هكذا قرأت صحيفة تركية لقاء بوتين وأردوغان في موسكو

قسم الترجمة - الاستقلال | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تطورات ميدانية متسارعة على الأرض، تفيد بأن هناك علاقة بين لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، وبين استقالات جنرالات من الجيش التركي، وإنشاء منطقة آمنة في سوريا.

وقال الكاتب التركي "ندرت أرسانال" في مقال له على صحيفة "يني شفق" التركية، إن الأهداف القومية التركية ماضية، وتحقيق الاستتباب في الأمن القومي مستمر بوجود الروس أو بعدمه وبوجود جنرالات أو في ظل استقالاتهم. 

تسوية المصالحة

بدأ الكاتب مقاله بالتساؤل ما إذا كنا قادرين على فهم طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا؛ موضحًا أن فهم هذه العلاقة في كثير من الأحيان قد لا يكون ممكنًا، ولذلك فمن الضروري النظر إلى الأمر بشكل أوسع وتحليله من أجل فهم طبيعة هذه العلاقة، غير أن عملية حصر جميع القطع اللازمة لذلك قد يبدو صعبًا هذه المرة.

تحاول تركيا من جهة إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، تحاول تهدئة وحشية النظام السوري، وروسيا عبر لقاءات سوتشي-أستنة في غرب الفرات وتحديدا في إدلب وما جاورها".

قد تكون المهمة صعبة للغاية، لا سيما وأن العلاقات التركية الروسية ليست على ما يرام، وذلك بسبب التدخل الأمريكي دومًا في هذه العلاقة.

والأمر منعكس كذلك على موقف روسيا، من التقارب الأمريكي التركي، إذ أن الكرملين وبينما يراقب ذلك، تعرف القيادة التركية أن أي مفاوضات لن تكون سهلة بين الطرفين سيما بعد التقدم الكبير الذي تحققه القوات الروسية والسورية وآخره كان السيطرة على مدينة "خان شيخون" الإستراتيجية. 

وتطرق كاتب المقال إلى لقاء بوتين وأردوغان في موسكو، الذي تم في 27 أغسطس/آب، ويعرف الجميع أن هذا اللقاء حساس للغاية، ولا يمكن أن ننظر إليه على أنه مثل غيره من اللقاءات التي جمعت، ولا تزال، الطرفين التركي الروسي فيما يتعلق بالمسألة الروسية. ووصف اللقاء بأنه "لقاء لتسوية المصالحة". 

وفي ختام قمة جمعت بينهما، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه تفاهم مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على إجراءات لإزالة ما وصفها ببؤر العناصر الإرهابية في منطقة إدلب شمال سوريا. وفي المقابل قال أردوغان إن محاربة الإرهاب يجب أن لا تكون ذريعة لقتل المدنيين، وأضاف أن استهداف النظام السوري للمدنيين في إدلب يشكل تهديدا لاتفاق سوتشي.

وأتت هذه القمة العاجلة قبيل نحو ثلاثة أسابيع من قمة أخرى في تركيا ستنعقد في 16 سبتمبر/أيلول، ورأى الكاتب أنه من المؤكد أن نتائج قمم "سوتشي وأستانة" تحرص أن لا تنهي العلاقة بين الطرفين وأنها تأتي في سياق "جروح ومداواة" لا سيما وأن العلاقات بين تركيا وروسيا قوية لدرجة أنها لن تنتهي. وبالتالي فإن الدول الثلاثة يمكنها أن تتصالح وتنشئ علاقة شرقي الفرات. 

زيارة في وقت حساس

وأوضح مقال "يني شفق" أنه وبينما يزيد التوتر فيما يتعلق بالمسألة السورية، وخاصة مسألة إدلب التي تحترق بفعل الصواريخ والنيران، أدلت مؤسسات رفيعة المستوى بتصريحات قبيل مغادرة الرئيس أردوغان إلى موسكو، على الرغم من أن هذه التصريحات ليست لها علاقة بزيارة أردوغان لروسيا.

وصدر أحد التصريحين عن الكرملين، الذي أعلن أن الرئيس أردوغان والرئيس بوتين سيناقشان التعاون العسكري التقني والقضايا الإقليمية كجزء من معرض MAKS-2019. وبالطبع خلال هذا المعرض سيشاهد الرئيس طائرات روسيا Su-35، التي تعد خيارًا قويًا لتركيا بعيد التوتر التركي الأمريكي الأخير في حال تم إخراج أنقرة تمامًا من مشروع الطائرة أف 35.

أما التصريح الثاني فصدر عن وزارة الدفاع الأمريكية، التي قالت إن "تركيا هي شريك إستراتيجي مهم بالنسبة لواشنطن"، وجاء ذلك في سياق الحديث عن مسألة إعادة أنقرة إلى برنامج تصنيع الطائرات الشبحية النفاثة أف 35.

وقال الكاتب، إن الجميع يعرف وبشكل واضح أن قضية الصواريخ الروسية أس 400 والطائرات الأمريكية أف 35 كانت ستشكل مشكلة، وبالتالي الحديث عن هذه المسألة في كل شأن يتعلق بتركيا أمر طبيعي.

الغريب أن كلا التصريحين خرجا في وقت واحد بل في ساعة واحدة، وعلى الرغم من كمية التلاعب بالألفاظ الكبيرة فإن الواقع لن يتغير منه شيئ، وهما بالدرجة الأولى موجهان للتأثير على مجريات لقاء أردوغان ببوتين، وهو اللقاء الذي على الرغم من أنه كان مفاجئًا لكنه ليس صدفة. 

هذه الزيارة أتت في الوقت الذي تنقل فيه الدفعة الثانية من الصواريخ الروسية إلى تركيا، فبعد أن جاءت الدفعة الأولى في 15 من يونيو/ تموز بدأت الدفعة الثانية في 27 أغسطس/آب، بحسب تصريحات لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار.

وهذا يعني أنه وبينما تطير طائرة الرئيس أردوغان إلى روسيا، تهبط الطائرات الروسية إلى أنقرة محملة بالصواريخ. 

ومضى الكاتب في مقاله قائلا: ليست هناك حاجة لمثل هذه الرسائل المقروءة، فمنذ اللحظة التي انتهى فيها اجتماع أردوغان وبوتين تمركزت القوات الروسية بجانب بعض نقاط المراقبة في إدلب، بل إنها رفعت أعلامها إيذانا بذلك. إذ تعد استفزازات، لا يرغب الروس فيما يبدو التوقف عنها، سيما وأنها تأتي من طرف القوات التي قالت روسيا إنها تحت السيطرة. 

والغريب أن هاتين القوتين "أمريكيا وروسيا" لا تشاركان البتة الحدود التركية السورية لا من قريب ولا من بعيد، لكنها ومنذ بدأت الأزمة وهي تشارك تركيا في كل خطوة، تتعلق بالمسألة السورية، وأحيانًا تتلاعب بها.

المعارضة التركية

لفت الكاتب إلى لاعب قد يكون ذا تأثير في المسألة السورية وهو "المعارضة التركية"، التي تحاول الحصول على مكاسب من اللعبة؛ إذ صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري وغيره من قيادات المعارضة بضرورة التقارب من النظام السوري، بل وعدم الخوض في نقاشات المنطقة الآمنة، والتخلي تمامًا عن هذه النقطة. ودعت للالتقاء بكل مكونات الطيف السوري عدا وحدات الشعب الكردية "قوات سورية الديموقراطية" التابع بشكل أو بآخر لمنظمة حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا في تركيا.

الكاتب رأى أن أنقرة فقدت الأمل من مواقف وطنية حقيقية للمعارضة يمكن أن تتخذها تجاه المسائل ذات البعد القومي، لكنها ترى أن هذه المواقف الواضحة بأكثر مما ينبغي رآها المواطنون الأتراك سيما من يدلون بأصواتهم لصالح تلك المعارضة. 

وشدد الكاتب أنه وبينما يعمل الإرهابيون على تمزيق الحدود التركية عبر مخطط لإنشاء حزام إرهابي خاص بهم، وبينما أنقرة تحارب أيضا على الجبهة الاقتصادية، إذ تتصدى للتقلبات الاقتصادية، وبينما تخرج سيناريوهات محبطة مكتوبة ضد تركيا، فإن صد ذلك كله ومحاربته أمر واجب في كل ميدان وتحت أي ظرف.

وكان الرئيس أردوغان قد وجّه مرارًا مثل هذه الكلمات للمعارضة، ودعاهم للعمل المشترك، دون جدوى، وعليه يجب أن يرى المواطنون حياة هذه المعارضة اليومية وهي توجّه رسائل النقد اللاذعة للحكومة وللرئيس أردوغان وهي تعمل في مسائل الأمن القومي والسياسية الخارجية. قبل أن يتساءل: أي بلد يمكنه الحفاظ على تدفق الحياة في ظل هذه الظروف؟

الجنرالات

وعند الوصول لملف المعارضة وموقفها من الحكومة، تطرق الكاتب إلى ملف الجنرالات الذين تقدموا بطلبات استقالة من مهامهم الوظيفية، التي جاءت عشية العمليات، بينما يشحذ الجنود الأتراك أسلحتهم ويستعدون للدخول في عمق الأراضي السورية. 

الكاتب وصف ردود الفعل حول مجلس الشورى العسكري وقراراته المتعلقة بالترقيات والتقاعد بأنها عاصفة، رغم أنه لو استقال من استقال فإن عمل القوات المسلحة التركية وجيشها لا يمكن أن يتأثر أو يهتز.

ولكن هناك زاوية أخرى للموضوع يراها الكاتب وهي أن السبب الحقيقي للاستقالة لا يمكن أن يكون الترقيات، بل أسباب أخرى، قد تنكشف في لاحق الأيام.