"غريان" كلمة السر في الطريق إلى طرابلس.. هل تكتب نهاية حفتر؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من جديد يتصدر اسم مدينة "غريان" ساحة الأحداث المشتعلة في ليبيا، بعد نجاح قوات حكومة الوفاق الوطني في صد هجوم شنته قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على المدينة الإستراتيجية ضمن محاولاته استعادة السيطرة عليها مُنذ فقدانها في يونيو/حزيران الماضي.

ويبدو أنَّ المدينة الواقعة في الغرب الليبي، أصبحت كلمة السر في طريق حفتر الملغوم نحو طموحه بالسيطرة على العاصمة طرابلس، كما تبين أنَّها تلعب دوراً حيوياً في نهاية طموحات الجنرال بالجلوس على عرش البلاد.

فهل يُعد فشل حفتر في هذا الهجوم بداية النهاية له، وما علاقته بزيارته السرية إلى روسيا قبيل الهجوم؟ لكن أليس إصراره على مواصلة حملته العسكرية التي بدأت في أبريل/نيسان الماضي، دليل قوة واستمرار للدعم الإقليمي والدولي له؟

تحت السيطرة

"الأوضاع في غريان تحت السيطرة"، هكذا أكدت حكومة الوفاق الوطني الليبية على لسان المتحدث باسم وزارة داخليتها العميد مبروك عبد الحفيظ بعد فشل هجوم شنته قوات حفتر.

وفي بيان مصور قال: إنَّ "الأوضاع في غريان تحت السيطرة عسكرياً من غرفة العمليات المشتركة للجيش الليبي، التابع لحكومة الوفاق الوطني، وأمنياً من مكونات وزارة الداخلية، وفي مقدمتها مديرية أمن غريان".

المتحدث حذَّر "كل من تسول له نفسه بثَّ الفتنة أو الإخلال بالأمن والسلم الأهليين، وعدم التهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية والاحتياطات الأمنية في ربوع ليبيا كافة، ومدينة غريان خاصة، والتي من شأنها حماية أرواح وممتلكات المواطنين".

وكانت القوات التابعة لحكومة الوفاق أعلنت الاثنين الماضي، صدَّ هجوم لقوات حفتر على غريان، التي تقع على بعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة طرابلس.

تلك المدينة تشهد معارك متواصلة بين الطرفين مُنذ أن دخلتها قوات حفتر في أبريل/نيسان الماضي، مع بداية هجومها على طرابلس واتخذتها مركزا لغرفة عملياتها الرئيسية، لكن في يونيو/حزيران تمكنت قوات الوفاق من السيطرة على غريان، ومُنذ ذلك الحين يحاول حفتر استعادة السيطرة على المدينة.

وفيما بدا استعدادا لمزيد من الهجمات، ناقش فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مع رئيس الأركان العامة الفريق ركن محمد علي الشريف الإجراءات العسكرية المتخذة لتأمين مدينة غريان وتطورات الوضع الميداني والعمليات في محاور القتال بمنطقة طرابلس الكبرى ومحيطها.

سيناريو دراماتيكي

تفاصيل ما حدث بين يومي الأحد والاثنين الماضيين، تبدو أشبه بسيناريو فيلم سينمائي، يشهد تطورات دراماتيكية تنقلب فيها موازين القوى مرات عدة بين الطرفين المتحاربين.

بدأت القصة بهجوم مكثف شنته قوات حفتر، صباح الأحد، من محور في منطقة العربان (35 كلم جنوب شرق غريان) باتجاه منطقة غوط الريح، حيث استطاع الهجوم في ساعاته الأولى إرباك قوة حماية غريان، خاصة بعد الغارات المكثفة وغير المسبوقة لقوات حفتر المدعومة إماراتياً.

وصل الأمر إلى أن انسحبت قوة حماية غريان، التابعة لحكومة الوفاق، تحت كثافة الغارات الجوية، نحو "المغاربة"، حتى تتمكن من التحصن بمنطقة يمكن الصمود فيها إلى حين وصول المدد.

وكانت غريان على وشك السقوط مجدداً في يد قوات حفتر، التي لم يَعُد يفصلها عن مشارف المدينة المحصنة طبيعياً سوى بضعة كيلومترات، وسبقت هذه القوات أخبار دعائية لوسائل موالية لحفتر وداعميه، تتحدث عن تقدمها نحو وسط المدينة، وقرب السيطرة عليها بالكامل.

لكن مع وصول طلائع الدعم من المنطقتين الغربية (المجلس العسكري للزنتان) والوسطى (الكتيبة 301 من مدينة مصراتة)، تمكَّنت قوات الوفاق من تعزيز تمركزاتها في منطقة المغاربة، وتحرير قريتي بني وزير وبوزيان، والتقدم إلى غاية جسر منطقة جندوبة (جنوب غرب غريان)، بحسب إعلام محلي.

وشاركت طائرات مسيرة تابعة لحكومة الوفاق بفعالية في صد هجوم حفتر، من خلال شنها عدة غارات جوية، استهدفت تجمعين للقوات المهاجمة، ما عجَّل بانسحابها إلى بلدة الأصابعة (جنوب غرب غريان)، ومنطقة مزدة (جنوب غريان)، بحسب قوات الوفاق، التي أعلنت اعتقالها قائد غرفة عمليات غريان التابعة لحفتر، فوزي بوحرارة.

كما قصف طيران الوفاق معسكرا لقوات حفتر في الأصابعة، وتمكنت قوات "بركان الغضب" التابعة لقوات الوفاق من استعادة المناطق التي خسرتها مع بداية هجوم قوات حفتر.

بين ترامب وبوتين

ورغم أنَّ الدعم الروسي لحفتر لم يعُد سراً وليس الاختلاف إلا على كمه وكيفه، غير أنَّ اللواء المتقاعد عينُه على أمريكا والدول الأوروبية الكبرى، وكان لافتاً تزامن هجومه على غريان مع انعقاد قمة السبع الكبار في فرنسا.

مراقبون رأوا أنَّ هذا التزامن جاء لإيصال رسالة إلى الزعماء السبعة الكبار في العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنَّ حفتر هو الرجل القوي في ليبيا، وأنَّه عامل رئيسي في معادلة الحرب والسلام هناك.

اللافت أيضاً، أنَّ القمة أوصت بتنظيم مؤتمر دولي تحضره "كل الأطراف الليبية المتأثرة من الصراع"، ويبدو أنَّ الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فهزيمة قوات حفتر في غريان أوصلت رسالة سلبية.

 مفاد الرسالة، بأنَّ حفتر عاجز عن تحقيق نصر ملموس على الأرض، رغم الدعم الإقليمي والدولي غير المسبوق، وكم الصمت الذي قابل به المجتمع الدولي جرائم قواته المتكررة بحق المدنيين.

ولا تبدو مخالب الدب الروسي، أكبر داعمي حفتر، بعيدة عما كان مخططا له أن يحدث في غريان، فبحسب موقع "أفريكان إنتيلجنس" الإخباري المختص بالشؤون السياسية في أفريقيا، فإنَّ حفتر توجه إلى موسكو في زيارة غير معلنة الفترة الماضية.

وقال الموقع، إنَّ زيارة حفتر إلى موسكو استمرت لـ4 أيام بدأها يوم 20 أغسطس/آب حتى الـ24 من الشهر ذاته، فيما لم يُكشف حتى الآن عن الشخصيات التي التقاها حفتر خلال الزيارة.

وهذا يعني أنَّ الزيارة اختُتمت في اليوم السابق لهجوم قوات حفتر على غريان، على نحو يوحي بأنَّ الرجل تلقى الضوء الأخضر من موسكو بشن الهجوم، ربما مع تعهدات بتقديم المزيد من الدعم إذا حقق انتصاراً.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التقى حفتر في العاصمة الروسية موسكو، في يونيو/حزيران الماضي، للمرة الأولى، بشكل رسمي ومعلن.

دلالات الهجوم وإحباطه

ولعل نجاح قوات الوفاق في صد هجوم حفتر المباغت يحمل دلالة قوية بجهوزية تلك القوات واستعدادها للمواجهة، في وقت ذهبت تحليلات كثيرة إلى أنَّ حفتر يلفظ أنفاسه الأخيرة ولن يتمكن من شن أي هجوم.

وتمثل مشاركة طيران الوفاق في صد هجوم غريان الأخير، عودة قوية لسماء المعركة بعد أن خفَّ نشاطه مُنذ الغارات التي شنها على قاعدة الجفرة الجوية، في 26 يوليو/تموز الماضي، وردَّت قوات حفتر المدعومة إماراتياً حينها بتكثيف غاراتها الجوية على مطارات مصراتة ومعيتيقة وحتى زوارة، التابعة لحكومة الوفاق.

وتشكل هزيمة حفتر في استعادة عاصمة جبل نفوسة (الجبل الغربي) نكسة جديدة، تعكس حالة انحدار لهجومه على طرابلس، مُنذ 4 أبريل/نيسان الماضي.

الهزيمة المعنوية لقوات حفتر وقواته لا يمكن التقليل من حجمها، خاصة أنَّها تأتي للمرة الثانية على التوالي في نفس المدينة، ففي يوليو/تموز الماضي، وبعد نجاح قوات الوفاق في تحرير غريان أُجبر حفتر على إطلاق سراح 6 مواطنين أتراك كانت قواته قد احتجزتهم في ليبيا، رغم تهديداته وتوجيهاته باستهداف المصالح التركية في البلاد.

وعدَّ مراقبون استعادة السيطرة على غريان أهم تقدم عسكري تحققه قوات حكومة الوفاق على حساب قوات حفتر مُنذ أبريل/نيسان الماضي، وكذا فإن إحباط أي هجوم عليها، نجاح لا يمكن إنكاره لقوات الوفاق.

لكن على الجهة المقابلة، فإنَّ مجرد شن حفتر هجوماً على غريان يعد دليلاً على قوته وربما إصراره على تحقيق مبتغاه بالوصول إلى طرابلس مهما كانت العقبات، ومهما كان حجم الخسائر التي يُمنى بها.

كما يؤشر الهجوم على استمرار وتواصل الدعم العسكري واللوجيستي من حلفاء حفتر الإقليميين كمصر والإمارات والسعودية، والدوليين كفرنسا وروسيا، وما يمكن أن يتوازى مع ذلك من تعهدات بدعم حتى آخر نفس.

هؤلاء الداعمون مصرون على مده بالمال والسلاح ويؤمنون بقدراته على بسط سيطرته على كامل التراب الليبي يوما ما.

وتبقى قدرة القوات الحكومية ومقاتلي مدن الغرب المفتقرين لأي دعم خارجي، على صد قوات حفتر والحيلولة دون اجتياح طرابلس أو الاستيلاء على أجزاء منها، غير مؤكدة.

غريان كلمة السر

لعل كثرة الحديث عن مدينة غريان واحتدام المعارك للسيطرة عليها، يدفعان للتساؤل حول الأسباب التي تدفع الطرفين إلى ذلك، على نحو يؤكد أنَّ تلك المدينة الجبلية هي كلمة السر في الصراع الليبي، والشوكة في حلق الجنرال الطامح لحكم البلاد، وقد ينجح في إزالتها أو تستقر فتكتب نهايته.

عندما سيطر حفتر على غريان أبريل/نيسان الماضي، وجعلها مقراً لإدارة عمليته العسكرية في الغرب الليبي، بدا للجميع أنَّه حقق انتصاراً نوعياً يقربه أكثر إلى العاصمة، وبالفعل لم تندحر قواته وتتقهقر وتلجأ إلى القصف الجوي الوحشي لأهداف مدنية، إلا باستعادة قوات الوفاق للمدينة في أواخر يونيو/حزيران ومن ثم الآن بإحكام السيطرة عليها.

وتأتي أهمية غريان عسكرياً لقوات حفتر، كونها منطقة جبلية مرتفعة تطل على طريق يمتد حتى طرابلس مارا بمدن عدة هامة، مثل: الزاوية وورشفانة، ومدخلا لمدينة طرابلس من الجنوب الغربي، ولذا يعتبر خط إمداد مهما بالنسبة لها من قاعدة الجفرة العسكرية إلى قواته في جنوب طرابلس.

في المقابل، فإنَّ الأهمية الكبرى للمدينة لدى قوات الوفاق تتمثل في قطع خطوط الإمداد لقوات حفتر، كما أنَّ سيطرتها عليها تجعلها نقطة انطلاق قوية للغاية لضرب ظهر قوات حفتر في جنوب طرابلس، وتهديد بعض المدن الموالية له مثل الزنتان وترهونة.

وتسعى قوات حفتر لاستعادة غريان، التي خسرتها بشكل سريع ومفاجئ، حتى تعيد فتح جبهات قتال جديدة بالقوس الغربي، الذي انهار مع سقوط أكبر مدينة بالجبل الغربي، وحتى لا تنهار قواتها جنوبي طرابلس، إذا نجحت قوات الوفاق في حصار ترهونة، وقطع خطوط الإمداد منها وإليها.

أحد الأسباب الأخرى التي دفعت قوات حفتر إلى الهجوم على غريان، محاولة السيطرة على مهبط المروحيات والطائرات المسيرة بمنطقة غوط الريح (35 جنوب شرق غريان).

وكان مهبط غوط الريح، عبارة عن مشروع لإنجاز مطار دولي لغريان، لكنَّ قوات حفتر، استخدمته مهبطاً للمروحيات ونقل الجنود والمؤن والذخائر، إضافة إلى نقطة انطلاق للطائرات المسيرة لقصف قوات الوفاق في جبهات القتال، وتمكنت قوات الوفاق من استعادته بعد دخولها غريان.

وخسارة قوات حفتر مهبط غوط الريح، معناه أنَّه لم يتبق لها سوى قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، والتي قال أسامة الجويلي، قائد المنطقة الغربية لقوات الوفاق، إنَّها أصبحت "خارج الخدمة"، بعد عدة غارات شنها طيران الوفاق عليها.

ويُستبعد استخدام قوات حفتر مهبط الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) في شن غارات على العاصمة (مثلما كان عليه الأمر في 2014)، بسبب الانقسام الحاصل في المدينة، التي ينحدر منها الجويلي، كما أنَّ المهبط الذي تمَّ إعداده على عجل بدعم فرنسي إبَّان حصار قوات معمر القذافي للزنتان في 2011، أصبح حالياً مطاراً داخلياً، تستخدمه عدة شركات طيران محلية.

كما أنَّ هجوم حفتر على غريان، جاء عملية استباقية للتحضيرات التي تقوم بها قوات حكومة الوفاق، على مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، للقضاء على آخر نقطة ارتكاز تنطلق منها قوات حفتر لشن هجماتها على طرابلس.

وشرعت قوات الوفاق، في التحضير للسيطرة على ترهونة، من خلال هجوم واسع على بلدة السبيعة (40 كلم جنوب طرابلس)، في 21 أغسطس/آب الجاري، لقطع طريق الإمداد الرئيسي لقوات حفتر بين ترهونة، ومحوري مطار طرابلس القديم ومنطقة قصر بن غشير، جنوبي العاصمة.

كما شكلت قوات الوفاق، قوة مسلحة من أبناء ترهونة، تحت تسمية "قوة حماية ترهونة"، والتي من المنتظر أن تكون رأس حربة في اقتحام المدينة من الداخل، في مواجهة اللواء التاسع ترهونة الموالي لحفتر.

تمزق داخلي

وإلى جانب ما تلحقه قوات الوفاق من خسائر في صفوف حفتر، فإنَّ الأخير بات مهدداً بتمزق سطوته العسكرية على قواته، وفق محللين عسكريين، على خلفية حوادث اغتيال أبرز هؤلاء القادة التي بدت مدبرة نتيجة خلافات داخلية.

فقبل أيام قُتل آمر القوة الثالثة المساندة للواء 21، خالد أبو عميد، وخمسة من حرّاسه، في ظروف غامضة، جنوب طرابلس، بعد ساعات من العثور على جثة كمال بن مبارك، آمر السرية 20 في قوات حفتر، في أحد المقار بمنطقة سوق السبت المحاذية لمدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس.

واغتيل العميد مسعود الضاوي، أبزر قادة قبيلة ورشفانة والقيادي البارز في قوات حفتر، نهاية مايو/أيار الماضي، في ظروف غامضة، ورغم نعي قيادة قوات حفتر للضاوي، إلا أنَّها لم تعلن عن أي تحرك للتحقيق في حادث مقتله.

ورأى محللون، أنَّ سياسة القتل الممنهج لدى حفتر، التي تستهدف قياداته، ليست جديدة، حيث اختفت العديد من الأسماء البارزة قديماً وحديثاً أبرزهم اللواء عبد السلام المسماري، آمر الغرفة المركزية لقيادة القتال ضد طرابلس، واللواء فوزي المسماري أبرز قادة حفتر جنوب العاصمة.