"جهود مثمرة".. لهذا يهتمّ الرئيس الفرنسي بالملف الأمريكي-الإيراني

قسم الترجمة - الاستقلال | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جاهدًا لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 بين طهران والدول الكبرى، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه وإعادتها للعقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية.

ولم تكن دعوة وزير الخارجية الإيراني لحضور قمة "مجموعة السبع" التي استضافتها مدينة بياريتز الفرنسية قبل أيام، سوى إحدى الجهود الأوروبية التي يقودها ماكرون لمحاولة إنقاذ الصفقة النووية الإيرانية.

ورأت مجلة "لكسبريس" الفرنسية، التي نشرت تقريرًا عن الموضوع، بأن هذه الجهود تؤتي ثمارها، رغم تغيير الولايات المتحدة لهجتها من حين لآخر.

وقالت المجلة إن دعوة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، يوم الأحد الماضي إلى بياريتز من قبل ماكرون، كانت مفاجئة، حيث التقى رئيس الدبلوماسية الإيرانية مع رئيس الدولة الفرنسي ونظيره جان إيف لو دريان، و"منذ ذلك اللقاء تحركت الأمور  بسرعة حول هذا الملف".

فقد أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اتخذ قرارًا بانسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد في يوليو/ تموز 2018 من الصفقة النووية الموقعة في يوليو/ تموز 2015 بشأن إيران، مرونة بشأن القضية الإيرانية، إذ أشاد "بالوحدة الكبرى" لقمة السبع، خاصةً لرغبته في أن لا تمتلك طهران سلاحًا نوويًا.

وبينما تواصل واشنطن سياسة الضغط الأقصى على طهران حتى الآن، ما أدى إلى تحررها تدريجيًا من القيود المفروضة على برنامجها النووي بموجب الاتفاقية، ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك في نهاية "قمة السبع" خلال مؤتمر صحفي مشترك مع إيمانويل ماكرون بعد ظهر الاثنين الماضي، إذ أوضح أنه "من المعقول التفكير في مقابلة الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال الأسابيع المقبلة"، كما ذكر الرئيس الفرنسي.

وقالت عضو البرلمان عن "الحركة الديمقراطية" مارييل دو سارنيز:" نحن في تحول نموذجي جزئي مهم يجب الإشادة به، وذلك بفضل الجهود الفرنسية، وبينت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية أنه:"إ ذا تم ذلك شريطة أن يحدث كل هذا في الوقت المناسب، فسيكون إيمانويل ماكرون استطاع تحريك الأمور".

"تصاعد التوتر"

ولفتت المجلة إلى أن التوترات المتزايدة بين إيران والولايات المتحدة في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، أثارت مخاوفَ من تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، وقد تجلى ذلك في الهجمات الغامضة التي استهدفت السفن في الخليج الفارسي، وإسقاط طائرات بدون طيار واحتجاز ناقلات نفط.

وشدد التقرير على أن المصالح الجيوسياسية والإستراتيجية دفعت إيمانويل ماكرون إلى التدخل بسرعة مع نظرائه من القادة الأوروبيين، وبحسب الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية المتخصص في الشأن الإيراني، تيري كوفيل، فإن الرئيس الفرنسي "خلص إلى أن الوضع أصبح خطيرًا للغاية منذ وقوع حوادث الخليج الفارسي، وقرر الاستجابة، لأنه كان هناك حريق، فإذا عادت إيران إلى صنع قنبلة ذرية سيكون الوضع كارثياً".

ومن وجهة نظر مارييل دو سارنيز، فإن العامل الرئيسي وراء تدخل رئيس الجمهورية الفرنسية هو أيضًا مسألة "استقرار العالم، فاستقرار هذه المنطقة ضروري للغاية لتوازن العالم".

وذكرت "لكسبريس"، أن وزير الخارجية جان إيف لو دريان كان قد أوضح موقف باريس من القضية الإيرانية في 9 أغسطس/ آب، عندما قال:" فرنسا ملتزمة بقوة بالسلام والأمن في المنطقة وتلتزم بوقف تصعيد التوترات".

قبل أن يتابع :" إن تفاقم التوترات يتطلب مبادرات سياسية لإيجاد الظروف المناسبة للحوار، ويجب بذل كل جهد ممكن لمنع تحول هذا النزاع إلى مواجهة خطيرة".

حلفاء دون انحياز

إن أكبر المخاوف، بحسب المجلة الفرنسية، كانت خطر اندلاع حريق لأن القوى الإقليمية الأخرى، مثل المملكة العربية السعودية، تعد أحد خصوم إيران، كذلك الخوف قبل كل شيء من أن تتبنى طهران السلاح النووي، وهذا يكفي لدفع القوى الأوروبية للحفاظ على اتفاق فيينا.

ويحاول ماكرون، على مدار عدة أشهر، اقتراح حل يرضي كلا الطرفين، كما أنه يتفاوض على اتفاق يسمح لطهران بتصدير بعض من نفطها مقابل العودة إلى التزاماتها بشأن الأسلحة النووية العسكرية، وقد أكد جان إيف لو دريان في 9 أغسطس/ آب، إن:" فرنسا متمسكة باتفاقية فيينا التي تمنع الانتشار النووي وتحترم توقيعها، شأنها في ذلك شأن الدول الأخرى التي وقعت أيضًا، باستثناء الولايات المتحدة، وتطلب بشدة من إيران العودة إلى التزاماتها".

وقالت مارييل دو سارنيز:" كان اتفاق فيينا بمثابة اتفاق مفيد للجميع، وعندما توافق دولة ما وتنسحب منه فهذا أمر مزعج، وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، نحتاج إلى الاستدامة.

وذكرت نائبة "الحركة الديمقراطية" بأن فرنسا:" متحالفة مع الأمريكيين، لكن لسنا منحازين لجميع مواقفهم". 

ورأت المجلة أنه من خلال سعيه كوسيط بين باريس وطهران، يعيد ماكرون جزءًا من تقليد الدبلوماسية الفرنسية، في العهد الديجولي (نسبة إلى الرئيس الأسبق شارل دي جول)، وأوضح تيري كوفيل "لقد تم إحياء تقليد شارل ديجول- فرنسوا ميتران، وكان ذلك هو السبيل الوحيد للحد من الأزمة، لأنه إذا أرادت دولة العمل مع إيران، يجب أن تكون مستقلة وإلا يبدو للإيرانيين أنك تابع للأمريكيين".

ومن وجهة نظر السفير الفرنسي السابق في إيران (2001 - 2005)، فرانسوا نيكولود، "هذه الحادثة تذكرنا بعض الشيء بعصر الرئيس جاك شيراك ووزير الخارجية دومينيك دوفيلبان [خلال وقت الحرب في العراق عام 2003] عندما  وقفت فرنسا قليلًا في وجه الأمريكيين"، وبالنسبة لمارييل دو سارنيز، فقد أعرب إيمانويل ماكرون عن أن :" فرنسا المستقلة، دولة عدم الانحياز".

زيارة إلى إيران

وأشارت المجلة إلى أن النائبة عن باريس ترأست وفداً من لجنة الشؤون الخارجية إلى إيران في الفترة من 13 إلى 16 يونيو/ حزيران، وفي وقت سابق، قامت مجموعة الصداقة الفرنسية الإيرانية في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ بزيارة إيران في الفترة من 20 إلى 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وهما زيارتان لم يحدثا منذ فترة طويلة.

وقالت مارييل دو سارنيز:" المسألة تتطلب دبلوماسية برلمانية، وأحيانًا تكون أكثر حرية من دبلوماسية المديرين التنفيذيين"، أما عضوة البرلمان الأوروبي آن جينيت ورئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية الإيرانية فتؤكد أن:" الدبلوماسية البرلمانية تمكننا من إجراء اتصالات من برلماني إلى برلماني، من ممثلي الشعب إلى ممثلي الشعب، لفهم بعضنا البعض ومعرفة بعضنا البعض، وهذا لا يعني أننا نؤيد ونوافق على كل ما يفعله الآخر".

وأضافت جينيت لـ"لكسبريس" أن:" الاجتماع الدبلوماسي في بياريتز هو جزء من التبادلات المستمرة بين فرنسا وإيران"، حيث أرسل ماكرون في أوائل يوليو/ تموز، مستشاره الدبلوماسي، إيمانويل بون، إلى إيران.

وبحسب تيري كوفيل:" من خلال مشاركته، قام إيمانويل ماكرون بتغيير ديناميات العلاقات مع إيران التي لم تكن جيدة في السابق، إن التغيير في الديناميات واضح للغاية ويستحق الثناء، إنه أكثر فعالية من ذي قبل". 

واعتبر المحلل المستقل في السياسة الدولية، فرانسوا نيكولود، أنه:" تم تعبئة الدبلوماسية الفرنسية باستمرار حول القضية الإيرانية، فنحن في الحقيقة مستمرون، كانت إيران دائمًا على رأس قائمة القضايا الدبلوماسية التي تهم فرنسا منذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين".

ونوهت المجلة إلى أنه في حين أن دونالد ترامب نفذ تدابير الحظر ضد إيران، ما كان له عواقب اقتصادية على الشركات الفرنسية في إيران والصادرات التي وصلت لأكثر من مليار ونصف يورو في عام 2017، يرى تيري كوفيل أن هناك تأثيرات إيجابية محتملة بعد تغيير النغمة التي تم تبنيها من قبل ترامب خلال قمة مجموعة السبع.

وشدد الباحث في معهد العلاقة الدولية والإستراتيجية على أن:" فرنسا اكتسبت بعض المصداقية، وخاصة بين المعتدلين في معسكر الرئيس حسن روحاني، وبالتالي فإن هذه الجهود ستكون مفيدة لفرنسا وأوروبا في المستقبل لتمكينهم من الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية". 

بينما خلصت آن جينيت إلى أنه:" من الضروري بذل كل جهد ممكن لمساعدة شركاتنا الفرنسية على العودة إلى السوق الإيرانية".