كشمير تشتعل والإمارات تنفخ في النار.. لماذا اصطفت مع الهند؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان على شفا حرب جديدة تخوضها القوتان النوويتان، على خلفية قرار الأولى بإلغاء الحكم الذاتي للإقليم ذو الغالبية المسلمة، وما تبعه من إجراءات صارمة، حذرت معها إسلام آباد من تطهير عرقي للمسلمين.

وإلى جانب تطورات الأوضاع الدامية هناك، برز موقف دولة الإمارات المثير للجدل بتأييدها علنا، استثناء عن الدول العربية والإسلامية، القرار الهندي، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن دوافع أبوظبي لمثل هذا الموقف، وهل يأتي على غرار مواقف سابقة مناهضة لتطلعات الشعوب العربية والإسلامية؟

على شفا الحرب

الشرارة التي يتوقع أن تشعل فتيل المواجهة، أشعلتها دماء قتلى سقطت من الجانبين، حيث أعلن الجيش الباكستاني، الجمعة، مقتل أحد جنوده بنيران هندية في إقليم كشمير خلال أداء مهمته في خط السيطرة الفاصل بين المنطقتين اللتين تسيطر عليهما البلدان.

والخميس، قُتل 5 جنود هنود، و3 من الجيش الباكستاني فضلا عن مدنيين اثنين جراء اشتباكات اندلعت في خط السيطرة، وذلك بعد أسبوع من الاحتجاجات شهدها الجزء الخاضع لسيطرة نيودلهي من الإقليم.

الحكومة الهندية أقدمت على إلغاء مادتين بالدستور تمنح إحداهما الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير الشطر الخاضع لسيطرتها من الإقليم، فيما تعطي الأخرى الكشميريين وحدهم في الولاية حق الإقامة الدائمة فضلا عن حق التوظيف في الدوائر الحكومية والتملك والحصول على منح تعليمية.

وللمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن حلت قضية كشمير ضيفة على طاولة مجلس الأمن الدولي بطلب صيني غير مسبوق، ورغم أن الجلسة التي انعقدت الجمعة، لم يصدر عنها بيان أو قرار، إلا أن الجلسة في حد ذاتها تؤشر لموقف دولي قد يعرقل مساعي الحرب.

المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة أعرب عقب انتهاء الجلسة عن "قلق بلاده العميق إزاء الوضع في كشمير وحالة حقوق الإنسان هناك"، وأكد "تشانغ جون"، معارضة الصين أي إجراء من جانب واحد.

مقابل هذا الموقف الصيني، قالت الهند إن مسألة كشمير "شأن داخلي" ولا ينبغي أن تكون موضع تدخل دولي، بينما صعّد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان هجومه على الحكومة الهندية، واصفا إياها "بالفاشية والعنصرية".

في سياق ردود الأفعال الدولية، لم تغب الولايات المتحدة عن المشهد، حيث دعا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كلا من إسلام آباد ونيودلهي إلى حل التوتر في العلاقات الثنائية من خلال الحوار.

وقطعت السلطات الهندية الاتصالات الهاتفية والإنترنت وبث التلفزيون في كشمير، كما فرضت قيودا على التنقل والتجمع، الأمر الذي عبرت عنه مندوبة باكستان لدى الأمم المتحدة بالقول: "قد يتم حبس أهالي جامو وكشمير حتى لا يتم سماع أصواتهم في منازلهم وأراضيهم، لكن أصواتهم تم سماعها اليوم في الأمم المتحدة، وستسمع أصواتهم دائما".

وأرجأت المحكمة العليا في الهند التماسا يعترض على القيود الصارمة التي فرضتها الحكومة الهندية في الإقليم، كما جرى أيضا تأجيل دعوى أخرى بشأن دستورية إلغاء الحكم الذاتي للولاية، وهي خطوة اتخذت دون موافقة برلمان جامو وكشمير.

الإمارات تتفرد

كان لافتا الحضور الإماراتي في القضية بموقف رسمي، تفردت به وكانت الأسرع بين الدول العربية والإسلامية، التي غابت عن الأزمة غيابا مريبا، باستثناء السعودية التي دعت لضبط النفس أولا، ثم أبرمت بعدها بأسبوع اتفاقا تجاريا ضخما مع نيودلهي.

لكن الإمارات أعربت صراحة عن تأييدها لقرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، وبينما رأى العالم كله أن الخطوة تهدد بإشعال فتيل الحرب بالمنطقة، اعتبرت الإمارات متفردة مرة أخرى أنها خطوة "تشجع على الاستقرار والسلام"!.

صحيفة "جلف نيوز" الإماراتية الصادرة بالإنجليزية نقلت عن أحمد البنا سفير أبو ظبي في نيودلهي قوله، إن بلاده تتوقع أن "تؤدي هذه الخطوة إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقة في الحكم المحلي لدى شعب ولاية جامو وكشمير"، كما اعتبر القرار المتعلق بكشمير "مسألة داخلية" هندية.

المثير أن الموقف الإماراتي في قضية كشمير، جاء ليعيد إلى الأذهان سلسلة من المواقف المثيرة للجدل، والتي دأبت فيها أبو ظبي على مناهضة تطلعات الشعوب العربية والإسلامية، خاصة في دول الربيع العربي.

لكن يبقى مثلا التدخل الإماراتي للإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، ودعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في سياق الحرب التي تشنها على الإسلاميين، وجماعات ما يطلق عليه الإسلام السياسي.

وفي اليمن، دعمت الإمارات كيانات خارجة عن الشرعية جنوب البلاد مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي قاد الانقلاب على الشرعية في محافظة عدن، فضلا عن تمويل مليشيات موالية لها كقوات "الحزام الأمني" المنتشرة في عدد من المحافظات، إضافة إلى قوات عرفت باسم "النخب" مثل "النخبة الشبوانية" و"النخبة الحضرمية" وغيرها من التشكيلات غير الرسمية.

إلا أن الوضع في كشمير لا يتطابق مطلقا مع تلك الدول التي دعمت أبوظبي مستبديها أو حكوماتها القمعية من أجل القضاء على الإسلاميين، ولا تشكل الغالبية المسلمة في كشمير أي خطر يذكر من تصدير ثورة أو تهديد عروش حكام الإمارات.

لكن ثمة نماذج أخرى قريبة الشبه من أزمة كشمير، حيث يختفي بُعد مواجهة الإسلاميين، كالوضع في الصومال على سبيل المثال، حيث تدعم الإمارات حكومة أرض الصومال التي لا تعترف بها دولة أو منظمة في العالم كله.

ويشمل الدعم الإماراتي الموجه ضد الحكومة المركزية في مقديشو، تدريب قوات الجيش والشرطة في الإقليم، إضافة إلى قيامها بإنشاء قاعدة عسكرية في بربرة، ولم تكتف باستغلال ميناء بربرة بصفة غير قانونية، وإنما عقدت شركة "موانئ بي آند أو" التابعة لحكومة دبي في أبريل/نيسان 2017، اتفاقا مع إقليم بونت لاند شمال شرقي الصومال الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي للاستثمار في ميناء "بوصاصو" على ساحل البحر الأحمر لمدة 30 عاما.

ويبقى التساؤل الأبرز: لماذا تدعم الإمارات القرار الهندي القمعي بحق كشمير خلافا للعالم كله؟

الاقتصاد كلمة السر؟

عند محاولة تحليل الموقف الإماراتي من قضية كشمير، يجب البحث في الدوافع التي اتخذت أبو ظبي بناء عليها هذا الموقف، وفي ذات السياق يبرز بشدة الجانب الاقتصادي، الذي تعول عليه البلدان كثيرا إلى حد قد يكون أجبر الإمارات على موقف كشمير حرصا على مصالحها الاقتصادية.

وفي تقرير رسمي نشرته صحف إماراتية في أبريل/نيسان الماضي، قالت السفارة الإماراتية في نيو دلهي إن حجم التجارة الثنائية بين البلدين ارتفع من 180 مليون دولار سنويا في سبعينيات القرن الماضي، إلى نحو 57 مليار دولار.

هذ الرقم جعل دولة الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند للعام المالي 2015-2016 بعد الصين والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة التبادل التجاري 100 مليار دولار خلال 2020 ما يجعل الهند الشريك التجاري الأول للإمارات.

كما بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الهند حوالي 8 مليارات دولار، ما يجعلها في المرتبة العاشرة بين أكبر المستثمرين في الهند من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر.

وبحسب تقرير هيئة الإمارات للتنافسية والإحصاء بلغ حجم الاستثمار الأجنبي الهندي المباشر في الإمارات ما يزيد على 6.6 مليارات دولار، وهناك استثمارات تبلغ 5.5 مليارات دولار، بين العامين 2016-2017 في القطاع العقاري في دبي وحده.

وتتصدر الهند قائمة الشركاء التجاريين للإمارات بحجم تجارة خارجية يقدر بحوالي 18 مليار دولار خلال النصف الأول من 2018، فيما سجلت إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين بنهاية عام 2017 نحو 34.8 مليار دولار.

ويشهد التبادل السياحي نموا كبيرا بين البلدين، حيث احتلت الهند المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للزوار إلى الإمارات خلال 2017 بإجمالي عدد 2.2 مليون زائر بنسبة 9.1 بالمئة من إجمالي عدد الزوار.

وتقدر الرحلات الجوية المباشرة بين مدن البلدين بأكثر من ألف رحلة أسبوعية، تدير منهم الناقلات الإماراتية حوالي 500 رحلة أسبوعية إلى جانب وجود أكثر من 4365 شركة و238 وكالة تجارية هندية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد.

الإمارات تستضيف على أراضيها الجالية الهندية المغتربة الأكبر في العالم بعدد 3.3 ملايين نسمة والتي تسهم بحركة تحويل أموال كبيرة تدعم الاقتصاد الهندي قاربت في 2017 الوصول لحد 14 مليار دولار سنويا.

مودي والبعد الديني

ترتبط الإمارات بعلاقات إستراتيجية مع الهند، وزادت تلك العلاقات متانة بعد تولي القومي الهندوسي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء، وهو سياسي معروف بمواقفه المتطرفة تجاه الأقلية المسلمة في بلاده.

اتُهم مودي بعدم التدخل عندما قتل 100 مسلم عندما كان رئيسا لحكومة ولاية جوجارات عام 2002، وحين سألته وكالة "رويترز" في مقابلة خاصة عن تلك المجازر، قال إنه "يشعر بالحزن إزاء تلك المجزرة، شأن راكب في مقعد خلفي لسيارة دهست جروا".

لكن الرجل الذي تتضح يوما تلو الآخر نواياه وممارساته ضد المسلمين، منحته الإمارات في أبريل/نيسان الماضي "وسام زايد" الذي يعد أعلى وسام تمنحه دولة الإمارات لملوك ورؤساء وقادة الدول.

وبلهجة ودية، قال محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي: "نعبر من خلال منح الصديق العزيز رئيس وزراء الهند (وسام زايد) عن مدى تقديرنا لدوره وجهوده في تنمية علاقات الصداقة ومد جسور التعاون المشترك بين دولة الإمارات وجمهورية الهند في مختلف المجالات".

اللافت، أن منح مودي هذا الوسام تزامن مع وضع الإمارات حجر الأساس لأول معبد هندوسي في الخليج العربي، بالعاصمة أبوظبي حضره وزراء ومسؤولون، وممثلون عن الطائفة الهندوسية في البلاد.

وسيتم بناء المعبد قرب الطريق السريع بين إمارتي دبي وأبوظبي، على مساحة تقدر بـ55 ألف متر مربع، وسيشمل قاعات عبادة وأخرى للتعليم، ومركزا للزوار، ورياض أطفال، وحدائق، وقاعة طعام، ومتجر كتب، وآخر للهدايا.

تلك الخطوة أثارت حينها استغراب ناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر بعضهم أنها تعكس تناقض الإمارات التي لا تظهر ذلك التسامح مع العرب والمسلمين، في إشارة إلى انتقادات حقوقية توجه إلى أبوظبي، فضلا عن دورها في أزمات حصار قطر وحرب اليمن وغيرها.

ورأى مغردون، أن تلك الخطوة استفزازية، مع دولة تتسامح مع كل الأديان إلا الإسلام، فضلا عن مطالباتها المتكررة دوما بتشديد الرقابة على المساجد.

ربما لا يمكن بحال من الأحوال فصل هذا التوجه الإماراتي الرسمي نحو رئيس الحكومة الهندية والطائفة الدينية التي يمثلها "الهندوس"، عن محاولة فهم دوافع موقف أبوظبي في قضية كشمير وتأييدها الخطوة الهندية.

هذا الُبعد الديني كان حاضرا بقوة في التصريحات شديدة اللهجة التي يطلقها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، منذ تصاعد الأحداث في كشمير. صباح الجمعة، غرد خان عبر حسابه في "تويتر"، قائلا: "على حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي العنصرية الهندوسية الفاشية أن تعلم أنه بينما يمكن هزيمة الجيوش والمسلحين والإرهابيين على أيدي قوات متفوقة، يخبرنا التاريخ أنه عندما تتحد أمة وتناضل في سبيل الحرية ولا تخشى الموت، لا يمكن لأي قوة أن تمنعها من تحقيق هدفها".

وأضاف في تغريدة ثانية: "لهذا السبب فإن العقيدة الإقصائية لحكومة مودي التي تسعى لتوطيد هيمنة الهندوس، مع أساليبها الفاشية في جامو وكشمير، ستفشل فشلا ذريعا في محاولتها إخماد نضال الكشميريين في سبيل الحرية". وفي كلمة متلفزة بمناسبة يوم الاستقلال قبل أيام قال خان: "هناك أيديولوجية مرعبة أمامنا اليوم - أيديولوجية جمعية راشتريا سوايامسيفاك سانج القومية الهندوسية، التي كان مودي عضوا فيها منذ الطفولة".

وأردف: "في هذه الأيديولوجية -مثل النازيين- يتم تضمين التطهير العرقي للمسلمين من الهند. إذا فهمت هذه الإيديولوجية، يمكن فهم الكثير من الأشياء"، موضحا: "في السنوات الخمس الماضية، كانت القسوة في كشمير المحتلة نتيجة لهذه الأيديولوجية". ووجه خان تحذيرا إلى مودي قال فيه: "رسالتي إليك هي أننا سنرد على كل خطوة بما هو أكبر منها.. سنرد على كل ما تفعله وسنذهب إلى النهاية".