احتقان متصاعد.. هل تُشعل "عاشوراء" الصدام بين العراقيين والإيرانيين؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تزايدت وبشكل ملحوظ الكراهية بين العراقيين والإيرانيين، كان آخرها الاعتداء بالضرب على نساء عراقيات في مشهد الإيرانية، الأمر الذي زاد من الاحتقان مع اقتراب مناسبة دينية شيعية كبيرة، يتوافد فيها الملايين إلى كربلاء العراقية.

يحيي الشيعة أمام "ضريح الإمام الحسين" بمدينة كربلاء جنوبي العراق، في العاشر (عاشوراء) من شهر محرم الهجري، ذكرى استشهاد الإمام الحسين حفيد النبي محمد.

مقارنة بالتعامل

اقتراب المناسبة، شهد حالة اعتداء بالضرب طال امرأتين عراقيتين، الأولى كانت امرأة مسنّة من مدينة النجف، زارت إيران لغرض العلاج، لكنَّ أحد الضباط في مطار مشهد اعتدى عليها بالضرب المُبَرِّح، ما أسفر عن كدمات ظهرت على وجهها.

هذه الحادثة التي وقعت في أغسطس/آب الماضي، أَشعلت نيران الغضب بين العراقيين الذين طالبوا الحكومة بردِّ اعتبار المرأة العراقية، مُذكّرين بحادثة اعتقال الضابط العراقي علي شياع على إثر قبضه على مُعمم إيراني متلبساً بتهريب المخدرات في منفذ حدودي بالبصرة.

وأكَّد ناشطون عراقيون، أنَّ الحكومة العراقية عاقبت ضابطاً عراقياً نزيهاً تعامل بمهنية مع قضيَّة مُعمم إيراني، استغلَّ صفته الدينية لتهريب المخدرات إلى العراق، ومع ذلك أُطلق سراحه الأخير، وزُجَّ الضابط علي شياع في السجن بتهمة الاساءة لرجل دين.

الغضب الشعبي العراقي تفاقم سريعاً مع القصة، إذ أمهل ناشطون من النجف في حينها الحكومة الإيرانية 72 ساعة لتقديم اعتذار رسمي، وإلا الخروج في تظاهرات أمام القنصلية الإيرانية في المحافظة.

إيران تعتذر

السلطات العراقية ممثلة بوزارة الخارجية، أصدرت بدورها بياناً أشارت فيه إلى أنَّها بدأت باتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة بحقّ المُعتدِي، مُؤكدة أنَّها "فور تلقيها نبأ تعرّض السيّدة العراقيّة للاعتداء في مطار مشهد قد تابعت القضيّة عن كثب، للوقوف على الحادثة".

وأوضحت، أنَّ "الوزير محمد علي الحكيم وجَّه القنصل العامّ في مشهد باستجلاء تفاصيل الحادث، وإعداد مُذكّرة إلى وزارة الخارجيّة الإيرانيّة لاتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة بحقّ المُعتدِي، كما قامت الخارجيّة العراقـيّة بالتنسيق مع سفارة جمهوريّة إيران لدى بغداد في هذا الشأن".

وخرج المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، وقال: إنَّ "العراق يتعامل مع الوافدين إلى أراضيه بكل إنسانية واحترام، وندعو جميع دول العالم أنْ تتعامل بالمثل مع العراقيين المتواجدين على أراضيها".

وعلى إثر ذلك، زار نائب القنصل الإيراني في مدينة النجف العراقية، منزل السيِّدة العراقية، وقدّم اعتذاراً رسمياً لأول مرة في تاريخ الحوادث المتكررة ضِدَّ العراقيين، مُعبراً عن أسفه لما بدر من الضابط في المطار.

وقال الدبلوماسي الإيراني في بيان: إنّ "الضابط قيْد التحقيق وسيلقى جزاءه العادل"، موضحاً: أنَّ "ما حدث في مطار مشهد من أحد أفراد الأجهزة الأمنية، هو لا يُمثِّل رأي الحكومة الإيرانية وشعبها الصديق، وإنما هو تصرف شخصي خاطئ وغير مدروس".

حوادث أبشع

لم تكن حادثة ضرب السيِّدة العراقية، هي الأولى من نوعها، ففي الأسبوع نفسه نشرت مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، خبراً عن تعرُّض امرأة وزوجها من مدينة كربلاء العراقية لضرب مُبَرِّح أثناء تواجدهما في مدينة مشهد الإيرانية.

لكنَّ هذه المرَّة لم تأخذ حادثة السيِّدة الكربلائية وزوجها صدىً واسعاً كما حصل مع المرأة النجفية، إلا أنَّ ناشطين شنُّوا هجوماً لاذعاً على المسؤولين العراقيين بالقول: "إنَّ العراقية تُهان أمام أنظار الجميع لكنَّ الجميع يكتفي بالسكوت خوفاً على مناصبهم"، في إشارة إلى أنَّ إيران هي المتحكم بالمناصب الحكومية بالعراق.

السيِّدة العراقية وزوجها تعرضا لاعتداء بالضرب في مدينة مشهد الإيرانية

وقبل ذلك تعرَّض عدد من العراقيين، للاختطاف والقتل والتسليب أثناء تواجدهم في إيران، ولعل أبشعها جريمة قتل الشيخ نعمة هادي العيساوي، أحد شيخ عشيرة آل عيسى الكربلائية، وحرْق جثته ورميها من أعالي الجبال بعد سرقة أمواله أثناء تواجده في مدينة مشهد الإيرانية، لأغراض العلاج في يوليو/ تموز 2017.

وقال أقارب الشيخ، إنَّ الفقيد عُرف في محافظة كربلاء باستقباله للزائرين الإيرانيين وإكرامهم بحُسن الضيافة، لكنَّ الإيرانيين غدروا به وقتلوه وحرَّقوا جثته، والسلطات الإيرانية تماطل في معاقبة الجناة بعدما اعتقلتهم.

وأوضح أبناء العشيرة أنَّ الشيخ الراحل وهو أحد وجهاء كربلاء المعروفين، أكرم الزوار الإيرانيين طيلة تسع سنوات، لكنَّه عندما احتاجهم لمرة واحدة لأغراض الترجمة عندما ذهب إلى إيران للعلاج غدروا به.

وكشف شيوخ عشائر آل عيسى أنَّ السلطات الإيرانية لم تسلمْهم جثة الفقيد، إلا بعد ثلاثة أشهر ولم تكتب أنَّ أسباب الوفاة جريمة قتل، إنَّما اكتفت بتثبيت أنها وفاة اعتيادية في شهادة الوفاة.

وهدَّد وجهاء قبيلة آل عيسى في وقتها، الحكومة الإيرانية، إذا لم تقتص من الجناة خلال أيام، بأنَّ أبناء عشيرة الفقيد سيقتصون بطريقتهم الخاصة وهم أعرف ممن سيتم القصاص.

وحمّل شقيق الفقيد في حديث لقنوات محلية، إيران حكومة وشعباً مسؤولية مقتل شقيقة الشيخ نعمة هادي العيساوي، والجرح العميق الذي تسببوا به لعائلته، لافتاً إلى أنَّ "العراقي أصبح مهدداً في إيران، وما حدث جريمة لا تغتفر".

صمت عراقي

وفي جريمة أخرى لا تَقِلُّ بشاعة عن سابقاتها، لقي ثلاثة شبان عراقيين من محافظة البصرة حتفهم خلال زيارتهم إلى إيران، فقد قُتِل الشاب  حيدر حمود المالكي مطلع شهر أغسطس/آب الماضي، على يد عصابة مجهولة.

ونقلت تقارير صحفية عن ذوي المغدور، قولهم: إنَّه "زار إيران لأول مرة في حياته بهدف العلاج بصحبة اثنين من أصدقائه، وسكنوا شقة في إحدى المدن الإيرانية، وفي ساعة متأخرة من الليل طرق الباب عدد من المسلحين، ولما رفضوا فتح الباب قامت العصابة بإطلاق وابل من الرصاص على الباب، ما تسبب في وفاة حيدر بعدَّة رصاصات، وإصابة صديقيه".

وأشارت إلى أنَّ الواقعة، سبقتها بنحو أسبوع جريمة بحق اثنين من شباب مدينة الزبير غرب البصرة، لقيا حتفهما في ظروف غامضة أثناء زيارتهما إلى إيران للسياحة"، لافتة إلى أنَّ "تكرار هذه الحوادث يكشف زيف ادعاءات الإيرانيين بأنَّهم يمثلون دولة إسلامية تتبنى النهج الديني".

وكان آخر حوادث القتل التي تعرَّض لها أبناء البصرة في إيران، هي جريمة قتل العراقي مازن ناصر أثناء رحلة علاج في مدينة مشهد الإيرانية، وسط صمت حكومي عراقي لافت.

وأعربت عائلة الفقيد عن استغرابها من تعامل الحكومة الإيرانية مع هذه الجرائم، إذ أنَّهم قالوا لأهل الفقيد: إنَّ "ابنكم هو سادس ضحية عراقي يجري قتله في المكان نفسه"، في وقت تتساءل فيه عائلة مازن ناصر: إذن أين الأجهزة الأمنية الإيرانية؟

وفي القدر نفسه، حمّل ذوو الفقيد الحكومة العراقية المسؤولية عن جرائم القتل بحق العراقيين في إيران، إذ أنَّها لا تنبه أبناء البلد إلى عدم السفر لإيران حرصاً على حياتهم، بل تخشى أن تُصرِّح حول هذا الموضوع حتى لا تعاقب من إيران، لأنَّها هي من جاءت بهم لحكم العراق، بحسب قولهم.

موجة كراهية

تلك الجرائم، سبقتها موجة كراهية كبيرة كشفتها تقارير صحفية غربية، فقد نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريراً تحدثت فيه عن زيارة آلاف العراقيين إلى إيران لأسباب دينية وأخرى بحثاً عن "الجنس" بذريعة "زواج المتعة".

لكنَّ تقرير الصحيفة، أكَّد أنَّ الظاهرة الأكثر لفتاً للأنظار في مشهد فهي إزدراء الزوار العرب رغم أنَّهم ينتمون لنفس المذهب والطائفة، واصفة كيف يتم إزدراء العراقيين الذين يتقاطرون يومياً على مدينة مشهد في ايران، على الرغم من أنَّهم يقومون بنفس الطقوس الدينية ونفس المعتقدات.

ونقلت "الجارديان" في التقرير عن رجل أعمال ايراني من العاصمة طهران قوله: إنَّه "لا يحب العراقيين"، مضيفاً: "إنَّهم مزعجون ويحدثون ضجيجاً هنا"، في اشارة إلى الازدراء الذي يواجهه الشيعة العرب عند زيارتهم المراقد في إيران.

وكان المسؤول عن التخطيط والتنمية في مدينة مشهد محمد مهدي باراداران أعلن مطلع عام 2015، أنَّ المدينة تستقطب 1.5 مليون زائر أجنبي سنوياً، من بينهم 23 بالمئة يأتون من العراق.

مدينة مشهد الإيرانية تزدحم بالزوار العراقيين الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون

ونقلت "الجارديان" عن سائق إيراني قوله: إنَّ الكثير من الرجال العراقيين يأتون إلى إيران أو إلى مدينة مشهد بحثاً عن "زواج المتعة"، مضيفاً: "إنَّهم يبحثون عن المومسات هنا".

وذكر السائق، أنَّه اختلف مع راكب عراقي قصد المدينة بحثاً عن النساء والمتعة، مضيفاً: "الزائر العراقي دون رقم السيارة وقدَّم شكوى ضدي، وبدلاً من أنْ يشكروني بسبب أنني غضبت لشرفي، فإنَّهم عاقبوني بغرامة 140 دولاراً، واحتجزوا سيارتي لمدة شهرين منعوني خلالها من العمل".

وفي المقابل، فإنَّ تعاظم الكراهية والازدراء التي يواجهها العراقيون من الإيرانيين، ولّدت حالة من الاحتقان لدى الشارع العراقي. الأمر الذي يبقي التساؤل الأبرز: هل تخرج الأمور عن السيطرة في زيارة العاشر من محرم، ويتفجر بركان الغضب بوجه الإيرانيين؟

يشار إلى أنَّ العراق يستقبل في كل مناسبة دينية نحو ثلاثة ملايين زار إيراني عبر المنافذ الحدودية والمطارات العراقية لتأدية مراسم الزيارة، إذ ألغت الحكومة العراقية في مارس/آذار الماضي رسوم تأشيرة دخول الإيرانيين للعراق.