صحف فرنسية: هكذا أثّرت معركة عدن على طرفي تحالف "الرياض أبوظبي"

12

طباعة

مشاركة

اهتمت صحف فرنسية بالأوضاع في اليمن بعد أن فتح "الانفصاليون" -كما وصفتهم صحيفة "لا كروا" الفرنسية- في الجنوب جبهة حرب جديدة في هذا البلد الذي دمرته خمس سنوات من القتال بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والحكومة الشرعية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية.

في البداية تساءلت الصحيفة، "كيف استولى الانفصاليون على السلطة في عدن؟" مشيرة إلى أنه في يوم السبت الموافق لـ10 أغسطس/ آب، استولى المقاتلون الانفصاليون الذين يطالبون باستقلال جنوب اليمن على ثلاثة ثكنات وقصر الرئاسة في عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، منذ فرار الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المملكة العربية السعودية، عقب وقوع صنعاء تحت سيطرة أيدي الحوثيين الشيعة.

وأوضحت "لا كروا" أن "المواجهات القتالية بدأت بين الانفصاليين والقوات التابعة للحكومة يوم الأربعاء 7 أغسطس/ آب، على الرغم من كونهم متحالفين من الناحية النظرية ضد الحوثيين منذ عام 2015". ويقال إن العنف، بحسب المصدر ذاته، أسفر عن مقتل العشرات ومئات الجرحى، ومعظمهم من المدنيين.

وقالت الصحيفة: إنه "في يوم الأحد 11 أغسطس/ آب، ضربت السعودية، بدعم من السلطات اليمنية، عدة مناطق تابعة للانفصاليين وطالبت المسؤولين بمغادرة القصر الرئاسي، فيما دعا التحالف الذي يقوده السعوديون إلى الاجتماع بشكل عاجل لإيجاد حل للنزاع، ورحب المجلس الجنوبي الانتقالي -الهيئة الانفصالية- بهذه الدعوة، مؤكداً استعداده للحوار".

جذور الانفصاليين في اليمن

ذكّرت "لا كروا" بأن شمال اليمن وجنوبه كانتا دولتان منفصلتين حتى عام 1990، ففي الشمال، كانت الأراضي اليمنية جزءًا من الإمبراطورية العثمانية حتى استقلالها في عام 1918، بينما أصبح الجنوب الذي كان مستعمرة بريطانية من 1839 إلى 1967، جمهورية جنوب اليمن الشعبية، بنظام ماركسي.

ولفتت إلى أنه في عام 1990، تم توحيد اليمن دون عنف، ولكن بعد أربع سنوات، شن الانفصاليون في الجنوب تمردًا، وانتهى الصراع العسكري في الفترة من مايو/ أيار إلى يوليو/ تموز 1994 بانتصار القوات الشمالية بقيادة اللواء علي عبدالله صالح، الذي أصبح الزعيم المستقبلي للبلاد، ومنذ ذلك الحين، ظلت التوترات دائمة لأن الجنوب يلوم السلطات على عدم وجود مشاريع اقتصادية ويدين عدم تمثيله السياسي.

ونوهت الصحيفة بأنه بعد اندلاع النزاع في عام 2014، قرر الانفصاليون التحالف مع الموالين للحكومة ضد الحوثيين، دون التخلي عن مطلبهم بالانفصال، وفي عام 2017، أقال الرئيس عبد ربه منصور هادي، حاكم عدن، مما أدى إلى مظاهرة الآلاف من المواطنين وإنشاء سلطة موازية بقيادة المجلس الانتقالي، وفي عام 2018، بعد يومين من القتال ضد القوات النظامية، استولى الانفصاليون على عدن، قبل أن يوقف التدخل السعودي الإماراتي المعركة.

مخاطر الانفصالية

اعتبرت الصحيفة بأن اليمن أصبح، أكثر من أي وقت مضى، يتعرض لخطر الانهيار في ظل معارك المتمردين الحوثيين في الشمال والتحالف والحكومة المركزية والجنوبية والجماعات المسلحة في الجنوب الشرقي والانفصاليين الآن في منطقة عدن، مشيرة إلى أن أي حرب أهلية مع الانفصاليين ستؤدي إلى فتح جبهة قتال جديدة، مما يعقد إمكانية إحلال السلام في اليمن.

وأوضحت أن هذه الاشتباكات تقوّض أيضا التحالف الذي تقوده السعودية، فالعناصر الانفصالية تأتي من "الطوق الأمني"، وهي ميليشيا تقاتل إلى جانب الموالين وتقوم على تشكيلها وتدريبها الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي للسعوديين، إذ اتهمت وزارة الخارجية اليمنية الإمارات بأنها "مسؤولة عن انقلاب" الانفصاليين في عدن.

فشل ذريع للسعودية

من جهتها رأت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية أن الوضع الحالي في اليمن يكشف بشكل واضح الفشل العسكري للجيش السعودي والضعف الصارخ لإستراتيجية المملكة.

وتحت عنوان "الفشل الذريع السعودي في اليمن"، قال الكاتب رينو جيرار، في 25 مارس/ أذار 2015، إن السعودية، التي تقود تحالفًا مكونا من أكثر من 12 دولة عربية سنية، أطلقت عملية عسكرية ضخمة في اليمن لإعادة السلطة للرئيس منصور هادي، الذي أطاح به تمرد الحوثيين، وذلك تحت قيادة وزير الدفاع محمد بن سلمان البالغ من العمر 29 عامًا حينئذ، الذي أصبح الآن وليا للعهد، وذلك تحت اسم "عاصفة الحزم".

وأضاف الكاتب على الصحيفة، "بعد شهر من الهجمات، أطلق على هذه المغامرة العربية اسم آخر؛ إذ أصبحت عملية (استعادة الأمل) المستمرة حتى اليوم، متسببة في نزوح 3 ملايين شخص و11 مليون جائع، وعانى الشعب اليمني من (العاصفة)". 

وتساءل جيرار، كيف كانت هذه الحرب حاسمة؟ وما هو الأمل الذي استعادته؟ لافتا إلى أنه من الصعب جدا الإجابة على هذه الأسئلة، فعسكريا، لا يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء، ولم يضعف هؤلاء المقاتلون في وجه ضربات وقنابل ممالك البترو-دولار العربية. 

أما على جانب السياسة الخارجية فشدد جيرار على أن السعودية شهدت ثلاثة إخفاقات خلال السنوات القليلة الماضية أولا في سوريا، وثانيا في صراعها مع قطر، إضافة إلى الحرب اليمنية.

وأوضح أن "فشل محمد بن سلمان في اليمن ليس سارا للغرب لأنه قد يضعف أميرا يسعى إلى إصلاح المملكة، حيث هم بحاجة إلى رجل واثق من نفسه، وليس أمير خاضع لرجال الدين الوهابيين، في حرب المئة عام التي فرضها عليه الجهاديون".

وأشار الكاتب إلى محمد بن زايد وتأثيره على سياسات بن سلمان، إذ يسعى ولي العهد الإماراتي إلى إقامة مناطق نفوذ له في القارة الإفريقية، وبحسب المصدر ذاته، "قد يكون انفصال عدن فرصة لمحمد بن زايد لإقامة تحالف مع اليمن الجنوبي وترك السعودية تواجه الحوثيين وحدها".

إضعاف مناهضي الحوثيين

قالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، إن المواجهات التي اندلعت الأسبوع الماضي بين القوات الانفصالية، التي تسلحها أبو ظبي والقوات الحكومية المدعومة من الرياض، أدت إلى إضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين التي تشكلت في عام 2015.

ونقلت عن الباحث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرانك ميرميه، تشديده على أن "الأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة أظهرت أن الانفصاليين هم من يحكمون هذا الجزء الواقع في جنوب اليمن، كما أظهروا ضعف الرئيس هادي، الذي ينحدر من الجنوب ولكن من منطقة أبين إلى الشرق".

وأشار الباحث إلى أنه بات من الواضح أن أبوظبي أعطت الضوء الأخضر للانفصاليين، قبل أن يوضح، أنه "بدون رعاة المنطقة لا يمكن للجانبين فعل الكثير، فعلى الرغم من أن رئيس المجلس الانتقالي أعلن استعداده للذهاب إلى الرياض من أجل التهدئة، يوجد على الجانب الآخر هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو زعيم سلفي، معاد للإسلام السياسي، ومؤيد للموقف الإماراتي، وتسيطر ميليشياته على عدن بقبضة حديدية".

وبينت "ليبراسيون" أن انقلاب الانفصاليين في عدن هو انعكاس لخلاف أبوظبي والرياض حول الصراع اليمني الذي لا ينتهي، فبدون مغادرة التحالف رسميًا، أعلنت الإمارات في أوائل يوليو/ تموز، انسحابًا جزئيًا لقواتها من اليمن. 

وأوضح فرانسوا بورجات من معهد البحوث والدراسات في العالمين العربي والإسلامي، أن هناك فرقًا حقيقيًا على المدى الطويل، بين أهداف الحرب السعودية والإماراتية في اليمن، فخلف مواجهته مع العدو الإيراني، المتهم بدعم الحوثيين الشيعة، يريد السعوديون تأمين حدودهم الجنوبية، بينما الإماراتيون، كانوا في منطق إمبريالي منذ البداية: "لقد كانوا دائماً مهتمين باليمن، التي تربطهم بها علاقات أسرية وتجارية وما إلى ذلك".

وأشار إلى أن الإمارات تدفع الجنوب نحو الانفصال، بعد أن أدركوا الآن أنهم لن يكونوا قادرين على التحرك شمالًا، وأنهم يفضلون فكرة الجنوب المتمتع بالحكم الذاتي، حيث لديهم نفوذ كبير، وعلى الرغم من خلافاتهم، إلا أن البلدين الخليجيين ليست لديهم مصلحة في السماح بتصعيد حرب داخلية في اليمن.