العراق ضمن مسار العلاقات "التركية - الأمريكية"

أيمن خالد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أي حديث عن محددات العلاقة بين تركيا وأمريكا لا يجد المنطقية والصحة دون النظر في ملف العراق، الحاضر حكما بين مجموع الملفات المتحركة بين البلدين، المتفقة حينا والمتأزمة أحيانا بسبب عدة جوانب قابلة للتغيير مع تغير الظروف الدولية لحاكمة.

لعل الاختبار الأول الأكثر تأثيرا للمشترك العراقي ضمن محددات العلاقات التركية-الأمريكية التاريخية تتمثل في المتحول العالمي الحديث الذي بدأ بالغزو الأمريكي-البريطاني للعراق عام 2003.

لقد أثر الغزو الأمريكي للعراق تأثيرا مباشرا على طبيعة العلاقات الأمريكية-التركية من ناحية مصالح البلدين داخل العراق. وكان المنعطف الأكثر تأثيرا متمثلا بمجموع المعطيات والمتغيرات الكبيرة التي القت بظلالها من خلال الأثر الميداني والأمني المباشر لفترة ما بعد احتلال العراق، إلى حقب تشكيل الحكومات العراقية مع الوجود الأمريكي على ارض العراق. وسيطرته المطلقة على جميع الملفات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.

وتأتي مرحلة ما بعد قرار أمريكا سحب جيشها ووحداته المقاتلة من العراق عام 2011 بموجب الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية غير المتكافئة الموقعة عام 2008. تأتي كعامل تغيير وصولا إلى مرحلة تشكيل الحكومات العراقية بمساحة استقلال صغيرة وهامشية.

مع معاودة التدخل الأمريكي والعودة إلى الجهد العسكري عن طريق تحالف دولي جديد تحت مسمى الحرب على الإرهاب بعد سقوط العديد من المحافظات العراقية بيد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014. وبروز الملف السوري بشكل كبير متعلق بالمشترك الحدودي مع العراق كإشكالية ميدانية وسياسية ليصبح المشهد عبارة عن ساحة الغام متداخلة على حدود ملتهبة ومشاريع تقاسم غير منتظمة بقانون ولا توازن سياسي معقول.

كل ذلك ترك آثارا. الناظر إليها يصيبه جزع انتظار حقبة معتمة بعد أن تداخلت الأمور وتشتت الرؤى فأصبحت وسائل الحل مستعصية إلا من طريقة واحدة. وهي قدرة أطراف النزاع على إمكانية حل مجمل الإشكاليات الهائلة عن طريق فك العقد واحدة واحدة بكل ما تحتمله هذه السياسة الدولية المشتركة من تقاطع المصالح الآنية والاستراتيجية على المنظور المتوسط والقريب. 

ويمكن وفق ذلك كله النظر إلى محددات الدورين الأمريكي والتركي في النظر إلى الملف العراقي وفق حالة الثابت والمتغير مع أعلى درجات القلق في الظروف الراهنة. ويكمن ذلك في عدة جوانب قابلة للتغيير مع تغير الظروف الدولية.

فقد اتضح بعد جملة المحن والاهتزازات في المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وبروز ملف الثورات في المنطقة العربية ودخول العالم في دوامات ما عرفت بالحرب على الإرهاب. تداخلت جميعها فكان نصيب المثلث العراقي التركي السوري مجموعة من الأزمات مع وجود الطرف الأمريكي الفاعل الأكبر في خلق هذه الإشكالية. ووفقا لتحديد زاوية النظر إلى العراق لكل من تركيا وأمريكا يتبين أن:

ليس هناك مصلحة حقيقية لأمريكا وتركيا بعراق مقسم على أسس طائفية وعرقية ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ كيانات تؤجج عوامل الصراع والتدخل الدولي المستدام الذي يضر بالمصالح العراقية والتركية حاضرا ومستقبلا.

وفي مناسبات عديدة جاء الخطاب الرسمي التركي بأن أنقرة ستستخدم القوة إذا ما تطلب الأمر الدفاع عن مصالحها القومية. إذ أن تركيا لا تشعر بالأمان على حد قول الرئيس أردوغان في مؤتمر السفراء الأتراك في أنقره في وقت سابق "لا يمكن لتركيا أن تشعر بالأمان ما لم يتم القضاء على تلك المنظمة (ي ب ك/بي كا كا) التي تنمو كالخلايا السرطانية على حدودنا الجنوبية".

وأن "تركيا مصممة على اجتثاث جذور هذه المنظمة الإرهابية من الأراضي العراقية. وربما كانت الإشارة أبعد مخاطبا أمريكا ضمن نفس الإطار بأن "أمن تركيا بمثابة أمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والمنطقة برمتها".

كذلك جاء حديث وزير خارجية تركيا تشاووش أوغلو في مناسبة سابقة قريبة ضمن لقائه وزير الخارجية العراقي بقولة "نحن متطابقون مع العراق حول تطهيره برمته، وليس سنجار فقط، من حزب العمال الكردستاني".

جانب آخر من محددات العلاقة التركية مع الجانب الأمريكي بالنظر إلى الملف العراقي؛ وهو نظرة تركيا إلى تركمان العراق كمكون مهم يرتبط بامتدادات تاريخية طبيعية مع تركيا. فقد جاء ذلك أيضا ضمن اهتمامات الخطاب التركي بحديث الرئيس أردوغان "طرحنا مشاكل أشقائنا التركمان على كافة المستويات، وأود منهم أن يعلموا بأن تركيا وقفت دائما إلى جانبهم وستبقى كذلك".

وفيما يخص ملف محاربة الإرهاب وهو من المشاكل الضاغطة على مسار العلاقات الأمريكية التركية العراقية من ناحية مفهوم الإرهاب وعناصر تمييز ما هو إرهابي دون غيره. تخلق المشكلة الحقيقية في حسم هذا الملف الخطير.

وفي ظل هذه المتناقضات تبقى رؤية كل من العراق وتركيا لبعضهما كملاذ اقتصادي، فإن العراق يعتبر ممرا وعقدة تجارية أساسية للوصول التركي إلى الخليج من مسافة قريبة وطريق سهل. كما أن العراق بذاته كما يذكر "إسماعيل" غولا رئيس مجلس المصدّرين الأتراك الذي ذكر أن ما يصل إلى 12 ألف شركة تركية في مختلف القطاعات، تصدّر منتجاتها حاليا إلى العراق.

إلى جانب مفهوم وأهمية العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين العراق وتركيا يبقى الاهتمام أيضا بالنظر إلى أهمية العراق من الناحية الجيوسياسية التي تشكل قاعدة اهتمام سياسي وإستراتيجي واقتصاديا لكلا الطرفين إذا ما أخذنا أهمية تركيا وموقعها العالمي المتميز جغرافيا وقوة تحكمها بطرق التجارة العالمية.

من المؤكد أن طبيعة العلاقات التركية العراقية اقتصاديا لا تسمح لكلا الطرفين إنكارها وعدم التأكيد على أهميتها من خلال تأمين ﺧﻄﻲ ﺍﻷﻧﺎﺑﻴﺐ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻼﻥ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻝ ﺷــﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻄﺎﺕ ﺍﻟﻀﺦ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﻨﺎء ﺟﻴﻬﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ.

والعود إلى فكرة ومسارات العلاقات التركية الأمريكية مرورا بالعراق توحي بأن هناك تباعدا وابتعادا عن أداء الدور الحقيقي من طرف الولايات المتحدة الأمريكية المتورطة في زج المنطقة في مستنقع خطير، أضعف وشتت طرق الاتفاق على ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ. ما جعل الأطراف الإقليمية ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺤﺮﻙ داخل ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺩﻓﺎﻋﺎ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ، أو خشية مزيد من التورط إذا ما ترك الأمر لأمريكا بالتدخل في المنطقة . كل ذلك جاء على حساب العراق الذي ترك بمواجهة التفتت داخليا وعدم القدرة على التوازن إقليميا ودوليا.

الطرف الأمريكي مدفوعا بجملة الأهداف التي تشكل سياسة الهيمنة والاستحواذ يحاول أن يبقى المستفيد الأكثر في تحديد طبيعة العلاقات البينية بين الدول ذات المراكز الفاعلة من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية. وذلك من خلال إدامة وإبقاء عوامل الصراع لزيادة استنزاف الأطراف الأخرى وهذا ما يشكل العبء الأكبر على طبيعة العلاقات التركية الأمريكية مرورا بآثارها على الحالة العراقية.