الانطباع بأنَّ اللواءين يضُمَّان نفس المقاتلين، ونفس الأسلحة، وذات تكتيكات القتال. وإذا تأكَّد فعلاً أنَّ اللواء التاسع، هو نفسه اللواء السابع، إلى جانب اللواء 22، فهذا يعني أنَّ حكومة الوفاق، تخوض معركة طرابلس على جبهتين، فقوات حفتر من جانب، وقوات اللواء السابع من جانب آخر، وهذا ما يجعل موقفها صعباً.

ففي معارك 2014- 2016، فشلت قوات حفتر، في الوصول إلى العاصمة سواء من الغرب أو من الجنوب، رغم تحقيقها بعض التقدم في منطقة ورشفانة (45 كلم جنوب طرابلس)، لكن في هذه الفترة كانت "الكانيات" تقاتل ضمن تحالف "فجر ليبيا"، المعادي لحفتر.

وسمَّيت الكانيات بهذا الاسم نسبة إلى أخوة من عائلة الكاني، ذات التوجه السَّلفي، وضمَّت إليها فيما بعد قوات النُّخبة في اللواء 32 معزز، وكتيبة محمد المقريف، اللتين كانتا تتبعان نظام معمر القذافي، لذلك تضخَّم عددهم حتى وصل إلى نحو 5 آلاف عنصر، قبل أن يُعلن دعمه لحكومة الوفاق، التي قامت بحلِّه في مايو/ أيار 2018.

وقال الصحفي الليبي عماد الدين بلعيد: إنَّ "المجموعات المسلحة التي أطلق عليها حفتر اسم اللواء السابع والتي تسيطر على مدينة ترهونة، هي قوات قبلية ترجِع في ولائها للنظام السابق، وقُرب المدينة من جنوب طرابلس أجبرها حفتر على التحالف مع المليشيات المسيطرة عليها بعد أن وعدهم بحق إدارة الجانب الأمني في طرابلس عقب دخولها".

وأضاف بلعيد في حديث لـِ"الاستقلال": "الآن بعد فشل حفتر بتحقيق وعوده لداعميه بدخول طرابلس خلال أيام وتحول قواته من حالة الهجوم الى الدفاع وخسارته مدينة غريان التي كانت مقراً لغرفة عملياته، لم يعد له بديل إلا جر مليشيات ترهونة بكامل عتادهم وعددهم لمحاور القتال ودعمها بما أمكن".

ويبدو أنَّ اللواء التاسع، الذي لم يتمكن من فرض نفسه في معادلة السلطة بحكومة الوفاق، يسعى لتعويض ذلك من خلال التحالف مع حفتر، ضد حلفائه السابقين.

وفي إحدى المؤتمرات الصحفية للواء أحمد المسماري، المتحدِّث باسم قوات حفتر، قال: إنَّ "هناك معلومات تفيد بأنَّ هناك عملاً عسكرياً ضد مدينة ترهونة قريباً من قبل قوات الوفاق، لكنَّ أهالي ترهونة سيدافعون عنها"، وفق تعبيره. 

وتنبع أهمية مدينة ترهونة من أنَّها ستُسهِّل القضاء على خلايا حفتر الموجودة بأحياء جنوب طرابلس، وستساهم السيطرة عليها في فتح المجال أمام قوات حكومة الوفاق للدخول لمنطقة الجفرة، التي تُعدُّ اليوم مركز وجود قوات حفتر في وسط ليبيا، ويتخذ منها مركزاً لقيادة عملياته.

انطلاق الهجوم

تمكنت قوات الوفاق في 28 أغسطس/ آب الماضي، من خرق الدفاعات المتقدمة للواء التاسع، والتقدم نحو ترهونة، حتى لم يعد يفصلها عن الحدود الإدارية للمدينة سوى 3 كيلومترات فقط، حيث سيطرت قوات الوفاق المتمركزة بمحوري القويعة والنشيع شرقي طرابلس على منطقتي المنارة والزياينة، والتحمت قوات المحورين معاً، ثم تقدمت جنوباً واقتحمت منطقة القراقطة، ما أدَّى إلى تقهقر قوات اللواء إلى مناطق قريبة من الحدود الإدارية لترهونة، لتشكيل حائط صد ثانٍ على سفوح جبل نفوسة.

إلا أنَّ قوات الوفاق المتقدمة من محاور القويعة والنشيع والزطارنة والقره بوللي، تواجه مانعاً طبيعياً يقف أمام أي تقدُّم سريع نحو ترهونة، التي تقع خلف جبل نفوسة (الجبل الغربي)، ما يجعل مهمة السيطرة عليها أمراً غير هيِّن.

وقال عماد الدين بلعيد:  إنَّ "قوات حكومة الوفاق وبعد امتصاص صدمة الهجوم المفاجئ وإعلان حالة النفير، تمكَّنت من صد هجوم قوات حفتر الأول والثاني، وأعادت تمركزاتها جنوبي طرابلس للتحوُّل من حالة الدفاع للهجوم".

وأضاف: "حفتر لم يكن يتوقع أن تفتح قوات الوفاق محاور أخرى في أقصى شرقي طرابلس (محور وادي الربيع و الزطارنة)، فهي الطرق الأقصر لقلب مدينة ترهونة، وتسبَّب ذلك في ارتباك كبير في صفوف قوات حفتر، ودفع بعضها لإعادة الانتشار من محاور رئيسية مثل محور عين زارة والمطار إلى محاور بعيدة عن وسط طرابلس لتأخير تقدُّم قوات الوفاق لترهونة". 

وشنَّ سلاح الجوِّ التابع لحكومة الوفاق فجر يوم 6 سبتمبر/أيلول الجاري عِدَّة غارات جوية على مواقع عسكرية وسط مدينة ترهونة استهدفت مخازن للأسلحة الثقيلة وذخيرة وعدداً من الآليات العسكرية.

وقال الناطق باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق العميد محمد قنونو، :"إنَّ سلاح الجو نفَّذ عِدَّة طلعات قتالية استهدفت تجمعاً لمسلحي حفتر قرب مدينة ترهونة، موضحاً أنَّ الغارات استهدفت فلولاً وآليات تابعة لحفتر بمنطقة العربان بخمس غارات؛ مؤكداً تدمير مدرعتين زَوَّدت بهما الإمارات مسلحي حفتر.

وأضاف قنونو في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار" أنَّ سلاح الجو بات يغطي بشكل شبه كامل خطوط إمداد مسلحي حفتر بالمحور الجنوبي الشرقي، ويستهدف قوافل الدعم باستمرار.

خلافات داخلية

ومن المتوقع أن تستخدم قوات الوفاق نفس التكتيك القتالي الذي حرَّرت به مدينة غريان، حيث أعلن مصطفى المجعي، المتحدِّث باسم عملية "بركان الغضب" التي أطلقتها حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، أنَّ قواته تستعد لـِ "المعركة الكبرى"، التي ستبدأ بالهجوم على ترهونة، وأنَّه تمَّ تشكيل قوة من أبناء ترهونة تُسمى "قوة حماية ترهونة"، ستكون في مقدمة عملية اقتحام المدينة.

وأشار المجعي في تصريحات لوكالة الأناضول، إلى أنَّ "خطة السيطرة على ترهونة ستكون مشابهة لما حدث في غريان سابقاً".

ويتوقع أن تَشُنَّ قوات الوفاق هجوماً سريعاً من القره بوللي والسبيعة، بالتزامن مع  قيام خلايا نائمة لقوة حماية ترهونة، بهجوم مفاجئ من الداخل على تجمعات اللواء التاسع، لإرباك دفاعاته، بحيث تكون مدعومة بقصف كثيف لطيران الوفاق.

كما أنّ الخلافات الموجودة في صفوف قوات حفتر قد تكون عنصراً مساعداً لقوات الوفاق في الحسم السريع للمعركة، حيث أكّد عماد الدين بلعيد لـِ"الاستقلال"، أنَّه "نشب خلاف خلال الفترة الماضية بين مليشيات ترهونة وقادة موالين لحفتر أسفرت عن تصفية عدد من القادة العسكريين البارزين في صفوف حفتر".

وأضاف: أنَّ "الخلاف يدور حول قيادة محاور القتال وتوزيع الذخائر ورغبة مليشيات ترهونة بدعم من باقي قوات حفتر في تأمين ظهر المدينة من زحف قوات الوفاق المستمر، وهذا ما لم يوافق عليه حفتر، فأي إعادة توزيع لقواته ستؤدي لانهيار دفاعاته جنوب طرابلس، ولم يعُد خفياً على أحد أنَّ قوات الوفاق تمكَّنت من جلب أسلحة حديثة متطورة ومدرعات لم تدخل المعركة حتى الآن كمؤشر لتجهيزها لمعركة موسعة لدخول ترهونة".