أبرزها حميدتي.. تحديات تهدد المرحلة الانتقالية في السودان

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "لا كروا" الفرنسية، أن توقيع اتفاق انتقالي من القادة العسكريين والمسؤولين عن الاحتجاج، قد مهد الطريق لتسوية الأزمة السياسية بالبلاد، بعد ثمانية أشهر من المظاهرات، لكن العديد من التحديات تنتظر الحكومة الناشئة عن الثورة السودانية.

وقالت الصحيفة: إنه "بعد 30 عاما من الديكتاتورية، يأمل السودانيون مرة أخرى في حصول تغييرات محتملة، فقد رحب الجميع، الأحد الماضي، بالتوقيع على اتفاقية تاريخية بين القادة العسكريين والمسؤولين عن الاحتجاج الذي احتدم في شوارع العاصمة الخرطوم خلال الفترة من ديسمبر/كانون الثاني 2018 إلى يوليو/تموز 2019، ما أدى إلى سقوط نظام الرئيس عمر البشير".

وأشارت إلى أن "هذا الاتفاق التفاوضي الصعب يبدأ بفترة انتقالية مدتها 39 شهرا تهدف إلى استعادة المدنيين للسلطة، وينبغي أن تقود هذه الفترة، البلاد إلى أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في عام 2022".

وأوضحت، أنه بحلول ذلك الوقت، هناك عدد كبير من الملفات العاجلة التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد عبد الله حمدوك وحكومته الذين سيعملون تحت إشراف 11 من قادة المجلس الانتقالي السيادي (6 مدنيين و 5 عسكريين) حيث من المتوقع تعيينهم في الأيام المقبلة.

اقتصاد هش

وأكدت الصحيفة، أن "التحدي الأول هو الاقتصاد، فتحسن الوضع الاقتصادي ضروري للحد من حدوث مخاطر حركة جديدة من الاحتجاج الشعبي، خاصة عائدات النفط التي حرم منها البلاد منذ الانقسام، وحصول جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011، كما فقدت السودان جزءا من أراضيها الزراعية المباعة لدول الخليج، وفشل النظام القديم في إيجاد موارد جديدة، وتسبب إعلان حكومة عمر البشير مضاعفة سعر الخبز بإشعال الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول الماضي".

ولفتت إلى أن السودان اليوم يشهد معدل تضخم سنوي قدره 70 بالمئة وأزمة سيولة، ومن خلال تعيين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصادي سابق بالأمم المتحدة، وتمهيد الطريق لحكومة تكنوقراط، يٌظهر المجلس السيادي أنه يعتزم جعل الاقتصاد أولوية.

ونقلت "لا كروا" عن الخبير السياسي المستقل عاصم الدفراوي، القول: "حتى الآن، كانت الاحتجاجات تقودها الطبقات الوسطى، لا يزال هناك خطر من تمرد أفقر طبقات السكان إذا تم اتخاذ تدابير تقشف جديدة".

خطر الانقلاب

بيّنت الصحيفة، أن التحدي الثاني لهذا الانتقال سياسي، هو ما إن تنتهي نشوة إطلاق المرحلة الانتقالية هذه، فإن الخوف من الانقلاب أو مصادرة السلطة من جانب أقلية لا يزال حاضرا، حيث أن أكبر الشكوك تتعلق بطموحات محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، الذي يترأس قوات الدعم السريع، وهي مليشيا قريبة من الرئيس السابق، ومن المقرر أن يشارك في المجلس السيادي الانتقالي.

ونوّهت إلى أن حميدتي في موقف متناقض، لأنه متهم بتدبير الحملة القمعية التي استهدفت المتظاهرين في الخرطوم في يونيو/حزيران الماضي، وتقول آن-لوري ماهي، الباحثة المتخصصة في شرق إفريقيا بمعهد البحوث الإستراتيجية للمدرسة العسكرية: "يتمتع دقلو بقدرة إزعاج قوية للغاية، لكن يمكن أيضا أن يستهويه الظهور كشخصية رئيسية في العملية الانتقالية".

وشددت الصحيفة الفرنسية على أن هناك أيضا خوفا من الانتفاضة العامة لنخب النظام القديم، إذ يمكن لأولئك الذين استفادوا من الفساد في بلد يعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة محاولة إثارة الجدل من وراء الكواليس.

وقال الخبير السياسي عاصم الدفراوي: "يجب أن نرى إلى أي مدى تكون النخبة مستعدة لتقليص امتيازاتها"، فبانفصالها بعد تفكيك نظام عمر البشير، يمكن لهذه النخب محاولة التحالف مع الجنرال حميدتي.

ولفتت الصحيفة، إلى أن التحدي الأخير، في هذا البلد الشاسع والذي يغلب عليه الطابع الريفي، سيتم إغراء مجموعات الضغط الأخرى للعب أوراقها، فعلى سبيل المثال، عبّر حزب "المؤتمر الشعبي"، وهو حزب إسلامي كان مقربا من السلطة في السابق، عن استيائه بعد استبعاده من المفاوضات حول اتفاق الانتقال.

وتابعت: كما أن المجموعات المتظاهرة، التي تمثل المناطق الريفية التي تجاهلتها جميع السلطات السودانية، كانت من اللاعبين الرئيسيين في الاحتجاجات، وفي الوقت الراهن، لا يوجد لهم أي ممثل بين الأطراف الفاعلة في العملية الانتقالية.

وأصدر المجلس العسكري السوداني، الثلاثاء الماضي، مرسوما دستوريا بتشكيل المجلس السيادي الذي يقود المرحلة الانتقالية في البلاد، حيث أعلن الفريق ركن شمس الدين الكباشي، المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي، خلال مؤتمر صحفي، اختيار الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيسا للمجلس السيادي، والفريق أول محمد حمدان دقلو والفريق ركن شمس الدين كباشي كعضوين بالمجلس السيادي.

كما ضم المجلس الفريق ركن ياسر عطا، واللواء إبراهيم جابر كريم، والأستاذ حسن محمد إدريس، والدكتور الصديق تاور كافي، والأستاذ محمد الفكي سليمان، والأستاذ محمد حسن عثمان التعايشي، والأستاذة عائشة موسى السعيد وأخيرا الأستاذة رجاء نيكولا عيسى عبدالمسيح.

وهناك تحفظات في أوساط الحركة الاحتجاجية في السودان حول مشاركة نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي في العملية الانتقالية.

"محور القمع"

ودقلو؛ هو الرجل الذي وقف وراء المجازر التي شهدها السودان، بعد أن قرر المجلس العسكري الانتقالي إنهاء الحركة الشعبية التي أسقطت الرئيس البشير، ويرى الكثيرون أنه "محور القمع"، فإلى جانب سمعته المعروفة كمجرم حرب، فإن مسار الرجل الذي أنجبه نظام عمر البشير يجعل من الممكن فهم مقاومة الحالة العميقة للتغيير الذي يشهده السودان.

وذكرت الصحيفة، أن قائد قوات الدعم السريع، الذي تم ترقيته إلى منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، قال بعد أيام فقط من إقالة عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019: "صبري مع السياسة له حدود"، إذ أصبح شخصية لا غنى عنها في المجلس الانتقالي دون حتى الانتماء إلى الجيش النظامي المؤسسي، وما حدث هو انقلاب في نظر أغلبية السودانيين؛ لأن هذا الرجل معروف باعتباره "لصا سيء السمعة ومجرم حرب".

وأردفت: فمع مليشياته، أصبح حميدتي المزود الرئيسي لانفتاح النظام السابق على العالم مع إدارة قضية الهجرة ومراقبة الحدود، ومع الرئيس الحالي للمجلس الانتقالي، الجنرال عبدالفتاح برهان، كان أيضا هو المشجع على مشاركة كتيبة سودانية في التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية منذ عام 2015.

وبحسب مجلة "أوريون21" ربما لا يسيطر حميدتي على أقوى قوة في الخرطوم ولا يمكنه احتلال العاصمة بالقوة لأنه يحكم هوامش البلاد، لكنه أكثر تهورا من أي قائد محتمل آخر، إذ يمكن أن يتجاوز الكوادر العسكرية وغيرها من الأجهزة الأمنية لجعل السودان دولة أمنية بامتياز، في ظل الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات، صلاح جوش.

وأكدت، أن حميدتي يمثل في جميع الأحوال تهديدا، حتى لو كان الجيش لا يزال في السلطة، إذ يمكن أن يتحول إلى فرانكشتاين أو إله النار الجديد -في إشارة إلى رواية كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي- الذي لن يدمر فقط آمال السودان الجديد، بل سينقلب ضد أولئك الذين كانوا سببا في وجوده ويحتكر السلطة.