العالم يزداد اشتعالا.. هذه أوجه الشبه بين جونسون وترامب

محمد سراج الدين | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بدأ رئيس وزراء بريطانيا الجديد بوريس جونسون، في الكشف عن سياسته المتعلقة بخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، إضافة لكيفية تعامله مع القضايا التي تحاصر حكومته، سواء فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، أو أزمة الناقلات في مياه الخليج العربي.

وكذلك تعامله مع دول المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية، التي تتعامل بحذر وقلق شديدين مع الرجل الذي يشبه ترامب في كل شيء، إلا رأيه في السعودية حتى الآن.

جونسون، بدأ رحلته في التعامل مع أزمة "بريكست" مبكرا بزيارة هامة، كان لها الكثير من القراءات سواء قبل القيام بها أو بعد انتهائها، وهي زيارته لإيرلندا، التي حملت العديد من الرسائل الداخلية والخارجية، إلا أن الرجل الذي تحاصره الكثير من الانتقادات، نتيجة آرائه ومواقفه السابقة، يبدو أنه يعرف حتى الآن أين يضع أقدامه جيدا.

الأسئلة التي صاحبت تكليف جونسون برئاسة بريطانيا، لا تزال تبحث عن إجابات، خاصة المتعلقة بنهجه في سياسته الخارجية، وهل سيسير على درب ترامب تجاه القضايا الإقليمية وخاصة المرتبطة بالشرق الأوسط؟ وهل يستطيع أن ينقذ نفسه من لعنة "بريكست" التي أصابت رئيس الوزراء السابقة تريزا ماي، ومن قبلها ديفيد كاميرون الذي فتح الباب أمام الرحيل من الاتحاد الأوروبي؟ وهل يمثّل الاعتذار الذي قدمه قبل أيام للمسلمين في بريطانيا تغييرا في سياساته وآرائه تجاه الإسلام، أم أن الوصول للمنصب كان يتطلب شيئا من السياسة وقتها؟

البداية "بريكست"

وفقا للخبراء، فإن زيارة جونسون لإيرلندا الشمالية، وإعلانه رفضه القاطع "لشبكة الأمان" المنصوص عليها في اتفاق "بريكسيت" الذي وقعته تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، رغم أنه يتناغم مع موقف أعضاء مجلس العموم البريطاني، والحزب الديمقراطي الوحدوي بإيرلندا، إلا أن الموقف لا يتناغم مع زعيمة حزب شين فين، التي ترفض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتطالب بإجراء استفتاء حول انفصال بلادها من المملكة المتحدة في حال "الخروج الفوضوي" من الاتحاد الأوروبي.

وبحسب التحليلات التي أعقبت زيارة جونسون الهامة، فإن الرجل بدا وكأنه حريص على ألا يضع بيضه كله في سلة حزب الأغلبية الحاكم بإيرلندا الشمالية، وهو ما يفسر حرصه علي الالتقاء في العاصمة بلفاست مع قادة الأحزاب السياسية الرئيسية، وتركيز الحديث حول "شبكة الأمان"، المتعلقة بالترتيبات الخاصة بالحدود الإيرلندية في مرحلة ما بعد بريكسيت، والمعروفة بالحدود الوهمية.

ورغم أن عددا من الأحزاب بإيرلندا يفضل البقاء في الاتحاد الأوروبي، لضمان المزيد من التواصل مع جمهورية إيرلندا، إلا أن جونسون كان واضحا بأنه بلاده سوف تغادر الاتحاد دون رجعة في موعد أقصاه 31 من أكتوبر / تشرين الأول المقبل، ولكنه في ظل التخوفات أعلن أن الخروج سيكون باتفاق، ولكنه لن يكون على شاكلة "بريكست".

وتشير تصريحات المتحدثة باسم جونسون، إلى أنه كان حريصا على تهدئة الأجواء مع الإيرلنديين، بتأكيد التزامه باتفاق الجمعة العظيمة، أو اتفاق بلفاست، وأن حكومته لن تضع حواجز أو بنية تحتية على الحدود تحت أي ظرف، ومهما كانت سيناريوهات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويرى المتابعون، أن تركيز جونسون في أول خطاب له بعد توليه منصبه، وتقديمه وعدا صريحا بالخروج من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يشير لعدم رغبة الرجل بالدخول في صدام مع أعضاء مجلس العموم، ومع باقي أعضاء حزبه الذين لم يصوتوا لصالح خطة ماي ثلاث مرات.

وبحسب المتابعين، فإن تصريحات جونسون ترسم ملامح تحركه المستقبلي تجاه "بريكست"، خاصة وأنه يتعامل معها بتفاؤل ملحوظ، وانتقاده للمتخوفين من الخروج دون اتفاق، وهو ما ترجمه بقوله "البريطانيون سئموا الانتظار" بعد نحو ثلاثة أعوام على استفتاء الخروج.

وتشير تصريحات جونسون إلى أنه كذلك يعوّل على اتفاق آخر غير "بريكست"، يضمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون التزامات مالية من جانب، وبما يحافظ على أمن الحدود المشتركة من جانب آخر، وإن كان الموضوع الاقتصادي هو همه الأول، حيث عبّر عن ذلك بقوله للصحفيين بعد تكليفه مباشرة وقبل الدخول لمقر الحكومة لاستلام مهام منصبه الجديد، قال لهم: "سنبرم اتفاقا جديدا. اتفاقا أفضل، قائما على التجارة الحرة .. أنا واثق أننا يمكن أن نتوصل إلى اتفاق".

ورغم هذا التفاؤل، فإن جونسون دعا البريطانيين للاحتمال البعيد وهو أن ترفض بروسكل التفاوض مجددا وتصر إما على "بريكست" أو الخروج من الاتحاد دون اتفاق.

وحدة المملكة

ووفق تحركات جونسون خلال الأيام الأولى لحكمه، فإن الرجل يبدو أنه مصمم على وحدة المملكة المتحدة، التي تضم بجانب انجلترا، كل من إيرلندا الشمالية، وأسكتلندا وويلز، وهو ما قرأه المتابعون من زيارات جونسون لكل من إيرلندا الشمالية، وتهدئة مخاوف سكانها فيما يتعلق بالحدود مع باقي دول الاتحاد الأوروبي، أو زيارته لأسكتلندا وحرصه على نزع فتيل الغضب المكبوت هناك بسبب رفضهم القاطع للخروج من الاتحاد، ودعوتهم هم أيضا الاستفتاء على الانفصال من المملكة المتحدة.

وحسب تحليل لوكالة "رويترز" عن الزيارة، فإن جونسون أراد من زيارة أسكتلندا الحفاظ على وحدة بريطانيا، والاتحاد من أجل مواجهة تحديات الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، وفي هذا الإطار رفع جونسون شعار: "معا نحن أكثر أمانا وأكثر قوّة وأكثر ازدهارا".

ورغم أن جونسون وجد له في إيرلندا الشمالية موضع قدم، إلا أن الأمر في أسكتلندا مختلف، حيث يواجه هناك الحزب القومي الأسكتلندي الحاكم، الذي تقوده رئيسة الوزراء الأسكتلنديّة نيكولا ستورجون، والتي ترى أنه لا مناص من الانفصال عن بريطانيا، واستمرار الانضمام للاتحاد الأوروبي.

إيران تنتظر

وفيما يتعلق بثاني الملفات الساخنة التي تنظر جونسون، وهو الملف الإيراني، فإنه رغم التصريحات الهادئة حتى الآن الصادرة عن جونسون بعد توليه رئاسة الحكومة، إلا أن الإعلام البريطاني والدولي، قدم سيناريوهات مختلفة حول هذه القضية.

ترى "بي. بي. سي" أن الرجل سوف يسير على درب صديقه وقدوته ترامب، باختيار الدبلوماسية كطريق أساسي في علاقته مع إيران سواء على صعيد التوتر الأخير في حرب الناقلات، أو فيما يتعلق بالاتفاق النووي الذي تم توقيعه قبل سنوات في سلطنة عُمان.

ويشير تحليل الإذاعة البريطانية، إلى أن جونسون لا يدعم المواجهة العنيفة مع إيران، وهو نفس خيار الرئيس الأمريكي ترامب، وقد أشار جونسون لذلك بوضوح أثناء مناظرة سياسية في إطار انتخابات رئاسة حزب المحافظين، عندما قال: "لمن يقول إن الدخول في حرب ضد إيران يمثل خيارا معقولا لنا في الغرب، أنا لا أصدق ذلك على الإطلاق، فالدبلوماسية لا بد أن تكون أفضل طريقة لإحراز تقدم".

 وأضاف قائلا: إذا سُئلت عما إذا كنت سأدعم إجراء عسكريا ضد إيران حال كوني رئيسا للوزراء، فسوف تكون الإجابة بـ "لا"، إلا أن هذا لم يمنعه بالتلميح لفرض لإعادة فرض العقوبات على إيران إذا استمرت في تخصيب اليورانيوم بمعدل يخالف الاتفاق النووي. 

وبحسب صحيفة "التايمز"، فإن وزير الخارجية البريطاني الجديد دومينيك راب كان أكثر توضيحا لموقف لندن من طهران، عندما أجاب على سؤال للصحيفة فيما يتعلق بالموقف البريطاني من إيران وهل سيكون متوافقا مع موقف الاتحاد الأوروبي، فرد قائلا: "بروكسل ليست الوحيدة صاحبة القرار".

وذهبت الصحيفة إلى أن جونسون، سيتعامل مع هذا الملف بشكل أكثر قربا مع الولايات المتحدة، ولكنه سوف يقيّم بحرص كيفية التعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن الدفاع والأمن.

تخوف أوروبي

تحليلات أخرى تناولتها الصحافة الغربية، تشير لوجود ما يمكن أن نسميه ترقبا لدى باقي أضلاع المثلث الأوروبي الفاعل، والذي يضم بجانب بريطانيا، كلا من فرنسا وألمانيا، حيث ظل هذا التحالف الثلاثي يسير وفق تفاهم بين الدول الثلاث في القضايا الدولية والإقليمية، باستثناء الفترة التي تولى فيها توني بلير مسؤولية الحكومة، وكان على تناغم كبير مع الإدارة الأمريكية.

واختلفت التحليلات التي قدمت قراءات مستقبلية حول مدى فاعلية جونسون مع باقي أضلاع المثلث الأوروبي، حيث يرى البعض أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ربما يعيد تجربة بلير، ولكن بشكل أكثر تهورا وقربا مع الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يعتبره جونسون مثلا أعلى له، ما يثير القلق تجاه مواقف بريطانيا المستقبلية مع قضايا هامة مثل العلاقات مع السعودية وتحديدا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي لا تزال أصابع الاتهام تشير إليه في عملية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويضاف للملفات السابقة علاقة أوروبا مع تركيا، في ظل آراء جونسون الصادمة تجاه البلد الذي تعود أصوله إليها، وأخيرا علاقة بلاده مع روسيا التي تمثل صداعا للاتحاد الأوروبي في كثير من الملفات، بالإضافة لملفات أخري متعلقة بالصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والربيع العربي، والأحداث في اليمن وسوريا وليبيا والسودان، والموقف من النظام العسكري بمصر.

ووفق الرأي السابق، فإن أوروبا تنظر لجونسون باعتباره النسخة البريطانية لترامب، أو كما وصفته الصحفية الألمانية المتخصصة بالشؤون الأوروبية، باربرا فيزل، في مقال لها على موقع "دويتش فيله" الألماني، بأنه متقلب وليس دبلوماسيا ولا خبيرا بالشأن الشرق أوسطي، ويمكن في أي لحظة أن يتخذ قرارا بترك برلين وباريس والذهاب إلى ترامب، كما أنه يمكن أن يتعرض للابتزاز من جانب واشنطن، لأنه يسعى وبشكل عاجل وراء اتفاقية تجارية معها.

ويتوقع البعض، ألا تكون مواقف جونسون بنفس قوة مواقف لندن السابقة في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، والتي كان آخرها تصريحات ماي قبل شهر من رحيلها، بأن بلادها تريد محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، وأن حكومتها تتوقع من السعودية "أن تقوم بالإجراءات الضرورية لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات للقوانين الدولية والوطنية".

ترتيب الأولويات

ورغم التخوفات المشروعة من تناغم جونسون في مواقفه تجاه السعودية مع مواقف ترامب، إلا أن هناك من يرى أن الرجل لن يغامر بأن يغرد منفردا وبعيدا عن السرب الأوروبي، حتى لا يتورط في ملفات خارجية، هو في غنى عنها، باعتبار أن شغله وهمه الأول سيكون منصبا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وامتصاص الصدمات الداخلية نتيجة هذا الخروج الذي تشير كل المعطيات إلى أنه سيكون بدون اتفاق بين الجانبين.

وبحسب الرأي السابق، فإن جونسون لن يشذ عن مواقف كل من باريس وبرلين، وهو ما تدعمه آراء سابقة لجونسون حول السعودية عندما كان وزيرا للخارجية حيث اتهم الرياض وطهران بأنهما يقودان حربا بالوكالة، مرجحا أن هاتين الدولتين تفتقران إلى القيادة القوية بما فيه الكفاية، وعلى حد وصفه: "هناك سياسيون يتبعون أساليب ملتوية ويسيئون استغلال الدين، وطوائف أخرى من نفس الدين لتحقيق أهدافهم السياسية".