إسرائيل تسرح بسمائه.. لهذا يقف العراق عاجزا أمام هجماتها

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

باتت الطائرات الإسرائيلية تسرح في سماء العراق بشكل غير مسبوق، منفذّة هجمات على مواقع عسكرية تابعة للحشد الشعبي، وسط تصريحات خجولة من السلطات العراقية، والقوى السياسية، التي شكك بعضها بوقوف إسرائيل وراءها، رغم حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ذلك بنفسه.

الهجمات الإسرائيلية، أثارت الكثير من التساؤلات حول أسباب ضعف الموقفين الرسمي والسياسي في العراق، وحتى البعض تساءل عن غياب صوت المرجعية الشيعية عن الموضوع، في ظل استمرار استباحة البلد الذي قصف تل أبيب بالصواريخ عام 1991، وشارك قبل ذلك الجيوش العربية في حروبها ضد الاحتلال الإسرائيلي.

اجتماعات بلا قرارات

ردود الفعل الرسمية ممثلة بالحكومة العراقية، كان أقصاها توجيه لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، يقضي بفرض حظر على الطلعات الجوية غير المخولة بضمنها طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إلا أن ذلك لم يوقف الهجمات، فبعد القرار قصفت الطائرات الإسرائيلية مقرات الحشد الشعبي مرتين.

المرة الأخيرة التي قصفت إسرائيل فيها قوات الحشد الشعبي كانت الأحد الماضي، نفذتها بطائرتين مسيرتين، ما أسفر عن مقتل أربعة من عناصره، بينهم القيادي في كتائب "حزب الله"، أبو علي الدبي، وفقا لبيان أصدره "الحشد".

وعلى خلفية هذه التطورات، أعلنت الرئاسات الثلاث (الحكومة، البرلمان، رئاسة الجمهورية) وقادة الحشد الشعبي، الاثنين، خلال اجتماع مشترك قرب اتخاذ إجراءات فاعلة للدفاع عن سيادة العراق وردع المعتدين، فيما لم يفصحوا عن موعد ونوع إجراءاتها، فقد شددوا على أهمية عدم الانشغال بكل ما من شأنه صرف الانتباه عن المعركة مع "فلول تنظيم الدولة".

واقتصر بيان الرئاسة العراقية، على الإشادة بدور الحشد الشعبي في القتال ضد تنظيم الدولة، إذ شدد المجتمعون على "أهمية الدور البطولي الذي قدمته مختلف قوات الحشد الشعبي، إلى جنب باقي تشكيلات القوات المسلحة، في معارك التحرير ودحر تنظيم الدولة والإرهاب".

ووصفوا الهجمات التي تعرض لها "الحشد" مؤخرا بأنها محاولات لجرِّه ومنظومة الدفاع الوطني إلى الانشغال عن الدور المهم المتواصل من أجل القضاء على فلول تنظيم الدولة والتخلص نهائيا من الإرهاب ومخاطره ضد العراق وبلدان المنطقة والعالم، وأن "هذه الاعتداءات هي عمل عدائي سافر يستهدف العراق القوي المقتدر".

واكتفى البيان بالقول إن "العراق سيتخذ، من خلال الحكومة وعبر جميع القنوات الفاعلة والمنظمات الدولية والإقليمية كافة الإجراءات التي من شأنها ردع المعتدين والدفاع عن العراق وأمنه وسيادته على أراضيه".

وشددوا على "أهمية التركيز على الهدف الأساسي المتمثل بمحاربة الإرهاب وتطهير الأرض العراقية من فلوله وعدم الانشغال بكل ما من شأنه صرف الانتباه عن هذه المعركة مع التأكيد على أن سيادة العراق وسلامة أبنائه خط أحمر، وأن الدولة تتكفل بحمايتهم والدفاع عنهم أمام أي استهداف وبما يتطلب وحدة العراقيين جميعا ووحدة الموقف الوطني الداعم لقواته البطلة".

وعقب بيان الاجتماع لأعلى ثلاث سلطات في العراق بحضور قادة لعدد من المليشيات، علق المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي في تغريدة له على موقع "تويتر" قائلا: "اجتماعات بلا قرارات ملزمة؛ تشبه جلسة حبايب للثرثرة وقراءة الفنجان".

في هذه الأثناء، أصدرت الخارجية العراقية بيانا قالت فيه إنها "ستلجأ إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الشقيقة والصديقة لوقف أي تجاوزات على العراق وسيادته"، ما يمثل اعترافا رسميا بأن التفجيرات التي طالت المعسكرات، كانت من خلال هجمات خارجية استهدفت العراق.

وقال المتحدث باسم الخارجية، أحمد الصحاف، في بيان الاثنين، إن "وزارة الخارجية ستتخذ الإجراءات الدبلوماسية والقانونية اللازمة كافة من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومن خلال التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة للتصدي لأي عملٍ يخرق سيادة العراق وسلامة أراضيه".

تشكيك واضطراب

أما على صعيد الكتل السياسية والمليشيات الشيعية التي تدير دفة الحكم في البلد، فقد كانت تصريحاتهم مضطربة، وتوعد البعض منهم بالرد بقوة لو ثبت ضلوع إسرائيل في الهجمات التي تعرض لها العراق بطائرات مجهولة مؤخرا، رغم الاعتراف الرسمي العراقي والتلميحات الرسمية الإسرائيلية.

وأكثر ما أثار سخرية العراقيين على مواقع التواصل، هو موقف رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي قال في بيان له: "إن استمرت إسرائيل باستهداف العراق، فسيكون العراق ساحة صراع تشترك فيه أكثر من دولة ومنها إيران"، متوعدا بأن "العراق سيرد بالقوة في حال ثبت ضلوع إسرائيل بعمليات القصف".

وأضاف، أن "أمن المنطقة الإقليمية التي يشكل العراق محورا أساسيا فيها هو أمن مشترك وحمايته مسؤولية دوله كافة، وإن ثبت استهداف إسرائيل لسيادة العراق فإنها تعرض أمن المنطقة إلى خطر وستخلط الأوراق".

وليس أكثر من ذلك، كان موقف مقتدى الصدر زعيم أكبر تيار شيعي على الساحة، الذي دعا هو الآخر إلى التحقق من أن الهجمات التي استهدفت مقرات الحشد الشعبي مصدرها إسرائيل، مطالبا الفصائل الشيعية بعدم التصعيد في الخطاب حتى لا يصبح العراق عرضة للاستهزاء.

وقال الصدر في بيان نشره عبر حسابه على موقع "فيسبوك": إنني لا أبرئ "العدو الصهيوني" من أفعاله الإرهابية في العراق، بيد أنني على يقين من أنه لا يقدم على هذه الخطوة أو الخطوات فهو يعلم الرد سيكون مزلزلا لأمنه ونفوذه، فالصهاينة يعلمون أن نهايتهم من "العراق" ومعه، فلن يزجوا بأنفسهم في هذه اللعبة التي هي أكبر منهم".

ودعا الصدر إلى اجتماع عراقي بحت من غير تدخل من إيران وسوريا للوقوف على آخر المستجدات، فيما يتعلق بتورط إسرائيل في قصف مقرات الحشد الشعبي، مشددا على أنه "يجب على الحكومة العراقية الإسراع بالتحقق من الأمر ولو بإشراف دولي، فإن ثبت جرمهم وإرهابهم، فعلى الجميع التحلي بالصبر وعدم التفرد بالقرار، فإن العراق ما عاد يحتمل مثل هذه التصرفات الرعناء".

وطالب زعيم التيار الصدري الفصائل العراقية المسلحة للانسحاب من سوريا من أجل حماية الحدود العراقية. وقال: "العراق أحق بدماء شعبه مع ما يتعرض له من خطر كما أنني أؤكد على الرجوع إلى مراجعنا الكرام في كل ذلك فإن فتواهم الموحدة هي الملهم الأول لنا ولكل محب للوطن".

أما تحالف الفتح (الممثل السياسي للحشد الشعبي بالبرلمان) بزعامة هادي العامري، فقد وصف القصف الذي تعرض له الحشد الشعبي في مدينة القائم، بأنه "إعلان حرب على العراق وانعطافة خطيرة في مجرى استهدافات الكيان الصهيوني للحشد"، مؤكدا على "الاحتفاظ بحق الرد".

وقال البيان: "ندين بشدة الاعتداءات الصهيونية المتكررة التي استهدفت مخازن أسلحة الحشد ومعسكراته حتى وصلت الى استهداف قيادته كما أن ما حدث اليوم من استهداف لأحد قيادات الحشد في مدينة القائم يمثل انعطافة خطيرة في مجرى استهدافات الكيان الصهيوني للحشد الشعبي وكيانه وقياداته".

وحمّل "الفتح" التحالف الدولي خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الكاملة إزاء هذا العدوان الذي نعتبره إعلان حرب على العراق وشعبه وسيادته الوطنية، مطالبا "الحكومة والبرلمان حماية الشعب العراقي وأجهزته الأمنية وجيشه وحشده، وأن تنفتح على جميع الخيارات الإستراتيجية التي من شأنها حماية الأجهزة والمعدات والأسلحة التي تحفظ سيادة العراق وأمنه الوطني وكرامته واستقلاله".

ودعا التحالف الذي يمثل الواجهة السياسية للحشد الشعبي، إلى إنهاء وجود القوات الأمريكية بالعراق، قائلا: "إننا نعتقد بعدم ضرورة للوجود الأمريكي الذي يدعي توفير حماية الأجواء بينما يشكل وجودهم غطاءً لجميع هذه الاستهدافات الصهيونية".

لماذا لا يرد؟

خمس هجمات شنتها إسرائيل على الأراضي العراقية مؤخرا، لم تكن كفيلة بالتعامل بالمثل والرد عليها، بل الأكثر من ذلك فإن الحكومة العراقية كانت على علم مسبق بها، حسبما كشف مسؤول عراقي سابق.

وقال نائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي في مقابلة تلفزيونية، إن "الحكومة بُلغت بأن مواقع الحشد الشعبي ستتعرض لقصف إسرائيلي، وذلك قبل ثلاثة أشهر عندما زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بغداد والتقى برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، أبلغ شخصية عراقية في عليا بالأمر".

ونقل الأعرجي عن بومبيو قوله للمسؤول العراقي، إن "تحركات ومواقف فصائل عراقية موالية لإيران وسلاحها سيتوجه إلى إسرائيل، فإذا لم تتخذوا موقفا، فسيكون خلال المدة القليلة ضربات جوية إسرائيلية لبعض مواقع الحشد الشعبي، ولن يكون لنا موقف من هذا الأمر".  

وقبل ذلك، كان الأعرجي أول من أعلن أن الهجوم الذي استهدف "معسكر صقر" في منتصف أغسطس/ آب الجاري، إسرائيلي، فقد قال عبر موقع "تويتر" إنه "من خلال طبيعة النيران لحريق مخازن العتاد في معسكر الصقر، يظهر أن طبيعة الأسلحة التي اُحرقت غير عادية ولا تستعملها القوات العراقية ولا حتى الحشد الشعبي، ولذا نعتقد أنها عبارة عن أمانة لدينا من دولة جارة وقد استهدفت هذه الأمانة من دولة استعمارية ظالمة بناءً على وشاية عراقية خائنة".

وبخصوص أسباب عدم قدرة العراق على رد الهجمات الإسرائيلية، قال المحلل السياسي العراقي سعدون التكريتي لـ"الاستقلال" العراق فاقد الإرادة، وبالتالي هو اليوم في ساحة الصراع، طرف يجره لجهة ايران، وطرف يجره إلى أمريكا وإسرائيل، كيف يرد العراق؟".

وأضاف التكريتي: ""لا أعتقد أن الموضوع قابل للتفكير حتى، إلا إذا دخلنا مرحلة حرب حقيقية بين إيران وإسرائيل ونستبعد ذلك، وأن العراق سيبقى ساحة لتصفية الصراعات، والغلبة دون شك ليس للأقوى فقط، وإنما للأذكى والأكثر صبرا".

من جهته، خاطب محافظ نينوى الأسبق، الطبقة السياسية الحالية التي تمسك بالحكم بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، قائلا: "لولا أنكم حطمتم دولتكم ونكلتم بشعبكم لما تجرأت إسرائيل على العراق بهذه الطريقة".

وأضاف النجيفي في تغريدة عبر موقع "تويتر" قائلا: "وقبل أن تزبدوا وتتوعدوا أعيدوا لمؤسسات الدولة قوتها وأفهموا معاني الوحدة الوطنية وأزيلوا الظلم عن شعبكم عندها فقط ستجدون بلدكم عصيا وقادرا على حماية نفسه".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، قد ألمح أكثر من مرة خلال أسبوع إلى مسؤولية تل أبيب عن الهجمات التي تعرضت لها قواعد الحشد الشعبي في العراق. وقال نتنياهو للقناة التاسعة الإسرائيلية الناطقة بالروسية لدى سؤاله عن قصف مقرات الحشد إن "إسرائيل تعمل في الكثير من المناطق ضد إيران بالطبع".

وبعدها نشر على حسابه في "تويتر" تغريدة جاء فيها: "سنواصل العمل ضد إيران ووكلائها بكل حزم وبشكل يتحلى بالمسؤولية من أجل ضمان أمن إسرائيل".