"آفي شلايم"، مؤرخ مزدوج الجنسية، إسرائيلي وبريطاني، يتميز بحواراته التي لا تخلو من الحكمة في أدق تفاصيل العبارات التي يختارها، والتي غالبا ما تكون متناسقة مع حركات يديه الدقيقة.
لكن، تردد صدى مضمون تصريحاته في واحدة من أعنف اللحظات في التاريخ الحديث للأرض التي نشأ فيها، حيث ولد شلايم في العاصمة العراقية بغداد لعائلة يهودية ثرية، ولهذا السبب يشعر كأنه عربي يهودي.
في أوائل الخمسينيات، هاجرت عائلة شلايم إلى إسرائيل، وعندما كان مراهقا، ذهب الشاب "آفي" للدراسة في المملكة المتحدة، وتعيّن عليه العودة إلى إسرائيل لإكمال خدمته العسكرية.
ويملك شلايم، الذي كان أستاذا في جامعة أكسفورد، حيث يقيم حاليا، رصيدا من المراجع التي تحتوي بعضا من أفضل الأعمال لفهم الشرق الأوسط، بما في ذلك "الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي"، وآخر أعماله، "ثلاثة عوالم: مذكرات يهودي عربي".
وكان لصحيفة "الباييس" الإسبانية، لقاء مع هذا المؤرخ العربي اليهودي، الذي ينتقد بلا خجل الحكومات الإسرائيلية، في أحد مكاتب جامعة كومبلوتنسي بمدريد خلال مؤتمر "مستقبل القضية الفلسطينية.. 75 عاما على النكبة".
وفي الحديث عن الصهيونية، قال المؤرخ وهو يتذكر: "كانت والدتي تتحدث عن أصدقائنا المسلمين الرائعين في بغداد، وفي أحد الأيام سألتها إذا كان لدينا أصدقاء صهيونيون، حينها قالت إن الصهيونية مسألة تخص يهود الأشكناز أو يهود أوروبا".
وحول التصعيد الأخير بين فلسطين وإسرائيل، قال المؤرخ: "نعيش على وقع أوقات حالكة، في 7 أكتوبر 2023، شنت حماس هجوما على إسرائيل، وكانت تلك نقطة تحول، لأنها كانت المرة الأولى التي تغزو فيها حماس الأراضي الإسرائيلية وتهاجم إسرائيل داخل إسرائيل نفسها".
واستدرك: "لكن الصراع لم يبدأ في هذا التاريخ، في الحقيقة، بدأ الصراع منذ قرن من الزمن، وفي سنة 2005، انسحبت إسرائيل من غزة، لكنه كان انسحابا جاء وفق قرار أحادي الجانب. ولم يكن ذلك جزءا من اتفاق مع السلطة الفلسطينية، علاوة على ذلك، لم تكن خطوة نحو حل شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وتابع: "طبعا، يزعم الإسرائيليون أنهم أعطوا الفلسطينيين الفرصة لتحويل غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط، لكنهم لم يفعلوا شيئا من هذا القبيل، في الواقع لقد حولوا (الإسرائيليون) غزة إلى سجن مفتوح".
وأضاف شلايم: "لقد انصب اهتمام وسائل الإعلام على هجوم حماس، وبدرجة أقل على رد فعل إسرائيل، وهو أمر غير متكافئ، أنا أدين كليهما".
وأكد أن "الرد الإسرائيلي (على عملية طوفان الأقصى) كان غاشما ووحشيا وغير متكافئ، عموما، الانتقام ليس سياسة، وما تفعله إسرائيل هو إرهاب ترعاه الدولة، أو إرهاب الدولة، إنه تصعيد أخطر بكثير من الهجوم على إسرائيل".
ونوه قائلا: "أريد أن أشدد على أن الصراع لم يندلع في 7 أكتوبر 2023، ويتساءل الناس لِمَ شنت حماس هذا الهجوم؟ وهنا، يكمن الجواب في السياق، ويتمثل السياق في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967".
وأورد المؤرخ أن "الإسرائيليين لا يهتمون بالتاريخ، فقط ينظرون إلى ما حدث لهم، لقد كانت صدمة حقيقية، يوم السبت الأسود، أي 7 أكتوبر، كان أسوأ يوم في تاريخ إسرائيل".
واستطرد: "لقد تعرضوا لصدمة نفسية، فبينما كانت هناك قبل الهجوم حركة احتجاجية خطيرة للغاية ضد (رئيس الوزراء، بنيامين) نتنياهو وخطته للإصلاح القضائي، أصبح الجميع الآن في إسرائيل متحدين في هذه الحرب ضد حماس، ولكن عندما ينتهي العدوان، سيتحول الغضب ضد نتنياهو، أعتقد أنه لن يكون قادرا على البقاء على قيد الحياة سياسيا".
وأضاف: "من ناحية أخرى، يأتي الرد الغربي على هذه الأزمة، ومن سماته المميزة، نذكر النفاق والازدواجية في المعايير، ومن الأمثلة على هذا النفاق، يمكن الحديث عما وقع سنة 2006، عندما فازت حماس بانتخابات عادلة وحرة، حينها، رفض الكيان الإسرائيلي الاعتراف بحكومة حماس".
واسترسل: "من هنا، دعمت أوروبا ِوالولايات المتحدة حربا اقتصادية من أجل تضييق الخناق على حماس وإجبارها على الوصول إلى الحكم في غزة بالعنف، وبعد هذه الأحداث التي جرت سنة 2007، فرضت إسرائيل حصارا على القطاع".
وشدد على أن "هذا الحصار غير قانوني وغير شرعي، لأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي ضد المدنيين، والآن، تخطو إسرائيل خطوة أبعد من الحصار، إنه نوع من حصار القرون الوسطى، حيث يمنعون من خلاله وصول المياه والغذاء والدواء والوقود إلى سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة".
وواصل: "لقد نددت القوى الغربية بحماس، لكنهم لا ينظرون إلى الرد الإسرائيلي ولا ينتقدونه، لذا فإنهم سيكونون متواطئين في الهجوم الإسرائيلي على غزة والهجوم على المدنيين، وبهذه الطريقة، يمنح الغرب إسرائيل الشارة الخضراء لفعل أسوأ ما في وسعها بدلا من الدعوة إلى وقف إطلاق النار".
وأورد المؤرخ أن "جذور الصراع تعود على الأقل لسنة 1948، أي النكبة، وفي الحقيقة، لا تعتبر النكبة حدثا معزولا وقع عام 1948، عندما طرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني، وجرى محو اسم فلسطين من الخريطة، إنها عملية مستمرة، ولم تحدث لمرة واحدة".
وأضاف "في الواقع، عملت إسرائيل منذ سنة 1967 على بناء وتوسيع المستوطنات ضمت القدس الشرقية واقترفت تطهيرا عرقيا هناك، في الوقت الراهن، يمكن أن نكون على حافة نكبة ثانية، وكارثة كبيرة ثانية مع طرد جماعي للفلسطينيين".
وواصل: "لقد انسحبت إسرائيل من غزة سنة 2005. ومن هنا، لجأ الجنرالات الإسرائيليون إلى إستراتيجية "قطع العشب"؛ التي تعني أنه ليس بأيديهم أي حل سوى القوة العسكرية الغاشمة.
وتابع: "لقد كثفوا من شراء الأسلحة الثقيلة والتكنولوجيا العالية. إنهم يقتلون الآلاف من الأشخاص، ويدمرون عشرات الآلاف من المنازل والبنى التحتية. كما يضعفون من قدرات حماس العسكرية ثم ينسحبون. هذا ليس حلا".
ووفقا لإحصائيات، فإن هذا هو الهجوم الإسرائيلي السادس الكبير على سكان غزة، وحتى الآن "فهو الأخطر وتعد عواقبه ذات أبعاد أكبر".
وشدد على أن "هذا العدوان يعد الأكثر تدميرا، لأن إسرائيل تهاجم سيارات الإسعاف والمستشفيات والمساجد والمدارس والمستودعات، مصحوبة بأمر لحوالي 1.1 مليون من سكان القطاع بالانتقال من الشمال إلى الجنوب، وهو ما يعد نقلا جماعيا وقسريا للمدنيين".
وحول حلول الصراع، قال شلايم "منذ سنة 1967، أحبطت إسرائيل وأفسدت جميع خطط السلام الدولية، لقد خربت اتفاقيات أوسلو 1993، وانتهكت هذه الاتفاقيات من خلال بناء المزيد من المستوطنات، لقد أغلقت السبل السلمية كافة لحل الصراع".
وتابع: "النتيجة هي ما نشهده اليوم في غزة، قوة غاشمة على نطاق واسع، بلا أفق سياسي ودون نور في نهاية النفق".
1 |
El historiador israelo-británico Avi Shlaim: “Las potencias occidentales serán cómplices del ataque de Israel a Gaza” |
---|