"نهب المساعدات" يفاقم الأزمة الانسانية في اليمن.. من وراءها؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أدخلت الحرب المندلعة في اليمن منذ خمس سنوات بعد انقلاب الحوثيين على الحكومة، البلاد في أزمة إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم، لكن ما زاد الأمر سوءا هو منع وصول المساعدات لليمنيين، فضلا عن نهبها وتدميرها على يد أطراف النزاع.

لم يكن الوضع الإنساني مثاليا من قبل، فقد عانى الاقتصاد اليمني تدهورا خلال ثلاثة عقود إبان حكم علي صالح، و ازداد تدهورا منذ انقلاب الحوثيين، إذ يشهد تأزما مضاعفا منذ شن "التحالف العربي" حربه في اليمن.

منع وصول مواد الإغاثة

رفع فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة  المعني باليمن تقريرا إلى مجلس الأمن في يناير/ كانون الثاني 2019، حصلت الاستقلال على نسخة منه،  اتهم فيه الحوثيين باستمرار إعاقة وعرقلة إيصال وتوزيع المساعدات لليمنيين، وكان الفريق المكلف بالتحقيق في البحث عن العراقيل، بما فيها العراقيل التي يضعها الحوثيون.

وأفاد التقرير بأن الإعاقات تشمل تحويل الحوثيين لمسار المعونات، ورفض وتأخير السماح بمرورها، ما يؤثر على وصول المساعدات في الوقت المناسب، إضافة إلى عمليات الاعتقال والاحتجاز والترهيب التي يتعرض لها موظفو المنظمات الإنسانية، والتدخل في تحديد المستفيدين واختيار مناطقهم.

ولفت إلى تعمد الحوثيين لإعلان بعض المناطق التي يسكن فيها مدنيون كمناطق مواجهات عسكرية، ما يجعل الوصول إليها متعذرا بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني.

احتجاز مواد الإغاثة

علاوة على ذلك، قال رئيس اللجنة العليا للإغاثة التابع للحكومة الشرعية عبد الرقيب فتح إن "الحوثيين ينهبون ما نسبته 65 بالمئة من المساعدات الإنسانية والغذائية التي تأتي لليمنيين عبر ميناء الحديدة، وأضاف أن الحوثيين قاموا خلال ثلاث سنوات ونصف بنهب واحتجاز 697 شاحنة إغاثية، في الطرق الرابطة بين محافظات الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين، إضافة إلى احتجاز الحوثيين لـ88 سفينة إغاثية وتجارية في ميناءي الحديدة والصليف، من بينها 34 سفينة احتجزها الحوثيون لأكثر من ستة أشهر حتى تلفت معظم حمولتها".

في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، شن الحوثيون قصفا مدفعيا على المخازن التابعة لمطاحن البحر الأحمر في مدينة الحديدة، ما تسبب بنشوب حريق كبير، وتلف كمية كبيرة من القمح في مستودعات برنامج الأغذية العالمي، وقد نقلت صحيفة الصحوة عن مصدر عسكري قوله إن "التصعيد الحوثي المستمر باتجاه المطاحن يهدد مباشرة بإتلاف مخزون الحبوب والإغاثة التابع للأمم المتحدة، وتدمير الكميات التي نجت سابقا من حرائق ناتجة عن القصف بقذائف الهاون على فترات متفرقة".

وكانت الأمم المتحدة، قد أصدرت بيانا في موقعها تحدث فيه وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك عن عدم قدرة الأمم المتحدة، منذ سبتمبر 2018، على الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر في الحديدة، التي يوجد بها حبوب تكفي لإطعام 3.7 مليون شخص لمدة شهر، حسب قوله.

وأضاف لوكوك إن "كميات الحبوب تلك مخزنة في مطاحن البحر الأحمر منذ أكثر من 4 أشهر وقد تتعرض للتلف في الوقت الذي يشارف نحو 10 ملايين شخص في أنحاء اليمن على المجاعة".

نهب المساعدات

كتبت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا عن قيام الحوثيين بتحويل المساعدات الغذائية إلى المناطق التي يسيطرون عليها، عن طريق التلاعب بالكشوفات وتزوير سجلات حصر مناطق سوء التغذية التي اعتمدتها الأمم المتحدة، وقالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أن التلاعب الذي حصل ليس إلا رأس جبل الجليد.

وكانت تقارير محلية ودولية، قد وثقت في وقت سابق، حالات كثيرة من النهب الحوثي المنظم للمساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها، ومنع وصولها إلى المستحقين، فقد كتبت وكالة "الاسوشيتد برس" تقريرا في ديسمبر/كانون الثاني الماضي كشفت فيه عن حملات نهب وسرقة للمساعدات الغذائية والإنسانية التي تصل إلى اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وأضافت الوكالة الأمريكية أن ذلك يأتي في الوقت الذي يموت فيه الأطفال من الجوع، في عدة مناطق باليمن، على وجه الخصوص مديرية أسلم في حجة.

وكان المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمية، قد قال إنه رصد سبعة مراكز لتوزيع المواد الغذائية يعتقد أنها كانت تختلس المخزون الغذائي الخاص بالبرنامج، حيث يشرف على هذه المراكز، التي تقع في صنعاء، منظمات محلية شريكة مع الحوثي، مضيفا أن المقابلات أظهرت أن 60 بالمئة من المستفيدين الذين يحق لهم الحصول على الغذاء من تلك المراكز السبعة لم يتلقوا المساعدات التي يستحقونها.

سوق سوداء لبيع المساعدات

في حين، جرت العادة أن تكون السوق السوداء في اليمن، مع عدم مشروعيتها، مكانا لبيع المشتقات النفطية، بأسعار مضاعفة، استغلالا لحاجة الناس في ظل شح و انعدام هذه المواد في الأماكن المخصصة لبيعها، إلا أنها أصبحت، أيضا، مكانا لبيع مواد الإغاثة المقدمة من المنظمات الدولية والإنسانية، ولا يتحرج الباعة من بيع تلك المواد التي تحمل شعار المنظمات المانحة في هذه الأماكن، وكان ناشطون قد  نشروا في وقت سابق صورا لمواد غذائية عليها شعار برنامج الأغذية العالمي يتم بيعها في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وصورا أخرى لحقائب مدرسية مقدمة منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" يتم بيعها في مكتبات بصنعاء .

ونقلت وكالة "الاسوشيتد برس" عن رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل مقبل قوله إن هناك متاجر كاملة مكتظة بمساعدات الأمم المتحدة.

وقد نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن أحد تجار المواد الغذائية قوله إن أشخاصا وجماعات يتاجرون بالمساعدات الغذائية التي تقدم للمحتاجين والمتضررين من الحرب، ويديرون تجارة منظمة ولديهم مخازن كبيرة للمساعدات، وكانوا في البداية يعرضون مبيعاتهم لعدد محدود من التجار، ولكن الأمر انتشر وتوسع بشكل كبير.

تجدر الإشارة إلى أن مواد الإغاثة لا تباع في مناطق سيطرة الحوثيين فقط، بل تباع أيضا في مدينة تعز، بحسب "الاسوشيتد برس".

وتخضع محافظة تعز اليمنية لسيطرة قوات من الشرعية، بالإضافة إلى سيطرة "كتائب أبي العباس" المدعومة من الإمارات، كما أنها تخضع لحصار الحوثيين منذ عدة أعوام.

في حين تتحدث وكالة "رويترز" عن مصدر تلك المواد الغذائية المباعة في السوق السوداء، وتوضح أنها من ضمن المواد التي سطا عليها الحوثيون أو تحايلوا بالكشوفات للحصول عليها.

وتنقل "العربي الجديد" عن رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي  مصطفى نصر، أنه لا يستبعد أن يكون هناك تواطؤ بين بعض المعنيين بالإشراف والتوزيع لتلك المواد الإغاثية وبين مافيا المتاجرة بالمساعدات، مشيرا إلى أن سبب نشوء سوق سوداء لبيع المساعدات يعود في جزء منه إلى التواطؤ من جانب المشرفين على توزيعها، وكذلك من جانب المسلحين.

حصار التحالف والأزمة الإنسانية

ضاعف الحصار الذي فرضه "التحالف العربي" من الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث أغلق الحصار المنافذ البحرية والبرية، ما حد من وصول المساعدات، وتدفق المواد الغذائية الأساسية إلى المدنيين، وخاصة أولئك الذين يقعون في مناطق سيطرة الحوثيين.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قد أوردت في تقرير لها أن "القيود التي فرضها التحالف، بقيادة السعودية، على المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية، ومنعها بلوغ سكان المدنيين أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد بشكل كارثي"، داعية إلى "العمل على وصول المساعدات والسلع التجارية إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون".

تحت مبرر تعزيز إجراءات المراقبة والتدقيق على الرحلات والسفن، أوقف "التحالف" جميع الرحلات الجوية والبحرية و فرض حصارا على الموانئ والمنافذ البحرية والجوية، ومنع مرور الشحنات الغذائية في الموانئ البحرية إلا باستخراج تصاريح، أما المطارات الرئيسية، فمعظمها خارج الخدمة، حتى اللحظة.

اللافت في الأمر، أن "التحالف" مستمر بفرض قيود على المسافرين في جميع المنافذ وعلى الشحنات التجارية، مع الحديث عن استمرار تهريب أسلحة إيرانية للحوثيين.

جهود دولية لاحتواء الأزمة

تعمل المنظمات الدولية على احتواء الأزمة الإنسانية، لكن جهودها، في الواقع، تنصب في إدارة الأزمة لا في حلها، فهي، على الأغلب، تدرك أنه لا يمكن حل الأزمة الإنسانية في اليمن، ما لم يتم التوصل لحل الأزمة السياسية، إضافة إلى ذلك فإن كلفة المساعدات الإنسانية، تبلغ أرقاما  تعادل ثلاثة أضعاف قيمة المساعدات الأساسية، وذلك يعود، بحسب المنظمات، لارتفاع تكاليف النفقات التشغيلية.

 وكان برنامج الأغذية العالمي قد صرح في وقت سابق أن تكلفة "طبق الفول" في اليمن تبلغ 62 دولارا، وهو الرقم الذي يبلغ عشرات أضعاف التكلفة الحقيقية للوجبة، إذ لا يتعدى تكلفة طبق الفول نصف الدولار الواحد، ما دفع ناشطين إلى التهكم على "الطبق الأممي" و توجيه اتهامات بالفساد لمنظمات أممية ودولية، واستهلاك دعم المانحين في النفقات التشغيلية.

توالت تقارير المنظمات الأممية والإنسانية، حيث أصدرت الأمم المتحدة بيانا قالت فيه إن "اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث بات أكثر من 22 مليون يمني، أي ما يعادل ثلاثة أرباع السكان، يحتاجون لمساعدات".

على إثر ذلك، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الأزمة الإنسانية في اليمن تزداد تفاقما، وأن عدد المتضررين قد وصل إلى 24 مليون يمني. وأفادت بأن اليمن بات يعاني من "ثلاثي الموت والدمار والمجاعة، في أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم".

وأضاف برنامج الأغذية العالمي أن "18 مليون يمني لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم القادمة، بينما يعيش أكثر من 8 مليون يمني في جوع شديد، ويعتمدون بشكل كلي على المساعدات الغذائية".