"الأعراس الجماعية".. زهرة تنبت من بين ركام الحرب في اليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كثيرا ما مثّلت تكاليف إقامة حفل العرس عائقا أمام العديد من الشباب الذين يرغبون بالزواج، حيث تفوق تكاليف حفل الزواج، في كثير من الأحيان، التكاليف الأخرى كالمهر والشبكة وغيرها من الاشتراطات اللازمة لإتمام الزواج.

في اليمن، أجّل كثير من الشباب عرسهم، وعزف بعضهم عن الزواج، بسبب ظروف الحرب، وعدم توفر ميزانية كافية لإقامة حفل الزواج، وكانت إحدى الحلول العملية لهذه المشكلة هي إقامة أعراس جماعية لعشرات ومئات العرسان، يغطي نفقاتها تجار ورجال أعمال ومشايخ قبليون ووجاهات اجتماعية من أبناء المنطقة.

جاءت فكرة العرس الجماعي أساسا من منطلق التخفيف من أعباء الزواج، وحملت في ذات الوقت، بعدا اجتماعيا وأخلاقيا يدل على الترابط والتآلف، وتعزيز روح التكافل بين أفراد المجتمع في مواجهة تحديات الحياة.

يقول سام الضبياني وهو أحد مشايخ بني ضبيان في منطقة خولان ( شرقي صنعاء) لـ"الاستقلال": "الأعراس الجماعية أصبحت ظاهرة اجتماعية زادت الحاجة إليها مع سوء الوضع الاقتصادي في البلد، ويتم تنظيمها كل سنة عبر لجنة لها عدة مهام".

وعن هذه المهام يضيف الضبياني: "يقوم فريق من اللجنة بجمع الدعم المالي من مشايخ وتجار المنطقة الراغبين بدعم الحفل، وفريق آخر يسجل الراغبين بالزواج الذين ينتوون إقامة حفل زواجهم ضمن العرس الجماعي، وفريق ثالث يسجل الراغبين من الرجال والنساء في التطوع والمشاركة في التحضير للعرس وللوليمة وترتيبات الحفل الأخرى.

الضبياني تابع: "لا تقتصر المساعدات على إقامة حفل الزواج فقط، فأحيانا يتم تقديم مساعدات مالية للعرسان، وهي مبالغ ليست كبيرة، لكن لها رمزية وتحمل لفتة طيبة، يقدمها المتبرعون للعرسان، عن طريق اللجنة المكلفة بالتحضير للزواج.

ويختم الضبياني الحديث بقوله: "الجهود مرهقة ويتم التحضير لها قبل العرس بعدة أشهر، غير أنها جهود تكلل بالنجاح والفرحة الكبيرة لدى جميع المتبرعين والمشاركين والمتطوعين".

تقليد سنوي

تحولت الأعراس الجماعية من أنشطة اجتماعية إلى تقليد سنوي مرتبط بموسم معين يتم الترتيب لإقامته في عدد من مناطق اليمن، وحظيت بترحيب مجتمعي من قبل أبناء المناطق، ودعم مادي ومعنوي من قبل الوجاهات الاجتماعية.

ففي منطقة سنبان التابعة لمحافظة ذمار "وسط"، صار العرس الجماعي تقليدا منذ 16 عاما، حيث يزف كل سنة مئات العرسان، وفي منطقة دمون بحضرموت ( شرق)، أصبح العرس الجماعي تقليدا منذ 8 سنوات، وكانت منطقة دمون أقامت عرسا جماعيا في يونيو/حزيران الماضي لـ 166 عروسا، حضره نحو 13 ألف رجلا و10 آلاف امرأة، شاركوا في مراسم الحفل وتناولوا طعام العشاء، في وسط أجواء وطقوس تقليدية عمتها الفرحة والبهجة، وفي محافظة تعز (جنوب) أقيم عرسان جماعيان لثمانين عروسا. 

كان أول عرس جماعي في اليمن بدأ في أواسط تسعينات القرن العشرين، وبدأت تنفيذه جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، وازدهر في تعز، حيث تم إقامة حفل عرس جماعي ضم 2000 عروس من أبناء المدينة.

ولأنه أصبح تقليدا سنويا، ينتظره أبناء المنطقة، فإن طقوسه أصبحت مثل طقوس العيد، في الشعور بالبهجة والفرحة، وأصبح حتى الأفراد الميسورون يقيمون حفل زواجهم ضمن العرس الجماعي، وذلك للمشاركة في هذا التقليد، ولبعث رسالة تحمل معاني المساواة، وتلغي الفوارق الطبقية بين الأسر اليمنية.

نبيل المقبلي قال لـ"الاستقلال": "تعودنا في الأعراس الجماعية أن يكون العرسان ممن يمرون بظروف اقتصادية صعبة، لكننا أصبحنا نرى أسرا غنية وميسورة تقيم حفلها ضمن العرس الجماعي، في مظهر يريح القلب ويشرح الصدر.

 يضيف المقبلي: "لا أخفيك عندما أرى الأسر الموسرة والمعسرة تقيم زواجها في حفل واحد، أتذكر شعائر الحج تلك التي يتساوى فيها الناس بملبس واحد ومظهر واحد، الأغنياء منهم والفقراء، بل إن وجود عرسان من أسر ميسورة يشجع البقية على الانخراط في مثل هذه الأعراس، وخاصة من الأشخاص الذين يجدون حرجا في إقامة حفلات أعراسهم ضمن أعراس جماعية".

ليلة العمر

الباحث في علم الاجتماع مبروك مرشد قال لـ"الاستقلال": "كانت فكرة الزواج الجماعي مرفوضة من قبل لعدة أسباب، منها أن مراسم وفعاليات العرس الجماعي تأتي على حساب الرغبة الفردية للعروسين بتنظيم مراسم خاصة بهما، على اعتبار أنها ليلة العمر، ويقلل عدد العرسان والعروسات من بروز العروسين كنجمي حفلة".

يضيف مرشد: "العرس الجماعي أيضا في حسابات البعض يشير إلى المستوى الاقتصادي للأسرة، وهو الأمر الذي يرفضه من يحب أن يظهر بشكل موسر أمام أبناء منطقته وأمام أنسابه الجدد كالأسر الميسورة".

ويستدرك مرشد: "غير أنه يبدو أن الكثير بدأ يتقبل فكرة العرس الجماعي، ويتنازل عن رغباته الخاصة، بعد تزايد الحاجة، وتدهور الوضع الاقتصادي في البلد".

تمثل العنوسة في اليمن إحدى المشاكل الاجتماعية الناشئة عن غلاء المهور وارتفاع نفقات الزواج، لهذا فإن الأعراس الجماعية تسهم إلى حد كبير، بحل مشاكل العنوسة، والتي عادة ما تنشأ نتيجة عجز الشباب في الإيفاء بمتطلبات الزواج وتكاليفه المادية.

محاربة العنوسة

أثبتت الأعراس الجماعية فاعليتها في الحد من العنوسة في عدد من البلدان، وغدت ظاهرة حاضرة في عدد من البلدان العربية مثل مصر والأردن ولبنان وفلسطين والمغرب والجزائر وتونس والسودان، وحتى الدول الإسلامية مثل ماليزيا وتركيا.

مرشد يؤكد أنه إلى جانب كون الأعراس الجماعية تحد من ظاهرة العنوسة المزعجة للمجتمع اليمني والعربي، فإنها "تحمل أبعادا أخلاقية عظيمة، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها اليمن".

فرصة للتطوع

لا تعطي الأعراس الجماعية دروسا في الترابط المجتمعي فحسب، بل تمثل فرصة للتعاون بين أفراده، من خلال تطوع ومشاركة البعض في التحضير لتلك الأعراس، فالأعراس الجماعية عادة ما تحتاج لعدد هائل من المتطوعين الذين يقومون بالترتيب والتحضير للعرس من الجنسين.

علي صبيح نائب رئيس لجنة الزواج الجماعي في منطقة دمون بحضرموت قال في تصريحات صحفية: "الزواج الجماعي يفجر طاقات الشباب الإبداعية، ويجعلهم يشتاقون للعمل الجماعي التطوعي". وأشار أن 1500 شاب متطوع، بالإضافة إلى 700 شابة، هم من يعملون في التحضير للأعراس الجماعية في منطقته بحضرموت.

تشهد هذه الأعراس الجماعية إقبالا من الشباب والشابات، للمشاركة فيها بحسب خبراتهم ومهاراتهم، ودرج عدد من الشباب إلى المبادرة فيها بشكل سنوي، حتى أن بعضهم صار ينظر إليها كعمل مقدس، يشبه خدمة حجاج بيت الله الحرام، حسب أحد المتطوعين في حديثه لـ"الاستقلال".

 

الناشط الحقوقي أحمد مياس يرى أن "الأعراس الجماعية وسيلة لنشر ثقافة العمل التطوعي، وهي فرصة ثمينة لإشراك الشباب فيها وإتاحة المجال لمن يرغب". مضيفا: "كثير من الأعمال الصعبة يمكن أن تكون يسيرة إذا ما تضامن المجتمع لتأديتها بشكل طوعي، لهذا علينا كمجتمع مسلم ثم كمجتمع عربي أن نسهم بنشر ثقافة العمل التطوعي لأنه يمثل قيم التعاون والتضامن التي دعا إليها ديننا الإسلامي".

وأوضح مياس: "لدى عملي في إحدى المنظمات الحقوقية الأوروبية رأيت أنهم يعلون من شأن العمل التطوعي لترسيخ قيم التعاون بين أفراد المجتمع لدوافع إنسانية، غير أننا كمجتمع مسلم، لنا دوافع دينية وأخلاقية واجتماعية، ويفترض أن نكون من أكثر الناس مبادرة للأعمال التطوعية".