بعد انسحاب واشنطن من "الصواريخ النووية".. سيناريوهات مطروحة

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قراءات عديدة صاحبت قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى التي وقعتها أمريكا مع روسيا، بدعوى عدم التزام موسكو بما نصت عليه المعاهدة، رغم النفي المتكرر للكرملين.

التوقعات تشير إلى أن ترامب أراد بهذه الخطوة دفع موسكو إلى اتفاقية جديدة، ربما تشمل الصين كذلك، إلا أن تأثيرات الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية، كشف عن الخوف الذي أصاب العالم نتيجة هذه الخطوة التي لم تكن مفاجأة على الإطلاق.

قراءات عديدة للقرار الأمريكي تشير إلى أن مرحلة الحرب الباردة النووية بين واشنطن وموسكو، عادت من جديد، لكنها هذه المرة يمكن أن تشهد أطرافا أخرى مثل الصين، كما أنها هذه المرة مغايرة لتلك الحرب التي عرفها العالم بين القطبين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهت بتفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991.

ماذا عن السيناريوهات المطروحة إذن لهذا القرار الأمريكي؟ وهل إعلان موسكو تجربة صاروخ نووي عابر للقارات قبل أيام من قرار ترامب كان رسالة مبطنة بأن القضية أكبر من اتفاقية الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى؟ ولماذا بادرت واشنطن بإعلانها عن تطوير منظومة صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بعد ساعات من قرارها الأخير؟

اتفاقية جديدة

في عام 1987 وقعت كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي معاهدة عرفت وقتها باسم "آي إن إف" للحد من انتشار فئة كاملة من الأسلحة ذات الإمكانات النووية بين البلدين مع نهاية الحرب الباردة، حيث نصت المعاهدة على حظر نشر الصواريخ التي تطلق من الأرض، والتي يبلغ مداها من 500 إلى 5500 كيلومتر (حوالي 200 إلى 3400 ميل).

وقادت المعاهدة، التي أشرف على إبرامها الرئيس الأمريكي رونالد ريجان والزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، إلى تدمير 2692 صاروخًا قصيرا ومتوسط المدى.

حسب ما نقلته وكالة رويترز عن الرئيس الأمريكي ترامب فإنه يرغب من وراء هذه الخطوة، لإلقاء حجر في الماء الراكد. ترامب أكد صراحة للصحفيين في البيت الأبيض أنه "يود إبرام اتفاقية جديدة للأسلحة مع روسيا للحد من جميع القوى النووية، وربما كذلك مع الصين".

وأضاف: "إذا تمكنا من إبرام اتفاقية يقلصون هم ونحن بموجبها الأسلحة النووية فإن ذلك سيكون شيئا جيدا للعالم.. أعتقد جازما بأن ذلك سيحدث".

تصريحات عديدة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تكشف أن السبب الذي دفع بلاده لهذه الخطوة، هو أنها ليست مجبرة على الاستمرار في معاهدة تنتهكها روسيا باستمرار، وبشكل متعمد.

بومبيو أشار إلى أن عدم امتثال روسيا للمعاهدة يهدد المصالح العليا للولايات المتحدة لأن تطوير روسيا ونشرها لنظام صاروخي ينتهك المعاهدة يمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.

في الإطار ذاته تحدث مسؤولون بالإدارة الأمريكية لرويترز عن الانتهاكات التي أشار إليها وزير الخارجية، بأن روسيا نشرت في جميع أنحاء البلاد وحدات متعددة من صاروخ كروز القادر على ضرب أهداف أوروبية غاية في الأهمية، وهو ما يعد انتهاكا واضحا للمعاهدة.

الرد الروسي

موسكو من جانبها أبلغت واشنطن بأن قرارها "يقوض الأمن العالمي ويهدم ركيزة أساسية من ركائز الحد من التسلح". ووفق بيان الخارجية الروسية فإن "واشنطن ارتكبت خطأ"، مؤكدة أن بلادها "تنفذ بالفعل وقفا أحاديا ولن تنشر صواريخ قصيرة أو متوسط المدى تطلق من البر في مناطق تنشر فيها الولايات المتحدة مثل هذه الصواريخ".

حسب مراقبين، فإن روسيا لن تكون خاسرة من القرار الأمريكي، وهو ما ألمح إليه الرئيس الروسي في تصريحات سابقة رغم تأكيده أن بلاده لا تريد سباق تسلح، وأنه يتعهد بعدم نشر صواريخ روسية إلا إذا أقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطوة أولا.

التصريحات السابقة لم تكن الوحيدة لبوتين في هذا الإطار، حيث هدد بأنه في حالة قيام واشنطن بالخروج من المعاهدة، "سوف يضطر لنشر صواريخ نووية تفوق سرعة الصوت على متن سفن أو غواصات قرب المياه الأمريكية، أو على حد وصف بوتين "إذا نشروا الصواريخ فسوف ننشر كذلك".

تخوف أوروبي

يشير مراقبون أن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، تبنوا الموقف الأمريكي، لأنهم الأكثر ضررا في المشهد، ولذلك لم يدخروا جهدا في اتهام روسيا بأنها السبب في القرار الأمريكي لانتهاكاتها المستمرة للاتفاقية.

ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أعلن صراحة رفض طلب روسي بتعليق نشر الصواريخ بعد القرار الأمريكي، مشيرا إلى أنه "طلب عديم المصداقية لأن موسكو نشرت بالفعل مثل هذه الرؤوس الحربية منذ سنوات".

وحسب تصريحات ستولتنبرج، فإنه "لا توجد صواريخ أمريكية جديدة ولا صواريخ جديدة للحلف في أوروبا لكن هناك المزيد والمزيد من الصواريخ الروسية الجديدة".

واستغلت بولندا جلسة نقاش مفتوح في مجلس الأمن الدولي حول حماية الأطفال في الصراعات المسلحة، وشنت هجوما قاسيا على روسيا من خلال وزير خارجيتها ياتسيك تشابوتوفيتش محملا موسكو مسؤولية انهيار معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى الموقعة مع الولايات المتحدة.

وقال الوزير البولندي للصحفيين بمقر الأمم المتحدة: "روسيا هي التي خرقت الاتفاقية ونشرت صواريخها المتوسطة وقصيرة المدى المخالفة للمعاهدة".

الضرر الذي سيقع على الطرف الأوروبي يرجع في الأساس، حسب متابعين، إلى أن الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، يمكن أن تصل إلى برلين وباريس ولندن وليس إلى واشنطن ونيويورك.

السباق بدأ

ويرى المحللون أن السباق النووي بدأ بالفعل بعد ساعات من قرار ترامب، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، أنها سوف تسرع في تطوير صواريخ جديدة بعد الخروج من معاهدة الحد من الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى مع روسيا.

وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس في بيان رسمي: "الآن وقد انسحبنا ستواصل وزارة الدفاع بقوة تطوير صواريخ أرض جو التقليدية، في رد على تحركات روسيا"، مضيفا أن الأمريكيين باشروا منذ عام 2017 أبحاثا حول منظومة الصواريخ هذه، مع البقاء في إطار معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى.

وحسب بيان الوزير، فإن "هذه الأبحاث كانت ردا على عدم تقيد روسيا بالمعاهدة منذ أيام الحرب الباردة، وتركزت الأبحاث على تطوير منظومة صواريخ "متحركة، تقليدية، أرض جو، وعابرة وباليستية".

ورغم تصريحات وزير الدفاع الأمريكي السابق فإن خبراء ودبلوماسيين أمريكيين، قللوا من التخوفات الناجمة عن قرار الانسحاب من المعاهدة النووية.

ووفق آراء نقلتها مجلة "فورين بوليسي" عن الدبلوماسي الأمريكي السابق في قضايا حظر الانتشار النووي "توماس كانتريمان"، فإن زوال المعاهدة لن يغير الأمور بين عشية وضحاها، مستبعدا أن نشهد على المدى القصير تغييرًا ماديًا فوريًا.

كانتريمان أكد في الوقت نفسه أنه على المدى المتوسط، سوف يسعى الجيش الأمريكي للحصول على تمويل وتفويض للبدء في تطوير الصواريخ متوسطة المدى التي كانت محظورةً عليه بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.

حسب خبراء آخرين تحدثوا للمجلة عن تأثيرات الخطوة الأمريكية، فإن المدافعين عن الحد من انتشار الأسلحة النووية سوف يذهبون إلى أن القرار سيزيد من خطر نشر الصواريخ التقليدية والنووية على طول الحدود الروسية مع أوروبا الشرقية، مما قد يقوض أمن أوروبا.

وهو الرأي الذي ذهبت إليه "بوني جينكينز" المنسقة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية لبرامج الحد من التهديدات والمستشارة الحالية لمجموعة السياسة الخارجية لأمريكا بواشنطن، والتي تعتبر الانسحاب الامريكي "إيذانا بفتح الباب لإمكانية حدوث سباق تسلح جديد، من خلال تدمير القيود المنصوص عليها في المعاهدة".

الصين للواجهة

تحليلات أخرى ذهبت إلى أن الهدف من الخطوة الأمريكية، لم يكن المقصود منه روسيا على وجه التحديد، وإنما كان الهدف هو الجانب الصيني، الذي تراه الولايات المتحدة يسير بخطى متقدمة في تطوير قواتها الصاروخية متوسطة المدى الخاصة والتي بدأت بنشرها في منطقة شرق آسيا، دون أن يكون عليها قيد.

حسب هذه الآراء، فإن واشنطن تستشعر أن الصين أكبر خطر إستراتيجي في المدى القريب، بعد أن وصل إنفاق الصين على التسلح 285 مليار دولار خلال عام 2018/2019 متفوقة بذلك على الإنفاق الروسي بـ 85 مليار دولار، كما سبق لأمريكا أن طالبت بضم الصين للاتفاقية، ولكن موسكو رفضت ذلك وأعلنت أن الصين ليست ذات شأن في هذه الاتفاقية.

يستند أصحاب هذا الرأي لتصريحات ترامب عن نيته لإبرام اتفاق جديد مع موسكو، على أن تنضم إليه بكين في وقت لاحق، وهي التصريحات التي تعاملت معها الصين برفض واضح على لسان سفير الصين الجديد لدى الأمم المتحدة تشانغ جون.

جون أكد أن بلاده تأسف لانسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة وعبّر عن شكوكه إزاء انضمام بكين إلى واشنطن وموسكو في معاهدة نووية، قائلا: الولايات المتحدة تقول إن الصين يجب أن تكون طرفا في معاهدة نزع الأسلحة هذه، لكنني أعتقد بأن الجميع يعرف أن الصين ليست على نفس مستوى الولايات المتحدة والاتحاد الروسي فيما يتعلق بالأسلحة النووية".

وأرجع الخبراء تخوف واشنطن من الصين، لوجود سفن أمريكية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وأن الصواريخ الصينية الموجودة على البر من الممكن أن تستهدف السفن الأمريكية في بحر الصين الشرقي عند تايوان وهونج كونج، دون أن يأتي أي مدد للسفن إلا من كوريا الجنوبية أو اليابان، والذي يستغرق من 6 ـــــ 8 أيام.