حبس مرشح بارز يشعل رئاسيات تونس.. الشاهد بدائرة الاتهام

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما يسابق التونسيون الزمن لاختيار خليفة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، اهتزت البلاد على وقع حدثين متزامنين شديدا الارتباط بالانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، والمقررة سبتمبر/ أيلول المقبل، الأمر الذي أثار تساؤلات عن توقيت وقوعهما.

القبض على أحد المرشحين البارزين كان الحدث الأكبر، تلاه ما تعرض له نجل الرئيس الراحل من تفتيش في أحد المطارات، وفي كلا الأمرين توجهت أصابع الاتهام لأحد أبرز المرشحين، رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.

فهل أراد الرجل التخلص من أحد المنافسين واستخدام سلطاته ونفوذه؟ أم أن للأمر مسار قضائي وقانوني لا علاقة له البتة بالشأن السياسي؟ وإلى أي مدى يمكن لتلك المناوشات أن تؤثر على السباق الانتخابي؟

القروي ونجل السبسي

الجمعة الماضية، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن توقيف مرشح انتخابات الرئاسة، نبيل القروي، تنفيذا لأمر قضائي صادر بحقه، وذلك بعد شهر ونصف من توجيه التهمة إليه بتبييض أموال والتهرب الضريبي.

وأضافت في بيان لها، أن إدارة الأمن الوطني نفذت عملية التوقيف بعد أن اطلع القروي على بطاقة الإيداع، وامتثل للوحدات الأمنية وأودع بعدها السجن المدني في مدينة المرناقية، وتداول ناشطون مقطعا مصورا لما قالوا إنها لحظة القبض على القروي.

وفي 12 يوليو/تموز الماضي، أعلنت هيئة الدفاع عن القروي أن محكمة مختصة أرجأت النظر في القضية المرفوعة ضد موكلها، إلى 23 من ذات الشهر، لاستكمال تقديم أدلة.

ونبيل القروي، هو المالك السابق لقناة "نسمة" الخاصة، ويتزعم حاليا حزب "قلب تونس "، الاسم الجديد لحزب "السلم الاجتماعي"، الذي أعلن تأسيسه مؤخرا.

ومنتصف يونيو/حزيران الماضي، تخلى القروي، الذي أعلن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، عن رئاسة جمعية خيرية حتى لا يتعارض مع القانون الانتخابي الذي يمنع مسؤولي الجمعيات من ممارسة السياسة.‎

في اليوم نفسه كانت تونس على موعد مع الحدث الثاني، حين أعلنت الجمارك التونسية إخضاع حافظ السبسي، نجل الرئيس الراحل قايد السبسي، لإجراءات تفتيش بالمطار، بناء على معلومات استخبارية تفيد "حيازته مبالغ مالية من العملة الأجنبية يعتزم توريدها خلسة".

ورغم أن الجمارك أكدت في بيانها، أن "عملية التفتيش تعتبر روتينية في مثل هذه الحالات، وقد تمّ خلالها مراعاة مقتضيات السرية واحترام حرمة المسافر وجميع حقوقه"، إلا أن الرجل الذي يشغل منصب رئيس اللجنة المركزية لحزب "نداء تونس" إنه تعرض للتنكيل والعبث بأغراضه و"إجراءات تفتيش استثنائية بمعاملة غير لائقة لا احترام فيها لأبسط مقومات حقوق الإنسان".

الأمر الذي دفع الجمارك التونسية إلى الإعراب عن "استغرابها من محاولة بعض الأطراف إخراج هذه العملية من إطارها"، داعية إلى "النأي بها عن كل التجاذبات"، في إشارة إلى ما نشره حافظ السبسي.

نجل الرئيس الراحل اتهم صراحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالتورط في إصدار تعليمات شخصية لتنفيذ ما حدث، الأمر الذي اعتبره "استنساخا رديئا لما كانت تمارسه سلطة الاستبداد قبل 14 جانفي (ثورة يناير/كانون الثاني 2011) ضد معارضيها والمختلفين معها".

الشاهد يبطش

في الحدثين كانت أبرز الاتهامات وأغلبها موجه إلى رئيس الحكومة، تارة بتهمة الانتقام السياسي من نجل السبسي بعد أن فرقتهم خلافات عميقة تأسست على نزاع الصلاحيات والسلطات الممنوحة دستوريا لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

وتارة أخرى بسوء استغلال النفوذ وتسخير مؤسسات الدولة لصالحه من أجل إبعاد مرشح بارز عن طريقه نحو كرسي الرئاسة، وهي الاتهامات التي لاقت رواجا من كثيرين، ولم تقنع آخرين أيضا.

ولعل أبرز ما يثير الشكوك في مسألة اعتقال القروي، تزامنها مع مرحلة الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة، على نحو قد يفهم منه أنه استهداف لشخص مرشح رئاسي يتمتع بحظوظ ليست قليلة في السباق الانتخابي.

كما تأتي بعد يوم واحد من تفويض الشاهد صلاحياته كرئيس للحكومة إلى وزير الوظيفة العمومية كمال مرجان، من أجل التفرغ لإدارة حملته الانتخابية كمرشح رئاسي، ولصرف الأنظار أيضا عن اتهامات من قبيل ما يروج له حاليا.

المشككون يرون أيضا أنها المرة الثانية لاستهداف القروي من أجل استبعاده من الانتخابات، فكانت الأولى في قانون منع مؤسسي ورؤساء الجمعيات الخيرية من ممارسة العمل السياسي.

لكن الفريق الآخر، يرى أن ما حدث مجرد مصادفة، خاصة وأن التهم الموجهة للقروي ليست جديدة، وأن المرشح الرئاسي وشقيقه غازي مستهدفان بتحقيق قضائي يجريه القطب القضائي والمالي منذ عام 2017، إثر قضية رفعتها ضدهما منظمة "أنا يقظ" بتهمة التحايل الضريبي.

ووُجهت التهمة إلى القروي في 8 يوليو/تموز الماضي بـ"تبييض الأموال" وتم تجميد ممتلكاته وأصوله ومنعه من السفر خارج البلاد إلى اليوم، كما قررت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري منع 3 مؤسسات إعلامية محلية بينها قناة "نسمة" التي يمتلكها من تغطية الحملات الانتخابية.

وبحسب مراقبين، فإن القروي وقع ضحية استطلاعات وهمية للرأي جعلت منه مرشحا وافر الحظوظ للمنافسة، رغم أن الحقيقة معاكسة لذلك، فهو بالفعل لديه بعض الشعبية بناء على الجمعية الخيرية التي أسسها، لكن لا وجود حقيقي له في العمق التونسي، بما يجعله منافسا مزعجا.

تسييس القضاء

وبقدر ما وُجهت الاتهامات إلى رئيس الحكومة في القبض على القروي، فإنها مسّت إلى حد كبير استقلال ونزاهة القضاء التونسي، حيث رأى كثيرون أنه جرى توظيف هذا المرفأ في أغراض سياسية لتحقيق مصالح معينة.

وفي سياق حالة الجدل السياسية والإعلامية المصاحبة لتوقيف القروي، أكدت حركة "النهضة" "حرصها الشديد على استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمسّ من مصداقيته واستقلاليته".

ودعت في البيان، الجهات المعنية إلى "تقديم التوضيحات الضرورية لإنارة الرأي العام حول مبررات الإجراء المتخذ (التوقيف) وخلفياته"، معربة عن خشيتها من "اختلاط الزمن القضائي مع الزمن السياسي مما يشوش على العملية الانتخابية".

أما مرشح الحركة عبد الفتاح مورو، فرأى أن إيقاف نبيل القروي "حدث خطير جدا"، وقال: "أحترم الطرف القضائي الذي أصدره وأعتبر أن القضاء مؤسسة محترمة"، لكنه استدرك: "أخشى أن تتداخل الأجندة القضائية مع الأجندة السياسية الانتخابية لتحدث ارتباكا من شأنه أن يفضي بنا إلى أمر مجهول".

القضاء التونسي دافع عن نفسه بشدة، حيث أكدت الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف أن توقيف القروي قانوني بناء على شكاية مقدمة للنيابة العمومية منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2016، والمعروضة على دائرة الاتهام بهذه المحكمة الجمعة  23 أغسطس/ آب 2019، إثر استئناف المتهمين غازي ونبيل القروي قرار تجميد أموالهما وتحجير السفر عليهما، وأن تلك الدائرة قررت تأييد قراري قاضي التحقيق بالقطب المتعلق بالتحجير والتجميد وإصدار بطاقتي إيداع بالسجن في شأنهما.

وأضافت، أنه خلافا لما تم تداوله من أنه تم اختطاف "المدعو نبيل القروي" من فرقة أمنية مجهولة، فإن إلقاء القبض عليه يأتي في إطار النظر في القضية التحقيقية بخصوص ارتكاب جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي والتحيل والمتهمين فيها كل من غازي ونبيل القروي.

وقال صابر الحرشاني الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف، إن القرارات الثلاثة الصادرة عن دائرة الاتهام قابلة للطعن بالتعقيب من قبل المتهمين أمام محكمة التعقيب في أجل 10 أيام، ودعت الوكالة إلى ضرورة النأي بالقرارات التي تصدرها الهيئات القضائية عن التجاذبات السياسية.

وبين الاتهامات والدفاع دعت الجمعية التونسية للقضاة (خاصة)، السلطات القضائية إلى إصدار توضيح للرأي العام بشأن المسار الإجرائي وأحدث تطورات قضية توقيف مرشح الرئاسة نبيل القروي.

وقالت جمعية القضاة، في بيان، إنه من الضروري أن يصدر الوكيل العام بمحكمة الاستئناف توضيحًا بخصوص المسار الإجرائي وأحدث تطورات القضية، بالتنسيق مع المتحدث باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي (مجمع مختص بمكافحة الفساد) في المحكمة الابتدائية.

كما دعت جمعية القضاة المجلس الأعلى للقضاء إلى تحمل مسؤولياته في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله واتخاذ كل الإجراءات المترتبة عن ذلك في هذه الظرفية الحساسة، والبلاد مقبلة على الاستحقاقين الانتخابيين الرئاسي والتشريعي.‎

وحثت جمعية القضاة السلطات القضائية على عدم الاكتفاء بالتصريحات المقتضبة، باعتبار شفافية الإجراءات في قضية "القروي" من الضمانات الأساسية للحقوق والحريات، حفاظا على الثقة العامة في القضاء.

مرشح بالسجن

الجدل المصاحب لعملية اعتقال القروي، انسحبت كذلك على موقفه القانوني من خوض الانتخابات الرئاسية، بينما لا يزال محتجزا وقد تطول مدة احتجازه حتى تاريخ إجراء الجولة الأولى من الانتخابات في 15 سبتمبر المقبل.

رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية "نبيل بفون" حسم الجدل، مؤكدا أن القروي لا يزال يعتبر مرشحا للانتخابات الرئاسية في البلاد رغم توقيفه بتهمة تبييض الأموال.

وقال في تصريحات إذاعية بشأن موقف القروي: "يبقى مترشحا ويبقى اسمه مدرجا في قائمة المترشحين الأولية ثم بقائمة المترشحين النهائية".

وأوضح بفون: "ما دامت متوفرة فيه شروط الترشح ولم يتغير شيء في وضعيته وفي مركزه القانوني فإنه مترشح للانتخابات الرئاسية"، مشيرا إلى أن "القانون الانتخابي لا يمنع من الترشح ولو أن هناك أحكاما قضائية باتة، إلا إذا شمل الحكم منع الترشح".

وفي تصريحات أخرى قال بفون: "هذه المسألة تفرض علينا عدة فرضيات، أهمها إذا كان الإيقاف التحفظي سيتواصل إلى مرحلة الحملة الانتخابية قد تكون هناك بعض التساؤلات حول حرمان مترشح من القيام بحملة انتخابية من المفروض أن يكون فيها مبدأ المساواة بين المترشحين".

واستدرك: "لكن هنا يبقى للقضاء السلطة الكاملة، وهو مستقل، وللقضاء التدابير الاحترازية التي يمكن أن يتخذها بأي شكل من الأشكال".

وبناء على هذا المأزق السياسي والقانوني، فإنه من غير المستبعد أن يشرف القروي على حملته الرئاسية من داخل السجن، بل ويكون سجينا أيضا أثناء عملية الاقتراع وإعلان النتائج، بغض النظر عن النتيجة التي سيحققها.

منافسة شرسة

انتظارا لإعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في 31 أغسطس/آب الجاري، قائمة نهائية بالمرشحين للانتخابات الرئاسية، من بين 26 قبلت أوراق ترشحهم، تبقى المنافسة محصورة بين 5 مرشحين، يبدون هم الأوفر حظا في الوصول لقصر قرطاج، من بينهم المرشح المثير للجدل نبيل القروي.

أما عبدالفتاح مورو، الذي دفعت به حركة "النهضة" في مشاركتها الأولى بالانتخابات الرئاسية، يستند بخلاف الدعم الحزبي ورئاسته للبرلمان على تجربة طويلة من العمل السياسي، وقرب كبير من البسطاء نتيجة تقيده بالزي التقليدي ولهجته القريبة من العامة.

يوسف الشاهد، يعده كثيرون الأوفر حظا بين المرشحين ليس لتاريخه السياسي، بل لتجربته في السلطة على مدار 3 سنوات، على نحو جعله الأكثر قربا من مشاكل وأزمات التونسيين وربما القدرة على مواجهتها، وهو المرشح الرسمي لحزب "تحيا تونس" الذي أسسه بعد الانسحاب من حزب "نداء تونس" إثر خلافات عميقه مع مؤسسه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.

ومن بين هؤلاء أيضا المنصف المرزوقي، الطبيب والسياسي والحقوقي البارز، وأول رئيس لتونس بعد ثورة الياسمين 2011، يتمتع برصيد وافر لدى أوساط يسارية ومثقفة، فضلا عن تجربة طويلة من العمل السياسي والحقوقي.

ولا يمكن إغفال عبدالكريم الزبيدي، وزير الدفاع المستقيل من الحكومة الحالية، والمدعوم من حزب "نداء تونس"، وما يمكن أن يتلقاه من دعم بشكل أو بآخر من المؤسسة العسكرية، التي طالما ابتعدت عن معترك السياسية منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.