مع تواصل الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، سلطت صحيفة الكونفدنسيال الضوء على أيباك، أقوى جمعيات الضغط الصهيونية في أميركا، والتي تكرس جهودها لضمان سير سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل جنبا إلى جنب.
ولاحظت الصحيفة الإسبانية أنه بالتزامن مع الحرب في غزة أصبح توجه اللوبي يمينيا بنسق متصاعد، على غرار سياسات حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو.
وقالت صحيفة الكونفدنسيال إن الأسابيع الأخيرة شهدت انتشار مقطع فيديو قديم على نطاق واسع حاول فيه الناشط والكوميدي الأميركي جون ستيوارت، وهو أحد أبرز الأصوات التقدمية على شاشة التلفزيون، تحليل حرب غزة سنة 2014.
لكنه لم يستطع. وفي كل مرة قال فيها كلمة "إسرائيل" ظهر على الشاشة عدد من الأشخاص الغاضبين وبدأوا يصرخون في وجهه مدافعين عن الكيان الصهيوني.
في الحقيقة، كشفت الحرب الأخيرة التي اندلعت في غزة منذ شهر تقريبا، والتي راح ضحيتها حوالي 10 آلاف فلسطيني في قصف عشوائي، أن كل ما يتعلق بهذه القضية، في الولايات المتحدة، هو مادة مثيرة للاهتمام.
وتحديدا، مادة قادرة على اجتياح النقاش العام مثل الإعصار وكسر نسق الحياة السياسية التي بدت آمنة قبل أقل من شهر.
وأشارت الصحيفة إلى أن في مقدمة هذه الخطب اللاذعة تأتي منظمة أيباك الشهيرة، وهي اختصار باللغة الإنجليزية للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية.
في الواقع، هي منظمة مكونة من أكثر من 100 ألف عضو يكرسون جهودهم لضمان سير سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل على النسق نفسه، ولضمان التأثير أيضا، من خلال التبرعات الغزيرة، على الحزبين الرئيسين في بلاد العم سام.
من جانب آخر لم تميّز أيباك بين دونالد ترامب أو جو بايدن أو هيلاري كلينتون. في الحقيقة، يقبل الرؤساء والمحافظون وأعضاء الكونغرس من كلا الجانبين الأموال من هذا اللوبي لتمويل حملاتهم الانتخابية.
وقد أدرك بعضهم حقيقة واضحة وضوح الشمس: ألا وهي أن هذه الأموال، بالإضافة إلى الوجود الإعلامي للمتعاطفين والشركات ذات الصلة، تُترجم لاحقا إلى قوة جذب سياسية واضحة.
وأشارت الكونفدنسيال إلى أن باراك أوباما أشار في مذكراته إلى أنه "كان هناك أعضاء من كلا الحزبين يراودهم قلق بشأن الإساءة إلى أيباك، وهي منظمة ضغط قوية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مكرسة لضمان الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل".
وأضاف: "كان من الممكن رؤية تأثير أيباك في كل دائرة انتخابية برلمانية تقريبا في البلاد، وكان كل سياسي في واشنطن تقريبا (وأنا من بينهم) يعتبر أعضاء أيباك من بين أهم الداعمين والمانحين لحزبه (...). ولكن مع تحول السياسة الإسرائيلية نحو اليمين، تغيرت أيضا مواقف "أيباك" السياسية (...)".
وواصل: "بعد هذا التحول، أصبح أولئك الذين انتقدوا سياسات إسرائيل بصوت عال على الملأ يخاطرون بأن يتم تصنيفهم ضمن المعادين لإسرائيل (وربما معادين للسامية) ويواجهون منافسا يتمتع بتمويل جيد في الانتخابات المقبلة".
وأوردت الصحيفة أن هذه الأسباب تفسر حضور أقوى السياسيين في البلاد في مؤتمر أيباك السنوي. وفي نسختها الأخيرة، في حزيران/ يونيو الماضي، كان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أحد المشاركين. وحاليا، يجوب وزير الخارجية نفسه الشرق الأوسط بهدف ضمان الدعم لإسرائيل.
ومثلما أشار الرئيس السابق أوباما، فقد انتقلت إيباك مع مرور الوقت إلى اليمين، وانحازت إلى المواقف المتطرفة لبنيامين نتنياهو في إسرائيل، ووضعت نفسها أيضا على يمين الطيف الأميركي.
في الحقيقة، حاول اللوبي دائما النأي بنفسه عن الخلافات السياسية اليومية، وفضّل عدم الانحياز إلى أي حزب أو أيديولوجية طالما كانت إسرائيل مدعومة.
لكن في سنة 2021، بدأت أيباك في دعم المرشحين السياسيين علنا وتمويلهم بأدوات الحملة الانتخابية المعتادة: وهي لجنة العمل السياسي ولجنة العمل السياسي السوبر.
تحديدا، قال المتحدث باسم المنظمة، مارشال ويتمان لتايمز أوف إسرائيل، إن "إنشاء لجنة العمل السياسي ولجنة العمل السياسي السوبر تمثل فرصة لتعميق وتعزيز مشاركة المجتمع المؤيد لإسرائيل في السياسة بشكل كبير".
في الحقيقة، إنها طريقة، مثلما يتبين من خلال بيانات أخرى لأيباك، للإبحار في المشهد السياسي الأميركي المجزأ على نحو متزايد. وتساعدها هذه الآلية على تركيز ثقلها بقدر أكبر من التصميم والموارد لصالح المرشحين الأكثر انسجاما مع سياساتها.
وكشفت الصحيفة أن هذا التحول نحو اليمين أدى إلى قيام الأعضاء المخضرمين في "أيباك" إلى إلغاء عضويتهم والانضمام إلى جماعات الضغط الأخرى المؤيدة لإسرائيل والتي قد تكون أقل قوة، ولكنها أكثر تحفظا في وجهات نظرها.
وأبرز هذه المنظمات هو "جي ستريت": وهو تشكيل أنشأ سنة 2007 على يد يهود أميركيين مقربين من إدارة كلينتون ومدافعين صريحين عن تعزيز التفاهم والسعي إلى السلام بين إسرائيل وفلسطين.
ومن أبرز الشخصيات المستقيلة، يبرز الحاخام مارك إسرائيل، وهو عضو في أيباك منذ أن كان في السابعة عشرة من عمره.
وأوردت الصحيفة أن التغيير المفاجئ في توجهات أيباك يعود إلى التغيير في الرأي العام الأميركي نحو مواقف أكثر انتقادا لإسرائيل.
ويبرز هذا التحوّل في المواقف خاصة على اليسار وبين الشباب. يظهر استطلاع أجرته مؤسسة ماريست وبي بي إس وإن بي أر أن أقل من نصف الشباب، أي جيل الألفية والجيل زاد، يتعاطفون مع إسرائيل، مقارنة بحوالي 83 بالمئة من فئة جيل طفرة المواليد.
ويشير استطلاع آخر أجرته مؤسسة غالوب إلى أن "صافي التعاطف" في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل انخفض من 53 بالمائة سنة 2013 إلى 17 بالمئة اليوم. أما بين الديمقراطيين، فقد تحول هذا التعاطف إلى كراهية.
وأوضحت الصحيفة أن هذا التغيير في المشهد تجسّد خلال السنوات الأخيرة بفضل مجموعة جديدة من السياسيين الاشتراكيين الديمقراطيين الذين ينتقدون إسرائيل ويتعاطفون مع القضية الفلسطينية.
ونتحدث هنا تحديا عن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين ألكساندريا أوكازيو كورتيز، وإلهان عمر، وجمال بومان، وكوري بوش، ورشيدة طليب؛ المجموعة التي تبدي آراء حادة، وغالبا ما يشككون في الدعم غير المشروط لإسرائيل.
ونقلت الكونفدنسيال أن كل هذه الديناميكيات تلقت جرعة من التحفيز منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. لقد ملأ الشباب الاشتراكي واليسار والمنتمون إلى تيار ووك، الموجودون في جامعات النخبة، أغنى الجامعات الأميركية بالاحتجاجات والمنشورات المؤيدة للفلسطينيين بعبارات شديدة القسوة في كثير من الأحيان، حتى أنهم ألقوا باللوم على إسرائيل في هجوم حماس.
كما اتبعت 34 منظمة طلابية في جامعة هارفارد نفس المنهج. ووصفت مجموعة طلاب من أجل العدالة في فلسطين الأحداث في غزة على أنها "انتصار تاريخي للمقاومة الفلسطينية".
وكشفت الصحيفة أن منظور هذه المنظمات، المتشعب من خلال الكثير من تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية، ينبثق من رؤية جميع مشاكل العالم على أنها مسألة تتعلق بالعرق والاستعمار.
فكرة كانت موجودة بالفعل في اسكتش جون ستيوارت سنة 2014. عندما ذكر الممثل الكوميدي إسرائيل مرة أخرى، قوبل هذه المرة بعبارات من قبيل: "هل أنت مع قتل الأطفال!؟" "الحرية لغزة، الحرية لغزة!"، ووصفه آخر على أنه "خنزير صهيوني".
في ظل هذا السياق، ظلت موارد "أيباك" والمجموعات المرتبطة بها تعمل بكامل طاقتها لمدة ثلاثة أسابيع.
وخلف الأبواب المغلقة، يقومون بتمييز وتصنيف أي شخص ينتقد سياسات إسرائيل. من جانب آخر، تتدفق أموالهم بالفعل إلى منافسي أعضاء الكونغرس الذين، بدلا من التعبير عن دفاعهم عن الرد العسكري للحكومة الإسرائيلية، تجرأوا على الدعوة إلى وقف إطلاق النار.