الحساني: المغرب يعيش مناورة سياسية وليس انتقالا ديمقراطيا (حوار)

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بداية حكم ملك المغرب محمد السادس، كانت محطَّ اهتمام ‏يحدوه آمال عريضة يترقبها المغاربة، ورسمت مرحلة كان عنوانها العريض ‏‎"‎ملك ‏الفقراء‎"‎، لكن سرعان ما تنبه واضعو الإستراتيجية الملكية إلى أنَّ حمولة (المسؤولية الملقاة على عاتقه) الملك سببت له الإساءة، خاصة وأنَّ ‏مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني تمَّ تسميتها بـ‎"‎عهد الجمر والرصاص".

سرعان ما غير واضعو الإستراتيجية الملكية عناوين المرحلة إلى صياغة مفاهيم وعناوين أخرى ‏تشعر الرأي العام المغربي بأنَّ هناك تحولاً حقيقياً في المرحلة، فكان ‏‎"‎المفهوم الجديد للسلطة" وكان ‏‎"‎سؤال أين الثروة‏‎"، "النموذج التنموي الجديد والجهوية المتقدمة".

الدكتور محمد الحساني الباحث المغربي في الفكر الإسلامي والدراسات السياسية قيَّم في حواره مع "الاستقلال" مرحلة حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس خاصة الجزء المتعلق بثورات الربيع العربي وتأثيره على الرباط سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما تطرَّق الحوار إلى أوضاع الحركات الإسلامية وسياسات دول الخليج تجاه هذه الحركات. فإلى نص الحوار.

مناورة سياسية

  • بداية.. ما تقييمك لـ 20 عاماً من حكم ملك المغرب محمد السادس من الناحية السياسية؟

الواقع السياسي أو المشهد السياسي بعد 20 سنة من الحكم لا ينبغي أن يخرج عن هذا ‏العنوان، المغرب لم يعش تجربة "الانتقال الديمقراطي" وما حدث "مناورة سياسية".‏‎ 

كان أول تحدٍّ حقيقي يواجه النظام السياسي والملكية المغربية هو حراك 20 فبراير/شباط 2011 خاصة وأنَّ ‏الظرف السياسي العام على المستوى العالمي كان تحت عنوان ‏‎"‎مرحلة الربيع العربي‎"‎ الذي أسقطت ‏الكثير من رموز وأعمدة الأنظمة العربية السابقة، مبارك، زين العابدين، القدافي، وغيرهم.

كان الربيع العربي ولا زال زلزالاً وكابوساً واجه الأنظمة ومنها النظام المغربي، أول اختبار حقيقي ‏للملكية ونواياها.‏‎ أي تقييم حقيقي للعشرين عاماً لحكم محمد السادس ينبغي أن ينطلق من هذه اللحظة التاريخية بالظبط ‏باعتبارها كانت ولازالت مفصلية.

كانت البداية بخطاب 9 من مارس/آذار 2011 الذي اعتبره الكثيرون ‏بداية نقطة التحول في المشهد السياسي المغربي وكانت انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 التي حملت معها ‏فوز حزب العدالة والتنمية المحسوب على التيار الإسلامي ثم تعيين عبد الإله بن كيران رئيساً للوزراء‏‏.‏‎ هذه مؤشرات كانت دليلاً على أن هناك تحولاً حقيقياً هكذا ظن الجميع.‏‎ 

هذه اللحظة أظهر النظام المغربي حنكته في الالتفاف السياسي وتسويق الوهم ‏الذي سُمي عند الكثيرين ‏‎"‎بالاستثناء المغربي‎"‎. أخطأ النظام السياسي المغربي الموعد مرة أخرى مع ‏التاريخ ومع الشعب المغربي وقدَّم لهم دستوراً ممنوحاً فُصِّلَ تحت عين القصر ومقاصه وأجندته‏.

  • لكن من يتولى الحكومة منذ 2011 هو حزب العدالة والتنمية المحسوب على الإسلاميين.

حزب العدالة والتنمية أثبت للجميع أنَّه ملكي أكثر من الملك وأنَّه في تاريخ توليه زمام تدبير الدولة مرر ‏النظام السياسي كل القوانين القاصمة لظهور المغاربة بداية من صندوق المقاصة، ونهاية بالقانون ‏الإطار للتربية والتكوين رقم 51.17 الذي أعاد التعليم المغربي إلى حضن الماما فرنسا. ‏‎ 

الذي لم يدركه المغاربة نظرة الملكية دائمًا إلى الأحزاب السياسية على أنَّها تشكل خطراً على النظام‏، وهناك أيضًا إستراتيجية للتلاعب بالنُخب السياسية. تمكَّن حزب العدالة والتنمية الإسلامي حالياً من ‏وضع نفسه كحليف لا غنى عنه، وهو الحزب الوحيد القوي بما يكفي لمساعدة النظام الملكي على ‏مقاومة الاحتجاجات والأزمات التي تمزق البلاد.‏‎ 

لكن لا ينبغي لأحد أن ينسى أنَّ القصر يمكن أن يقرر في أي وقت إعادة بناء العلاقات مع الأعداء ‏السابقين، كما حدث مع أعضاء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.‏‎

  • هناك حديث الآن عن تعديلات وزارية مرتقبة قبل أكتوبر/تشرين أول المقبل.. ما توقعاتك بشأنها؟

لا يختلف اثنان في المغرب أنَّ الحاكم الفعلي بالمغرب هو الملك وأنَّ كل السلطات بيده وأنَّ الحكومة ‏لا يُمكنها أن تقدم أو تأخر إلا بعد أخذ الضوء الأخضر من القصر، من هنا فإن تزيين الواجهة بأسماء ‏قد تكون منتقاة بدقة من طرف القصر في هذه المرحلة ليس لها إلا هدف واحد وهو مزيد من الالتفاف ‏على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي في المغرب والمزيد من تعميق سياسة الريع ‏وتبذير المال العام.‏‎ 

لا جديد تحت الشمس كما يقولون لأنَّ الأمر أعمق بكثير من زيادة مساحيق التجميل للواقع .‏‎ دون توفُّر الجرأة الحقيقية من طرف النظام الذي يعتمد على منطق  المنحة والهبة يبقى ‏الحال على ما هو عليه بل إلى مزيد من الإكراهات والأزمات. ‏

النموذج التنموي

  • بعد 20 عاماً من حكم محمد السادس.. ما الذي تغير اقتصاديا؟‏‎

يكفي أن أقول لك أنَّ ثروات محمد السادس الذي كشف عن نفسه كرجل أعمال منذ أن صعد إلى العرش قدرتها مجلة فوربس بـ 5.7 مليار دولار، في الوقت نفسه، يزداد عدد ‏السكان فقراً. ‏‎ 

غير ذلك فإنَّ اعتراف الملك نفسه بفشل النموذج التنموي والذهاب إلى تشكيل لجنة ‏تتولى الإشراف على وضع مخطط أو تصور لذلك اعتراف صريح عن عمق الأزمة الاقتصادية في ‏المغرب .‏‎ 

  • المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي دشنها الملك منذ سنوات حكمه الأولى وأوقف العمل بها قبل عامين.. ماذا حققت؟

تلك المبادرة فشلت في ‏زحزحة ترتيب المغرب المتدني في السلم العالمي للتنمية البشرية من الرتبة 123 سنة 2018.

اقتصاد المملكة لم يحقق أي تنمية اجتماعية أو مجالية، بل إنَّه يُفاقم ‏الفوارق الطبقية، ناهيك عن عجزه البيِّن في خلق ‏مناصب (فرص) العمل، خاصة للأفواج الكبيرة من الشباب المتدفق نحو سوق العمل. 

البطالة قفزت حسب ‏تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأخير، من %9.9 إلى .2 (رغم كل ما يمكن ‏قوله حول هذا الرقم المعلن). فنسبة نمو في حدود %4.5 لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُقلِّص البطالة، وبالمقابل يحتاج ‏المغرب، إلى نسبة نمو تصل إلى %7 سنوياً لمدة 20 سنة متواصلة للحاق ببعض ‏الاقتصاديات الصاعدة مثل تركيا.‏‎ 

التقارير أكدت أيضاً ضعف القدرة ‏الشرائية للأسر المغربية التي هيمنت نفقاتها الملزمة، مثل الغذاء، على نفقاتها العامة بنسبة %40.‏‎

المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يرأسه المستشار الملكي، عمر عزيمان، ‏أعلن في تقرير رسمي لسنة 2018 عن معطيات مثيرة تهمُّ المدرسة المغربية وهي التي لم يحصل عليها ‏أي تغيُّر سنة 2019، مشيراً إلى أن ثلث المغاربة أُميُّون.‏‎ 

‎وكشف تقرير للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يحمل عنوان ‏‎"‎مدرسة العدالة الاجتماعية‎"‎، أنَّ ‏ثلث المغاربة أُميُّون، ومليون تلميذ غادروا الدراسة، و70 في المئة من خريجي الجامعات عاطلون.‏‎

وأضاف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أنَّ ‏‎"‎أزمة التربية في بلادنا هي أزمة بنيوية ‏وأخلاقية، لأنَّها تُهدد مستقبل الأجيال الناشئة ومصير البلاد، وهي تتجلى في ضعف مكتسبات التلاميذ ‏وعدم ملاءمتها لحاجات المغرب الحالية والمستقبلية ولمتطلبات سوق العمل‎". 

الحركات الاحتجاجية

  • ظهرت في الآونة الأخيرة عدة حركات احتجاجية بالمغرب..

الحركات الاحتجاجية كانت بنكهة اجتماعية صِرفة، تقدَّمها حركة ‏الأساتذة المتدربين والأطباء ومعركة الكهرباء بطنجة على سبيل المثال لا الحصر، وكان عنوانها البارز ‏الإصرار والسلمية والوضوح من أجل مواجهة قرارات مشؤومة لا غاية وراءها سوى تضييق الخناق ‏على المواطنين ووضع المزيد من الحصون المنيعة لصدِّهم عن ولوج الوظائف العمومية.

الحكومة أضافت لقراراتها المشؤومة مواجهة سلمية الاحتجاجات بعنف سافر ومجازر بشرية تبقى وصمة عار على ‏جبين الحكومة الحالية، وإن كانت تسعى جاهدة لإخفائها بأنواع مساحيق التجميل، إلا أنَّها دلالة أخرى ‏على منطق العنف الأبدي سواء في مظهريه السافر أو المقنع والذي يُؤَطِرُ التدبير الحكومي للملفات ‏الاجتماعية.‏

  • أيضاً جماعة العدل والإحسان دخلت في صدام مؤخراً مع النظام الحاكم..

جماعة العدل والإحسان واحدة من أهم ‏ملفات انتهاك حقوق الإنسان بالمغرب بكل أبعاده، فالكل يجمع في المغرب أنَّ قضيتهم ليست مرتبطة بالتعامل مع منظمة محظورة لأنَّ واقع القضاء المغربي الذي يفصل في ‏هكذا ملفات بما فيها المجلس الأعلى للقضاء أكد أنَّ الجماعة وفق القوانين المنظمة للعمل قد استوفت ‏كل المساطر المتعلقة بإنشاء الجمعيات وأنَّها وفق ذلك قانونية.

  • .. إذاً أين المشكلة؟

المشكل يتلخص بكل وضوح في طبيعة النظام السياسي الذي تطرحه جماعة العدل والإحسان الذي ‏يركز على‎ القطيعة مع حكم الفرد المطلق وربط المسؤولية بالمحاسبة وهذه الرؤية لا يقبلها النظام المغربي ومن ثَمَّ فهو يحاول أن يقدم الكثير من ‏المغالطات حول العدل والإحسان.

  • لكن الجماعة متهمة برفض تطبيق الممارسات السياسية من داخل المؤسسات، وغموض مواقفها والامتناع عن الدخول فيما يعد عملية ديمقراطية..

ليس هناك غموض في الرؤية لدى العدل والإحسان، وليس هناك عدم قبول بالآخر أو عدم قبول ‏بالعمل من داخل المؤسسات السياسية، وليس الأمر مرتبط بكون العدل والإحسان هي المحرك لكل ‏الاحتجاجات التي يشهدها المغرب كما وقع مؤخراً فيما يتعلق بإضراب كليات الطب والذي اعتبره ‏الجميع بما فيه الكثير من حلفاء الحكومة أنَّه تصريح سخيف. ‏‎ 

الأمر مرتبط بوضوح مشروع العدل والإحسان الذي أثبتتِ الأيام والتجارب رغم كل ‏المضايقات أنَّها عصية عن تطويع النظام وأنَّها لا تزايد بمبادئها وتعتبر ذلك خطاً ‏أحمراً كما أنَّ حقها في العمل السياسي ليس مِنَّة من أحد بل حق من حقوقها الدستورية.‏‎

  • الانتهاكات الحقوقية طالت أيضاً صحفيين وناشطين.

التراجع الحقوقي طال الصحافة وحرية التعبير، حيث شهد المغرب تراجعاً ‏كبيراً على المستوى الدولي، واحتلَّ المرتبة 135 ضمن تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لسنة ‏‏2019، وهي مرتبة متأخرة جداً مقارنة بعدد كبير من البلدان في إفريقيا.‏‎

‎يرجع سبب التراجع إلى التضييق الذي طال الصحفيين وصُناع الرأي العام في المغرب، مثل ‏اعتقال بعض الصحفيين مثل حميد المهداوي مدير موقع "بديل" وتوفيق بوعشرين مالك صحيفة "أخبار اليوم" اللذان لا يزالان في السجن، وهما من أبرز ‏الأسماء التي ساهمت في زعزعة صورة المغرب في مجال حرية التعبير وحرية الصحافة على المستوى ‏الدولي مؤخراً.‏‎ 

أضف لذلك ملف معتقلي الريف وجرادة (مدينة مغربية اشتهرت بمناجم الفحم الحجري) الذي تبيَّن من خلاله أنَّ الحديث عن حقوق الإنسان بالمغرب ‏مُجرد شماعة يحاول المغرب من خلاله تلميع صورته لكنَّ واقع الحال يُثبت دائماً عكس ذلك لدرجة ‏أنَّ الانتهاك لهذا المسمى دفع ناصر الزفزافي قائد حراك الريف ورفاقه إلى الذهاب إلى إسقاط ‏‎"‎عقد البيعة ‏‎"‎والجنسية المغربية ‏‏.   ‏‎ 

لا تصالح مع الاستبداد

  • الواضح أنَّ حركات التحرر وثورات الربيع العربي كشفت عن عداء مستحكم من قبل أنظمة عربية خاصة جنرالات مصر للإسلاميين.. ما رأيك؟

الأنظمة العربية للأسف الشديد خصم لشعوبها لا تعرف إلا التنكيل بهم وقتلهم واعتقالهم، وهي في ‏نفس الوقت وكيل معتمد من طرف الأنظمة الاستكبارية الغربية التي تدرك تمام الإدراك أنَّ القوة ‏الفاعلة والمؤثرة في أي تحول كما أثبت الربيع العربي هي الحركات الإسلامية باعتبارها الأقوى ‏تنظيماً والأقرب إلى نبض الشعوب.‏‎ 

هي حرب بالوكالة لأنظمة تعرف أنَّ استمراريتها رهينة بخدمة الغرب الذي يُقدِّم لها أنَّ أكبر مهدد ‏لبقاءها هم الإسلاميون ولا شئ آخر غير الإسلاميين.

ما يحدث وصمة عار في جبين المجتمع الدولي هذه حقيقة أولية لابد من التأكيد عليها، كانت الإنسانية والدول الغربية في وقت من الأوقات تَعتبر إلى حد كبير ‏أن قضايا انتهاك حقوق الإنسان التي لم يعُد خافياً على أحد بالصوت والصورة الحدَّ الذي وصلت إليه ‏في مصر بعد الانقلاب العسكري وخاصة ما يتعرض له الإخوان المسلمين من صنوف التنكيل ‏والتعذيب والتقتيل.‏‎

السؤال المطروح هو غاية في الأهمية، لأنَّه يحمل بين ثناياه قضية مهمة جداً، وهي هل يستطيع ‏النظام المصري استئصال تنظيم جماعة الإخوان المسلمين؟‎ 

يؤكد التاريخ أنَّ الأفكار لا يمكن طمسها ولا القضاء عليها بأي شكل من الأشكال، الإخوان المسلمون ‏ليسوا تنظيماً فقط هم فكرة، تلقت هذه الفكرة منذ نشأتها الكثير من الضربات لدرجة أنَّه تم إعدام الجزء ‏الأكبر من قيادييها وتشريد الباقين في المنافي  كل هذا لم يزد الفكرة إلا انتشاراً وترسيخاً.‏‎ 

ولو كان النظام المصري يمتلك القليل من الحنكة السياسية لأخذ العبرة من مفاوضات الولايات المتحدة ‏الأمريكية مع طالبان.‏‎ طال الزمن أو قصر لا أرى للنظام العسكري المصري إن بقي إلا مجبراً على الجلوس مع ‏الإخوان راغباً في الحل بشروطهم.

  • لكن ‎كيف انعكست أحداث الربيع العربي في مصر على العالم بأكمله؟‎

الربيع العربي كان حدثاً هز العالم وجعله يدرك أنَّ هذه الشعوب العربية ‏التي ظنَّ الجميع أنَّها لن تقوم لها قائمة وأنَّها طُبعت واستسلمت للاستبداد السياسي وتعايشت معه، كانت ‏يقظتها وهبتها درساً مفاده أنَّه لا تصالح مع الاستبداد.  ‏‎ 

ثورة مصر وطبيعة موقعها الإستراتيجي كانت نقطة تحول عميق في السياسة العالمية إذ فضحت ‏السياسة العالمية المصلحية الحريصة على الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي، كما أنَّها أبانت وفضحت ‏دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية التي توهم الجميع أنَّها مع الشعوب. ثورة مصر ‏وضعت النقاط على الحروف بالنسبة لجميع للشعوب والحركات والأنظمة. ‏

  • ‏بعض الأنظمة الخليجية لجأت إلى تشويه الإسلام والمسلمين.. لماذا هذا التحول من وجهة نظرك؟

في حقيقة الأمر لي ملاحظة على هذا السؤال وهي ملاحظة منهجية ذلك أنَّ هذا السؤال يوحي أنَّ هذه ‏الدول كانت دائماً هي المنافح والمدافع عن حِمى الإسلام، أنا أتحدث عن الأنظمة لأنَّه ينبغي أن نضع ‏خطاً فاصلاً كبيراً بين الشعوب والأنظمة، لو كان المجال متاحاً لبينا مدى الكوارث التي سببتها هذه ‏الأنظمة للإسلام والمسلمين.‏‎ 

لا ينبغي أن نربط بين الإسلام وبين دول الخليج، ربما قد يكون حصل هذا الربط لوجود المملكة ‏العربية السعودية ووجود الحرمين الشريفين التي يتحمل أهلها مسؤولية كبرى تجاه قضايا الإسلام ‏والمسلمين.‏‎ 

ينبغي تُغيَّير هذه الصورة النمطية التي ترسخت في الأذهان، من كان وراء تيار المدخلية بالدعم المالي ‏وكل أشكال الدعم؟ من كان وراء التكفيريين وفتح لهم الأبواب ليُقدِّموا صورة مشوهة ويتسببوا في جزء كبير ‏مما يعانيه المسلمون اليوم من وسمهم بالإرهاب؟. ‏‎ لا يختلف اثنان أنَّ كل هذه الأوبئة نشأت وتربت وترعرعت في حضن الأنظمة، وهو تاريخ قديم.

  • لكن دول الخليج صنَّفت "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية؟‎

حقيقة هذا التصنيف أراه من زاويتين، الأولى أنَّ هذا التصنيف كان بمثابة غطاء دولي من ‏طرف هذه الأنظمة (السعودية والإمارات والبحرين)، حتى يستطيع النظام الانقلابي المصري أن يرتكب ‏ما يقوم به من فظاعات في حق الإخوان خاصة وأنَّهم من كان داعماً ودافعاً بالأموال وغيرها لهذا الانقلاب ‏العسكري لينقض على الشرعية ويدخل مصر كلها إلى سجن كبير.‏‎ 

الزاوية الثانية أنَّ هذا التصنيف هو يمثل جواباً واضحاً وصريحاً للسؤال السابق ذلك أنَّ تنظيم الإخوان ‏المسلمين لا يختلف اثنان على أنَّهم رواد الفكر الوسطي الإسلامي وتاريخهم يشهد على براءتهم من ‏كل ماله علاقة بالإرهاب. ‏‎ 

في نظري الإمارات كانت ولا زالت تعتبر فكر الإخوان وتنظيمه يشكل تحدياً وجودياً لها ولعل ما ‏قامت الإمارات في حق جمعية الإصلاح من تنكيل كانت إشارة واضحة إلى أنَّه لا تسامح مع أي تنظيم ‏إسلامي خاصة إن كان له علاقة بفكر الإخوان. ‏

الأمر الآخر الذي أظن أنَّه ينبغي أن ننتبه له وهو التوجه العلماني الذي كانت بوادره كامنة في جذور ‏التوجه الإماراتي الذي لا يخفى على العيان.‏‎ نسبة العداء الإماراتي للإخوان المسلمين تحمل ‏في طياته الكثير من الخفايا التي لابدَّ أن تكشف عنها الأيام.

  • ليست الإمارات وحدها بل السعودية أيضاً بدأت مؤخراً في تشويه الصحوة ورموز الوسطية..‎

إقدام السعودية على اعتقال رموز الصحوة الإسلامية وذوي الرأي والفكر لم يشوههم بل إنَّها ساهمت في التعريف بهم ورفعت قدرهم، ولم تسطع النيل من هذه الرموز، وتورَّطت وأصبح المنشار ‏هو الرمز التي توصم به (في إشارة إلى اغتيال ولي العهد محمد بن سلمان للصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتقطيع جثته بالمنشار). إذن في رأيي انقلب السحر على الساحر، رموز الصحوة في موقع قوة والنظام في موقف ضعف.‏‎ 

‏السعودية حاولت بشتى الطرق أن تسوق فزاعة الإرهاب لكنَّها فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً على كل ‏المستويات بما في ذلك حتى أمام إدارة ترامب الحليف الرئيس لها.‏‎ 

دول الخليج ليس أمامها حل لكي تصحح مسارها تجاه الإسلاميين وتجاه شعوبها وأمتها إلا أن ‏تعود إلى حضن الأمة وأن تعلم أنَّ عزتها في قوة أمتها وأنَّه لن يحميها أحد إلا شعوبها وليس الاعتماد ‏على الحليف الغربي الذي لا يعرف إلا مصلحته.

على الأنظمة الخليجية أن تعيد قراءة التاريخ وتستفيد من الواقع، وتعمل على تصحيح مسارها تجاه الإسلاميين وتعطيهم حقهم في ‏العمل المدني بكل أشكاله.‏

ظاهرة الإسلاموفوبيا

  • لماذا تصاعدت حدة ظاهرة الإسلاموفوبيا في دول الغرب؟ 

الربيع العربي كانت تلك القشة التي كسرت ظهر البعير كما يقولون، أي حدوث هذا الربيع وتقدُّم ‏الحركة الإسلامية فيه وبروزها في الواقع الميداني والسياسي بأنَّها صاحبة القابلية الكبرى لدى الشعوب ‏حيث دلَّلت الانتخابات في كل دول الربيع العربي على ذلك.

هذا الربيع وهذا التقدُّم للحركة الإسلامية عمل على إظهار حقيقة التصور المغلوط الذي استطاعت الصهيونية العالمية بمساعدة أنظمة ‏الاستبداد أن تقدِّم عن الإسلام عموماً وعن الحركات الإسلامية التي تختلف شكلاً ومضموناً وتصوراً ‏وأهدافاً ووسائل عن التيارات التكفيرية التي يُعتبر جزء كبير  منها صنيعة مخابراتية بامتياز، فهو ليس ‏تصاعد في نظري وإنَّما إفصاح عن مكنون كان جاهزاً ولكنَّه كان مختفياً.‏‎ 

هل هذا يمكن أن يكبح انتشار الإسلام؟ فذاك ما لا يمكن وقوعه، الإسلام دين الله تعالى ‏تكفَّل هو بحفظه وكل من يظن أنَّه قادر على أن يوقفه فهو واهم، الأرقام والإحصائيات تُدلل ‏على انتشار الإسلام في العالم كله وأنَّ هذا الانتشار في تزايد مستمر لعل آخر ذلك ما يقع في كوبا ‏معقل الشيوعية.

تتعدد التحديات في وجه الأمة الإسلامية وتتنوع لكنَّ التحدي الأكبر والذي يُعتبر المفتاح الاساسي ‏لتجاوز كل التحديات الأخرى هو التخلص التام من طاعون الاستبداد، دون التخلص من هذا ‏الطاعون لا أرى أي أُفق لتجاوز التحديات، علينا أن نؤمن إيماناً راسخاً أنَّ الحل لكل الأزمات التي ‏تعيشها الأمة مدخلها سياسي وأنَّ أي مدخل آخر إنَّما هو تطبيع مع الاستبداد فقط.