"تبعية بثمن بخس".. لماذا يريد ترامب تقليص المعونات الخارجية؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إهدارا لأموال البلاد" هكذا وصف البيت الأبيض المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة، للمنظمات الدولية وعدد من الدول الأخرى، في إطار خطة كشفها مسؤولون أمريكيون عن عزم إدارة الرئيس دونالد ترامب، للبدء في خطة تقليصها، دون الرجوع إلى الكونجرس.

وتشير المعلومات التي راجت عن المسؤولين الأمريكيين، إلى رغبتهم في توفير 4 مليارات دولار كمرحلة أولى، وهي الأموال التي يجرى تخصيصها لبعض برامج الأمم المتحدة، ومخصصات أخرى لدعم قوات حفظ السلام في دول مثل هندوراس وجواتيمالا وسلفادور، إلى جانب مخصصات متعلقة ببرامج ثقافية.

ووفقا لما نشرته "سي إن إن"، فإن إدارة ترامب، تعتبر هذه المساعدات "إهدارا لأموال البلاد"، وأنها تحاول جعلها مشروطة بدعم السياسات الأمريكية.

ورغم أن مشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يحذرون من هذه الخطوة، لما لها من تأثيرات سلبية على السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن البيت الأبيض سيبدأ في تنفيذها قبل بداية سبتمبر/ أيلول المقبل.

الخطوة الأمريكية أثارت الكثير من علامات الاستفهام، بشأن هذه النوعية من القرارات التي تصدرها الإدارة الأمريكية، وتأثير ذلك على قوة نفوذها لدى العديد من الدول والمنظمات الدولية، وهل تحقق المساعدات الأمريكية بشكل عام استفادة للدول التي تحصل عليها، أم أن الاستفادة في النهاية لصالح أمريكا، وبالتالي فإنها وحدها التي تقيّم مدى الاستفادة مما تقدمه من معونات ومساعدات؟

أهداف ترامبية

وبحسب التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي، فإنه يرى أن جزءا كبيرا من هذه المساعدات ليست ذات جدوى، وأن الأمريكيين أولى بأموالهم من غيرهم، وبالتالي فإن تقليل المساعدات الخارجية واحدا من أهم الملفات التي يسعى إليها ترامب منذ الأشهر الأولى لولايته التي تقترب من خط النهاية، وتعد كذلك جزءا أساسيا في برنامجه الانتخابي للولاية الثانية.

ووفق ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" في مارس/ آذار الماضي، فإن إدارة ترامب، اقترحت بالفعل على الكونجرس خفض ميزانية وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بما قيمته 24 بالمئة، ولا سيما فيما يتعلق ببرامج المساعدة الإنسانية ومساعدة اللاجئين والصحة العالمية.

ورغم الاعتراضات التي وجهها أعضاء الكونجرس إلى القرار، إلا أن ترامب كان قد بدأ بالفعل في تنفيذ مخططه قبل ذلك بنحو 9 أشهر عندما قرر في 31 أغسطس/ آب 2018، وقف التمويل الذي تقدمه أمريكا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بدعوى معارضتها لطريقة عمل الوكالة، التي تواجه انتقادات إسرائيلية متواصلة.

وجهات نظر

وتشير العديد من التحليلات التي تعاملت مع خطة ترامب "أمريكا أولا"، إلى أن قراراته المتعلقة بخفض المعونات الخارجية، لا يلقى اعتراضا فقط من أعضاء الكونجرس، وإنما تلقى كذلك اعتراضا من وزارة الخارجية، حيث انضم وزير الخارجية مايك بومبيو، لفريق المشرعين الرافض لهذا الجزء في خطة ترامب، أثناء مناقشة موازنة عام 2018/2019، وهو ما كان سببا في تراجع إدارة الرئيس ترامب عن خططها لخفض ميزانية المساعدات الخارجية بقيمة 3.5 مليار دولار.

وبشكل عام يستهدف ترامب خفض 31 بالمئة من الميزانية المخصصة للمعونات الخارجية، والتي تقدر بـ 30 مليار دولار سنويا، ويتم توجيهها لتمويل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومؤسسات دولية أخرى، إضافة للالتزامات الدبلوماسية لوزارة الخارجية الخاصة بالمساعدات التي تقدمها للدول الصديقة.

ورغم أن ميزانية المعونات الخارجية، لا تصل إلى ما قيمته واحد بالمئة من الميزانية الفيدرالية البالغة 3.8 تريليون دولار، إلا أن استطلاعات الرأي تشير لقناعة الأمريكيين بأنها أكبر من ذلك، كما تشير الاستطلاعات إلى أن المواطن الأمريكي، تناغم للمرة الأولى مع سياسة البيت الأبيض فيما يتعلق بتقدير الخطر الخارجي، حيث باتت هناك قناعة مشتركة إلى أن التهديدات التي تواجه مصالح الأمن القومي الأمريكي لا ترتقي لأن يتشكل من أجلها برنامج معونة خارجية قوي.

وهو ما حذر منه نواب الكونجرس، مؤكدين أن انتشار الأمراض المعدية، مثل إيبولا وزيكا؛ وتهديدات "الحركات الإسلامية" المتطرفة عبر شمال أفريقيا، التي تزعزع استقرار أصدقاء أمريكا وحلفائها، وأزمة الهجرة العالمية التي تغيِّر وجه السياسات الأمريكية والأوروبية، وروسيا العدوانية والتوسعية التي تفترس الدول الضعيفة، مثل أوكرانيا، وتزايد أعداد الدول الضعيفة والفاشلة، تشكل جميعها تهديدات مباشرة ضد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

إلا أن إدارة ترامب في المقابل، ترى بأن مسؤولية مواجهة هذه المخاطر، يجب أن تقع على الدول الغنية الأخرى، وهو ما أشار إليه ترامب أكثر من مرة عندما تحدث عن أهمية وجود حلف الناتو من عدمه، في ظل اعتماد معظم الدول الأوروبية على بلاده في الدفاع عنها، وهو نفس ما أعلنه أكثر من مرة مع المسؤولين في السعودية، عندما أعلن صراحة أن مسؤولي المملكة عليهم أن يدفعوا مقابل الدفاع عنهم.

هيمنة وتحكم

وبحسب دراسة لمركز "البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية"، فإن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها أمريكا إلى الخارج تعد واحدة من الأدوات الفعالة لتحقيق أهداف السياسية الخارجية الأمريكية، ومنها المصالح الدبلوماسية مثل إنـشـاء الـقـواعـد الـعـسـكـريـة، وتـأمـيـن الأصـوات فـي الأمـم الـمـتـحـدة، والمصالح الثقافية التي تتوخى عادة تغيير الدين واللغة، أو القيم التي ُيعتقد أنها تشكل تهديدات للغرب.

وتؤكد الدراسة، أن هذه المساعدات تضمن كذلك فتح الأسواق لرأس المال الأمريكي بالدول النامية، وتعمل على تكريس التبعية، والتدخل في شؤون الدول وتغيير هوية المجتمعات، والتأثير في هياكل الإنتاج للدول المتلقية للمعونة، ورهن الرؤية السياسية للدول المتلقية للمساعدات برؤية الولايات المتحدة الأمريكية.

ووفق الدراسة نفسها، فإن المساعدات الأمريكية للدول النامية ذات أثر سلبي على النمو الاقتصادي لتلك الدول، علاوة على تكريس تبعية السياسة الخارجية لتلك الدول للسياسة الخارجية الأمريكية.

التبعية بثمن بخس

وفي دراسة موسعة لموقع "how much" الأمريكي، فإن البيت الأبيض يضمن تبعية معظم دول العالم بأقل من 1 بالمئة من الموازنة الأمريكية، واعتمدت الدراسة على بيانات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي الوكالة المسؤولة عن المساعدات الأمريكية للدول في جميع أنحاء العالم.

ووفقا لهذه البيانات، فإن 30 دولة تحصل على نسبة 82 بالمئة من إجمالي المساعدات الأمريكية، بينما تتلقى 121 دولة أقل من 100 مليون دولار سنويا، ومن بين الدول الـ 30، فإن هناك 10 دول تحصل على النصيب الأكبر من المساعدات، في مقدمتها أفغانستان (5.7 مليار دولار) والعراق (3.7 مليار دولار) وإسرائيل (3.2 مليار دولار) والأردن (1.5 مليار دولار) ومصر (1.5 مليار دولار) وإثيوبيا (1.1 مليار دولار) وكينيا (1 مليار دولار) وجنوب السودان (924 مليون دولار) وسوريا (891 مليون دولار) وأخيرا نيجيريا (852 مليون دولار)

وبحسب الموقع الأمريكي، فإن إسرائيل تحصل وحدها على أكثر من 94 بالمئة من المساعدات الخارجية التي تحصل عليها الدول ذات الدخل المرتفع، نتيجة التحالف العسكري القديم بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي تم تعزيزه في عهد ترمب.

20 دولة عربية

ويلفت في بيانات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أن 20 دولة عربية من بين 22 دولة أعضاء بجامعة الدول العربية، تتلقى مساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة، وباستثناء دولتي جزر القمر، وجيبوتي، فإن كل الدول العربية تحصل على المساعدات الأمريكية.

وتشير إحصائيات الوكالة الأمريكية، إلى أن العراق في صدارة الدول العربية التي تتلقى معونات أمريكية، حيث حصل على 5.28 مليارا، 89 بالمئة منها للمجال العسكري. والباقي (369 مليونا) للمساعدات الإنسانية الإغاثية منها 86 مليونا للمساعدات الغذائية العاجلة، بينما حصلت النفقات الإدارية على دعم 10 ملايين.

ولم يكن يتجاوز الدعم الأمريكي للعراق عام 2001، عندما كان صدام حسين بالحكم، 181 ألف دولار، ولكنه قفز عام 2006، إلى 9.7 مليارا، في أعلى نسبة على الإطلاق بين كل الدول العربية خلال السنوات الماضية.

وتحصل مصر على 1.23 مليارا، 89 بالمئة منها في المجال العسكري، والنسبة المتبقية تم توجيهها للمجال التنموي، وفي الوقت الذي خصصت فيه أمريكا 1.1 مليارا للمساعدات العسكرية والأمنية، فإن المساعدات الخاصة بالتعليم لم تتجاوز الـ 37 مليونا، والأخرى المتعلقة بالمساعدات الإنسانية 26 مليونا، بينما بلغ الدعم المخصص للنمو الاقتصادي 45 مليونا.وتأتي الأردن بالمركز الثالث حيث حصل عام 2016 على 1.21 مليارا، خصص معظمها للدعم التنموي على حساب الدعم العسكري.

ورغم الخلاف المعلن بين الإدارة الأمريكية والنظام السوري، إلا أن سوريا حصلت عام 2016 على ما قيمته 916,4 مليون دولار، منها 94 مليونا في المجال الأمني، وتُقدر المساعدات الإنسانية الإغاثية بـ471 مليونا، و320 مليونا للمعونات الغذائية العاجلة، و20 مليونا لبرامج غوثية متعددة.

بينما كان نصيب "المشاركة الديمقراطية والمجتمع المدني" 1.8 مليونا.وتضم قائمة الدول العربية التي تتلقى دعما اقتصاديا من أمريكا كل من السلطة الفلسطينية (416.7 مليون دولار) ولبنان  (416,5 مليونا) واليمن (305 مليونا) والصومال (274.7 مليونا) والسودان (137.8 مليونا) وتونس (117.4 مليونا)، والمغرب (82 مليونا)، وليبيا (26.6 مليونا) والجزائر (17.8 مليونا)، وموريتانيا (12.7 مليونا) والبحرين (6.5 مليونا)، وسلطنة عمان (5.7 مليونا)، والإمارات (1.1 مليونا)، كانت الحصة الأكبر فيها لمجال مكافحة المخدرات، كما حصلت السعودية على حوالي 733 ألف دولار، معظمها في قطاع الحوكمة، أما الكويت فلم تحصل إلا على 112 ألفا، معظمهم في دعم التربية والتدريب في مجال الطاقة، وفي نهاية القائمة تأتي قطر حيث لم تحصل عام 2016 إلا على 95 ألفا، 65 بالمئة منها خصصت للدعم العسكري.