ذكرى فك الارتباط.. هل تخلى الأردن عن المسجد الأقصى؟

عبدالرحمن سليم | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحل اليوم الذكرى الـ31 لقرار العاهل الأردني الراحل الملك الحسين بن طلال، عام 1988، فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، منهيا بذلك "وحدة أردنية فلسطينية" استمرت منذ عام 1949، أي بعد "مؤتمر أريحا" عقب إعلان قيام "دولة إسرائيل".

تمت الوحدة رسميا عام 1950، وأصبح الفلسطينيون مواطنين أردنيين لهم ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات، خلال ظروف معقدة بين دولة قائمة وهي الأردن وشعب فلسطيني يبحث عن الاستقلال من المستعمر البريطاني من جهة، ويخوض حرب وجود مع عصابات صهيون من جهة أخرى.

ذلك الواقع كان يعني أن الشعب الفلسطيني لم يجمع على الوحدة مع المملكة الأردنية الهاشمية، إذ كانت تنقصه السيادة على أرضه إضافة إلى الاستقلال من المستعمر والتمثيل الحقيقي لتقرير مصيره، وبالتالي فإن الوحدة تعتبر قائمة دون سند قوي يدعم بقاءها لأكثر مما بقيت لمدة تقرب من 39 عاما.

ألحت منظمة التحرير الفلسطينية بطلبات كثيرة على إنهاء الوحدة رسميا، وحيث إنها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات، مما أدى إلى قبول الملك حسين بن طلال وإعلانه فك الارتباط بشكل رسمي.

نضال مشترك

بدأ النضال الفلسطيني في مطلع عشرينات القرن الماضي، مصحوبا بتفاعل أردني شعبي مع القضية منذ إرهاصاتها الأولى، ويعتبره مؤرخون الدور الأبرز عربيا منذ فرض الانتداب على الأردن وفلسطين، إذ وعى الأردنيون أبعاد المؤامرة على فلسطين فرفضوها جملة تفصيلا، وعقد زعماء شمالي الأردن مؤتمرا في بلدة "قم" في 6 إبريل / نيسان 1920 معلنين رفض وعد بلفور والوقوف إلى جانب الشقيق الفلسطيني، وجمع المال والسلاح والتنسيق مع الحركة النضالية الفلسطينية.

ترتب على ذلك المؤتمر هجوم عدد من "المجاهدين الأردنيين" بقيادة الشيخ كايد المفلح العبيدات، على المستعمرات في سمخ وبيسان في 20 إبريل / نيسان من العام نفسه إلا أن بريطانيا قصفتهم بالطائرات فاستشهد العديد منهم وعلى رأسهم الشيخ كايد الذي يعتبر أول شهيد أردني على أرض فلسطين.

وفي 8 مايو / أيار 1920 قام شيوخ وسط الأردن وجنوبه بالإبراق إلى الحاكم العسكري في فلسطين معلنين تأييدهم للشعب الفلسطيني والعزم على مشاركته في مقاومة الغزو الصهيوني، وخرجوا بمظاهرات وأعلنوا الإضرابات، وجمع التبرعات وأوصلوا الأسلحة والمتطوعين.

وعندما أعلن الفلسطينيون ثورتهم الكبرى عام 1936 بإضرابهم الطويل، أضربت المدن الأردنية، وعمّتها المظاهرات، وتم تفجير أنابيب نفط العراق، وانضم العديد من الأردنيين للنضال داخل الأرض المقدسة، وصار الأردن المعبر الوحيد للثوار العراقيين والسوريين بقيادة فوزي القاوقجي.

وفي حرب فلسطين عام 1948، شارك الجيش الأردني إلى جانب الجيوش العربية، رغم شح الموارد وضعف القدرات المالية والعسكرية، وترتب على الحرب فقدان الجيوش العربية لجميع الأراضي التي دخلتها في 15 مايو / أيار 1948 باستثناء الجيش الأردني الذي حافظ على الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية.

جهود الوحدة

بعد الخروج من الحرب جرت انتخابات في الضفتين الشرقية والغربية في 11 إبريل / نيسان 1950 فاز بها 20 نائبا من كل ضفة وعقد مجلس الأمة الممثل للضفتين ووافق بالإجماع على قرار الوحدة بين الضفتين على أساس الحكم النيابي، لكن تلك الوحدة قوبلت برفض عربي، ووصل الأمر إلى محاولة طرد الأردن من الجامعة العربية جراء محاولتها توحيد الضفتين.

أصدر مجلس جامعة الأمم العربية في 12 يونيو / حزيران 1950 قرارا ينص على تحفظه قرار الوحدة، واعتبرت أن ضم المملكة الأردنية الهاشمية، الجزء الفلسطيني إليها، إجراء اقتضته الضرورات العملية، وأنها تحتفظ بهذا الجزء وديعة تحت يدها على أن يكون تابعا للتسوية النهائية لقضية فلسطين عند تحرير أجزائها الأخرى بكيانها الذي كانت عليه قبل العدوان.

تلك الوديعة التي فقدتها الأردن بعد هزيمة يونيو / حزيران 1967، فشرع الملك حسين عبر جهود دبلوماسية، في محاولة استرداد "الأمانة" التي تحملها الأردن، فذهب إلى القاهرة ثم إلى واشنطن لعرض إتمام صفقة سلام ثنائية مع الاحتلال الإسرائيلي، من أجل استعادة الضفة الغربية والقدس.

لكن محاولاته تلك أخفقت بعد اصطدامها بأجندة حكومة ليفي أشكول، التي تصر على الاحتفاظ بالقدس ومناطق واسعة تحت السيادة الإسرائيلية، مما جعل تكرار المحاولة أمرا صعبا، خصوصا في ظل صعود الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تلاها من اعترافات عربية ودولية بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني.

سعى الملك حسين إلى إعادة ترتيب العلاقة الأردنية الفلسطينية بعد خلافات عميقة، فأعلن في العام 1972 عن مشروع "المملكة العربية المتحدة"، المكونة من قطرين فلسطيني وأردني، عارضا لأول مرة، صيغة للعلاقة الفيدرالية بين الأردن وفلسطين، لكن لم يكتب لذلك المشروع أن يخرج للنور.

الوصاية على الأقصى

بدأت الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى منذ "بيعة الشريف" عام 1924، وتنقلت في سنوات لاحقة لقيادات محلية فلسطينية، لكن بعد حرب 1948 وعندما أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تابعة للحكم الأردني، عادت الوصاية على الأقصى، وبعد عام واحد أعادت الإدارة المدنية نظام الحكم المدني إلى الضفة الغربية.

احتلال شرقي القدس عام 1967 لم يمنح الكيان الصهيوني أي حقوق ملكية، نظراً لوجود نص مؤسس في القانون الدولي ينص على أن الاحتلال لا يستطيع من حقوق للملكية، ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 كما ورد في قرار مجلس الأمن 242، وبناء عليه تم نقل الوصاية على الحرم القدسي الشريف إلى الأردن مجددا.

تشرف وزارة الأوقاف الأردنية على غالبية موظفي المسجد الأقصى ومرافقه، والتي تضم الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع مساجده وساحاته، وذك بالتعاون مع وزارة الأوقاف الفلسطينية، كل ذلك يتم باعتراف من دولة الاحتلال الإسرائيلي التي وقّعت معاهدة مع الأردن في عام 1994، تنص على إشرافه على المقدسات الإسلامية في القدس، كما أنه يلزمها إعلان واشنطن على تعهد إسرائيل باحترام الدور الأردني، إضافة إلى تأكيد اتفاقية "وادي عربة" على الوصاية الأردنية.

استمرت تلك الوصاية الأردنية على الأقصى حتى بعد حصول العاهل الأردني عبدالله الثاني على هذا الحق باتفاقية مكتوبة، أعطاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الملك في نهاية مارس / آذار عام 2014، وقالت مصادر فلسطينية إن ملك الأردن هو من طلب ذلك بعد حصول فلسطين على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية، من أجل تشكيل غطاء قانوني للطرفين، ليتمكنا من التحرك معا لحماية القدس عبر المؤسسات الدولية، حسب قولها.

فك الارتباط

يرى محللون، أن قرار الوحدة كان خاطئاً في توقيته لسببين: أنه أخرج فلسطين التاريخية من دائرة الصراع مع إسرائيل وقسّم الشعب الفلسطيني إلى إسرائيليين (عرب 48) وأردنيين، كذلك ربط مصير الدولة الأردنية القائمة بالضفة الغربية في زمن عزلة الأردن من قبل العرب بسبب رفضهم لقرار الوحدة من الأساس واعتباره احتلالا أردنيا لأراضي عربية.

يضاف إلى ذلك، محاولة الاحتلال الإسرائيلي طرح مشاريع "الوطن البديل" وكون الخيار الأردني أفضل من التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، مما دفع بالملك حسين إلى حسم الموقف وإعلانه فك الارتباط الإداري والقانوني بالضفة الغربية في 31 يوليو / تموز عام 1988، الأمر الذي يعتبره الجانب الأردني تنفيذا واقعيا لقرارات جامعة الدول العربية، وتثبيتا لمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية في حل القضية.

علل الجانب الأردني قرار فك الارتباط، بإدراك الملك حسين عدم تسليم الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس لمنظمة التحرير في ظل ارتباطه بهما، خصوصا في ظل الحاجة لوجود طرف فلسطيني يوفر الغطاء والشرعية لتسويات قد لا تنتهي أساسا إلى عودة كامل الأراضي المحتلة، والقدس بمقدساتها، إلا ضمن ترتيبات وتنازلات، لا يريد أن يتحمل وحدة المسؤولية عنها.