"فزاعة إيران".. الخليج يتحول إلى مستعمرة غربية لصالح إسرائيل

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فزاعة إيران.. ورقة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها في منطقة الخليج وحازت على إعجاب أصحاب المطامع بينهم إسرائيل، فسارعوا بإعلان استجابتهم لمقترحات واشنطن التي تلبي أحلامهم.

خرجت أمريكا في 9 يوليو/تموز 2019، بفكرة تشكيل تحالف أمني عسكري لحماية أمن الملاحة البحرية في مضيقي هرمز وباب المندب، وطرحت الفكرة لأول مرة على  لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد.

بدأت واشنطن تحركا واسعا لضم حلفائها الإستراتيجيين لذلك التحالف البحري، وطلبت حشدا من 60 دولة لتقديم المساعدة، بدعوى ضمان أمن الملاحة في منطقة تمتد من الخليج وتمر بمضيق هرمز وتشمل خليج عمان وتنتهي بالبحر الأحمر. 

التحرك الأمريكي جاء بعد عدة أحداث حملت واشنطن مسؤوليتها لطهران، بداية من إعلان وجود معلومات استخباراتية تفيد عزم إيران استهداف القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

وتلتها بالتأكيد على وقوف إيران خلف الهجمات التي ألحقت أضرارا في ناقلات النفط في مياه الخليج خلال مايو/أيار، ويونيو/حزيران 2019.

إيران قابلت التصعيد الأمريكي بالنفي تارة، والتصعيد تارة أخرى، فرغم نفيها المسؤولية عن الهجمات التي طالت ناقلات النفط، لوحت بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه خمس النفط العالمي، ووقف كل الصادرات خلاله.

بدت طهران في مظهر "البعبع" الذي دفع أمريكا لحث حلفائها الإستراتيجيين، للانضمام للتحالف لمحاربة إيران، لتعلن بريطانيا في 5 أغسطس/آب الجاري انضمامها للتحالف لتتولى مهمة تأمين الملاحة البحرية في مياه الخليج وحماية السفن التجارية، وسط توجس من جر المنطقة إلى نزاع مفتوح.

في اليوم التالي لإعلان بريطانيا، كشف وزير خارجية إسرائيل يسرائيل كاتس، خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، مشاركة بلاده في القوة التي تقودها أمريكا بزعم "حماية" أمن الملاحة البحرية الدولية في منطقة الخليج.

وفي الوقت الذي سارعت فيه دول إلى إعلان موافقتها على الحشد العسكري في مياه الخليج العربي وتحويلها إلى مستعمرات مزدحمة بحاملات طائرات وبوارج أمريكية ومدمرة وسفن عسكرية بريطانية، تحفظت فيه دول أخرى على الخطوة مثل ألمانيا وفرنسا، وسط تحذيرات من عسكرة المنطقة.

مشاركة إسرائيلية

إسرائيل وفي ظل مواصلة أمريكا لاستخدام فزاعة إيران، روجت عبر وسائل إعلام تابعة لها عن خشيتها استهداف سفنها، وأنها ترفع درجة الاستعداد تحسبا لذلك، لتعقب ذلك بإعلان مشاركتها في التحالف البحري.

هذه لم تكن المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل عن رغبتها التواجد عسكريا في منطقة الخليج، ففي 2010 وحسب صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية صرحت تل أبيب بأن 3 غواصات إسرائيلية من طراز "دولفين" القادرة على حمل رؤوس نووية ستبحر في مياه الخليج العربي وعلى مقربة من الشواطئ الإيرانية.

حينها أكدت إسرائيل أن الغواصات الثلاث أبحرت في الماضي في مياه الخليج، لكن إسرائيل قررت هذه المرة إبقاء إحدى الغواصات في مياه الخليج بصورة دائمة. وأشارت إلى أن احدى الغواصات تحمل صواريخ مزودة برؤوس نووية الأكثر تطورا لدى اسرائيل.

ورغم أنه لم يجر التثبّت من حقيقة ما إذا تم ذلك فعلا أم لا، إلا أن صحيفة الجريدة الكويتية نقلت في يونيو/حزيران 2019 عن مصدر مطلع، قوله: "إسرائيل التي أصبحت بمشاركتها صاحبة كلمة في أي عملية عسكرية قد تشنها دول التحالف البحري ضد إيران بدعوى حماية أمن الخليج، تقوم بعمليات تجسس وجمع معلومات داخل الأراضي الإيرانية والخليج وبحر العرب برا وبحرا وجوا".

وبيّن المصدر أن طائرات تجسس إسرائيلية تصور مناطق حساسة داخل إيران، وتنطلق من مطارات مختلفة في المنطقة القريبة من الأراضي الإيرانية.

وأضاف المصدر أن هناك قطعا بحرية إسرائيلية، في إشارة إلى غواصات، في الخليج وبحر العرب، تقوم بجمع معلومات وعمليات تنصت على القوات الإيرانية هناك، رافضا تأكيد ما إذا كانت هذه القوات الإسرائيلية تعمل بمعرفة وتنسيق الدول الخليجية والولايات المتحدة.

دوافع المشاركة

المؤرخ الفلسطيني جوني منصور يقول "إسرائيل لا تملك أسطولا كبيرا، ولا حدودا بحرية ولا برية مع دول الخليج إلا أن مشاركتها في التحالف تأتي متسقة مع وجهة نظر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المتعلق بفزاعة التهديد الإيراني وضرورة مواجهته عبر تحالف تقوده الولايات المتحدة".

منصور أشار في مقاله بموقع قناة TRT عربي إلى أن موافقة إسرائيل على المشاركة في هذا التحالف تُعزز كل الخطوات السياسية وغير السياسية التي اتخذتها حكومة تل أبيب منذ سنوات طويلة، بتهميش وتقليص حجم القضية الفلسطينية، واعتبارها حجر عثرة في وجه تطوير تعزيز التعاون الأمني بين إسرائيل ودول الخليج.

وأكد أن انفتاح نتنياهو على دول الخليج يصب في إستراتيجيته المعروفة والتي تتمحور حول إدارة الصراع مع الفلسطينيين وليس حله. مشيرا إلى أن هذا الأمر ينسجم مع عملية التهميش لصالح تموضع إسرائيل ضمن دول المنطقة كدولة طبيعية، تتقاسم مع دول الجوار العربي الخطر الوجودي ذاته الذي تشكله إيران.

المؤرخ الفلسطيني أضاف: "نتنياهو جرب كل الطرق التي في جعبته للحد من مشروع إيران النووي، لكي تبقى إسرائيل الوحيدة التي تتوفر عليه في المنطقة، إلا أن كل محاولاته لدفع الولايات المتحدة إلى شن حرب على إيران أو تسديد ضربات مركزة على مواقعها النووية باءت بالفشل، كما أن محاولاته التأثير على أوروبا لجعلها تنسحب من الاتفاقية مع إيران، كما فعلت الولايات المتحدة، باءت أيضا بالفشل الذريع".

وتابع: "أصبحت إسرائيل في قلب العاصفة في الخليج، ولم يعد لديها أي تردد في بناء خطة عسكرية مستقبلية لتسديد ضربات إلى مواقع في إيران وسط غطاء دولي وعربي. أي أنها عمليا قد مُنِحت تكليفا بتولي موقع شرطي المنطقة".

منصور جزم بأن المسألة بالنسبة لإسرائيل ليست فقط مشاركتها الاستخباراتية ونقل المعلومات، بل وجودها التدريجي والفعلي في المنطقة، واصفا مشاركة إسرائيل في التحالف بأنها انتحار لحكومات خليجية وإعلان عن فقدها القدرة على حماية ذاتها، وخضوعها الكامل للهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية. وهذا بالطبع نوع آخر من الاستعمار الذي يخترق ويتغلغل في المنطقة بثوب جديد. 

المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني (واينت)، رون بن يشاي، أشار إلى أن المساهمة الإسرائيلية في التحالف الأمني في الخليج، تتمثل في تأمين حركة الملاحة في باب المندب، بما في ذلك انتشار سفن حربية إسرائيلية مزودة بالصواريخ في مضيق باب المندب موجهة ضد القراصنة في البحر الأحمر ظاهريًا، لكن الهدف الرئيسي منها هو حراسة وتأمين حركة الملاحة من خطر جماعة "أنصار الله" (الحوثي) في اليمن.

مضيق هرمز

يعد مضيق هرمز، المعبر المائي الوحيد الذي يصل بين الخليج العربي والمحيط الهندي، وهو معبر يكتسي أهمية إستراتيجية كبيرة. 

ووفقا لإحصاءات الهيئة الأمريكية لمعلومات الطاقة، فإن مضيق هرمز يؤمن عبور قرابة 40% من صادرات الطاقة العالمية، بمعدل مرور ناقلة نفط واحدة كل 5 دقائق.

وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، فإن مضيق هرمز يعد المضيق الأول حول العالم من حيث كمية النفط التي تمر عبره، إذ بلغ معدل مرور النفط اليومي منه عام 2016، حوالي 18.5 مليون برميل.

بريطانيا نشرت حاليا المدمرة "دنكان"، والفرقاطة "مونتروز" في الخليج لمرافقة السفن التي تحمل العلم البريطاني في مضيق هرمز، وقالت في 12 يوليو/تموز الماضي، إنها "سترسل المدمرة دنكان إلى الخليج لتحل محل السفينة الحربية مونتروز، لتحافظ على وجود مستمر هناك في وقت يتسم بالتوتر الشديد في المنطقة".

وفي 12 أغسطس/آب الجاري، أعلنت البحرية الملكية البريطانية توجيه الفرقاطة "كنت" إلى الخليج العربي للالتحاق بقطع البحرية الملكية البريطانية في المنطقة، قائلة "إنها ستؤمن المرافقة العسكرية للسفن البريطانية بمضيق هرمز".

وأرسلت لندن في يونيو/حزيران الماضي، نحو 100 جندي من مشاة البحرية إلى مياه الخليج بهدف حماية سفنها، بعد الحادث الذي استهدف ناقلتي نفط في خليج عُمان. ونقلت صحيفة "صنداي تايمز"، عن مصادر عسكرية بريطانية، أن وحدات من القوات الخاصة البريطانية للرد السريع بدأت دوريات في مياه الخليج.

وتملك بريطانيا قاعدة عسكرية دائمة بالشرق الأوسط تقع في ميناء سلمان بالعاصمة البحرينية المنامة. وتعد قاعدة إستراتيجية أساسية شرقي قناة السويس بالنسبة لبريطانيا وحلفائها وشركائها، ومركزا لعمليات البحرية الملكية في منطقة الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي.

بريطانيا أسست "قاعدة إتش إم إس الجفير" (HMS Juffair) البحرية للمرة الأولى بالبحرين في العام 1935، غير أن الولايات المتحدة استولت على القاعدة بعدما حصلت البحرين على استقلالها من الإمبراطورية البريطانية عام 1971.

وفي العام 2014، قررت لندن إعادة افتتاح القاعدة، وتعد البحرين الآن موقع التمركز الرئيس للأسطول الخامس بسلاح البحرية الأمريكي.

حشد أمريكي

الأسطول الأمريكي بالمنامة، يخدم فيه 4200 جندي، ويضم حاملة طائرات وعددا من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من 70 مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزود بالوقود المتمركزة بقاعدة الشيخ عيسى الجوية.

وفى ضوء تصعيد التوتر الأخير مع إيران، نشرت أمريكا أيضا 7 سفن عسكرية على الأقل، بقيادة حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن"، فى الخليج العربى وفى المنطقة المحيطة به.

وأفاد الموقع الإخبارى للمعهد العسكرى البحرى الأمريكى (USNI News)، بدخول مياه الخليج المدمرتين "McFaul" و"Kearsarge" المزودتين بالأسلحة الصاروخية، اللتين تعتبر كل واحدة منهما قادرة على حمل نحو 90 صاروخا مجنحا من طراز "توماهوك".

وأضاف: "تتواجد بالقرب من الساحل الإماراتى عند المدخل إلى الخليج العربى سفينة "Kearsarge" للإنزال التى تستطيع حمل ما بين 20 و30 طائرة ومروحية، بما فيها أحدث المقاتلات من الجيل الخامس "F-35B".

فيما أفاد المكتب الصحفى للقوات البحرية الأمريكية، أن حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" والسفن المرافقة لها مرابطة حاليا قرب الساحل العمانى، ومن الممكن أن تقل حاملة الطائرات هذه نحو 90 طائرة ومروحية.

بينما تضم السفن المرافقة لها الطراد الصاروخى "Leyte Gulf"، والفرقاطة الإسبانية "Mendez Nunez"، والمدمرة "Bainbridge"، وذلك حسب ما نقلته شبكة "روسيا اليوم" الإخبارية، عن وكالة "نوفوستى" الروسية، مايو/آيار الماضي.

وأفادت وسائل إعلام، بأن الولايات المتحدة أرسلت سفينة "Arlington" للنقل والإنزال التي تستطيع حمل 700 عسكرى و14 وحدة من المعدات العسكرية، إلى منطقة مسؤولية الأسطول الأمريكى الخامس بالمنامة، بالإضافة إلى منظومة "باتريوت".

فيما أوضح البنتاجون أن هذه الأسلحة ستستخدم من قبل حاملة الطائرة "أبراهام لينكولن" والمجموعة العسكرية الأمريكية الضاربة فى الشرق الأوسط ردا على وجود أدلة على الاستعدادات العالية لإيران للقيام بعمليات هجومية ضد القوات الأمريكية، بينما لا تزال منطقة انتشار هذه السفن سرية حتى الآن.

ونهاية يوليو/تموز الماضي، كشف مسؤول رفيع في البنتاغون، عن مشاورات مرتقبة مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) حول نشر قوة حماية في الخليج، وأكد أن "المشاورات تهدف إلى معرفة مدى استعداد القوات البحرية التابعة للناتو لتفعيل الوجود العسكري في الخليج".

حرب محتملة

وفي ظل الحشد العسكري البحري في مياه الخليج، يتزايد القلق من نشوب حرب في الشرق الأوسط تأتي بتداعيات عالمية منذ أن انسحبت الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي المُبرم مع إيران عام 2015، وأعادت فرض العقوبات عليها.

وقفزت مؤخرا قضية أمن الملاحة في الخليج، الذي يمرّ عبر نحو خمس إمدادات النفط العالمية، إلى صدارة الأجندة العالمية منذ مايو/آيار 2019 عندما اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراء تفجيرات ألحقت أضرارا بستّ ناقلات على مدى عدة أسابيع.

وذكرت صحيفة "غازيتا" الروسية أبرز المناطق في العالم، التي من المحتمل أن تندلع فيها صراعات ثم تنطلق منها الحرب العالمية الثالثة، مشيرة إلى توقعات المحللين في هذا الشأن.

ونقلت الصحيفة عن الكاتب الروسي رافائيل فخروتدينوف، قوله في تقرير نشرته ديسمبر/كانون الأول 2018: "الخليج العربي يمثل نقطة انطلاق أخرى محتملة لاندلاع حرب عالمية نظرا إلى استمرار الأزمة السياسية والعسكرية بالشرق الأوسط، وتواصُل الضغط الاقتصادي على إيران".

وأشار إلى أن الحرب التي تقودها السعودية على اليمن ما زالت مستمرة، فضلاً عن أن الوضع في سوريا معقد.


المصادر