ما حقيقة الانتشار الأمريكي الجديد في العراق بعد إنهائه بسوريا؟

5 years ago

12

طباعة

مشاركة

كثر الحديث في العراق عن حراك عسكري للقوات الأمريكية في مختلف المحافظات العراقية، وخاصة الشمالية والوسطى منها، حراك يعزوه بعض المراقبين إلى إعادة انتشار القوات الأمريكية في المناطق السنية في محاولة للحد من النفوذ الإيراني فيها.

وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأرتال القوات الأمريكية وهي تتجول في بعض المناطق المدنية في العراق، ليطرح تساؤل عن مدى صحة اعادة الانتشار الأمني الأمريكي في العراق في ظل التطورات الإقليمية السريعة التي كان آخرها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا.

الوجود الأمريكي بالعراق

دخلت القوات الأمريكية العراق في عام 2003 إبان الغزو للبلاد الذي أطاح بنظام الحكم بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، واستمرت القوات الأمريكية في تنفيذ عملياتها العسكرية في العراق لسنوات عديدة بمطلق الحرية ودون أن يكون للسلطات العراقية أي دور في معرفة حجم وتحركات وعمليات القوات الأمريكية حتى تاريخ توقيع الاتفاقية الأمنية بين البلدين في عام 2008.

إذ نصت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين على انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من المدن والقرى والقصبات العراقية بتاريخ لا يتعدى يونيو/حزيران 2009، على أن تنسحب جميع القوات الأمريكية من الأراضي العراقية بتاريخ لا يتعدى 31 ديسمبر/كانون الأول 2011، وتحل محلها القوات العراقية، وذلك وفق نص الاتفاقية الأمنية في مادتها الرابعة والعشرين.

ووفقا الاتفاقية انسحبت جميع القوات الأمريكية من العراق، ولم تعد إلا بعد سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار في يونيو/ حزيران 2014 و بطلب من الحكومة العراقية.

أقل من ثلاث سنوات على مغادرة القوات الأمريكية العراق، عادت بعدها هذه القوات بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما"، إذ بدأت العمليات الحربية لقوات التحالف الدولي في العراق في 15 يونيو/ حزيران 2014 للرد على الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة على العراق، واستنادا إلى طلب الحكومة العراقية بإرسال قوات أمريكية لمساعدة القوات العراقية في مواجهة الخطر الذي يمثله التنظيم الذي اكتسح مساحات شاسعة في العراق.

ومع نهاية الحرب على تنظيم الدولة في العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2017 وإعلان رئيس الحكومة العراقية السابقة حيدر العبادي، تحقيق النصر الكامل على التنظيم، يكتنف الغموض وضع القوات الأمريكية في العراق، إذ ان وجودها ما زال دون غطاء قانوني.

إعادة الانتشار الأمريكي

أعادت القوات الأمريكية في العراق انتشارها في عدة مدن عراقية وتحديدا في قواعد عسكرية كانت متمركزة فيها قبل الاتفاقية الأمنية، وأظهرت مقاطع فيديوية تحرك هذه القوات في مناطق عدة وتجوالها في شوارع بعض المدن رفقة أرتال عسكرية.

وفي هذا الصدد، نفت وزارة الدفاع العراقية، في بيان لها في 12 يناير/ كانون الثاني ما أوردته تقارير صحفية حول انتشار قوات أمريكية في محافظة نينوى.

كما نشر مركز الإعلام الأمني بيانا صحفيا جاء فيه "يُنشر بين الحين والآخر من قبل مواقع محسوبة على الإعلام مواضيع وأخبار، إلا أن هذه المواقع بعيدة جداً عن العمل المهني؛ حيث تعمد إلى نشر معلومات مغلوطة وغير صحيحة كان آخرها انتشار قوات أمريكية في مقرات الموصل وطردها لقوات الحشد الشعبي والداخلية".

مصادر خاصة لـ "الاستقلال" كشفت بدورها عن مواقع انتشار القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية.

وأكدت المصادر التي فضلت عدم الإفصاح عن هويتها أن القوات الأمريكية تنتشر في محافظة الأنبار في قواعد ومعسكرات هي الحبانية والمزرعة وعين الأسد والقائم والوليد، فيما تنتشر هذه القوات في محافظة صلاح الدين في معسكرات سبايكر والتاجي.

وأوضحت أن العاصمة بغداد تشهد انتشار قوات أمريكية فيها في مطار بغداد الدولي وفي الرضوانية وبسماية، أما محافظة نينوى فللقوات الأمريكية حضور كبير في قاعدة القيارة الجوية وفي مركز قيادة عمليات نينوى وفي سد الموصل.

وأوضحت المصادر في ختام حديثها لـ الاستقلال أن عديد القوات الأمريكية في العراق يزيد على 12 الف جندي امريكي، بحسبها.

ما حقيقة الانتشار الأمريكي؟

وفي خضم الجدل الواسع داخل الأوساط الحكومية والشعبية، أقرت حركة عصائب أهل الحق (إحدى فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران) بانتشار قوات أمريكية في البلاد.

إذ أقر المتحدث العسكري باسم "العصائب" جواد الطليباوي في بيان صحفي اطلعت عليه "الاستقلال" برصد انتشار وتحركات جديدة للقوات الامريكية داخل العراق، داعيا السلطتين التنفيذية والتشريعية الى اتخاذ موقف إزاء تلك التحركات، متوعدا بضرب تلك القوات في حال عجز الحكومة والبرلمان عن أخذ زمام المبادرة.

من جانبه، يرى الخبير الأمني والاستراتيجي هشام الهاشمي في حديثه لـ"الاستقلال" أن عديد القوات الأمريكية في العراق لم يطرأ عليه أي زيادة منذ انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة .

وأوضح أن ما يحدث على الأرض هو خروج تلك القوات من القواعد وتحركها بين المدن وحول القواعد بعد أن كانت حبيسة أسوار قواعدها، في إشارة ضمنية أمريكية لدول الجوار الإقليمي بأن الولايات المتحدة ما زالت حاضرة عسكريا في العراق.

المحلل السياسي العراقي رياض محمد، رأى من جانبه أن الحكومة العراقية باتت في موقف محرج من الأنباء التي تشير الى انتشار أمريكية في العراق.

وأوضح محمد أن الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة التي تنص إحدى بنودها على الانسحاب الأمريكي من العراق قد انتهى مفعولها بانسحاب تلك القوات فعليا من العراق في عام 2011، وأن عودة تلك القوات إلى العراق مجددا في عام 2014 تم بطلب من الحكومة العراقية.

وأشار إلى أنه ومن منطلق سياسي لا يحق لأي شخصية سياسية أو عسكرية في العراق أن تطالب بمغادرة القوات الأمريكية بعد استعادة العراق لكامل أراضيه، وأن على الساسة العراقيين أولا أن يشرعوا قانونا في مجلس النواب بإلزامية خروج تلك القوات الأمريكية من البلاد، لافتا إلى أن بعض السياسيينه الذي يعدون وجود القوات الأمريكية في العراق احتلالا غير صحيح من المنظور القانوني على اعتبار أن الحكومة استدعت ذلك التدخل لأجل مواجهة داعش.

وعن إمكانية تشريع البرلمان لقانون يجبر الحكومة على إخراج تلك القوات من العراق، أشار محمد في ختام حديثه لـ"الاستقلال" إلى عدم إمكانية ذلك في الوقت الراهن، نظرا لأن العراق ما زال يعتمد على الجهد الجوي والاستخباراتي الأمريكي في مواجهة ما تبقى من خلايا نائمة لتنظيم الدولة في عدة محافظات عراقية، واحتمالية حدوث انهيار أمني كبير كالذي حدث في عام 2014.

تضارب التصريحات الأمريكية

وعلى الرغم من إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكثر من مناسبة على إبقاء قوات بلاده في العراق، وتعزيزها بأخرى منسحبة من سوريا "لمراقبة إيران بالمنطقة"، وكذلك حديثه عن قواعد عسكرية أمريكية بالعراق، إلا أن مسؤولا أمريكيا آخر تحدث عكس ذلك تماما.

وقال القائم بأعمال السفارة الأمريكية ببغداد جوي هود، الثلاثاء الماضي، إن "تواجد القوات الأمريكية في العراق جاءت بدعوة من الحكومة العراقية"، مؤكدا أن "هذه القوات والتحالف الدولي والناتو ستغادر العراق في حال طلبت الحكومة العراقية ذلك".

وبخصوص أعداد القوات الأمريكية الحالية في العراق، أوضح أن "معدل التواجد للقوات هو 5200 جندي اسبوعيا، وأن هذا العدد يتغير اسبوعيا وليس رقما ثابتا، وهم متواجدون مع القوات العراقية"، مؤكدا أنه "لا توجد هنالك قواعد أمريكية في العراق، بل يتواجد مدربين ومستشارين".

تباين الموقف الشعبي

يختلف موقف الشعب العراقي تجاه اعادة الانتشار الأمريكي في العراق، فما بين رفض شعبي في بعض المناطق، يؤيد سكان المحافظات السنية التواجد الأمريكي على اعتبار أن تلك القوات هي حائط الصد تجاه التوغل الإيراني الكبير في المحافظات السنية.

"يوسف بلال" أحد مواطني مدينة الموصل، يؤيد في لـ"الاستقلال" الانتشار الأمريكي في العراق، بل ويدعو إلى مزيد من الانتشار، وحجة بلال في ذلك أن أي منطقة يتواجد فيها الجيش الامريكي، فإن تنظيم الدولة لن يجرؤ على العودة إليها.

كما يرى بلال، أن "التواجد الأمريكي سيحد من النفوذ الإيراني وفصائل الحشد الشعبي التي باتت تستوطن المحافظات السنية بعد استعادتها من داعش"، بحسب قوله.

أما "حيدر اللامي" الذي يقيم في العاصمة بغداد، فيرى أن "التواجد الأمريكي في العراق سيجلب مزيدا من التدهور الأمني في البلاد، متهما الولايات المتحدة بأنها من صنعت تنظيم الدولة واتخذته حجة لعودة احتلال العراق".