تسهيل للسفر ومنع العودة.. هكذا يتلاعب نظام الأسد وإيران بفلسطينيي سوريا

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

يسير النظام السوري ضمن سياسة محددة ترسم شكل الوجود الفلسطيني في البلاد، وذلك منذ سيطرته في مايو/أيار 2018 على أحياء تبعد بضعة كيلومترات عن جنوب العاصمة دمشق اتخذها الفلسطينيون كمخيمات شتات منذ نكبة عام 1948.

ويعرقل النظام السوري حاليا أي جهود تسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم المدمرة أو السماح لهم بترميمها، وخاصة في مخيم اليرموك داخل دمشق والمعروف بعاصمة الشتات الفلسطيني والذي لم ينج سكانه من بطش وهجمات النظام سابقا.

ويتذرع النظام بعدم تنفيذه وعوده بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم بمحيط دمشق؛ بعدم الانتهاء من ترحيل أنقاض المباني المدمرة هناك.

ما يعني أنه غير آبه بانعدام الاستقرار الذي تعيشه العوائل النازحة إلى مختلف المناطق السورية.

ويوجد في سوريا 14 تجمعا للفلسطينيين في محافظات عدة، إذ يبلغ عدد الفلسطينيين الموجودين حاليا وفق سفارة فلسطين بدمشق حوالي 400 ألف يتوزعون على عدد من المخيمات.

ويوجد العدد الأكبر منهم في المخيمات المحيطة بمدينة دمشق، في وقت هاجر 200 ألف فلسطيني خارج سوريا، فيما يقطن مخيم اليرموك اليوم حوالي ألفي فلسطيني من أصل 150 - 170 ألف فلسطيني كانوا يعيشون قبل عام 2011.

شكوك بالنوايا

وأقدمت السفارة الفلسطينية لدى النظام السوري في الفترة الأخيرة على تسهيل إصدار جواز السفر (التابع للسلطة في رام الله)، وتخفيض رسومه من 70 دولارا إلى 10 دولارات، ما أدى لموجة إقبال شديدة من الفلسطينيين للحصول عليه.

وأثارت هذه الخطوة الشكوك، بحيث تضاربت التحليلات حول توقيتها والهدف منها.

إذ وضعتها مصادر شبكة "صوت العاصمة" المحلية في خانة وجود "اتفاق أمني بين النظام والسلطة الفلسطينية (بقيادة محمود عباس)، لتخفيض عدد الفلسطينيين بسوريا".

واعتبرت المصادر نفسها أنه: "بوجود تعميم غير معلن ينص على أن الفلسطينيين السوريين مستخرجي جواز السلطة في حال سفرهم خارج سوريا بأية طريقة (شرعية أو غير شرعية) وإقامتهم بدول أخرى فإنه مستقبلا عند قدومهم إلى سوريا ولبنان بجواز السلطة سيتم معاملتهم كأجانب أو عرب قانونيا بطريقة الدخول ودفع الرسوم والعبور".

وبينت الشبكة أن جواز سفر السلطة الفلسطينية لا يحمل رقما وطنيا، بعكس جواز السفر السوري الممنوح للفلسطيني الذي يحمل رقما وطنيا.

وفي هذا السياق، استبعد الإعلامي الفلسطيني "فايز أبو عيد" وجود نية لتهجير الفلسطينيين من سوريا.

وألمح أبو عيد لـ"الاستقلال" إلى أنه "لا يمكن لأي فصيل أن يعلن بشكل علني أنه مع تهجير اللاجئين الفلسطينيين من سوريا والتخلي عن حق العودة الذي هو حق فردي وجماعي".

واعتبر "أبو عيد" أن الورقة الفلسطينية " قوية بيد النظام السوري ولا يمكن أن يفكر في تهجيرهم أو تضييعها من يده".

وأردف: "حاليا على أرض الواقع لا يوجد هناك ما يشير إلى أن النظام يسعى إلى تهجير الفلسطينيين بل إلى اللعب بالورقة من باب المقاومة والحرص على قضايا الأمة".

وأشار الإعلامي الفلسطيني إلى أن "النظام السوري يماطل بإعادة الفلسطينيين إلى منازلهم وممتلكاتهم في مخيم اليرموك؛ نظرا لوجود مخطط تنظيمي وإلى الآن هو قيد التريث".

إذ يسمح  النظام للناس بالعودة إلى المخيم القديم غير الواقع ضمن المخطط التنظيمي.

وبين "أبو عيد" في هذا السياق أن النظام السوري "يتبع أسلوب الإجراءات البطيئة حول عودة الفلسطينيين إلى منازلهم، حيث تصل مدة الموافقة للعودة عدة أشهر، كما أنه يجب أن يحصل العائد على بطاقة ترميم وهي تحتاج أيضا لأشهر في مشهد يؤكد تقصده المتعمد في عرقلة عودة هؤلاء". 

ومما هو ملاحظ أن النظام السوري يتبع أسلوبا واحدا في إبعاد أي أصوات معارضة له، وفي إجراء أي عمليات تغيير سكاني في المناطق التي ثارت ضده.

وهو يفتح المجال لذلك إما عبر إبرام "تسويات بالقوة" للأهالي للخروج نحو مناطق المعارضة أو عبر اللعب على عامل الوقت والإبقاء على كثير من الملفات دون حل.

وهذا ينطبق على عرقلة عودة الفلسطينيين الذين انخرط قسم منهم في الثورة السورية وتعرضوا للقصف والحصار واعتقال أبنائهم من قبل أجهزة مخابرات نظام بشار الأسد.

وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام نحو 631، فيما يبقى مصير الآلاف منهم بينهم نساء وأطفال مجهولا في معتقلات النظام، وفق آخر إحصائية لـ "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" أواخر يونيو/حزيران 2021.

لكن بمقابل ذلك، ترى بعض الأصوات أن النظام السوري يتقصد منع عودة الأهالي، بينما يسمح لعناصر المليشيات الفلسطينية وأقربائهم بالاستيلاء على بعض المنازل وسرقتها.

ووفقا "لشبكة شام" المحلية فإن عمليات سرقة الممتلكات في مخيم اليرموك تجري بإشراف ضباط في أمن النظام السوري، وبيعها عبر وسطاء في دمشق.

طوق أمني

لكن الكثير من المراقبين يرون أن النظام السوري يماطل في عودة هؤلاء الفلسطينيين، لوجود مخطط إيراني لتأمين العاصمة دمشق يشمل المخيمات الفلسطينية.

وأوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان في تصريح لـ"الاستقلال" طبيعة الخطة المرسومة من قبل النظام السوري برعاية إيران، والتي تخص الأحياء المحيطة بالعاصمة وتشمل مخيمات الفلسطينيين.

ويتفق الباحث مع الكثيرين حول عدم وجود نية للنظام السوري لتسهيل خروج الفلسطينيين من سوريا.

 ويقول: "بل على العكس هو يريد مساعدتهم على الاستقرار لأن مواقفهم أصبحت مدعومة بشكل أكبر مع السيطرة المتزايدة للنفوذ الإيراني داخل أجهزة السلطة التابعة للنظام السوري".

وشرح الباحث طبيعة العلاقة الفلسطينية مع النظام السوري بقوله: " إن السلطة الفلسطينية لها موقف داعم لاستقرار سوريا بحكم نظام الأسد، كما أن مختلف المكونات السياسية الفلسطينية مالت باتجاه دعم النظام بما فيها حركة (المقاومة الإسلامية) حماس".

ولا سيما بوجود ارتباط بين مختلف الفاعلين الفلسطينيين بمحور المقاومة والممانعة وكانوا على توافق مع نظام الأسد بما في ذلك مشاركة أجنحة عسكرية فلسطينية للقتال إلى جانب قوات النظام بحربه ضد الشعب السوري، وفق قوله.

وأشار علوان إلى أن "مسألة سماح النظام السوري بعودة الفلسطينيين إلى مخيم اليرموك، مرتبطة بباقي المدن القريبة من العاصمة كالقابون ودرايا وجوبر والتي تخضع لمخطط إيراني يسمى الطوق الأمني بمحيط دمشق".

واستدرك أن: "هذا الطوق الأمني عمل عليه مكتب استخبارات الحرس الثوري الإيراني منذ مطلع عام 2017 عبر مكتبه الواقع في حي السيدة زينب بمدينة دمشق، بالإضافة لممثل مكتب المرشد الأعلى (علي خامنئي) في العاصمة السورية".

ويهدف الطوق وفق الباحث في "جسور" إلى "توطين عائلات مقاتلين حزب الله اللبناني والحرس الثوري من مختلف الجنسيات الأجنبية ومنح الجنسيات السورية فقط للأفغان والعراقيين".

وأشار إلى وجود "عملية هندسة وتقييم مستمر لبرنامج توطين عائلات الحرس الثوري الإيراني بإشراف منه ومن ممثل المرشد في سوريا (لم يذكر اسمه)".

ولطالما استنكر فلسطينيون محاولات النظام السوري تغيير هوية "مخيم اليرموك"، عبر رفض المخطط التنظيمي للمخيم الذي بدا واضحا أنه يستعد لإشراك رجال أعمال إيرانيين في تنفيذه.

وتقول المصادر الحقوقية: إن هذا المخطط "ينتهك حق الملكية العقارية لسكان مخيم اليرموك، ويقضم أكثر من 50 بالمئة من الأبنية والبيوت والمحلات".

ويرى الكثير من المراقبين للشأن السوري أن مسألة عودة الفلسطينيين إلى مخيماتهم، باتت تصطدم بالمخططات الإيرانية الهادفة لإحداث تغيير ديموغرافي واضح جنوب دمشق وإبعاد السكان الأصليين.

ورغم أن مخيم اليرموك يمثل رمزية لحق العودة بالنسبة للفلسطينيين، فإنه في الأشهر الأولى من عام 2021 جرى رصد وجود حركة شراء نشطة للعقارات العائدة لأهالي المخيم من قبل سماسرة وتجار عقارات محليين.

ووجه عدد من الناشطين اتهامهم لتجار محسوبين على "حركة فلسطين حرة" التي يترأسها رجل الأعمال الفلسطيني- السوري "ياسر قشلق"، بالوقوف وراء شراء ممتلكات أهالي مخيم اليرموك.

وذلك بسبب ارتباط عدد منهم بشركة إعمار "نيكن سوريا" الإيرانية، المملوكة لمستثمرين إيرانيين ومستثمر سوري واحد.

وتأسست "نيكين سوريا" في مطلع عام 2020، وتختص بمجال البناء وتجارة مستلزماتها ومعدات الإكساء والحفارات وغيرها من متطلبات عملية الإعمار.

وتتمتع البضائع الإيرانية المخزنة والمودعة في المناطق الحرة بسوريا، ومن بينها مواد الحديد والغرانيت والإسمنت الأبيض والسيراميك بالكثير من بالمزايا والإعفاءات، خاصة المقدمة من النظام السوري.