المنطقة الآمنة بسوريا.. هل تقرب تركيا من روسيا وتبعدها عن الغرب؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت سابق من الأسبوع الجاري، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي، بأن هجمات النظام السوري على إدلب "تشكل تهديدا حقيقيا" على الأمن القومي التركي، محذرا من "أزمة إنسانية كبيرة" جراء ذلك، ومحذرا من تسبب تلك الهجمات بالإضرار بالجهود الرامية إلى إيجاد حلول في سوريا .

بعدها بأيام قلائل أجرى الرئيس التركي زيارة رسمية إلى العاصمة الروسية موسكو، لبحث آخر التطورات على الساحة السورية مع نظيره الروسي.

الزيارة جاءت بعد هجمات عسكرية شنتها قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد، بدعم من الطيران الروسي والمجموعات التابعة لإيران، ضد فصائل المعارضة في محافظة إدلب، الأسبوع الماضي.

هجمات النظام وروسيا جاءت بغية السيطرة على مدينة خان شيخون الواقعة بريف إدلب الجنوبي، ما تسبب بنزوح سكان المدينة البالغ عددهم نحو 112 ألف مدني، حسب وكالة الأناضول.

خان شيخون

خلال الهجوم على خان شيخون، تعرض رتل تابع للجيش التركي للقصف الجوي  بعد أن عبر الحدود السورية، متجها نحو إدلب، بهدف إنشاء نقاط مراقبة في المنطقة التي تم الاتفاق عليها مسبقا مع الجانب الروسي، كمناطق منزوعة السلاح، ما تسبب بإعاقة تقدمه.

في هذا الصدد، نقل موقع المونيتور الأمريكي عن مصادر تركية لم يسمها، أن أنقرة رفضت طلبا روسيا بانسحاب القوات التركية وقوات المعارضة السورية من جنوب محافظة إدلب، ونقلها إلى منطقة درع الفرات في الشمال. 

وحسب فرانس 24، فإنه بسبب التصعيد المستمر منذ نهاية أبريل/نيسان، باتت مناطق عدة في شمال حماة وفي جنوب إدلب شبه خالية من سكانها، بعد موجات نزوح ضخمة نحو الحدود التركية شمالا. 

الأمم المتحدة أحصت فرار أكثر من 400 ألف شخص، فيما قتل 900 مدني جراء القصف حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

هجمات إدلب

كان على رأس الأجندة للرئيسين التركي والروسي، مناقشة ما يتعلق بالتطورات الأخيرة في إدلب، حيث صرح الرئيس الروسي، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع أن موسكو قلقة من الهجمات التي تشنها ما سماها بالمجموعات الإرهابية في إدلب، وأنه اتفق مع الرئيس التركي أردوغان على إجراءات لإزالة تلك العناصر في منطقة إدلب.

من جانبه قال الرئيس التركي إن استهداف المدنيين في إدلب يشكل تهديدا لاتفاق "سوتشي" الذي قضى بإنشاء منطقة آمنة منزوعة السلاح للمدنيين، وصرح الجانبان التركي والروسي أنهما اتفقا على تسيير دوريات مشتركة في محافظة إدلب.

وكان الرئيسان التركي والروسي، قد توصلا في سبتمبر/أيلول 2018 بمنتجع "سوتشي" الروسي إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، لتجنب الحرب في تلك المحافظة التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، على أن تقوم وحدات من الشرطة الروسية والتركية بمراقبة المنطقة منزوعة السلاح. 

موسكو مستمرة بدعم حليفها المتمثل بقوات الأسد للقضاء على ما تعتبره مجموعات إرهابية، لإعادة البلاد لقبضة الأسد، بينما ترى تركيا أن وجود قوات بشار في حدودها الجنوبية تهديد أمني واقتصادي، ويمكن أن يدفع بمزيد من اللاجئين إلى أراضيها.

التهديد الكردي

كان ضمن الأجندة التي تناولها الجانبان التهديدات التي تشكلها الوحدات الكردية في الحدود السورية التركية، ممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي، التي تعده الحكومة التركية فرعا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف ضمن قائمة الإرهاب لدى الولايات المتحدة، حيث صرح الرئيس التركي أن بلاده عازمة على طرد واجتثاث ما سمّاها بالبؤر الإرهابية في سوريا والتي تهدد الأمن القومي التركي.

أردوغان قال: "حزب الاتحاد الديمقراطي يشكل تهديدا للمنطقة بنفس القدر الذي يشكله تنظيم الدولة، تركيا لن تسمح بتشكيل كيان شمالي سوريا يهدد أمنها القومي ووحدة الأراضي السورية". 

التعاون العسكري 

كان ملف الدفاع والتعاون العسكري على رأس الأجندة التركية الروسية، حيث أكد بوتين قبل الاجتماع المغلق، الذي عقد في مطار موسكو، أن إتمام نقل منظومة "إس 400" إلى تركيا، والتعاون في مجال التقنيات العسكرية، ستكون ضمن الأجندات التي سيبحثها مع نظيره التركي.

كانت الدفعة الثانية من منظومة الدفاع الصاروخي "إس 400" قد وصلت إلى أنقره بالتزامن مع الزيارة التي أجراها الرئيس التركي لموسكو.

وقال مدير مركز دراسات تركيا الحديثة في روسيا آمور جادييف في تصريح لروسيا اليوم: "السبب الثاني لزيارة أردوغان إلى روسيا أن تركيا تريد أن تناقش موضوع شراء مقاتلات سوخوسي ـ 35 بعد إعلان واشنطن إيقاف العقد الخاص بتزويد أنقره بمقاتلات إف ـ 35 الأمريكية وتدريب الطيارين".

وفي وقت سابق، عرضت روسيا  بيع مقاتلات سوخوي - 35 على تركيا بعد أن ألغت الولايات المتحدة صفقة بيع لمقاتلات إف - 35 بسبب شراء أنقرة نظام صواريخ موسكو أس-400، في سبيل منها للضغط على أنقرة بإلغاء صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية، وشراء منظومة الدفاع الصاروخية "باتريوت". 

مغازلة أنقرة

وفي مشهد أظهر المزيد من الود في العلاقة بين البلدين دعا بوتين نظيره أردوغان على "آيس كريم". ويعتبر شراء الـ"آيس كريم" تقليدا في روسيا عند زيارة رئيس دولة ما برفقة بوتين إلى معرض الطيران الدولي (ماكس 2019)، وفقا لوكالة سبوتنيك الروسية.

ظهر الرئيس الروسي هو وأردوغان وهما يقفان أمام بائعة "آيس كريم" وقام بدفع مبلغ 5 آلاف روبيل (الدولار = 66 روبيل تقريبا) أخرجها من جيبه، وقال للبائعة: "أعيدي الباقي للوزير"، في إشارة إلى وزير التجارة الروسي، وفقا لما نقلته الوكالة الروسية.

 

وظهر الرئيس التركي مبتسما وهو يأخذ "آيس كريم" من يد بوتين قبل أن يقوم بأكلها، وسط حراسته الشخصية، وبينما كان بوتين يتحدث مع الوزير والبائعة.

تضمنت الزيارة التي استغرقت يوما واحدا، مشاركة الرئيس التركي في مراسم افتتاح معرض الطيران والفضاء الدولي (ماكس - 2019) الذي يعتبر أحد أبرز الفعاليات بالعالم في مجال الطيران. 

في كلمته عبر أردوغان عن شكره للدعوة التي تلقاها من بوتين في افتتاح المعرض، الذي يعد الأقوى من بين المعارض في العالم في مجال الطيران والفضاء.

وأشار أردوغان في كلمته إلى تنظيم تركيا للدورة ال14 من المعرض الدولي للصناعات الدفاعية، ومهرجان الطيران والفضاء والتكنولوجيا (تكنوفست) الذي يستهدف فئة الشباب.

وأثناء مراسم افتتاح المعرض، قدم مدير وكالة الفضاء الروسية مقترحا لأردوغان بإرسال تركيا رائدا لها إلى الفضاء، بالتزامن مع الذكرى الـ100 لتأسيس الجمهورية التركية.

وقبيل افتتاح مراسيم معرض الطيران، حضر الرئيسان عرضا للطائرات الحربية والمقاتلات الروسية، في العاصمة موسكو، وأشار أردوغان إلى رغبة بلاده بتطوير سبل التعاون الاستراتيجي والعسكري مع روسيا في صناعة الدفاع، بما في ذلك المقاتلات الحربية.

بحسب مراقبين، فإن تلك الأنشطة تأتي في سبيل الجهود التي تبذلها موسكو لاستمالة أنقرة، من أجل شراء مزيد من الأسلحة والمقاتلات الروسية، وتخفيض تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة.

تركيا والغرب

بحسب محللين سياسيين، فإنه برغم التعاون العسكري بين موسكو وأنقره، فإن العلاقات التركية الروسية في هذا المجال لا ترقى إلى مستوى روابط تركيا التاريخية مع الغرب.

غير أن العلاقات مع الغرب بدأت بالتراجع والانحسار، فأنقرة صارت تعتقد أن الولايات المتحدة ليست منفتحة بشكل جيد لمصالحها، بل تظن أن سياسية الولايات المتحدة حيال شرقي المتوسط تقوض بشكل مباشرة دور أنقرة الإقليمي. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض عقوبات أمريكية على أنقرة، قد يؤدي إلى جعل تركيا تعتمد أكثر على روسيا، لتتحول صفقة الأسلحة إلى خيار جيوسياسي أكثر منه خيارا اقتصاديا، وهو الأمر الذي تطمح له روسيا في كسب تركيا وإبعادها عن الغرب، بالإضافة إلى تقويض حلف شمال الأطلسي، ودفع أنقرة للانسحاب من حلف الناتو، والانضمام إلى المعسكر الروسي. 

في المقابل رأى مراقبون أن الإستراتيجية التركية تلعب على التوازنات بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، بغية الاستفادة من تناقضات المصالح بين واشنطن وموسكو، وبالتالي فإنه ليس من الوارد أن تضحي أنقرة بعلاقتها مع الغرب، حتى وأن غدت شريكا استراتيجيا وعسكريا لموسكو.