رغم أن مصر وإسرائيل والولايات المتحدة تدرك صعوبة القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأن خطط حكم غزة بدون فصائل المقاومة الفلسطينية "أوهام"، إلا أن زيارة مدير المخابرات الأميركية ويليام بيرنز لمصر كشفت أمورا أخرى.
مصادر دبلوماسية مصرية أوضحت لـ"الاستقلال" أنه على عكس أفكار أميركا وإسرائيل الخاصة بتهجير أهالي غزة لسيناء مقابل دعم مالي لنظام عبد الفتاح السيسي، طرح "بيرنز"، فكرة مختلفة هي أن تحكم مصر غزة كما كانت تفعل قبل حرب 1967، ثم تسلمها للسلطة الفلسطينية.
أكدت أنه رغم عداء نظام السيسي لحركة المقاومة حماس لجذورها الإسلامية، إلا أنه مضطر للتعامل معها بافتراض أنها تحمي جزءا كبيرا من الحدود المصرية، وأنه لهذا السبب تغير أسلوب نظام السيسي معها للتعاون بعد فترة عداء عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013.
وتعد "غزة صمام أمان لمصر" رغم تواطؤ السيسي مع الاحتلال ضدها حسبما يوضح السياسي المصري الدكتور حسن نافعة، في كتابه "غزة والأمن القومي المصري والعربي"، الصادر في 2023.
ويقول نافعة في الكتاب إن "غزة عبر التاريخ كانت حائط صد أولي ضد أي غزو يأتي لمصر من ناحية الشرق، ودائما كانت توجد بها حامية عسكرية مصرية، أو إسناد حربي لرصد العدوان والخطر المحتمل منذ الهكسوس وصولا إلى إسرائيل".
ويضيف أنه لهذا "اكتسب قطاع غزة أهمية بالغة عند حكام مصر، ومنحوه الاهتمام العسكري والأولوية الجيوستراتيجية".
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 نقلا عن مسؤولين مصريين كبار، أن "بيرنز اقترح على السيسي ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل إدارة الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة"، إلا أنهما "رفضا".
أشارت الصحيفة إلى أن المقترح هو حكم مصر لغزة "حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي المسؤولية الكاملة بعد هزيمة حماس" في الحرب الدائرة حاليا بين إسرائيل وحماس.
لكن "وول ستريت جورنال أكدت، نقلا عن المسؤولين المصريين رفض السيسي الاقتراح، موضحة أن "مصر لن تلعب دورا في القضاء على حماس؛ لأنها تحتاج إلى الحركة للمساعدة في الحفاظ على الأمن على الحدود".
وأشار المتحدث الرئاسي المصري ضمنا لهذا وهو يتحدث عن لقاء السيسي مع بيرنز، حيث أكد أن السيسي تحدث عن "محددات الموقف المصري من غزة".
أيضا أكد الصحفي المصري مصطفي بكري القريب من نظام السيسي أن واشنطن طلبت من السيسي، عبر بيرنز، أن "تتولي مصر القيام بدور المراقب الأمني في غزة، حال نجح جيش الاحتلال في إبعاد حركة حماس عن المشهد".
قال إنهم عرضوا أن يكون ذلك "لحين تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية إدارة الأمور في القطاع، لكن السيسي رفض، كما رفض مشاركة القوات المصرية ضمن قوات متعددة الجنسيات توكل إليها هذه المهمة.
واشنطن قلقه من مواقف مصر التي أبلغها الرئيس السيسي لمدير المخابرات المركزيه الأمريكيه ويليام بيرنز الذي التقاه الثلاثاء أول أمس بحضور رئيس المخابرات العامه المصريه الوزير عباس كامل وذلك للأسباب الآتيه :-
— مصطفى بكري (@BakryMP) November 9, 2023
- السيسي رفض إقتراحا حمله بيرنز ويقضي بأن تتولي مصر القيام بدور المراقب…
قناة سكاي نيوز عربية الإماراتية نقلت أيضا عن مصادرها، في 9 نوفمبر، أن مصر أبلغت الولايات المتحدة رفضها إدارة إسرائيل لقطاع غزة، وكذلك عرض إدارة مصر للقطاع.
وأضافت أن السيسي رفض أيضا فكرة وجود قوات من حلف شمال الأطلسي "ناتو" أو قوات أجنبية داخل القطاع بأي شكل أو تحت أي مسمى.
اعتماد السيسي على حماس، لتحقيق هدفي أمن الحدود وتوفير مبرر لدوره لدى الغرب كوسيط بين الحركة والاحتلال انعكس على استقبال القاهرة وفدا من حماس في 9 نوفمبر ضم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وخالد مشعل رئيس الحركة في إقليم الخارج، وخليل الحية رئيس مكتب العلاقات العربية في الحركة.
المستشار الإعلامي الفلسطيني "أسامة عامر" القريب من حماس أبلغ "الاستقلال" أن وفد حماس التقى باللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية "وتم التباحث بشأن العدوان الصهيوني المستمر وحرب الإبادة المستعرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".
وتوقع "عامر" أن يتم التوصل قريبا إلى وقف جزئي أو كلي لإطلاق النار لدخول قوافل الإغاثة إلى غزة، وصولا للوقف الكامل لهذا العدوان وحرب الإبادة المدمرة على الشعب الفلسطيني في القطاع".
وأوضح أن الوقف الكامل لهذا العدوان هو ما تطالب به المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بكل أطيافه، ليتم بعدها تنفيذ صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الصهيونية، مقابل الأسرى الضباط والجنود الصهاينة الموجودين لدى المقاومة".
مصادر عربية أوضحت أيضا لـ "الاستقلال" أن زيارة بيرنز كان لها هدفان، الأول عاجل يتعلق بإبرام أي صفقة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة، والثاني بعيد المدى يتعلق بسعي واشنطن لهندسة المنطقة سواء قضت إسرائيل على قيادة حماس أم فشلت.
ذكرت أن الخطة هي إبعاد حماس عن خارطة وطاولة المفاوضات والترتيبات لمستقبل غزة والمنطقة، لكن لعلم قادة الأنظمة العربية وعلى رأسهم السيسي أن القضاء على حماس وهم لن يتحقق، فقد تحفظوا على الخطط الأميركية.
وتقول مصادر فلسطينية ومصرية لـ"الاستقلال"، إن زيارة وفد حماس لمصر لها علاقة بما يثار حول نضوج وساطة مصرية لتبادل الأسرى مقابل هدنة لوقف القتال، لتنفيذ الشق الأول من خطة بيرنز.
ربطت بين الاجتماع الثلاثي، الأول من نوعه كل من رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن ورئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنيا، ووليام بيرنز في الدوحة يوم 9 نوفمبر، ووصول وفد من كبار قيادات حماس من الدوحة للقاهرة في نفس اليوم.
ثم إعلان البيت الأبيض عما أسماه هدنة إنسانية لمدة 4 ساعات يوميا من نفس اليوم 9 نوفمبر، ثم سفر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى القاهرة للقاء السيسي، عادة كل هذه اللقاءات دليل قرب هدنة أو وقف كامل للقتال في ظل قناعة بعجز الاحتلال عن البقاء في غزة أو الحديث عن حكمها بدون حماس.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" أكدت في 2 نوفمبر أن الإدارة الأميركية "تبحث مع أنظمة عربية خيارات حكم غزة وبحث خطط لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد حماس".
قالت إن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ونوابه يتحدثون مع نظرائهم في الدول العربية حول "خطط لحكم غزة بعد أن تنهي إسرائيل الحرب"، وفقا لأشخاص مطلعين على محادثات المرحلة المبكرة.
وكان لافتا قول مسؤولين إسرائيليين، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 8 نوفمبر، إن إسرائيل "تسعى للسيطرة على غزة حتى إجراء ترتيبات جديدة لحكم القطاع وتنفيذ دوريات فيه، مما قد يستغرق وقتا طويلا".
قالوا إن "إسرائيل تعتزم خلق منطقة عازلة جديدة داخل غزة، والتي يقول المنطق إنها ربما تشمل مساحة على الحدود المصرية، وتمنح إسرائيل السيطرة الكاملة على الحدود البرية لغزة".
ونقلت عنهم "نيويورك تايمز"، أن "إسرائيل لن تثق أبدا بشكل كامل في أي قوات فلسطينية أو حتى حفظ سلام دولية للحفاظ على أمن إسرائيل"، في غزة.
وأثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أشار فيها إلى تولي المسؤولية الأمنية في غزة "لفترة غير محددة" بعد الحرب، قلق مصر، لأن هذا ينقل التهديد الإسرائيلي لمصر مباشرة إلى الحدود ويلغي وجود حماس لخط دفاع وسط وحاجز بين الطرفين، وفق المصادر الدبلوماسية المصرية.
وأعربت الولايات المتحدة، في 7 نوفمبر عن معارضتها لاحتمال إعادة احتلال قطاع غزة، وقال بلينكن: "لا إعادة احتلال غزة بعد انتهاء الصراع، ولا محاولة لحصار غزة أو محاصرتها ولا لتقليص في أراضي غزة".
ويقول "رأفت مرة" المسؤول الإعلامي في حركة حماس، في تصريح وصل "الاستقلال" إن خطاب بلينكن في قمة السبع بطوكيو مثل "تطورا سياسيا مهما لصالح الفلسطينيين وتراجعا كبيرا عن مواقف واشنطن السابقة".
وأوضح أن قول بلينكن إن على إسرائيل عدم إعادة احتلال قطاع غزة، وإنها لن تستطيع إدارة قطاع غزة، وواشنطن ترفض التهجير القسري للفلسطينيين وتأمل نهاية الحرب في أسرع وقت وتدعم حل الدولتين معناه أن الإدارة الأميركية توصلت إلى استحالة احتلال قطاع غزة واستحالة القضاء على حماس.
وأوضح أن هذا معناه اقتراب إعلان الهدنة وتبادل الأسرى والاستعداد قريبا لإعلان تراجع أو هزيمة الاحتلال، بما له من تداعيات داخلية على المجتمع الإسرائيلي.
حاجة نظام السيسي إلى حماس "للمساعدة في الحفاظ على الأمن على الحدود"، كما أكدت مصادر رسمية مصرية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، يرتبط أيضا بسبب آخر هو سر مكانة السيسي لدى الغرب، حيث يعدونه "وسيلة المراسلة" مع حماس لحماية إسرائيل.
دراسة لمركز "صدى كارنيغي" في 26 يوليو 2021 أوضحت أنه على الرغم من الحملة الدعائية الممنهجة، سابقا، ضد حركة حماس داخل مصر، إلا أن نظام السيسي يدرك تماما أن مكانته الإقليمية والدولية تعتمد على احتفاظه بعلاقة قوية مع هذه الجماعة الغزاوية.
أوضحت أن القرارات السياسية الصادرة عن النظام المصري تجاه حماس غالبا ما تبدو متناقضة ومربكة بسبب تشابكها العميق مع أهدافه المحلية والخارجية المتعددة.
وأنه بعد أن وجد السيسي في التواطؤ المزعوم بين حماس والإخوان مبررا للاستمرار في قمع الجماعة وحصار قطاع غزة في آنٍ معا، عاد في الفترة ما بين 2016 و2017 ليتراجع عن حملة تشويه حماس وشيطنتها بعد أن أصبح التعاون معها لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء مسألة حياة أو موت.
ويقول المحلل الإسرائيلي "ميخائيل هراري" في صحيفة "معاريف" في 9 نوفمبر، إن "أحد أسباب قلق نظام السيسي من حرب غزة أن تخرج حماس من الحرب بإنجازات كبيرة، وهو ما يؤدي إلى تقوية الإسلام السياسي في المنطقة كلها".
وأوضح أن نظام السيسي يرى أن إسقاط حُكم حماس هدف غير واقعي، لكنه يهمه معرفة كيف سينعكس هذا على مصالحه.
وأكد أن هجوم 7 أكتوبر فاجأ مجموعة كبيرة من الدول، خاصة مصر، لأن التطورات في قطاع غزة لها تداعيات مباشرة عليها.
قال إنه بعكس تعاون إسرائيل في التوصل لإنهاء جولات القتال السابقة "الأمور هذه المرة تبدو مختلفة".
وذكر 3 عوامل رئيسة تكمن وراء القلق العميق في مصر مما يجرى في غزة: الأول، يتعلق بقوة العدوان الإسرائيلي، الذي أسفر عن أكبر عدد من الضحايا المدنيين في قطاع غزة، وعن قدر كبير من الدمار ربما لم يسبق له مثيل.
ويتعلق هذا بالأساس بالشارع المصري، وخوف السيسي من الضغوط الداخلية التي بدأت تغلي بالفعل، خاصة أنه من المنتظر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في مصر في ديسمبر/ كانون الثاني 2023.
أما الثاني "فيتعلق بالخوف، الذي لا نحظى بالتعبير عنه علنا بطبيعة الحال، من أن تخرج حماس من الحرب بإنجازات كبيرة، على نحو يعزز الإسلام السياسي في المنطقة عموما، وفي مصر خصوصا".
وثالث أمر يقلق مصر هو التقارير المتعلقة باهتمام إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، بما في ذلك ما يشبه "الصفقة الشاملة" التي تُشطَب بموجبها ديون مصر مقابل موافقتها على قبول اللاجئين.
وسبق أن أكدت "وثيقة إسرائيلية مسربة" خطة تهجير أهالي غزة لسيناء بلا عودة، كما نُشرت تفاصيل خطة الاحتلال الإسرائيلي لتهجير أهالي غزة، إلى القاهرة لا سيناء، واكتفى نظام السيسي بالتعليق أنها "مثيرة للسخرية".
وتقول معاريف، يجب على إسرائيل أن تفكر بجدية شديدة في عواقب الحرب على علاقاتها مع القاهرة والتصدعات المحتملة خاصة أن "القاهرة ليست متأكدة من أن إطاحة حكم حماس أمرٌ عملي وخاصة أنه قد يؤثر على مصالح مصر".
ويرى محللون مصريون أن التحدي الأهم بالنسبة للنظام المصري هو ترتيبات إدارة القطاع "ما بعد حماس" أو أيا كانت نتائج الحرب، ففي ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية على السيطرة على القطاع في الظروف الراهنة، ورغبة إسرائيل في عدم التورط مرة أخرى في حكم غزة، فإنه سيكون أمام مصر خياران.
الأول: أن تكون أحد الأطراف المتداخلة في إدارة القطاع، وهو ما سيفتح الباب أمام مسؤولية مصرية متزايدة بشأن القضية الفلسطينية.
والثاني: أن ترفض، وهو ما سيفتح الباب أمام تدخل قوى إقليمية ودولية للتأثير على ملف شديد الحساسية بالنسبة للدولة المصرية، وقرب حدود مصر.