ماذا يعني انسحاب القوات الأمريكية لمسيحيي سوريا؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت كبيرة محرري صحيفة ناشونال كاثوليك ريجستر، بالولايات المتحدة، جوان فراولي دزموند، مقالا يتناول أوضاع مسيحيي سوريا، خاصة بعد قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا.

وقالت دزموند، في مقالها، إنّ المشرعين الأمريكيين من الجمهوريين والديمقراطيين اتهموا الرئيس دونالد ترامب بالتخلي عن معركة القضاء على تنظيم الدولة قبل حسمها بالفوز.

قلق على المسيحيين

ربط المقال بين "إعلان الرئيس دونالد ترامب عن خطط الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من سوريا، والعاصفة في  الكونغرس التي دفعت باستقالة وزير الدفاع جيم ماتيس".

ووصل الأمر، حسب الكاتبة، إلى اتهام المشرعون الأمريكيون الرئيس بالتخلي عن المعركة للقضاء على تنظيم الدولة قبل فوزها، وخيانة الأكراد السوريين، الحليف الأمريكي الذى سيترك بدون حماية. كما أُجبر البيت الأبيض على تمديد الإطار الزمني لسحب  2000 عنصر من القوات الأمريكية من أربعة إلى ستة أشهر".

قالت محررة "ناشونال كاثوليك ريجستر"، في 6 يناير/ كانون الثاني 2019، قال السيناتور ليندسي غراهام لقناة CBS، إن ترامب "يعيد تقييم سياساته على ضوء ثلاثة أهداف: لا تدع إيران تحصل على حقول النفط، ولا تدع الأتراك يذبحون الأكراد، ولا تدع تنظيم الدولة تعود".

إلا أن ما يثير القلق، بحسب المقال، هو الأثر المحتمل للانسحاب على المجتمع المسيحي السوري الذي تضاءلت عدده في خضم سبع سنوات من الحرب الأهلية.

وأشار المقال إلى أن "الغالبية العظمى من المسيحيين في سوريا يعيشون في مدن حلب ودمشق وحمص التي تسيطر عليها الحكومة، ومن المتوقع أن يكونوا غير متأثرين نسبيا بمغادرة القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، الإقليم الذي يسيطر عليه التحالف الكردستاني الذي تدعمه الولايات المتحدة. ولكن هناك أيضا تقديرات متضاربة بشأن عدد المسيحيين في هذه المنطقة، ولا تزال هناك أسئلة مثيرة للقلق بشأن عواقب قرار ترامب".

وقالت مديرة مركز الحرية الدينية في معهد هدسون بواشنطن العاصمة، نينا شيا -وهي من كبار المدافعين عن المسيحيين المضطهدين- إنها "قلقة للغاية إزاء التاأير المحتمل لمحور ترامب على سوريا".

وأضافت شيا، "قال ترامب إن الولايات الأمريكية لا ينبغي أن تكون شرطي العالم، ولكن لدينا مصالح في المنطقة يجب النظر فيها، بما في ذلك حماية المسيحيين والأكراد، الذين كانوا حلفاء مخلصين في الحرب ضد تنظيم الدولة".

ديناميكيات معقدة

نبهت الكاتبة إلى أن "الأساقفة الأمريكيون لم يصدروا رداً رسمياً حتى الآن على خطة ترامب. ومع ذلك، فإن مصدراً أمريكياً جيد الإطلاع، له علاقات مع البيت الأبيض ومجموعات المعونة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، أشار إلى أن المدافعين عن المسيحيين المضطهدين منقسمون بشأن هذه المسألة".

وبحسب المصدر، "قلل البعض من التداعيات الناجمة عن خفض القوات الأمريكية بحجة أن القوات الأمريكية كانت صغيرة نسبياً وبعيدة عن المناطق المسيحية، وفقا للمصدر الذي تحدث بشكل غير رسمي نظراً لحساسية القضية والحاجة إلى تقليل الاحتكاك بين المؤسسات المسيحية وحكومة الأسد".

وفي الوقت نفسه، أكد المصدر أن "الرؤية ستكون أكثر إثارة للقلق إذا ما أعلن البيت الأبيض انسحاب القوات في العراق، حيث لا يزال الأكراد المدعومون من الولايات الأمريكية يوفرون أمناً كبيراً للعديد من العائلات المسيحية".

وقال المصدر أنه "إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، فإنها ستسلم مفاتيح نينوي إلى القوات المناهضة للمسيحيين، مشيراً إلى منطقة نينوي العراقية التي تعد موطناً للمسيحيين الأجداد".

لكن الرئيس لم يفعل ذلك، ذهب إلى العراق في ديسمبر/كانون الأول 2018، وقال "نحن لن نغادر".

أشار المقال إلى أن "أنصار الحرية الدينية في الولايات الأمريكية لا زالوا يحتفلون بموافقة مجلس النواب الأمريكي على قرار "اتش. آر. 390"، وهو تمويل للكيانات، بما فيها التي تستند على الدين، خصوصاً المسيحية والأيزيدية والتي تساعد في الجهود الإنسانية، وجهود الاستقرار وإعادة البناء في العراق وسوريا للمجتمعات الدينية والإثنية في المنطقة بعد الإبادة الجماعية من قبل تنظيم الدولة".

مع ذلك، تعتبر الكاتبة أنه "حتى وإن كانت هناك بوادر مشجعة على إحراز تقدم للمسيحيين العراقيين، فإن الصراع في سوريا طاحن، مع تنافس القوى العالمية الكبرى -تركيا وإيران وروسيا- على سيادة الموقف. هذه الديناميكية المعقدة تجعل التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك أكثر صعوبة".

عاد المقال إلى عام 2011، عندما "اجتاحت سوريا حرب أهلية وحشية وجهت القبضة الحديدية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد ضد القوات المتمردة المستوحاة من "الربيع العربي" والتي دعمتها واشنطن لاحقاً".

وقال المصدر إنه "عندما انفجرت تنظيم الدولةعلى الساحة في عام 2014، بدأت واشنطن وشركائها في التحالف حملة من الضربات الجوية ضد المنظمة الإرهابية، وارتفع عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى 2000 جندي بحلول عام 2017".

تغير مسار ترامب

في ديسمبر/ كانون الأول 2018، غرد الرئيس الأمريكي على تويتر، "لقد هزمنا تنظيم الدولة في سوريا، وهذا هو السبب الوحيد لوجودي هناك خلال فترتي الرئاسية".

وذُكِر أن القرار جاء عقب محادثة بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتبر المقاتلين الأكراد السوريين قوة إرهابية تعمل على زعزعة استقرار بلاده.

وتعهد أردوغان على الفور بالبدء في الهجوم على الأكراد، وهو تعهُّد وضع رهانات على المناقشة السياسية التي استمرت إلى 2019.

قال المقال إن "عدداً من الخبراء، فقط، هم الذين تحدثوا عن ما يهم المسيحيين بشكل خاص، مثل الفوائد التي حصلوا عليها من خلال نظام الحكم الذي وضعته المليشيات الكردية والعربية والسورية المسيحية التي تعمل في القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة في الجزء الشمالي الشرقي من البلد".

أوضحت الكاتبة أن "قوات الدفاع الذاتي هناك صاغت عقداً اجتماعياً يحترم إلى حد كبير الحرية الدينية وهوية المسيحيين، ويدعي أنصار الأكراد أن هذا العمل سيتعرض للخطر إذا ما غادرت الولايات الأمريكية وتتمكن القوات التركية على شن الهجوم".

وقال الفيلسوف الفرنسي والمدافع عن حقوق الإنسان، برنار هنري ليفي، وشريكه فى كتابة المقال توماس س. كابلان، على صحيفة واشنطن بوست، إن الأكراد السوريين "حكموا عدداً من السكان يبلغ حوالي 2 مليون نسمة بدرجة من الاحترام للحرية الدينية والمساواة بين الجنسين وحقوق الأقليات غير معروفة في ذلك الجزء من العالم".

وذهبت الأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إيمي أوستن هولمز، وزميلها في مركز وودرو ويلسون الدولي، إلى أبعد من ذلك، عندما قالت "إن الانسحاب يشكل تهديدا صريحاً لبقاء ما يقدر ب 100 ألف مسيحي في شمال غرب سوريا"، بحسب المقال.

واستشهدت هولمز برئيس المجلس الوطني السرياني في سوريا والممثل الدبلوماسي للمجلس الديمقراطي السوري في الولايات المتحدة، ببسام إسحاق، كمصدر لتقديراتها للمسيحيين الذين يعيشون في شمال شرق سوريا.

وقال إسحاق في بيان صدر يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول 2018، "إن المسيحيين في هذا الجزء من البلد "احتفلوا بحرية بأعياد الميلاد"، وحذر من أنه "إذا غزت تركيا، فإن كنائسنا وشعبنا سوف يزولان".

ورأت الكاتبة أنه "يبدو أن البيت الأبيض قد استجاب لمخاوف إسحاق بدفعة من المشرعين الأمريكيين. ففي 6 يناير/ كانون الثاني 2019، قال مستشار الأمن القومي في ترامب، جون بولتون، للصحفيين إن الانسحاب لن يبدأ حتى تتلقى واشنطن ضمانات كافية بأن تركيا لن تضرب القوات الكردية في سوريا".

النازحون المسيحيون

"في هذه الأثناء، من الصعب التحقق بشكل مستقل من الأرقام الرسمية لإسحاق عن المسيحيين في الأراضي التي تسيطر عليها قوات الدفاع الذاتي، نظرا لتشريد عشرات الآلاف من المسيحيين السوريين داخلياً أو إجبارهم على المنفى خلال الحرب الأهلية"، يقول المقال.

وقال المتحدث باسم "معونة الكنائس المحتاجة"، جوب كوبمان، "إن مصادر الوكالة قدرت عدد المسيحيين في المنطقة بنحو 30 ألف شخص، و120 ألف عائلة مسيحية مسجلة في الكنائس السورية، في جميع أنحاء البلاد"، حسب المقال.

وقال كوبمان، "إن المسيحيين كانوا يشكلون في السابق 5.2% من سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون نسمة واليوم، انخفض عدد السكان الإجمالي إلى 18.2 مليون نسمة، و 3% من المسيحيين".

وأضافت كاتبة المقال، أنه "على الرغم من أنه لم يتمكن من تقديم صورة مفصلة للمجتمعات المسيحية في الشمال الشرقي، إلا أنه أشار إلى أن الأسقف جاك بهنام هيندو من الحسكة-نصيبي، الذي كان سابقاً في المنطقة، هاجم مؤخراً الحكومة المحلية ذات الأغلبية الكردية لوضع سياسات أدت إلى إغلاق العديد من المدارس الكنسية".

وفي الوقت نفسه، أكد كوبمان أن وكالته "لم يكن لها موقف رسمي" بشأن خفض القوات الأمريكية. وقال إن "هدفنا الرئيسي هو تهيئة الظروف التي تسمح للمسيحيين بالبقاء والازدهار في الشرق الأوسط"، معبراً عن ارتياحه الشديد لتمرير قرار المعونة الأمريكية التي تساعد الأقليات الدينية المحتاجة في العراق على إعادة بناء مجتمعات أسلافها، حسب ذات المصدر.

هل ستصل هذه الأموال الحيوية إلى المجتمعات المسيحية في سوريا والعراق؟  

رداً على السؤال قال المتحدث باسم "معونة الكنائس المحتاجة"، "في الوقت الراهن، لا ينطبق هذا الخط الجديد للمعونة على سوريا".

ورأت الكاتبة أن "الرسالة كانت تذكيراً آخر بأن واشنطن تبنت سياسات منفصلة للعراق وسوريا وأن الدعاة الأميركيين للمسيحيين المضطهدين يجب أن يضاعفوا حملتهم لإبقاء الأمل حي في جميع أنحاء الشرق الأوسط".