"تونس ليست مصر".. هكذا برر إسلاميو النهضة المنافسة على الرئاسيات

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

مساء 5 أغسطس/ آب 2019، فاجأت حركة النهضة التونسية كثيرين بقرارها ترشيح أحد أبرز قادتها المؤسسين، رئيس مجلس النواب (البرلمان) بالإنابة، عبد الفتاح مورو، للانتخابات الرئاسية المزمعة في 15 سبتمبر/أيلول المقبل.

بعدها بيومين، وفي 7 أغسطس/آب الجاري، وصف رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني، في ندوة صحفية، قرار ترشيح مورو بأنه "تاريخي جاء بنسبة قاربت الإجماع في مجلس الشورى". مشيراََ إلى أن هذا القرار يأتي "بعد فشل المفاوضات لتقديم مرشح توافقي للانتخابات المقبلة". 

لأول مرّة في تاريخ الحركة منذ تأسيسها نهاية ستينات القرن الماضي تتجه النهضة للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية، فرغم فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2011 فضلت دعم ترشح الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، وفي عام 2014 اختارت الحياد بين المرشحين، فلماذا انحازت الحركة في 2019 إلى خيار الدفع بمرشح من داخلها؟

هل النهضة قادرة على تجاوز المطبات التي اعترضت غيرها من الحركات الإسلامية في المنطقة ودول الجوار؟ وهل مرشحها قادر على تجاوز الكتلة الناخبة لها لاستقطاب أصوات عموم التونسيين؟. 

قرار مؤسسي

"حركة النهضة تدعو أبناءها وتدعو ناخبيها وتدعو كل التونسيين إلى المشاركة بكثافة وفاعلية في الانتخابات الرئاسية وإلى اختيار الشخصية التي يرونها مناسبة لقيادة هذا المسار الديمقراطي ولقيادة تجربتنا نحو تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الانتقالية.. هذا هو قرار المؤسسة وهذا هو القرار الذي نعلنه الآن".

بهذه الأسطر البسيطة، اختارت حركة النهضة عام 2014 اتخاذ موقف الحياد في الانتخابات الرئاسية في دوريها الأول والثاني، وذلك بعد أن حلت في المركز الثاني في الانتخابات التشريعية بحصولها على 69 مقعدا بنسبة 31.79، فيما تصدّرت وقتها حركة نداء تونس بقيادة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي النتائج بـ 86 مقعدا ما يمثل نسبة 39.63.

حينها كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية تدور في ظل استقطاب ثنائي حاد، تلا أزمة سياسية عميقة كادت تعصف بالاستقرار في تونس، إثر اغتيال النائب المعارض محمد الإبراهمي المنسق العام لحزب "التيار الشعبي" صبيحة 25 يوليو/تموز 2013.

دخلت البلاد ساعتها حالة من الفوضى والتجاذب والتظاهرات والتظاهرات المقابلة بين مناصري جبهة الإنقاذ التي قادها الباجي قائد السبسي المطالبة بالإطاحة بحكومة الترويكا التي تقودها حركة النهضة.

ضاعف من الأزمة استتباعات الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو/تموز 2013 الذي قاده وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي، مدعومًا من دول خليجية على الدكتور محمد مرسي (القيادي بجماعة الإخوان) أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياََ في تاريخ مصر.

قرار الحركة ترّشيح مورو هذه المرّة أثار المخاوف من تكرار السيناريو المصري، بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر والهيمنة على البرلمان والرئاسة، ثم فقدان السلطة بعد عام واحد فقط والعودة للمعتقلات والسجون والمطاردات.

رغم تشابه الخلفيات الإسلامية بين حركة النهضة التونسية وإخوان مصر، فالحركة التونسية، وفق خبراء، تعي جيداََ ضرورة خلق توافقات لأجل إنجاح تجربة تونس ما بعد "الربيع العربي"، وهو ما ظهر في دعمها لتيارات وشخصيات علمانية في أكثر من استحقاق.

حسب مراقبين، يوجد اختلاف آخر يكمن في طبيعة النظامين المصري والتونسي، فالأول رئاسي والثاني برلماني، واختلاف ثالث يظهر في استمرار ابتعاد الجيش التونسي عن العملية السياسية.

تخوف مشروع

لا يخفى على المتابعين للشأن التونسي تردّد حركة النهضة من اتخاذ قرار ترشيح أحد قياداتها لخوض السباق الانتخابي، وهو ما يبرر التأخر في حسم هذا القرار قبل يومين فقط من موعد غلق باب الترشح الذي حددته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

مورو ينفي ما يردده البعض من أن التأخر في إعلان الترشيح هو خوف الإسلاميين في تونس من المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، معتبرًا أنّ النهضة لم تختر لنفسها مرشحًا للانتخابات الرئاسية في السابق "كونها تتدرّج في تعاملها مع الوضع السياسي في البلاد".

وأضاف رئيس البرلمان التونسي بالإنابة في تصريح لـ"الاستقلال": " المنطق يفرض أن نسأل النهضة لماذا لم ترشح للانتخابات الرئاسية من قبل، أليست هذه الحركة حزبًا له برنامج سياسي وترخيص ومقر ونشاط، ومارس الحكم في مواقع أرقى من منصب رئيس الجمهورية، لأن موقع رئيس الجمهورية في بلادنا موقع تمارس فيه السياسة الخارجية وضبط الأمن في الداخل".

مرشح النهضة للرئاسة أضاف:" تونس تحكم في ظل نظام برلماني، والنهضة حزب أغلبية في البرلمان ويمارس السلطة، وتولى إدارة وزارات الداخلية والخارجية والمواصلات والتشغيل والتكوين المهني وغيرها، أليست هذه سلطة؟ ما أكثر سلطة في تونس الوزير أم رئيس الجمهورية؟ يقينًا الوزير أكثر سلطة".

واعتبر مورو أنّ رئيس الجمهورية لا يملك أن يغير نظام الحكم مثلما يقال:" إن وصل إسلامي للرئاسة سيفرض لونًا إسلاميًا على الدولة وهذا غير صحيح، رئيس الجمهورية فرد في عمله خاضع لمؤسسات الدولة".

مرشح النهضة أكد:" من يسن سياسيات الدولة هو البرلمان عندما يجتمع سنويًا ليقر ميزانية الدولة، والذي ينفذ سياسات الدولة هي الحكومة، فرئيس الجمهورية غير مسؤول عن الطرقات أو الصحة أو التعليم أو الشأن الأجتماعي، فقط مسؤول عن التوجه العام للدولة حتى يحميها من هزات يمكن أن تحدث لها".

"تونس ليست مصر"

وفي تعليقه لمقارنة عدد من المتابعين بين الوضع في تونس وفي مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث قال:" يقولون لنا ألم ترَ ماذا وقع لمحمد مرسي في مصر، نعم رأيناه ولكن انظر الفرق، مرسي هو رئيس جمهورية أراد أن يسترجع الصلاحيات من الجيش".

حسب مورو "خصومة مرسي كانت مع النظام العسكري في مصر الذي يسيطر على الحكم منذ قرون، العبور في حرب 1973 كان على يد الجيش، التحرير من الاحتلال الإنجليزي تم بواسطة الجيش، الاستقلال عام 1952 كان بواسطة الجيش، بعد الاستقلال تولى الحكم محمد نجيب ثم عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وكلهم من ضباط الجيش".

وأضاف "البلاد التي يوجد فيها جيش يسيطر على الحكم وعلى القطاعات الاقتصادية فيها، عندما أتى فيها من يريد أن ينقل هذه الصلاحيات لمدنيين تم الانقلاب عليه وإخراجه من الحكم، أمّا عندنا في تونس لا توجد مشكلة بين رئاسة الجمهورية وأي طرف من الأطراف، بل إن رئاسة الجمهورية تقوم بدور التجميع والتحكيم بين التونسيين".

مورو شدّد على أن " وصول الإسلاميين لرئاسة الجمهورية لن يزيدهم صلاحيات، هناك دستور يحكمهم وبرلمان متنوع يحدد سلطاتهم ويراقبها. رئيس الجمهورية وجب عليه أن يحافظ على  البلاد ويقرب التونسيين من بعضهم ويحافظ على النظام الجمهوري البرلماني وفق ما يحدّده دستور البلاد. التخوفات المطروحة مجردّ وهم في الأذهان سببه مقارنة بما لا ينبغي المقارنة به لاختلاف المعطيات" في إشارة إلى تجربة الإخوان في مصر.

مرشح منفتح

حظى اختيار النهضة لمورو بجزء كبير من الجدل، باعتبار الرجل أحد مؤسسي الحركة الإسلامية في تونس منذ العام 1969، وانفصل عنها فترة من الزمن ليعود إليها عام 2012، وخلافًا لما عرف عن قياداتها، يحمل مورو آراء ناقدة لتجارب الإسلاميين في تونس والمنطقة، إلاّ أنه كذلك يحظى بسمعة جيدة بين التونسيين وقُرب من عدد من الشخصيات الوطنية والسياسية من غير الإسلاميين.

رافق مورو يوم تقديم ترشحه السياسي والوزير السابق حمودة بن سلامة وهو طبيب ورجل سياسية ومتخصص في الاقتصاد الصحي، شغل عدة مناصب من أهمها وزير الدولة لدى وزير الصحة ووزيرًا للشباب والرياضة حتى عام 1991.

كما رافقه يومها العميد الأسبق للمحامين التونسيين عبد الرزاق الكيلاني والذي سبق وأن ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014 وتولى مناصب حكومية بعد الثورة.

مورو قال:" إن ترشحه لا يريد أن يكون محصورًا في تسمية المنشأ وأن يحكم عليه الناس باعتباره نهضوي فقط وإنما تحكم عليه باعتبار مسيرته ومساره، هو نهضوي ولكن بلون خاص.

وكتب الناشط السياسي في حزب البناء الوطني محمد بن جماعة على حسابه بفيسبوك بعد متابعته أحد لقاءات مورو :" أنّ ردوده، وتفاعله مع نخبة تكنوقراط، كشفت لي مرة أخرى قدرة الرجل على تكييف خطابه شكلا ومضمونا حسب الجمهور المستمع، استعمل حتى الفرنسية لكسر بعض الحواجز النفسية حول قدراته التواصلية التي يحتاجها منصب الرئيس".

وأضاف بن جماعة :" هذا اللقاء يجعلني أتأكد مجددًا أن مورو هو المرشح الأفضل والأكثر تأهيلًا لمنصب رئاسة الجمهورية.. الرجل مستوعب تمامًا للصفات الضرورية للرئيس، وما يتطلبه ذلك من قدرات وخبرات متراكمة ورؤية سياسية واستشراف مستقبلي".