الوساطة علنا والتسليح سرا.. تعرّف على مواقف فرنسا المتناقضة في ليبيا

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يبق التدخّل الفرنسي في ليبيا ودعمها للواء المتقاعد خليفة حفتر مسألة طي الكتمان، بعد المواقف السياسية الداعمة والمساندة لخيارات الحاكم الفعلي للشرق الليبي، ومغامراته العسكرية في الجنوب وحملته الأخيرة على طرابلس التي لم تحقق شيئا من نتائجها إلى اليوم.

وزارة الجيوش الفرنسية اعترفت في 10 يوليو/تموز 2019 بأن صواريخ "جافلين" الأمريكية الصنع، التي عثرت عليها قوات موالية لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا في قاعدة غريان على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب غربي طرابلس، بعد انسحاب ميليشيات حفتر منها "تعود في الواقع إلى الجيش الفرنسي الذي اشتراها من الولايات المتحدة".

على ضوء ذلك تقدّم النائب باستيان لاشود، ومعه مجموع النواب البرلمانيين، في فريق  "فرنسا غير الخاضعة" بمشروع قرار إلى لجنة الشؤون الخارجية، لتعذّر تشكيل لجنة خاصة يهدف إلى تشكيل لجنة تحقيق بخصوص حضور وعمل فرنسا في ليبيا.

هذه المعطيات الجديدة في علاقة فرنسا في ليبيا يراها البعض مدخلا لأن تعيد فرنسا حساباتها هناك، خصوصاً بعد فشل الحملة العسكرية لحفتر على طرابلس، إلى جانب تصاعد الانتقادات عقب كشف الأسلحة الفرنسية في مدينة غريان، ما وضعها موضع شبهات وتساؤلات حول دورها في هذه المعركة.

مساءلة برلمانية

إثر الاعتراف الفرنسي بأنّ الأسلحة التي وجدت في مدينة غريان فرنسية سبق اقتناؤها من الولايات المتحدة، دعا وزير الخارجية في حكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة، نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، إلى "توضيح الآلية التي وصلت بها الأسلحة الفرنسية التي عثر عليها في غريان، إلى قوات حفتر، ومتى تم شحنها؟ وكيف سلمت؟".

كما طالب بـ"معرفة حجم هذه الأسلحة التي يتنافى وجودها مع ما تصرح به الحكومة الفرنسية في المحافل الدولية واللقاءات الثنائية بدعم حكومة الوفاق الوطني باعتبارها الحكومة المعترف بها دوليا".

ومن أجل معرفة حقيقة طبيعة عمل فرنسا في ليبيا خلال هجوم حفتر المستمر منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، تقدّم النائب باستيان لاشود عن كتلة "فرنسا غير الخاضعة"، بمشروع قرار يهدف إلى تشكيل لجنة تحقيق بخصوص حضور وعمل فرنسا في ليبيا.

وفي رسالة طويلة عرض نواب "فرنسا غير الخاضعة" في مجلس النواب الأسباب التي دفعتهم إلى هذا الطلب.

جاء في الرسالة التي تم عرضها أمام مجلس النواب الفرنسي أن "الموقف الفرنسي مطبوعٌ بمحاباة السيد حفتر. وفي عديد من المرات أظهر الإيليزيه والخارجية قناعتهما بأن حلا للأزمة يمر عبر محادثات تضم حفتر".

وتتابع: "إلا أن فرنسا عارَضت، بشكل علني، اللجوء إلى العنف، خاصة منذ الهجوم الذي أطلقه حفتر في 4 أبريل/نيسان، وهو موقف عزز الإجماع الدولي".

وقال النواب في الرسالة: "إلاّ أنه منذ عدة أشهر تحوم شكوكٌ حول حقيقة نوايا وعمل الحكومة في ليبيا، وكثير من المراقبين يرتابون في عمل سرّي لصالح السيد حفتر، في تناقض مع التصريحات العمومية من طرف ممثلي فرنسا".

مغالطات كبيرة

وأضافت الرسالة أن حقيقة عمل فرنسا تظلّ غير شفافة: "وهكذا في 14 أبريل/نيسان 2019، تم اعتراض موكب فرنسي ينقل ترسانة هامة، على الحدود الليبية التونسية. وحسب الحكومة الفرنسية، فإن هذا الموكب وهذه الأسلحة مصدرها السفارة الفرنسية في طرابلس، حيث لا تسمح الوضعية المتردية بالحفاظ عليه".

وترى الرسالة أن تبرير السلطات الفرنسية "هو في أقصى الغموض. ففي نظرها (أي السلطات الفرنسية) أن هذه الصواريخ استخدمت في حماية وحدة في أجهزة الاستخبارات وهي الآن خارج الاستخدام".

ثم تتساءل: "هذه الصواريخ المضادة للدبابات هل هي مُناسِبةٌ حقيقةً لحماية عناصر استخبارات؟ وفي هذه الحالة لماذا لم تمتلك القوات الفرنسية صواريخ متوسطة المدى تم نشرها من قبل القوات البرية سنة 2018، ومشهورة بأنها أحسن فعالية من صواريخ جافلين؟ ولماذا تم تكديس هذه الصواريخ التي يُزعم أنها خارج الخدمة إلى جانب أسلحة عملياتية، في معسكر تابع لقوات حفتر؟".

ثم تكشف الرسالة أن "العمل السري لفرنسا في ليبيا هو سرّ يعلمه الجميع، ففي 20 يوليو/تموز 2016، كشف حادثٌ تعرضت له طائرة هليكوبتر، وتسبب في مقتل 3 عملاء، عن حضور الاستخبارات الفرنسية في ليبيا".

ثم تُذكّر الرسالة بأن العمل العسكري الفرنسي في ليبيا، الذي أطلقه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، هو "أحد أسباب الزعزعة المستدامة والواسعة جدا في كل منطقة الساحل والصحراء، بسبب انتشار السلاح في كل شبه القارة، كما أن "الحرب في مالي التي انخرطت فيها فرنسا ناتجةٌ جزئيا، عن هذا الاستخدام الطائش للقوة".

خطاب مزدوج

بعد دعوتها إلى وقف القتال والتصعيد العسكري في طرابلس ضمن مجموعة "3+3 حول ليبيا" مؤكدة أن الحل العسكري غير ممكن ما يلزم جميع الأطراف العودة إلى المسار السياسي في بيان للدول الست والتي من بينها فرنسا، انطلق هجوم حفتر على العاصمة في 4 أبريل /نيسان 2019 في محاولة لإسقاط حكومة الوفاق.

مجموعة 3+3 أو مجموعة الدول الست حول ليبيا والتي تضم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات ومصر، أصدرت بيانا مع انطلاق العملية العسكرية على طرابلس، داعيا للتهدئة في ليبيا ووقف إطلاق النار والعودة لطاولة المفاوضات.

هذه المواقف التي  سبقت الهجوم وما كشف علنا خلال المعارك، أثبت لدى المتابعين للصراع في ليبيا ازدواجية في الخطاب لدى الحكومة الفرنسية، فحتى محاولة إظهار نفسها داعية للسلام فبحسب متابعين ما هي إلا مناورة سياسية منها تخفي بها مساعيها للانقلاب على المجلس الرئاسي في طرابلس، وأن رهانها كان ومازال متواصلا على شخص حفتر.

خلال اجتماع بمجلس الأمن حول ليبيا تحدّث الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير في إحاطته عن انتهاكات حظر الأسلحة في ليبيا قائلا: إنها "تدفع لتصعيد القتال ويجب أن تتوقف فورا"، متناسيا دور بلاده في دعم عدوان حفتر على العاصمة.

دي رفيير، دعا إلى قبول الهدنة الإنسانية غير المشروطة خلال عيد الأضحى التي قد تفتح الطريق أمام وقف إطلاق النار، وأكد الحاجة الملحة لاستئناف الحوار قائلا: إن "مخرجات أبوظبي لا تزال صالحة ويجب أن تتماشى مع الإصلاحات الاقتصادية والمالية".

لقاء تونس

على هامش مشاركتهما في جنازة الرئيس  التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، التقى رئيس حكومة الوفاق فايز السراج بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالعاصمة التونسية يوم 27 يوليو/تموز الماضي.

تناول اللقاء مستجدات الأوضاع في ليبيا وتداعيات الاعتداء على العاصمة طرابلس، إلى جانب عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، من بينها الهجرة غير الشرعية.

وشدد السراج خلال اللقاء على أن قوات حكومة الوفاق الوطني تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس والحفاظ على مدنية الدولة.

من جانبه، جدد ماكرون رفضه الكامل لمهاجمة العاصمة وتهديد حياة المدنيين، لافتا إلى ضرورة وقف القتال والعودة إلى المسار السياسي.

وجاء في بيان للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أن السراج أكد من جانبه على الثوابت الوطنية الليبية، كما قال إن الحديث عن وقف القتال يجب أن يوجه للمعتدي، وإن قوات حكومة الوفاق تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس وعن مدنية الدولة.

وفي هذا الإطار أكّد الإعلامي الليبي والمحلل سياسي ياسين الخطاب أنّ "باريس خسرت دورا مهما في ليبيا وهو دور الوساطة بعد أن كان مرحّبا بها من الطرفين من حكومة الوفاق ومن حفتر، لكن اليوم باتت طرفا في الصراع خصوصا بعد العثورعلى الأسلحة في غريان".

وأضاف خطاب لـ"الاستقلال": "اليوم فرنسا تحاول أن تعيد تحركاتها الدبلوماسية على حساب عملها العسكري على الأرض في ليبيا، خاصّة وأنها تورطت، والموضوع اليوم انتقل إلى الرأي العام الفرنسي عبر لجنة التحقيق البرلمانية وهو ما سيسلط ضغوطا على حكومة ماكرون، وسيقطع الطريق أمام أي وساطة فرنسية في الشأن الليبي مستقبلا".